[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الحروب الصليبية
1ـ الحملة الصليبية الأولى: 1095م ـ1099م
بعد خطاب البابا تجمع جحافل الأوروبيين الطامعين في مغفرة الذنوب ونيل الامتيازات التي عرضها عليهم البابا ( الإعفاء من الضرائب والديون والفوائد )، إضافة إلى العفو عن المحكومين بالسجن مقابل المشاركة في هذه الحملات. كما شاعت فكرة تعرض الحجاج المسيحيين للاضطهاد في بيت المقدس.
بدأت الحملة الأولى قبل الوقت المحدد لها عندما بدأت جحافل من الفلاحين المتحمسين بقيادة بطرس الناسك وولتر المفلس، وجحفل آخر من منطقة الراين بقيادة امكو الليزنجي، وآخرون من ألمانيا بقيادة جتسشوك . وقد عاثت هذه الجحافل فسادا عبر المناطق التي مرت منها خاصة اليهودية منها، لكن هذه الجحافل تعرضت للإبادة على يد السلاجقة في نيقية.
أما الحملة المنظمة فقد قادها ملوك أوروبا أنفسهم إضافة إلى أمراء المدن الأوروبية ( فيلب الأول ملك الإفرنج، وليام الثاني ملك انجلترا، وهنري الرابع ملك ألمانيا)، واتجهت الحملة عبر القسطنطينية من طرق مختلفة، ثم حاصروا نيقية بعد عبورهم بحر مرمره واستولوا عليها بعد استسلامها في 19 يونيو 1097م، ثم زحفوا على أنطاكية التي حوصرت لمدة ثمانية أشهر، وسقطت هي الأخرى في يد الصليبين قبل وصول جيش ملك الموصل لإغاثتها.
بعد سقوط أنطاكية وضع الصليبيون القدس نصب أعينهم وتقدموا جنوبا حيث سيطروا على طرابلس بعد استسلامها، ثم سقطت بيروت وصيدا فصور ثم صيدا وصولا الى عكا التي استسلمت للصليبين. وفي السابع من يوليو وصل الصليبيون أمام بيت المقدس وعسكروا فيها، وكانت بيت المقدس في يد الفاطميين الذين لم يستطيعوا الصمود أكثر من شهر ونصف فسقطت القدس في يد الصليبيين.
معركة الرملة الأولى: في غشت 1099م دارت معركة قرب عسقلان مع الوزير الفاطمي الأفضل، انهزم فيها الفاطميون شر هزيمة. في عام 1100م سقطت حيفا، وفي سنة 1101م سقطت أرسوف وقيسارية. بعد وصول أنباء سقوط أرسوف جهز الفاطميون جيشا تحت قيادة الوزير الأفضل في 4غشت 1101م، وفي طريقه إلى الرملة هاجم ملك القدس بلدوين القوات الفاطمية وانتهت المعركة بهزيمة الفاطميين.
معركة الرملة الثانية 1102م: خرج الجيش الفاطمي للقتال وتحرك نحو الرملة بشكل فاجأ الصليبين وتمكن المصريون من هزم بلدوين وفر هذا الأخير لإعادة تنظيم قواته.
معركة الرملة الثالثة1105م : في 27 غشت 1105م حدثت معركة شرسة شارك فيها لأول مرة الشاميون إلى جانب الفاطميين، لكن الجيوش الإسلامية تعرضت لهزيمة نكراء أمام الصليبين، وبذلك انتهت آمال استعادة بيت المقدس.
نتج عن الحملة الصليبية الأولى ظهور مجموعة من الدويلات أو الأمارات الصليبية على الساحل الغربي للشام وآسيا الصغرى، من أنطاكية حتى القدس وغيرها.
2ـ الحملة الثانية: بدأت عام 1047م:
استغل الأمير عماد الدين زنكي الصراعات بين الإمارات الصليبية، خاصة بين أميري الرها وأنطاكية اللذين كانا يتوليان مسؤولية حماية الإمارات الصليبية من الشمال، مستفيدا أيضا من وفاة الإمبراطور البيزنطي يزحنا الثاني،كما استغل زنكي انشغال الإمبراطور مانويل الأول بأمور الحكم وصراعه مع أمير أنطاكية الذي تمرد على البيزنطيين. لهذه العوامل خطط عماد الدين زنكي لضرب الأمارات الصليبية في الشام، وهكذا وضع نصب أعينه إمارة الرها مستفيدا من دعم السلطان مسعود السلجوقي فحاصر المدينة واستولى عليها في 25 دجنبر 1144م .
وبعدما لمس المسلمون ضعف الإمارات الصليبية بدأت محاولاتهم لاستعادة أراضيهم، وفي ظل هذه الظروف حاول الصليبيون استعادة الرها مستغلين فرصة مقتل عماد الدين زنكي، فهاجموا الرها، لكن بلوغ هذا الخبر إلى نور الدين زنكي خليفة عماد زنكي في حلب دفع به إلى مهاجمة الصليبين في الرها والقضاء عليهم ، وانتقم نور الدين لوالده واستعاد الرها.
وفي ديسمبر 1145م وجه البابا بيوجين الثالث رسالة إلى ملك الإفرنج لويس السابع، ذكر فيها سقوط الرها في يد المسلمين مبديا رغبته في القيام بحملة صليبية أخرى إلى المشرق الإسلامي. وعندما تلقى لويس السابع رسالة البابا، أعلن في 25 دجنبر 1145م عزمه على القيام بحملة صليبية نحو الأراضي المقدسة ودعا كل من روجر ملك صقيلية، و إمبراطور بيزنطة مانويل الثاني وكونراد ملك الجرمان للمشاركة في الحملة.
