من طرف Admin الخميس أكتوبر 06 2011, 19:15
إضافة حول مفهوم الحداثة
يعتبر الاهتمام بتدقيق المفاهيم وتقعيدها أمرا ضروريا سواء من الناحية الإبستمولوجية أو من الناحية الديداكتيكية/التربوية خاصة إذا تعلق الأمر بنقل مفاهيم من حقل دلالي إلى آخر حيث تصبح هذه الأ خيرة لها دلالات وتعاريف مختلفة، أحيانا متضاربة وأحيانا أخرى متكاملة تبعا لتضارب أو تكامل الحقول المعرفية والمدارس المنهجية التي توظفهما في أبحاثها "العلمية" و الأحزاب السياسية التي توظفها في خطاباتها "السياسية",وهنا تضيع هذه المفاهيم وتفقد معانيها الحقيقية.
وفي هذا السياق، يعتبر مفهوم الحداثة من بين المفاهيم التي بات الحديث عنها موضوعا طويلا ومتشعبا.. حيث لايقف الأمر عند حد معين..فله أكثر من مدلول وتعريف، فكل يوم تخرج لنا دراسة وقراءة جديدة عنه… وبات يستهلك - كمصطلحات أخرى خاصة في الحقل السياسي – أو السياسوي إن صح التعبير- استهلاكا مجانيا ومجانبا للصواب إذ تبرر عدة تصرفات منافية للأخلاق والقيم المجتمعية باسم الحداثة ،كما يلفق البعض لخصومه السياسيين وأصحاب الرأي الأخر تهما ونعوتا مجانية باسم الحداثة… الشئ الذي يعبر عن بؤس حقيقي في الوعي السياسي مما يؤدي في كل الأحوال إلى أخطاء فادحة وكبيرة . وهكذا بات إذن من الضروري تدقيق وتحديد هذا المفهوم، وإزاحة اللبس والضبابية و التلفيق الذي أصابه.
إن الحداثة في أصلها مشتقة من التحديث أي كل جديد يهدف إلى "تجديد" القديم و"تحديثه" و "تطويره" يسمى حداثة , وهي مفهوم شامل للتحديث في كل نواحي الحياة بما فيها الأدب بأنواعه المختلفة وقد أطلقت الحداثة في البداية على التحولات الفكرية التي حصلت في العصر الذي تلا النهضة الأوربية وتحديدا بعد الثورة الفرنسية، وسمي بالعصر الحديث. وكان من أول نتائج هذه الثورة إقصاء الدين عن الحياة نهائياً في الغرب كله، وحذف مفاهيمه وقيمه من القلوب والعقول، وخاصة عندما بدأت تظهر للوجود - بشكل واضح - تباشير النور، وانزياح جيوش الظلام المتمثل بالجهل والتخلف والتعصب الذي كانت ترعاه الكنيسة في الغرب ، بحيث لم يكن من الممكن لروّاد النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر الميلادي أن يكسروا قيود الجهل والتخلف، ما لم يقضوا بشكل حاسم ونهائي على الحلف (غير المقدس) بين الملوك والكنيسة، ومن هنا كان تسجيل التاريخ لذلك الشعار الذي رفعته الثورة الفرنسية (اشنقوا آخر الملوك بأمعاء آخر القساوسة). إن فصل الدين عن الدولة والمجتمع في الغرب، أدى إلى إحلال الرابطة القومية محل الرابطة الدينية، وإلى تفكيك الروابط الأسرية، روابط القربى والنسب والدم - فيما بعد - لصالح المجتمع من طرف، ولصالح النزعة الفردية والمصلحة الشخصية - فيما سمي بالحرية - من طرف آخر، وإلى انحسار سلطة الكنيسة على العلم والفكر، وفتح الطريق لنقد الفكر القديم القائم على المثالية والإيمان، والسعي لتشكيل منهج جديد قائم على الحس والعقل.. ذلك المنهج الذي انتهى إلى المادية الحالية.
