السعديون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]لوحة تمثل تقابل الجيش المغربي السعدي ونظيره البرتغالي في معركة وادي المخازن في 4 غشت 1578
وقد أسفر اللقاء عن هزيمة مخزية للبرتغاليين والقوات المسيحية المناصرة له شكلت نكسة لمسيرة البرتغال التاريخية فانكمشت من دولة عظمى وقتئذ إلى مستعمرة اسبانية إذ ضمها فيليب الثاني إلى حكمه يطلق البرتغاليون على المعركة بمعركة القصر الكبيرمات على إثرها ملكهم المغرور بنفسه الدون سبستيانبدأ السعديون في نشر دعوتهم عن طريق الفرق الصوفية في جنوب المغرب. حاربوا حكام المغرب الوطاسيين ثم قادوا حركة المقاومة ضد الوجود البرتغالي في البلاد، استولوا على مراكش سنة 1525م ثم أغادير (أكادير) سنة 1441م بعد طرد البرتغاليين منها وأخيرا دخلوا فاس سنة 1549م. قام محمد الشيخ (54/1549-1557م) بالقضاء على الوطاسيين سنة 1554م. قام بعدها بتوطيد دعائم ملكه، أمن البلاد ثم استولى على تلمسان الواقعة غرب الجزائر حاليا. قاوم ابنه مولاي عبد الله نفوذ العثمانيين ومحاولاتهم التوغل إلى داخل البلاد (1557-1574م). كان مُلك المغرب يتنازعه عدة أدعياء. قضا السعديون على التواجد البرتغالي في البلاد بعد انتصارهم في معركة وادي المخازن "القصر الكبير" سنة 1578م.
بلغت الدولة أوجها السياسي في عهد أحمد منصور (1578-1603م) والذي أمن رخاء البلاد من خلال تحكمه في اقتصاد الدولة كما استُحدِث في عهده نظام إدارة جديد، والذي أطلق عليه اسم "المخزن". اضطلع السلطان أحمد المنصور بأعباء دولته بعد معركة وادي المخازن، وفكر وقدر أن قواته في التسعينات من القرن العاشر الهجري لا تستطيع اختراق حاجز الأتراك في الشرق، ولا مصادمة الاسبانيين وراء المضيق، فلم يبق أمامه مجال للعمل إلا من ناحية الجنوب، فاسترد في يسر صحراء تيكورارين وتوات، وأخضع الإمارات السودانية الصغيرة في منطقة حوض السنيغال. وسالم مملكة بورنو-كانم في الجهة الشرقية بعد أن خطب وده ملكها وبايعه، ولم تقف في وجهه سوى مملكة سنغاي وريثة الامبراطوريتين العريقتين مالي وغانا، فجهز لها حملة كبرى انتهت بالاستيلاء عليها عام 999/1591. وبذلك أصبحت رقعة نفوذ الدولة السعدية تمتد جنوبا إلى ما وراء نهر النيجر، وتصل شرقا إلى بلاد النوبة المتاخمة لصعيد مصر.
واعتنى السلطان أحمد المنصور بزراعة السكر وصناعته، ووسع مزارعه التي لم تعد قاصرة على سوس وإنما أصبحت تنتشر في بلاد حاحا وشيشاوة القريبة من مراكش. وطور مصانع تصفية السكر، وجهزها بأحدث الآلات بحيث أصبح السكر المغربي مرغوبا فيه من مختلف البلاد الإفريقية والأوربية. ووظف عائدات تجارة السكر والتبر المجلوب من السودان في تشييد منشآت عمرانية دينية وعلمية وعسكرية في مختلف أنحاء البلاد، وأعظمها قصر البديع بمراكش الذي لم يبن قبله مثله في هذه البلاد.