انطلقت الحملة عبر القسطنطينية وتعرضت المدينة للسلب والنهب من قبل الألمان مما اضطر بيزنطة إلى وقف الحرب مع السلاجقة. وأدى غرور الألمان بإمكانية تحقيق النصر على المسلمين لوحدهم دون باقي الجيوش الصليبية، أدى بأميرهم كونراد إلى الإسراع في اتجاه الشام، لكن قواته تعرضت لهزيمة شنعاء أمام السلاجقة فأبيد تسعة أعشار جيش الصليبين الألمان وفر القائد كونراد هاربا نحو الإمارات الصليبية بعدما أصيب بجراح.
أما الحملة الفرنسية فقد خرجت متأخرة بحوالي شهر عن الألمان، واتجهت نحو الشرق مرورا ببيزنطة آخذين في الحسبان ما حدث للألمان. وأثناء وصول الإفرنج إلى الشام تعرضوا لهجمات قاسية من قبل السلاجقة مما اضطرهم الى الانكفاء والذهاب إلى أنضاليا للتزود بالمؤن في 20يناير 1148م.
وعلى اثر هذه الهجمات حاول الفرنسيون أخذ الطريق البحرية بدل البر، لكن جزءا من الصليبين لم يجدوا السفن الكافية لنقلهم مما اضطرهم لإكمال المسير برا. استغل السلاجقة هذا الوضع فهاجموا الصليبين السائرين برا وتمكنوا من إبادة نصفهم.
عند وصول لويس السابع إلى المشرق وجد الأمراء الصليبيين في حالة انقسام وتطاحن، وهو ما حدا به إلى محاولة توحيد الصف الصليبي وعقد اجتماعات مع الأمراء الصليبيين انتهت بالاتفاق على مهاجمة دمشق.
في عام 1148م تجمعت الجيوش الصليبية في طبرية وهاجمت دمشق. لكن استماتة الأهالي ووصول الدعم من خارج دمشق دفع الصليبين إلى التراجع. وقد صاحب هذا التراجع خلافات حادة حول مستقبل دمشق في حال الاستيلاء عليها. وبموازاة ذلك وصلت الجيوش الإسلامية الموحدة من الشمال وطاردت الصليبين حتى تم دحرهم وانسحابهم إلى القدس.
وهكذا فشلت الحملة الصليبية الثانية فشلا ذريعا تذوق الصليبيون من خلالها مرارة الهزيمة، وتكبدوا من جرائها خسائر فادحة قدرت بعشرات الآلاف من الصليبيين.
3 _ الحملة الثالثة: بدأت منذ 1987م :
شكل تعيين الخليفة الفاطمي" العاضد " ليوسف صلاح الدين وزيرا، خلفا لعمه تورانشاه، وشكل بذلك بداية بروز شخصية صلاح الدين الايوبي .
وقد عمل هذا الاخير على الغاء العداء بين الفاطميين والعباسيين . وفي سنة 1171م توفي الخليفة العاضد، وبذلك تعرضت الخلافة الفاطمية للاضمحلال مما فسح المجال أمام صلاح الدين لتولي قيادة مصر، وأخذ بتوسيع دائرة حكمه الى حدود البحر الأحمر. كما أ، صلاح الدين لم تكن تسره حالة العالم الاسلامي فعمل على توحيد العالم الاسلامي، فاستطاع توحيد الشام ومصر سنة 1186م ووقع هدنة مع الامارات الصليبية
وفي نفس السنة خرق ملك الكرك الهدنة و اعتدى على سفينة تابعة لصلاح الدين، مما دفع بهذا الأخير الى التحرك للانتقام من أرناط ملك الكرك، فشكلت هذه الحادثة شرارة حروب صلاح الدين على الامارات الصليبية التي استمرت لسنوات دارت خلالها معارك طاحنة بين الطرفين كان من أشهرها معركة حطين سنة 1187م.
_ معركة حطين: في يوليوز 1187م عزم صلاح الدين على الانتقام من ملك الأرك "أرناط " ومهاجمة بيت المقدس فخرج من دمشق وجعل رأس الماء مركز تجميع القوات الإسلامية، ثم توجه الى القرب من بحيرة طبرية. وبالمقابل حشد الصليبيون جموعهم وتوجهوا إلى طبرية. فدارت معركة طاحنة بين الطرفين في حطين، انتهت بهزيمة نكراء للصليبيين وتم أسر ملكي بيت المقدس والأرك " أرناط " الذي قام صلاح الذين بقتله فيما بعد.
_ استسلام بيت المقدس في أكتوبر 1187م: بعد انتصاره في معركة حطين توجه صلاح الدين الى عكا ودخلها، هذا فيما اتجه الصليبيون نحو صور وتجمعوا فيها،لكن صلاح الدين قام باحتلال مختلف الحصون المحيطة ببيت المقدس ثم حاصرها لمدة أسبوع، مما اضطر بيت المقدس الى الاستسلام. بعد استسلام الصليبيين في بيت المقدس سمح لهم صلاح الدين بالخروج منها بسلام مقابل لافدية ( 10 دينار للرجل/ 5 دينار للمرأة/ 2 للطفل) وأعطاهم مهلة 40 يوما لتدبر مسألة الفدية. هكذا خرج الصليبيون متعهدين بعدم العودة الى الحرب وتجمع بقايا الصليبيين في صور.
_ حصار عكا والحملة الصليبية الثالثة: ما ان اجتمعت فلول الصليبيين بمدينة صور حتى أغوتهم كثرتهم على نقض عهدهم لصلاح الدين. ففي سنة 1189م هاجم الصليبيون عكا فحاصروها حصارا كبيرا دام لسنتين، وقام خلالها صلاح الدين بمحغاصرة الصليبيين.
