الاصل التاريخي لقبائل الحياينة
لقد عرفت منطقة الحياينة استقرارا قديما من طرف قبائل صنهاجة الأمازيغية ، ويؤكد هذه الحقيقة " ليون الإفريقي" في كتابه "وصف إفريقيا"، وبالتالي يعرفنا بأولى القبائل التي تمركزت بين سبو وورغة شمال فاس ، حيث يروي أن بلاد الحياينة كانت تقطنها قبائل صنهاجة البربرية ، ولم تكن توجد قبائل صنهاجة فقط ، وإنما كانت هناك قبائل أخرى كابن وامودا التي اختفت بهذا الاسم وكانت تستقر في شمال إيناون ، وكذا بني زروال وبني ورايل وبني يدروليكي "صنهاجة مصباح" ، وقد كانت قبائل صنهاجة تمتد في جهة الغرب حتى وزان ، وفي الشرق كانت توجد قبائل بربرية أخرى هي قبائل زناتة التي أتت من الشرق في القرن 12 مع بني مرين الذين أسسوا الدولة المرينية ، والذين استقروا بجانب صنهاجة من جهة الشرق ، حيث توجد قبائل رهيطة ، وبني ورتاج "التول" وبني يازغة في البرانس جنوب منطقة الحياينة الذي كان تحت سيطرة مملكة فاس .
ولقدأثبتت الدلائل التاريخية أن قبائل الحياينة هم من أصل عربي ، وأنهم جماعة من الكيش السعدي ، استقروا بالمنطقة بعد أن استولوا على أراضي صنهاجة ما بين 1540 و 1610 على عهد السلطان السعدي الشيخ بن المنصور ، الذي أراد أن يحيط مملكة فاس بقبائل عربية يثق في ولائها مكان القبائل البربرية وخصوصا صنهاجة الصعبة المراس .
و قبائل الحياينة هي عبارة عن كنفدرالية من ثلاث قبائل هي : أولاد عليان في الوسط ، وأولاد رياب في الجنوب ، وأولاد عمران في الشمال .
مقتطفات من كتاب ((البوادي المغربية قبل الاستعمار)) لمؤلفه (( عبد الرحمن المودن)) :
أسطورة الأصل :
ـ أورد Lazarev في معرض حديثه عن ماضي الحياينة روايتين حول أصل القبيلة ، اطلع عليها لدى السكان في عين المكان :
+ الأولى تفيد أن رجلا كان له ثلاثة أبناء ، اثنان من زوجة ، وهما عمران ورياب ، والثالث هو عليان ، من زوجة ثانية ، وكان ذلك الرجل يمتلك بلاد الحياينة .. لما توفي قرر الأبناء اقتسام الأرض فيما بينهم ، فكان نصيب عمران نواحي ورغة ، ونصيب رياب نواحي إيناون ، ونصيب عليان نواحي وادي اللبن بينهما ، وكان هذا التوزيع يهدف إلى وضع الأخ غير الشقيق في الوسط حتى لا تسول له نفسه مغادرة أرض الآباء . [ وأورد نفس الرواية من مقدم ضريح الولي محمد السهلي غرب تيسة ، لكن مع تعديل طفيف : تأويل التوزيع لا يبرر العلاقات القرابية بين الإخوة الثلاثة ، بل يلح على مستوى شجاعتهم وقدرتهم القتالية بما أن عليان كان أقلهم شجاعة ، فقد وضع في الوسط حتى لا يكون على جبهات المواجهة مع المجموعات القبلية الأخرى ].
+ الثانية تفيد أن أرض الحياينة كانت لصنهاجة الشمس ، قبل أن يأتي أولئك من أرض الجزيرة ويستقروا بها .
[ وقد جاء في كراسة وزعتها (جمعية مربي الخيول بتيسة) بمناسبة المهرجان الثاني للفروسية بتيسة 1981 ، ذكر رواية تجمع في الواقع بين الروايتين السابقتين ، وتفيد أن أهم أولياء الحياينة وهو محمد بن الحسن الجناتي ، لما توجه إلى الشرق ، التقى بشخص يدعى (حيون) ، أكرم مثواه ، فدعاه إلى القدوم معه إلى المغرب حيث كانت أرض شاسعة وخصبة تتطلب من يستثمرها ، فجاء (حيون) مع أبنائه الثلاثة ... بقية الحكاية شبيهة بالرواية الأولى ].
هاتان الحكايتان ، كسائر أساطير الأصول القبلية تتموقعان بين الرمز والواقع التاريخي :
ـ الأسطورة الأولى تحيل على منشأ محلي سلالي لقبيلة الحياينة ، وهو ما يدل على تشبت المجموعة بانغراسها واندماجها في المجال الإيناوني .. في حين تقترب الحكاية الثانية من الاحتمال التاريخي الذي يختزل السيرورة التاريخية في حركتين أساسيتين : ـ إقامة صنهاجية سابقة ، ووفود عربي غير محدد الزمن .
يروي ( الحسن الوزان ) في كتابه (وصف إفريقيا ) عن المناطق الواطئة من حوض إيناون الذي كان تحت نفود قبيلة بني ومود كمجموعة من الفلاحين المستقرين المعتمدين على اقتصاد من صنف جبلي يجمع بين الزراعة والماشية والأنشطة الحرفية ( صنع الصابون) .
فجأة يختفي اسم قبيلة بني ومود من حوز فاس ، وبنفس الطابع الفجائي تظهر قبائل الحياينة (أهل جهة تازة) ضمن القبائل التي ساندت ثورة الناصر سنة 1003 هـ / 1595 م ، ولم تكن مجوعة الحياينة معروفة على الأقل تحت هذا الاسم . ولقد أورد Lazarev الفترة المحتملة لظهور تسمية الحياينة بالمنطقة ما بين 1540م / 1910م ، لكن عبد الرحمن المودن حدد هذا الظهور بكيفية شبه يقينية فيما بين 1578م / 1595م .