وحظي السلطان أحمد المنصور باحترام الدول الأوربية، وسعت بعضها إلى ربط علاقات ودية معه مثل انكلترا وفرنسا وهولندا. وتمتنت علاقاته بالملكة البريطانية إليزابيت الأولى التي رغبت في التعاون معه على احتلال الهند على أن يتولى المغرب تموين الحملة بالمال وانكلترا بالأسطول والرجال.المغرب في تلك الفترة كان يعيش نشوة الإنتصار بسبب معركة واد المخازن ، و كان في مرحلة قوة بسبب حصوله على الذهب بإطلاقه لسراح الأسرى البرتغاليين، السلطان أحمد المنصور كان ملما بما يحدث بأوربا فأرسل وفدا ترأسه عبد الواحد بن مسعود لشراء أسطول بحري من بريطانيا ، و قد نستغرب لماذا لا يمكن صناعتها بالمغرب و السبب جد واضح و كان بسبب نذرة الأخشاب رغم وجود الخبرة الأندلسية كانت الصناعة محتشمة، إلا في تطوان و الرباط و سلا فقد بدأت تظهر عوامل الجهاد البحري آنذاك، السفير عبد الواحد كان يتكلم بعضا من الإسبانية و قد يكون أصله أندلسي قدم اقتراحا للملكة إليزابيث لغزو إسبانيا لكنها رفضت الفكرة و استقرت على فتح تعاون تجاري مشترك بين بلاد البربر و الإنجليز و سموها تعاونية البربر ، السفير عبد الواحد رافقه في هذه الرحلة الحاج موسى و الحاج بهنات مع مترجم أندلسي المولد إسمه عبد الدودار هكذا إسمه مكتوب، ثم استمرت المحادثات بينهما ، فطلبت الملكة ب 1000 دينار ذهبي لمساعدة عسكرية للمغرب، لكن المنصور كان لا يثق بهم فطلب إرسال سفينة كبيرة لأخذ الأموال ، لكن المفاوضات بقيت متعثرة بينهما حتى توفيا معا بعد سنتين سنة 1603 م
يعني أن المفاوضات استغرقت 15 سنة كان أحمد المنصور يستطيع بدأه بغزو إسبانيا لو توفرت له السفن لكن العلاقة الحذرة بينه و بين العثمانيين عطل النصر و كان المنصور له هدف غزو إسبانيا بمساعدة الإنجليز و قد يتبادرللذهن كيف يغزوها و هو لم يحرر سبتة و مليلية و أظن السبب أنه يريد أن يبقى المغاربة في حالة تعبئة لدفع ضريبة الجهاد و إبقاء الجيش قويا و متماسكا لكبح العثمانيين و هذه فكرته على ما أعتقد مما جعله يتجه لفتح بلاد جنوب الصحراء .
عمل السلطان أحمد المنصور كثيرا، وكان يطمح أن يعمل أكثر لولا أن المنية باغثته بفاس مطعونا ليلة الاثنين 16 ربيع الأول عام 1012/24 غشت 1603. ودفن بإزاء مقصورة الجامع الأعظم بفاس الجديد، ثم نقل إلى مراكش ودفن في قبور الأشراف السعديين قبلي جامع المنصور بالقصبة. إنه أحد أعظم ملوك وسلاطين الدولة السعدية بدون منازع، وصل إلى عرش المغرب بسهولة فرضتها ظروف ما بعد معركة وادي المخازن، وقبل ذلك فقد وصفه المؤرخون بأنه كان «كسولا كثير القعود بدون عمل» حتى أضحى ملكا تهابه كل أوربا وتسعى إلى صداقته والتقرب منه والمتاجرة معه، فحق عليه القول بأنه كان أغنى أهل زمانه على الإطلاق.
امتازت فترة حكم السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي (1578-1603 م) بأنه كان أول ملك مغربي يُنشئ مجلسا أسبوعيا للوزراء كان ينعقد وقتها كل يوم أربعاء وسماه المنصور الذهبي آنذاك بـ«يوم الديوان»، يجمع فيه كبار مستشاريه من رجال دولته ويستمع فيه إلى تقارير النواحي المغربية.