وبينما كان الصليبيون يحاصرون عكا كان ملوك أوروبا يستعدون لحماة صليبية ثالثة على الشرق الاسلامي، وعلى رأسهم امبراطور ألمانيا فريديريك بربروس وملك فرنسا فيليب أوغوسطس وملك انجلترا رتشارد قلب الأسد.
• الحملة الألمانية: اتجهت عبر المجر نحو بيزنطة ثم عبروا الى آسيا الصغرى وصولا إلى أرمينيا حيث غرق قائد الحملة الملك بربروس بنهر سالف. ثم تشتت جيشه وتابع جزء صغير السير نحو الامارات الصليبية بقيادة نجل الامبراطور بربروس " فريديريك داسوب " الذي مات أثناء الطريق .
• الحملتان الفرنسية والبريطانية: تجمع الجيشان في صقيلية بدعوة من ملكها روجر الثاني، لكن الطرفين لم يكونا على وفاق فغادرها الفرنسيون في مارس من سنة 1191م، بينما غادرها الانجليز بعدهم بعشرة أيام.
وصل الفرنسيون إلى عكا، فيما اضطرت عاصفة الانجليز إلى محاربة البيزنطيين على جزيرة قبرص للمكوث فيها لمدة قصيرة ثم أبحر نحو عكا.
وبمجيء الملك قلب الأسد وجيوشه قويت شوكة الصليبيين فقاموا بالهجوم علة عكا وسيطروا عليها بعد استسلامها. وبما أن قادة الصليبيين لم يكونوا على وفاق فان الفرنسيين بادروا بالرحيل نحو بلادهم بينما حاول قلب الأسد استعادة بيت المقدس، فوقعت بينه وبين صلاح الدين معارك وصدامات كبيرة لعل أشهرها معركة أرسوف في شتنبر 1191م، والتي انتصر فيها الصليبيون. وهكذا فقد استمرت الأمور على هذا النحو تتراوح بين كر وفر إلى أن جاء صلح الرملة في شتنبر 1192م، الذي نص على استقرار الصليبيين على الساحل الغربي من صور إلى حيفا، والسماح للنصارى بزيارة بيت المقدس دون ضرائب، وأن تكون هناك هدنة لمدة 3 سنوات وثمانية أشهر. بعد صلح الرملة اتجه صلاح الدين إلى دمشق ووافته المنية فيها في 4 مارس 1193م.
هكذا انتهت الصليبية الثالثة باسترجاع بيت المقدس والأراضي المحصورة بين نهر العاصي والأردن ما عدا الأجزاء الساحلية الضيقة.
4 _ الحملة الرابعة: سقوط القسطنطينية وإنشاء سلطنة لاتينية فيها :
كما كان سائدا فان المسيحيين الأوروبيين والكنيسة الغربية بروما كانت تحتقر الكنيسة الشرقية بالقسطنطينية، على اعتبار أنهم كانوا رعايا الإمبراطورية الرومانية العظمى. ولذلك كان هؤلاء يعتقدون أن أنهم لا يستطيعون مواجهة المسلمين إلا بإقامة دولة لاتينية تحل محل البيزنطيين. فنتج عن هذا الاعتقاد نشوب حروب بين الطرفين، وسيتجلى ذلك أكثر عند الحملة الرابعة، حيث سيتم احتلال القسطنطينية من طرف الصليبيين.
أشرف البابا "اينوسان الثالث " على الحملة الرابعة ودعا إلى القيام بها، فاستجاب له إقطاعيو فرنسا بما في ذلك بودوين التاسع. وكان هدف الصليبيين هو الاستيلاء على مصر عمق العالم الإسلامي، لكن الجيوش الصليبية عجزت عن دفع إيجار السفن التي كانت ستقلها إلى مصر من البندقية، فحال ذلك بينهم ومصر، فوجهوا الحملة نحو القسطنطينية و استولوا عليها ونهبوا خيراتها وحال ذلك دون غزو مصر.
5 _ الحملة الخامسة: انطلقت سنة 1216م _ 612 ه:
في سنة 1216م دعا البابا هونوريوس الثالث إلى حملة صليبية على الشرق الإسلامي، فاستجاب له الصليبيون وعلى رأسهم ملك المجر أندري الثاني ودوق النمسا ليوبولد السادس. وكان الهدف من الحملة هو استعادة بيت المقدس من يد المسلمين.
وبعد نزول الصليبيين بالشام نهبوا خيراته وعاثوا فيه فسادا، وبمجرد سماعه لخبر نزول الصليبيين بالشام، سار السلطان الايوبي الملك العادل أبو بكر بن أيوب من مصر نحو الشام، لكنه كان يتحاشى الصدام المباشر مع الصليبيين وضل يهاجم ويفر. وأمام هذا الوضع غير المفيد بالنسبة للصليبيين اضطر المجريون للعودة إلى بلادهم. لكن ملك عكا قرر التوجه إلى مصر على اعتبارها المسؤولة عن بيت المقدس.
وكان الصليبيون قد خططوا لمهاجم دمياط واحتلالها لتسهيل عملية مهاجمة القاهرة. وفي ماي من سنة 1218م نزلت القوات الصليبية بالقرب من دمياط وحاصرتها. واستغل الصليبيون موت الملك العادل واضطراب الصف المصري فاستولوا على دمياط في نونبر من سنة 1219م. لكن خليفة الملك العادل " الملك الكامل " استطاع تثبيت الأمور في مصر واستنجد بأمراء الشام واستعد لمنازلة الصليبيين في المنصورة. وقعت بين الطرفين معركة شرسة في المنصورة وخشي الملك الكامل من الهزيمة فعرض الصلح على الصليبيين والتنازل عن بيت المقدس وعسقلان وطبرية مقابل خروج الصليبيين من مصر، لكن الصليبيين رفضوا ذلك، وفضلوا مهاجمة القاهرة، وتزامن الهجوم مع وقت فيضان نهر النيل، ففاض النهر على معسكرات الصليبيين فأغرق من أغرق وأسر من أسر من قبل الجيش المصري وفر من فر. وهكذا فشلت الحملة الصليبية الخامسة.