إذن ، فالحداثة مدرسة عريضة تشمل كل مجالات الحياة، فكراً وعقيدة، وثقافة وأدباً وفناً،وسلوكاً وسيرة، وقيماً ونذكر من رواد الحداثة في الغرب خاصة في مجال الأدب :الأديب الأمريكي إدغار ألان بو 1809-1849 و الذي يعتبر من رموز المدرسة الرمزية التي تمخضت عنها الحداثة في جانبها الأدبي على الأقل، وقد تأثر به كثير من الرموز التاريخية للحداثة مثل مالا رميه وفا ليري وموبوسان، وكان المؤثر الأول في فكر وشعر بود لير ا لذي يعتبره بعض النقاد أستاذ الحداثيين في كل مكان .
وقد نادى إدغار ألان بو بأن يكون الأدب كاشفاً عن الجمال، ولا علاقة له بالحق والأخلاق
إدغار هذا؛ كانت حياته وسلوكه مجافيين للحق والأخلاق والجمال على السواء، وكذلك كان شعره وأدبه،لقد كان سلوكه مشيناً جداً، وكانت حياته موزعة بين الفشل الدراسي والقمار والخمور والعلاقات الفاسدة، وتوّجت بمحاولة الانتحار بالأفيون.
أما شارل بود لير 1821-1867م ، وهو أديب فرنسي فقد نادى أيضا بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية ،ووصفها بالسادية أي التلذذ بتعذيب الآخرين ، وهو يعد مؤسس الحداثة في العالم الغربي، وأستاذ الحداثيين في كل مكان، و عميد الرمزية بعد إدغار، والخطوة الأولى للحداثة من الناحية الأدبية على الأقل - فقد نادى هذا الشاعر الفرنسي بالفوضى في الحس والفكر والأخلاق..
لقد قام المذهب الرمزي الذي أراده بود لير، على تغيير وظيفة اللغة الوضعية بإيجاد علاقات لغوية جديدة، تشير إلى مواضيع لم تعهدها من قبل، وكان يطمح أيضاً إلى تغيير وظيفة الحواس عن طريق اللغة الشعرية، ولذا لا يستطيع القارئ أو السامع أن يجد المعنى الواضح المعهود في الشعر الرمزي.
ذلك إذن هو، وباختصار، السياق العام الذي ظهر فيه مفهوم الحداثة. بيد أن المشكلة المطروحة في مجتمعاتنا العربية هي كون بعض الحداثيين لم ياخدوا بعين الاعتبار بعض خصوصيات المجتمع العربي الإسلامي الشئ الذي جعلهم يصطدمون ببعض ثوابته وقيمه المستمدة روحها من الدين الإسلامي وأعراف وتقاليد المجتمع ، حيث استطاعوا أن يفهموا الحداثة كأفكار ومعتقدات نجملها فيما يلي :
- رفض الدين وأحكامه كموجه للحياة البشرية.
- الدعوة إلى نقد النصوص الشرعية والمناداة بتأويل جديد لها يتناسب والأفكار الحداثية .
- الدعوة إلى إنشاء فلسفات حديثة على أنقاض الدين .
- الثورة على كل من يخالفهم الرأي واعتباره رجعيا متخلفا أي غير حداثي.
- تحطيم الأطر التقليدية والشخصية الفردية، وتبني رغبات الإنسان الفوضوية والغريزية.
- الثورة على جميع القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية والإنسانية، وحتى الاقتصادية والسياسية.
وأخيرا، يمكن القول بأنه لا ينبغي أن نفهم الحداثة على هذا النحو ،بل ينبغي أن نفهم أن الحداثة لها أوجه ايجابية وأوجه سلبية , وهي أمر مفروض وواقع معيشي , المهم أن نستفيد منها بما يتوافق مع مافيه خير للمجتمع وللبشرية اجمع و ليست مجتمعاتنا العربية بأقل حاجة إلى بعض معطيات الحداثة من المجتمعات الغربية لكننا نرفض أن تكون الحداثة العربية نسخة طبق الأصل عن الحداثة الغربية كما نرفض أيضا أن تكون هذه الحداثة ممسوخة بل يجب أن تكون متوافقة مع العقل البشري وتعاليم ديننا الإسلامي وعادتنا وتقاليدنا.