عُرف عن المنصور الذهبي أنه كان مخترعا لشفرة خطية خاصة به كان يكتب بها مراسلاته السلطانية، تحسبا منه أن تسقط في يد العدو أو أن يتم بيعها والوشاية بمحتوياتها، كما اشتهر بكونه كان خطاطا بارعا متفوقا حتى على المشارقة في خطهم، يُوصف أيضا بأنه كان رجلا عظيم الشأن والمظهر وكثير المهابة، ميالا إلى العلم وحافظا ورعا لصحيح البخاري حتى لقب بـ«عالم الخلفاء وخليفة العلماء».
يرجع للمنصور الذهبي الفضل في اختراع لباس المنصورية الذي يصنع من مادة الملف فسميت عليه، كما كان يولي عناية قصوى لجيوشه ويضع لهم نظاما دقيقا ويلبسهم أفخر اللباس العسكري المزين بريش النعام وأحزمة الذهب، وكان شديد الإعجاب والتأثر بالأتراك وبنظام مؤسسات دولتهم، حتى إنه كان أول سلطان مغربي يُدخل مصطلح «باشا» على نظام المخزن، فسمى به ولاته على النواحي وحمله كبار قياد جيوشه.
شكل أحمد المصور الذهبي لوحده حالة سلطان مهندس وبان لمنشآت معمارية فائقة في التفرد والأبهة، حتى إنه أكمل بناء مفخرته «قصر البديع» بمراكش في 15 سنة، وجلب إليها كميات ضخمة من الرخام الإيطالي عبر ميناء آسفي الأطلسي انطلاقا من مقايضته بالسكر الذي تنتجه مصانعه بحاحا وشيشاوة، ولم يقف عند هذا الحد بل غزا السودان المغربي باحثا عن موارد مالية وطبيعية ترضي طموحاته ومشاريعه الضخمة.
أرسل المنصور الذهبي جيشا كبير العدد أوكل قيادته للباشا جوذر المنحدر من الأندلس، ودخل به حوض السنغال والنيجر ومالي، واستولى على كل المماليك السودانية، فحمل إلى السلطان في قوافل تجارية ضخمة «من التبر ما يُعيي الحاسبين ويُحير الناظرين»، حتى أصبح في كل يوم بباب قصر المنصور الذهبي 140 مطرقة لضرب الدينار وسكه.
تذكر القلة من المصادر التاريخية أن أحمد المنصور الذهبي هو من أدخل عادة الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف، وهو نفسه من كان يأمر بإشعال الشموع وقراءة الأمداح، حتى ساد على عهده الاحتفال بالمولد لأيام معدودات، تماما كما كان وراء عادة ختان الأطفال أيام عاشوراء، في حين كانت معروفة عنه قسوته في الحكم تماما كجوده وكرمه الفائقين، وكان يقول لتبرير جبروته إن المغاربة «مجانين مارستانهم هو السلاسل والأغلال».
لقد وصف أحد المؤرخين الترك مجالس المنصور بقصر البديع بمراكش بأنها كانت «مجالس جنة النعيم»، وكان «السلطان جالسا في فاخر ملابسه تعلوه الهيبة والوقار وترمقه الأبصار بالتعظيم والإكبار، ومن عادته الجلوس وخلفه الوصفان والعلوج وعليهم الأقبية مرصعة والأحزمة مذهبة».
ويحكي نفس المؤرخ في كتابه «النفحة المسكية في السفارة التركية»، أن المنصور كان يُطعم ضيوفه في أواني أوربية وتركية وهندية، أمام مباخر العود والعنبر وأغصان الريحان مفروشة على الأرض مع أباريق ماء الورد والزهر، بجانب سواقي الرخام المنقوشة بالذهب، ويُقدم خزان الأكل على مسامع القصائد المنشودة.