6 _ الحملة الصليبية السادسة:
كان الإمبراطور الألماني أعظم ملوك أوروبا وضم مملكة بيت المقدس إلى حكمه بعد زواجه بابنة جان دوبران. استغل البابا هونوريوس هذا الزواج فدفع الإمبراطور فريدريك الثاني للقيام بحملة صليبية أخرى لاستعادة القدس، لكن علاقة فريديريك بالمسلمين كانت علاقات قوية. وعند مجيء البابا قريقوار التاسع إلى لعنه وتحريم الذهاب معه إلى الديار المقدسة وتكفيره ، مما أدى إلى تأخير الحملة السادسة ،ولم يصاحبه إلا عدد قليل من الفرسان .
وفي الوقت نفسه كان هناك هجوم للتتار على الجهة الشرقية من العالم الإسلامي ، ونتيجة لتخوف الملك الكامل من تحالف أخيه مع التتار، راسل فريديريك الثاني يستقدمه إلى عكا ووعده بالقدس.
وفي شتنبر من سنة 1228 م نزل فريديريك الثاني بعكا، وجرى توقيع صلح مع الصليبيين ، نص على تسليم القدس إليهم وأن يحتفظ المسلمون بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، لكن وفاة الملك الكامل جعل الأمور تتخذ منحى آخر.
7 _ الحملة الصليبية السابعة:
كان لاسترجاع بيت المقدس من قبل الملك أيوب صدى كبير لدى الصليبيين في أوروبا مما دفعهم إلى شن حملة أخرى بقيادة ملك الافرنج لويس التاسع الذي قام بتحضيرات كبيرة من أجل الحملة. ووضع لويس التاسع نصب أعينه الهجوم على مصر للانتقام من سلاطينها الذين استرجعوا بيت المقدس.
في ماي من سنة 1249م انطلقت الحملة الصليبية من قبرص في اتجاه دمياط المصرية عبر البحر، لكن عاصفة ضربت أساطيل الصليبيين مما جعلها تصل في فترات متعاقبة إلى دمياط، الأمر الذي فاجأ أهل المدينة ففروا منها بما في ذلك حاميتها العسكرية . لكن لويس التاسع لم يهاجم القاهرة مباشرة وانتظر وصول باقي الصليبيين لمدة 8 أشهر، هذا ما مكن المصريين من الاستعداد لصد الهجوم. وجاء الهجوم متزامنا مع وفاة الملك الصالح في مصر، لكن جاريته "شجرة الدر " أخفت أمر وفاة الملك وأخذت تصدر الأوامر باسمه ريثما يصل ابنه تورانشاه.
كما لعب المماليك البحرية دورا أساسيا في قتال الصليبيين، خاصة الظاهر بيبرس البندقداري إلى أن وصل تورانشاه إلى المنصورة لتولي قيادة الحرب، فعمل على منع الإمدادات عن الصليبيين عبر البحر بنشر سفن مصرية بروافد النيل ، فاشتد الضغط على الصليبيين وفتكت بهم الأمراض والجوع واستسلم لويس التاسع وفر بقية الصليبيين نحو دمياط ، وطاردتهم الجيوش المصرية وهزمتهم. وبذلك انتهت الحرب بتسليم دمياط للمصريين، وافتدى لويس التاسع نفسه ومن معه بمقدار مالي وصل إلى 500000 من العملة الفرنسية آنذاك.
8 _ الحملة الصليبية الثامنة:
لما تولى الملك الظاهر بيبرس عرش مصر أخذ يفتك بالإمارات الصليبية ومدنها حتى انحصرت في مجال ساحلي ضيق. وبما عرف عنه من دهاء استطاع عقد مصالحة مع البيزنطيين وتتار القفجاق الذين اعتنقوا الإسلام، وبذلك ضعف خطر التتار على الشرق الإسلامي وأصبحوا جزءا من هذا العالم في مواجهة المغول.
ولما توفي الظاهر بيبرس تولى السلطان سيف الدين قلاوون سلطنة مصر سنة 1279م. وبادر قلاوون بعقد الهدنة مع بقايا الصليبيين بعد عزم التتار على مهاجمة المماليك البحرية، فقاد الأمير قلاوون الحرب ضد التتار فهزمهم ووقعوا معه صلحا لحقن الدماء .
وما إن أنهى أمر التتار حتى التفت إلى الصليبيين واستولى على طرابلس سنة 1289م وأمر بهدمها وبناء مدينة جديدة وأمر بصنع المنجنيقات والاستعداد لمهاجمة عكا . لكن السلطان سيف الدين قلاوون توفي سنة 1290م وتولى ابنه الأشرف خليل سلطنة مصر . وعزم السلطان الجديد على تنفيذ مخطط أبيه فخرج من مصر ولاقته الجيوش الإسلامية من دمشق، فهاجم عكا وحاصرها إلى أن استسلمت في ماي 1291م . وبدأت باقي المدن الصليبية تستسلم وغادر الصليبيون نحو بلدانهم الأصلية.