لقد أجمع المؤرخون على أن عزم المنصور الذهبي على بناء وتشييد قصر البديع مرده إلى أنه أراد أن يكون لأهل البيت بالمغرب بيت يفتخرون به على غرار ما تركه بربر الدولتين المرابطية والموحدية، لكن الغريب أن المولى إسماعيل الذي ينحدر من أهل البيت قام سنة 1707 م بهدمه، بعد 117 سنة على إتمام بنائه، بهدمه، ونقل المؤرخون وقتها أن قصر البديع تحول مع المولى إسماعيل العلوي إلى «مرعى للمواشي ومقيلا للكلاب ووكرا للبوم..
كان القرن 16 قرن صراع الإمبراطوريات في غرب البحر المتوسط لذلك عمل أحمد المنصور على تكوين إمبراطورية إسلامية مغربية تكون قادرة على دفع الأخطار الخارجية، فاتجه نحو السودان ومهد لذلك بضمان بيعة بعض أمرائه الذين ساعدوه في إخضاع القبائل الثائرة فدخل مملكة السنغاي وبذلك وطد النفوذ السعدي وجنى من ذلك الشيء الكثير، كما امتدت حدود الدولة السعدية إلى نهر النيجر جنوبا وإلى بلاد النوبة مما جعلها تتحكم في تجارة القوافل الصحراوية... حرصت الدولة السعدية على الانفتاح والمرونة في علاقاتها الخارجية فطوروا علاقات ودية مع العثمانيين وتبادلوا معهم السفارات والهدايا كما هادنوا الاسبانيين وتقاربوا مع أعدائهم استغلال التنافس بينهم خاصة مع هولندا وانجلترا التي ارتبط نعها المغرب بعلاقات متميزة تجارية وسياسية على عهد المنصور، أما فرنسا فقد كانت علاقاتها بالمغرب ضعيفة لانشغالها بمشاكلها الداخلية
بعد سنة 1603م قسمت المملكة وبدأت معها مرحلة التقهقر. حكم فرع السعديين في فاس ما بين سنوات 1610-1626م. قتل آخر السلاطين السعديين في مراكش سنة 1659م وأصبح أمر المغرب في أيدي الأسرة العلوية (الفيلاليون).
انطلقت حركة الشرفاء السعديين من جنوب المغرب تحديدا من مناطق درعة. وقد اتخذت شكل مقاومة جهادية ضد المحتل الإيبيري للمدن الساحلية.
غير أن السعديين ما فتؤوا يتحولون إلى قوة عسكرية وسياسية تمكنت من فرض نفسها في غياب سلطة مركزية قوية قادرة على توحيد البلاد ودرء الاحتلال. وقد ساعد في بروز دولة السعديين سلسلة الإنتصارات المتلاحقة التي حققوها والتي كللت بدخولهم مراكش سنة 1525م تم فاس سنة 1554م. وقد كان هذا إيذانا بقيام حكم الدولة السعدية بالمغرب. لقد كان الإنتصار المدوي للسعديين على البرتغال في معركة وادي المخازن (معركة الملوك الثلاث) سنة 1578م بالغ الأثر على المغرب، حيث أعاد للمغرب هيبته في محيطه الجييوستراتيجي، كما مكنه من الاستفادة اقتصاديا خاصة في علاقته مع إفريقيا. كانت وفاة المنصور الذهبي سنة 1603م إيذانا باندحار دولة السعديين بفعل التطاحن على السلطة بين مختلف أدعياء العرش.
معركة وادي المخازن:الأسباب والنتائجلم تكن البرتغال في القرن السادس عشر دولة عادية، بل كانت امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، المراكب التجارية المعبئة بالذهب و التوابل كانت تمخر عباب البحر جيئة و ذهابا في انحاء المحيطات، هذه الامبراطورية المهابة الجانب من الاساطيل الاسبانية و الانجليزية و الهولندية، لم يكن احد يستطيع التعرض لمصالحها خاصة في العالم الجديد، فما الذي جعل هذه الامبراطورية الفتية و القوية،تنحو هذا المنحى الخطير و تصبح بقدرة قادر دولة ضعيفة محكومة من الاسبان تطلب ودهم و حمايتهم.
كانت بلاد المغرب ذات موقع استراتيجي مهم جداً، فهي منتهى الحدود الغربية للعالم الإسلامي، وثغر مهم أمام أعداء الإسلام في الشمال، لذلك اهتم العثمانيون بفتحها وضمها لأملاكهم لتأمين حدود الدولة الإسلامية، وتخفيف الضغط الصليبي الرهيب على مسلمي الأندلس، فعمل العثمانيون على إزاحة الخائن ابن الخائن "محمد المتوكل" المتحالف مع أعداء الإسلام، وذلك عن طريق تشجيع عمه الأمير "عبد الملك السعدي" الذي سبق أن فر من بطش أخيه "الغالب بالله"، وقد جاءت الفرصة مناسبة لذلك عندما انشغل ملك إسبانيا الصليبي "فيليب الثاني" – وهو أكبر حليف للخائن "محمد المتوكل" - بأحداث ثورة الأراضي المنخفضة بأوروبا الغربية وخروجه للقتال مع بابا روما ملك فرنسا، فأعد العثمانيون جيشاً قوامه خمسة آلاف مقاتل بأحدث الأسلحة وقاده الأمير "عبد الملك"، واستطاع الانتصار على ابن أخيه "محمد المتوكل" الذي فرّ هاربًا من المغرب، والتجأ إلى ملك البرتغال المشهور "سبيستيان".
كان الأمير "عبد الملك السعدي" ذا همة وإرادة حديدية وملكات قيادية بارزة، فعمل على إصلاح بلاد المغرب، فنظم التجارة وجدد الأسطول، وأسس الجيش على أحدث النظم، وفرض احترامه على أهل عصره، حتى الأوروبيين احترموه وأجلّوه، وقال عنه معاصروه: [كان "عبد الملك" فكره نيراً بطبيعته، وكان يحسن اللغات الإسبانية والإيطالية والأرمينية والروسية، وكان شاعراً مجيداً للشعر, باختصار فإن معارفه لو كانت عند أمير من أمرائنا لقلنا: إن هذا أكثر مما يلزم بالنسبة إلى نبيل، فأحرى بملك، والفضل ما شهدت به الأعداء].
بعدما رأى الخائن المخلوع "محمد المتوكل" ما حل به من هزيمة وفقدان ملكه، وضياع مملكته وطرد من البلاد، فهام على وجهه، ثم استقر في النهاية على رأي شيطاني، وهو الاستعانة بألد أعداء الإسلام وقتها وهو ملك البرتغال "سبيستيان" وعقد معه معاهدة خبيثة يلتزم فيها "سبستيان" بمساعدة المخلوع "محمد المتوكل" على استعادة سلطانه المفقود، وطرد عمه "عبد الملك" من بلاد المغرب في حين يلتزم فيها "محمد المتوكل" بالتنازل عن جميع سواحل المغرب للصليبيين البرتغاليين، وقطعاً وجد "سبستيان" في ذلك الفرصة التي لا تعوّض، فوافق فوراً على هذه المعاهدة الشيطانية، وانتقل المخلوع "محمد المتوكل" للإقامة بطنجة انتظاراً للإمدادات الصليبية القادمة من البرتغال.
وكان الأمير "سبستيان" البرتغالي يضطرم بشخصية حاقدة وعقلية استعمارية في آن واحد، فلقد وافق على هذه الصفقة الشريرة لسببين مهمين وهما:
- أراد "سبستيان" أن يمحو العار الذي لحق بالبرتغاليين على يد المغاربة الذين وجهوا لهم ضربات موجوعة ينسحبون من مدن "أسفي/ أزمور/ أصيلاً" وغيرها، وذلك في زمان أبيه "خوان الثالث" سنة 960 هجرية.