هكذا انتهت الحروب الصليبية التي دامت في شكل صراع بين العالمين الصليبي والإسلامي طيلة قرنين من الزمن، مخلفة تحولات كبيرة على الحضارتين الإسلامية والغربية. فهل أثرت هذه الحملات الصليبية على الحضارتين معا أم أن إحدى هاتين الحضارتين أثرت دون أن تتأثر؟ وكيف كان لها ذلك؟
الحروب الصليبية
1ـ الحملة الصليبية الأولى: 1095م ـ1099م
بعد خطاب البابا تجمع جحافل الأوروبيين الطامعين في مغفرة الذنوب ونيل الامتيازات التي عرضها عليهم البابا ( الإعفاء من الضرائب والديون والفوائد )، إضافة إلى العفو عن المحكومين بالسجن مقابل المشاركة في هذه الحملات. كما شاعت فكرة تعرض الحجاج المسيحيين للاضطهاد في بيت المقدس.
بدأت الحملة الأولى قبل الوقت المحدد لها عندما بدأت جحافل من الفلاحين المتحمسين بقيادة بطرس الناسك وولتر المفلس، وجحفل آخر من منطقة الراين بقيادة امكو الليزنجي، وآخرون من ألمانيا بقيادة جتسشوك . وقد عاثت هذه الجحافل فسادا عبر المناطق التي مرت منها خاصة اليهودية منها، لكن هذه الجحافل تعرضت للإبادة على يد السلاجقة في نيقية.
أما الحملة المنظمة فقد قادها ملوك أوروبا أنفسهم إضافة إلى أمراء المدن الأوروبية ( فيلب الأول ملك الإفرنج، وليام الثاني ملك انجلترا، وهنري الرابع ملك ألمانيا)، واتجهت الحملة عبر القسطنطينية من طرق مختلفة، ثم حاصروا نيقية بعد عبورهم بحر مرمره واستولوا عليها بعد استسلامها في 19 يونيو 1097م، ثم زحفوا على أنطاكية التي حوصرت لمدة ثمانية أشهر، وسقطت هي الأخرى في يد الصليبين قبل وصول جيش ملك الموصل لإغاثتها.
بعد سقوط أنطاكية وضع الصليبيون القدس نصب أعينهم وتقدموا جنوبا حيث سيطروا على طرابلس بعد استسلامها، ثم سقطت بيروت وصيدا فصور ثم صيدا وصولا الى عكا التي استسلمت للصليبين. وفي السابع من يوليو وصل الصليبيون أمام بيت المقدس وعسكروا فيها، وكانت بيت المقدس في يد الفاطميين الذين لم يستطيعوا الصمود أكثر من شهر ونصف فسقطت القدس في يد الصليبيين.
معركة الرملة الأولى: في غشت 1099م دارت معركة قرب عسقلان مع الوزير الفاطمي الأفضل، انهزم فيها الفاطميون شر هزيمة. في عام 1100م سقطت حيفا، وفي سنة 1101م سقطت أرسوف وقيسارية. بعد وصول أنباء سقوط أرسوف جهز الفاطميون جيشا تحت قيادة الوزير الأفضل في 4غشت 1101م، وفي طريقه إلى الرملة هاجم ملك القدس بلدوين القوات الفاطمية وانتهت المعركة بهزيمة الفاطميين.
معركة الرملة الثانية 1102م: خرج الجيش الفاطمي للقتال وتحرك نحو الرملة بشكل فاجأ الصليبين وتمكن المصريون من هزم بلدوين وفر هذا الأخير لإعادة تنظيم قواته.
معركة الرملة الثالثة1105م : في 27 غشت 1105م حدثت معركة شرسة شارك فيها لأول مرة الشاميون إلى جانب الفاطميين، لكن الجيوش الإسلامية تعرضت لهزيمة نكراء أمام الصليبين، وبذلك انتهت آمال استعادة بيت المقدس.
نتج عن الحملة الصليبية الأولى ظهور مجموعة من الدويلات أو الأمارات الصليبية على الساحل الغربي للشام وآسيا الصغرى، من أنطاكية حتى القدس وغيرها.
2ـ الحملة الثانية: بدأت عام 1047م:
استغل الأمير عماد الدين زنكي الصراعات بين الإمارات الصليبية، خاصة بين أميري الرها وأنطاكية اللذين كانا يتوليان مسؤولية حماية الإمارات الصليبية من الشمال، مستفيدا أيضا من وفاة الإمبراطور البيزنطي يزحنا الثاني،كما استغل زنكي انشغال الإمبراطور مانويل الأول بأمور الحكم وصراعه مع أمير أنطاكية الذي تمرد على البيزنطيين. لهذه العوامل خطط عماد الدين زنكي لضرب الأمارات الصليبية في الشام، وهكذا وضع نصب أعينه إمارة الرها مستفيدا من دعم السلطان مسعود السلجوقي فحاصر المدينة واستولى عليها في 25 دجنبر 1144م .
وبعدما لمس المسلمون ضعف الإمارات الصليبية بدأت محاولاتهم لاستعادة أراضيهم، وفي ظل هذه الظروف حاول الصليبيون استعادة الرها مستغلين فرصة مقتل عماد الدين زنكي، فهاجموا الرها، لكن بلوغ هذا الخبر إلى نور الدين زنكي خليفة عماد زنكي في حلب دفع به إلى مهاجمة الصليبين في الرها والقضاء عليهم ، وانتقم نور الدين لوالده واستعاد الرها.
وفي ديسمبر 1145م وجه البابا بيوجين الثالث رسالة إلى ملك الإفرنج لويس السابع، ذكر فيها سقوط الرها في يد المسلمين مبديا رغبته في القيام بحملة صليبية أخرى إلى المشرق الإسلامي. وعندما تلقى لويس السابع رسالة البابا، أعلن في 25 دجنبر 1145م عزمه على القيام بحملة صليبية نحو الأراضي المقدسة ودعا كل من روجر ملك صقيلية، و إمبراطور بيزنطة مانويل الثاني وكونراد ملك الجرمان للمشاركة في الحملة.
انطلقت الحملة عبر القسطنطينية وتعرضت المدينة للسلب والنهب من قبل الألمان مما اضطر بيزنطة إلى وقف الحرب مع السلاجقة. وأدى غرور الألمان بإمكانية تحقيق النصر على المسلمين لوحدهم دون باقي الجيوش الصليبية، أدى بأميرهم كونراد إلى الإسراع في اتجاه الشام، لكن قواته تعرضت لهزيمة شنعاء أمام السلاجقة فأبيد تسعة أعشار جيش الصليبين الألمان وفر القائد كونراد هاربا نحو الإمارات الصليبية بعدما أصيب بجراح.
أما الحملة الفرنسية فقد خرجت متأخرة بحوالي شهر عن الألمان، واتجهت نحو الشرق مرورا ببيزنطة آخذين في الحسبان ما حدث للألمان. وأثناء وصول الإفرنج إلى الشام تعرضوا لهجمات قاسية من قبل السلاجقة مما اضطرهم الى الانكفاء والذهاب إلى أنضاليا للتزود بالمؤن في 20يناير 1148م.
وعلى اثر هذه الهجمات حاول الفرنسيون أخذ الطريق البحرية بدل البر، لكن جزءا من الصليبين لم يجدوا السفن الكافية لنقلهم مما اضطرهم لإكمال المسير برا. استغل السلاجقة هذا الوضع فهاجموا الصليبين السائرين برا وتمكنوا من إبادة نصفهم.
عند وصول لويس السابع إلى المشرق وجد الأمراء الصليبيين في حالة انقسام وتطاحن، وهو ما حدا به إلى محاولة توحيد الصف الصليبي وعقد اجتماعات مع الأمراء الصليبيين انتهت بالاتفاق على مهاجمة دمشق.
في عام 1148م تجمعت الجيوش الصليبية في طبرية وهاجمت دمشق. لكن استماتة الأهالي ووصول الدعم من خارج دمشق دفع الصليبين إلى التراجع. وقد صاحب هذا التراجع خلافات حادة حول مستقبل دمشق في حال الاستيلاء عليها. وبموازاة ذلك وصلت الجيوش الإسلامية الموحدة من الشمال وطاردت الصليبين حتى تم دحرهم وانسحابهم إلى القدس.
وهكذا فشلت الحملة الصليبية الثانية فشلا ذريعا تذوق الصليبيون من خلالها مرارة الهزيمة، وتكبدوا من جرائها خسائر فادحة قدرت بعشرات الآلاف من الصليبيين.
3 _ الحملة الثالثة: بدأت منذ 1987م :
شكل تعيين الخليفة الفاطمي" العاضد " ليوسف صلاح الدين وزيرا، خلفا لعمه تورانشاه، وشكل بذلك بداية بروز شخصية صلاح الدين الايوبي .
وقد عمل هذا الاخير على الغاء العداء بين الفاطميين والعباسيين . وفي سنة 1171م توفي الخليفة العاضد، وبذلك تعرضت الخلافة الفاطمية للاضمحلال مما فسح المجال أمام صلاح الدين لتولي قيادة مصر، وأخذ بتوسيع دائرة حكمه الى حدود البحر الأحمر. كما أ، صلاح الدين لم تكن تسره حالة العالم الاسلامي فعمل على توحيد العالم الاسلامي، فاستطاع توحيد الشام ومصر سنة 1186م ووقع هدنة مع الامارات الصليبية
وفي نفس السنة خرق ملك الكرك الهدنة و اعتدى على سفينة تابعة لصلاح الدين، مما دفع بهذا الأخير الى التحرك للانتقام من أرناط ملك الكرك، فشكلت هذه الحادثة شرارة حروب صلاح الدين على الامارات الصليبية التي استمرت لسنوات دارت خلالها معارك طاحنة بين الطرفين كان من أشهرها معركة حطين سنة 1187م.
_ معركة حطين: في يوليوز 1187م عزم صلاح الدين على الانتقام من ملك الأرك "أرناط " ومهاجمة بيت المقدس فخرج من دمشق وجعل رأس الماء مركز تجميع القوات الإسلامية، ثم توجه الى القرب من بحيرة طبرية. وبالمقابل حشد الصليبيون جموعهم وتوجهوا إلى طبرية. فدارت معركة طاحنة بين الطرفين في حطين، انتهت بهزيمة نكراء للصليبيين وتم أسر ملكي بيت المقدس والأرك " أرناط " الذي قام صلاح الذين بقتله فيما بعد.
_ استسلام بيت المقدس في أكتوبر 1187م: بعد انتصاره في معركة حطين توجه صلاح الدين الى عكا ودخلها، هذا فيما اتجه الصليبيون نحو صور وتجمعوا فيها،لكن صلاح الدين قام باحتلال مختلف الحصون المحيطة ببيت المقدس ثم حاصرها لمدة أسبوع، مما اضطر بيت المقدس الى الاستسلام. بعد استسلام الصليبيين في بيت المقدس سمح لهم صلاح الدين بالخروج منها بسلام مقابل لافدية ( 10 دينار للرجل/ 5 دينار للمرأة/ 2 للطفل) وأعطاهم مهلة 40 يوما لتدبر مسألة الفدية. هكذا خرج الصليبيون متعهدين بعدم العودة الى الحرب وتجمع بقايا الصليبيين في صور.
_ حصار عكا والحملة الصليبية الثالثة: ما ان اجتمعت فلول الصليبيين بمدينة صور حتى أغوتهم كثرتهم على نقض عهدهم لصلاح الدين. ففي سنة 1189م هاجم الصليبيون عكا فحاصروها حصارا كبيرا دام لسنتين، وقام خلالها صلاح الدين بمحغاصرة الصليبيين.