أراد "سبيستان " أن يخوض حربًا مقدسة ضد المسلمين الكفار؛ حتى يعلو شأنه بين ملوك أوروبا، خاصة بعد أن زاد غروره بما حققه البرتغاليون من اكتشافات جغرافية جديدة أراد أن يستفيد منها من أجل تطويق العالم الإسلامي.
استطاعت المخابرات العثمانية في الجزائر أن ترصد هذه الاتصالات بين المتوكل والبرتغاليين، وبعث حسن باشا أمير أمراء الجزائر برسالة مهمة إلى السلطان العثماني بهذا الشأن، وكان العثمانيون في إستانبول على دراية بما يجري في أوربا فقد كان لديها معلومات عن اتصالات يجريها بابا روما ودوق فرنسا منذ عدة أشهر بهدف جمع جنود وإعداد سفن وتحميلها بمقاتلين لمساعدة البرتغال في غزوها للشاطئ المغربي، ورصدت المخابرات العثمانية الاتصالات بين ملك البرتغال سباستيان وخاله ملك أسبانيا فيليب الثاني ولكنها لم تستطع أن تقف على حقيقة الاتفاق الذي جرى بينهما، لكن المعلومات التي رصدتها أكدت أن ملك أسبانيا جمع حوالي عشرة آلاف جندي لمساعدة البرتغال في تأديبه ملك فاس عبد المالك السعدي.
أما الدولة السعدية فقد استطاعت سفنها أن تلقي القبض على سفارة كان قد أرسلها المتوكل إلى البرتغال تطالبهم بالتدخل لمساعدته في استرداد ملكه مقابل منحهم الشواطئ المغربية على المحيط الأطلسي، ولذا بدأ السعديون يأخذون أهبتهم للحرب القادمة من حيث الاستعدادات الحربية وحشد الجنود والاتصال بالعثمانيين الموجودين في الجزائر للحصول على دعمهم في الحرب القادمة ضد البرتغاليين والأسبان.
وصلت أخبار مخطط الخيانة "لعبد الملك السعدي" وحلفائه العثمانيين، فاستعدوا لقتال المعتدين, وأرسل السلطان العثماني "سليم الثاني" فريقاً عسكرياً كاملاً لمساعدة "عبد الملك" في الدفاع عن بيضة الإسلام، ودوّت صيحة الجهاد المقدس في جنبات المغرب الأقصى، أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله، وتقاطر المسلمون من أنحاء المغرب للاشتراك في الدفاع عن حوزة الإسلام.
وهنا حاول الخائن المخلوع "محمد المتوكل" أن يخترق هذا التلاحم الإيماني، فكتب إلى أهل المغرب كتاباً يحاول فيه خداعهم، وكان مما قال فيه: [إني ما استنصرت بأهل العدوة "ولم يسميهم صليبيين للخداع" حتى عدمت النصرة من المسلمين، وقد قال العلماء: إنه يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقاً ما أمكنه، ثم ختم كتابه بتهديدهم قائلاً: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله]، فكيف كان رد أهل المغرب عليه؟!
قام "عبد الملك السعدي" بإحالة رسالة الخائن إلى علماء المغرب حتى يردوا عليها، فقاموا بالرد عليها رداً باهراً مؤيداً بالأدلة والبراهين التي دحضت أباطيله، وفضحت زروه وبهتانه، وخيانته للإسلام والمسلمين، وهكذا يكون دور العلماء الربانيين في مواجهة شبهات المبطلين، وأكاذيب المروجين لأعداء الإسلام، وما أحوج أمتنا لمثل هذا الدور في أيامنا هذه التي كثرت فيها شبهات أعداء الإسلام.