وبينما كان الصليبيون يحاصرون عكا كان ملوك أوروبا يستعدون لحماة صليبية ثالثة على الشرق الاسلامي، وعلى رأسهم امبراطور ألمانيا فريديريك بربروس وملك فرنسا فيليب أوغوسطس وملك انجلترا رتشارد قلب الأسد.
• الحملة الألمانية: اتجهت عبر المجر نحو بيزنطة ثم عبروا الى آسيا الصغرى وصولا إلى أرمينيا حيث غرق قائد الحملة الملك بربروس بنهر سالف. ثم تشتت جيشه وتابع جزء صغير السير نحو الامارات الصليبية بقيادة نجل الامبراطور بربروس " فريديريك داسوب " الذي مات أثناء الطريق .
• الحملتان الفرنسية والبريطانية: تجمع الجيشان في صقيلية بدعوة من ملكها روجر الثاني، لكن الطرفين لم يكونا على وفاق فغادرها الفرنسيون في مارس من سنة 1191م، بينما غادرها الانجليز بعدهم بعشرة أيام.
وصل الفرنسيون إلى عكا، فيما اضطرت عاصفة الانجليز إلى محاربة البيزنطيين على جزيرة قبرص للمكوث فيها لمدة قصيرة ثم أبحر نحو عكا.
وبمجيء الملك قلب الأسد وجيوشه قويت شوكة الصليبيين فقاموا بالهجوم علة عكا وسيطروا عليها بعد استسلامها. وبما أن قادة الصليبيين لم يكونوا على وفاق فان الفرنسيين بادروا بالرحيل نحو بلادهم بينما حاول قلب الأسد استعادة بيت المقدس، فوقعت بينه وبين صلاح الدين معارك وصدامات كبيرة لعل أشهرها معركة أرسوف في شتنبر 1191م، والتي انتصر فيها الصليبيون. وهكذا فقد استمرت الأمور على هذا النحو تتراوح بين كر وفر إلى أن جاء صلح الرملة في شتنبر 1192م، الذي نص على استقرار الصليبيين على الساحل الغربي من صور إلى حيفا، والسماح للنصارى بزيارة بيت المقدس دون ضرائب، وأن تكون هناك هدنة لمدة 3 سنوات وثمانية أشهر. بعد صلح الرملة اتجه صلاح الدين إلى دمشق ووافته المنية فيها في 4 مارس 1193م.
هكذا انتهت الصليبية الثالثة باسترجاع بيت المقدس والأراضي المحصورة بين نهر العاصي والأردن ما عدا الأجزاء الساحلية الضيقة.
4 _ الحملة الرابعة: سقوط القسطنطينية وإنشاء سلطنة لاتينية فيها :
كما كان سائدا فان المسيحيين الأوروبيين والكنيسة الغربية بروما كانت تحتقر الكنيسة الشرقية بالقسطنطينية، على اعتبار أنهم كانوا رعايا الإمبراطورية الرومانية العظمى. ولذلك كان هؤلاء يعتقدون أن أنهم لا يستطيعون مواجهة المسلمين إلا بإقامة دولة لاتينية تحل محل البيزنطيين. فنتج عن هذا الاعتقاد نشوب حروب بين الطرفين، وسيتجلى ذلك أكثر عند الحملة الرابعة، حيث سيتم احتلال القسطنطينية من طرف الصليبيين.
أشرف البابا "اينوسان الثالث " على الحملة الرابعة ودعا إلى القيام بها، فاستجاب له إقطاعيو فرنسا بما في ذلك بودوين التاسع. وكان هدف الصليبيين هو الاستيلاء على مصر عمق العالم الإسلامي، لكن الجيوش الصليبية عجزت عن دفع إيجار السفن التي كانت ستقلها إلى مصر من البندقية، فحال ذلك بينهم ومصر، فوجهوا الحملة نحو القسطنطينية و استولوا عليها ونهبوا خيراتها وحال ذلك دون غزو مصر.
5 _ الحملة الخامسة: انطلقت سنة 1216م _ 612 ه:
في سنة 1216م دعا البابا هونوريوس الثالث إلى حملة صليبية على الشرق الإسلامي، فاستجاب له الصليبيون وعلى رأسهم ملك المجر أندري الثاني ودوق النمسا ليوبولد السادس. وكان الهدف من الحملة هو استعادة بيت المقدس من يد المسلمين.
وبعد نزول الصليبيين بالشام نهبوا خيراته وعاثوا فيه فسادا، وبمجرد سماعه لخبر نزول الصليبيين بالشام، سار السلطان الايوبي الملك العادل أبو بكر بن أيوب من مصر نحو الشام، لكنه كان يتحاشى الصدام المباشر مع الصليبيين وضل يهاجم ويفر. وأمام هذا الوضع غير المفيد بالنسبة للصليبيين اضطر المجريون للعودة إلى بلادهم. لكن ملك عكا قرر التوجه إلى مصر على اعتبارها المسؤولة عن بيت المقدس.
وكان الصليبيون قد خططوا لمهاجم دمياط واحتلالها لتسهيل عملية مهاجمة القاهرة. وفي ماي من سنة 1218م نزلت القوات الصليبية بالقرب من دمياط وحاصرتها. واستغل الصليبيون موت الملك العادل واضطراب الصف المصري فاستولوا على دمياط في نونبر من سنة 1219م. لكن خليفة الملك العادل " الملك الكامل " استطاع تثبيت الأمور في مصر واستنجد بأمراء الشام واستعد لمنازلة الصليبيين في المنصورة. وقعت بين الطرفين معركة شرسة في المنصورة وخشي الملك الكامل من الهزيمة فعرض الصلح على الصليبيين والتنازل عن بيت المقدس وعسقلان وطبرية مقابل خروج الصليبيين من مصر، لكن الصليبيين رفضوا ذلك، وفضلوا مهاجمة القاهرة، وتزامن الهجوم مع وقت فيضان نهر النيل، ففاض النهر على معسكرات الصليبيين فأغرق من أغرق وأسر من أسر من قبل الجيش المصري وفر من فر. وهكذا فشلت الحملة الصليبية الخامسة.