تدفقت جموع المتطوعين على الجيش البرتغالي من إيطاليا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية، وجمع سباستيان حوالي 18 ألف مقاتل، وكان بالجيش البرتغالي الكثير من المدافع والخيالة الذين كانوا عماد الحرب في تلك الفترة من التاريخ. واختلف في المجموع الكلي لجيش سباستيان وجموع الأسبان والمتطوعين المسيحيين الذين تدفقوا على هذا الجيش؛ إذ رفع البعض عددهم إلى حوالي 125 ألف مقاتل، وفي تقديرات أخرى 80 ألفا، بينما يقول المدققون إنه كان يزيد على 40 ألفا.
وقد ظن البرتغاليون أنهم ذاهبون إلى نزهة على الشواطئ المغربية؛ حيث أخذوا الأمر باستخفاف شديد؛ فقد كانوا واثقين من انتصارهم السهل، حتى إن الصلبان كانت مُعدة لتعليقها على المساجد المغربية الكبيرة في فاس ومراكش، بل وضعت تصميمات لتحويل قبلة جامع القرويين الشهير إلى مذبح كنسي، وكانت بعض النساء البرتغاليات من الطبقة الراقية يرغبن في مصاحبة الجيش لمشاهدة المعركة، وكان بعض البرتغاليين يرتدون الثياب المزركشة المبهرة وكأنهم سيحضرون سباقا أو مهرجانا.
الإبحار والخطة والمواجهة
أبحرت السفن البرتغالية والأسبانية من ميناء لشبونة في (19 ربيع ثان 986هـ= 24 من يونيو 1578م) ورست على شاطئ ميناء أصيلة فاحتلته، وفوجئ سباستيان بأن عدد قوات المتوكل قليل جدا.
أقبل "سبستيان" البرتغالي بجيش صليبي جرار يقدر بمائة وخمسة وعشرين ألفاً، منهم عشرون ألفاً من الإسبان، وثلاثة آلاف من ألمانيا وسبعة آلاف إيطالي، والباقي من البرتغاليين والأرمن ومعهم أربعون مدفعاً، وفى المقابل كان جيش المسلمين يقدر بأربعين ألفاً، ومعهم أربعة وثلاثون مدفعاً، ومعنوياتهم عالية جداً يقودهم "عبد الملك السعدي" ومعه أخوه "أحمد" الملقب "بالذهبي"، وقد قسم "عبد الملك" الجيش، فجعل المدفعية في المقدمة، ثم صفوف الرماة, وعلى الجانبين الرماة الفرسان، ثم جعل قوة احتياطية كبيرة من الفرسان للتدخل في الوقت المناسب.
نزل الصليبيون عند منطقة القصر الكبير، وخاف أهلها من سطوة الأعداء عليهم، واستبطئوا وصول الجيش، وعزموا على الفرار خارج المدينة والتحصن بالجبال، ولكن قام أحد العباد المجاهدين وهو الشيخ "أبو المحاسن يوسف الفاسي" بتثبيت الناس حتى لا يهربوا، وخطب فيهم وحثهم على الثبات والجهاد في سبيل الله عز وجل، حتى قويت عزائمهم، وأصروا على البقاء والدفاع عن مدينتهم.
الجيش المغربي : كانت الصرخة في كل أنحاء المغرب : ( أن اقصدوا وادي المخازن للجهاد في سبيل الله ) ، فتجمعت الجموع الشعبية وتشوقت للنصر أو الشهادة ، وكتب عبد الملك من مراكش إلى سبستيان : ( إن سطوتك قد ظهرت في خروجك من أرضك ، وجوازك العدوة ، فإن ثبت إلى أن نقدم عليك ، فأنت نصراني حقيقي شجاع ، وإلا فأنت كلب بن كلب ) . فلما بلغه الكتاب غضب واستشار أصحابه فأشاروا عليه أن يتقدم ، ويملك تطاوين والعرائش والقصر ، ويجمع ما فيها من العدة ويتقوى بما فيها من الذخائر ، ولكن سبستيان تريث رغم إشارة رجاله ، وكتب عبد الملك إلى أخيه أحمد أن يخرج بجند فاس وما حولها ويتهيأ للقتال ، وهكذا سار أهل مراكش وجنوبي المغرب بقيادة عبد الملك وسار أخوه أحمد بأهل فاس وما حولها ، وكان اللقاء قرب محلة القصر الكبير .