6 _ الحملة الصليبية السادسة:
كان الإمبراطور الألماني أعظم ملوك أوروبا وضم مملكة بيت المقدس إلى حكمه بعد زواجه بابنة جان دوبران. استغل البابا هونوريوس هذا الزواج فدفع الإمبراطور فريدريك الثاني للقيام بحملة صليبية أخرى لاستعادة القدس، لكن علاقة فريديريك بالمسلمين كانت علاقات قوية. وعند مجيء البابا قريقوار التاسع إلى لعنه وتحريم الذهاب معه إلى الديار المقدسة وتكفيره ، مما أدى إلى تأخير الحملة السادسة ،ولم يصاحبه إلا عدد قليل من الفرسان .
وفي الوقت نفسه كان هناك هجوم للتتار على الجهة الشرقية من العالم الإسلامي ، ونتيجة لتخوف الملك الكامل من تحالف أخيه مع التتار، راسل فريديريك الثاني يستقدمه إلى عكا ووعده بالقدس.
وفي شتنبر من سنة 1228 م نزل فريديريك الثاني بعكا، وجرى توقيع صلح مع الصليبيين ، نص على تسليم القدس إليهم وأن يحتفظ المسلمون بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، لكن وفاة الملك الكامل جعل الأمور تتخذ منحى آخر.
7 _ الحملة الصليبية السابعة:
كان لاسترجاع بيت المقدس من قبل الملك أيوب صدى كبير لدى الصليبيين في أوروبا مما دفعهم إلى شن حملة أخرى بقيادة ملك الافرنج لويس التاسع الذي قام بتحضيرات كبيرة من أجل الحملة. ووضع لويس التاسع نصب أعينه الهجوم على مصر للانتقام من سلاطينها الذين استرجعوا بيت المقدس.
في ماي من سنة 1249م انطلقت الحملة الصليبية من قبرص في اتجاه دمياط المصرية عبر البحر، لكن عاصفة ضربت أساطيل الصليبيين مما جعلها تصل في فترات متعاقبة إلى دمياط، الأمر الذي فاجأ أهل المدينة ففروا منها بما في ذلك حاميتها العسكرية . لكن لويس التاسع لم يهاجم القاهرة مباشرة وانتظر وصول باقي الصليبيين لمدة 8 أشهر، هذا ما مكن المصريين من الاستعداد لصد الهجوم. وجاء الهجوم متزامنا مع وفاة الملك الصالح في مصر، لكن جاريته "شجرة الدر " أخفت أمر وفاة الملك وأخذت تصدر الأوامر باسمه ريثما يصل ابنه تورانشاه.
كما لعب المماليك البحرية دورا أساسيا في قتال الصليبيين، خاصة الظاهر بيبرس البندقداري إلى أن وصل تورانشاه إلى المنصورة لتولي قيادة الحرب، فعمل على منع الإمدادات عن الصليبيين عبر البحر بنشر سفن مصرية بروافد النيل ، فاشتد الضغط على الصليبيين وفتكت بهم الأمراض والجوع واستسلم لويس التاسع وفر بقية الصليبيين نحو دمياط ، وطاردتهم الجيوش المصرية وهزمتهم. وبذلك انتهت الحرب بتسليم دمياط للمصريين، وافتدى لويس التاسع نفسه ومن معه بمقدار مالي وصل إلى 500000 من العملة الفرنسية آنذاك.
8 _ الحملة الصليبية الثامنة:
لما تولى الملك الظاهر بيبرس عرش مصر أخذ يفتك بالإمارات الصليبية ومدنها حتى انحصرت في مجال ساحلي ضيق. وبما عرف عنه من دهاء استطاع عقد مصالحة مع البيزنطيين وتتار القفجاق الذين اعتنقوا الإسلام، وبذلك ضعف خطر التتار على الشرق الإسلامي وأصبحوا جزءا من هذا العالم في مواجهة المغول.
ولما توفي الظاهر بيبرس تولى السلطان سيف الدين قلاوون سلطنة مصر سنة 1279م. وبادر قلاوون بعقد الهدنة مع بقايا الصليبيين بعد عزم التتار على مهاجمة المماليك البحرية، فقاد الأمير قلاوون الحرب ضد التتار فهزمهم ووقعوا معه صلحا لحقن الدماء .
وما إن أنهى أمر التتار حتى التفت إلى الصليبيين واستولى على طرابلس سنة 1289م وأمر بهدمها وبناء مدينة جديدة وأمر بصنع المنجنيقات والاستعداد لمهاجمة عكا . لكن السلطان سيف الدين قلاوون توفي سنة 1290م وتولى ابنه الأشرف خليل سلطنة مصر . وعزم السلطان الجديد على تنفيذ مخطط أبيه فخرج من مصر ولاقته الجيوش الإسلامية من دمشق، فهاجم عكا وحاصرها إلى أن استسلمت في ماي 1291م . وبدأت باقي المدن الصليبية تستسلم وغادر الصليبيون نحو بلدانهم الأصلية.
هكذا انتهت الحروب الصليبية التي دامت في شكل صراع بين العالمين الصليبي والإسلامي طيلة قرنين من الزمن، مخلفة تحولات كبيرة على الحضارتين الإسلامية والغربية. فهل أثرت هذه الحملات الصليبية على الحضارتين معا أم أن إحدى هاتين الحضارتين أثرت دون أن تتأثر؟ وكيف كان لها ذلك؟