قوى الطرفين
الجيش البرتغالي : 125000 مقاتل وما يلزمهم من المعدات ، وأقل ما قيل في عددهم ثمانون ألفاً ، وكان منهم 20000 أسباني ،3000 ألماني ، 7000 إيطالي ، مع ألوف الخيل ، وأكثر من أربعين مدفعاً ، بقيادة الملك الشاب سبستيان ، وكان معهم المتوكل بشرذمة تتراوح ما بين 300-6000على الأكثر .
الجيش المغربي : بقيادة عبد الملك المعتصم بالله ، المغاربة المسلمون 40000مجاهد ، يملكون تفوقاً في الخيل ، مدافعهم أربعة وثلاثون مدفعاً فقط ، لكن معنوياتهم عالية ؛ لأنهم غلبوا البرتغاليين من قبل وانتزعوا منهم ثغوراً ، وهم يعلمون أن نتيجة المعركة يتوقف عليها مصير بلادهم ، ولأن القوى الشعبية كانت موجودة في المعركة وكان لها أثرها في شحذ الهمم ورفع المعنويات متمثلة في الشيوخ والعلماء .
قبيل المعركة
اختار عبد الملك القصر الكبير مقراً لقيادته ، وخصص من يراقب سبستيان وجيشه بدقة ، ثم كتب إلى سبستيان مستدرجاً له : ( إني قد قطعت للمجيء إليك ست عشرة مرحلة ، فهلا قطعت أنت مرحلة واحدة لملاقاتي ) فنصحه المتوكل ورجاله أن لا يترك أصيلا الساحلية ليبقى على اتصال بالمؤن والعتاد والبحر ، ولكنه رفض النصيحة فتحرك قاصدا ًالقصر الكبير حتى وصل جسر وادي المخازن حيث خيم قبالة الجيش المغربي ، وفي جنح الليل أمر عبد الملك أخاه أحمد المنصور في كتيبة من الجيش أن ينسف قنطرة جسر وادي المخازن ، فالوادي لا معبر له سوى هذه القنطرة .
وتواجه الجيشان بالمدفعيتين ، وبعدهما الرماة المشاة ، وعلى المجنبتين الفرسان ، ولدى الجيش المسلم قوى شعبية متطوعة بالإضافة لكوكبة احتياطية من الفرسان ستنقض في الوقت المناسب .
أطوار المعركة
في صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ الموافق 4 أغسطس 1578م وقف السلطان عبد الملك يحرض الجيش على القتال ، ولم يأل القسس والرهبان جهداً في إثارة حماس جند أوروبا مذكرين أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في هذه الحروب .
وانطلقت عشرات الطلقات النارية من الطرفين كليهما إيذاناً ببدء المعركة ، وبرغم تدهور صحة السلطان عبد الملك الذي رافقه المرض وهو في طريقه من مراكش إلى القصر الكبير خرج بنفسه ليرد الهجوم الأول ، ولكن المرض غالبه فغلبه فعاد إلى محفته، وما هي إلا لحظات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ، ومات وهو واضع سبابته على فمه مشيراً أن يكتموا الأمر حتى يتم النصر ، ولا يضطربوا ، وكذلك كان فلم يطلع على وفاته إلا حاجبه وأخوه أحمد المنصور ، وصار حاجبه يقول للجند : ( السلطان يأمر فلاناً أن يذهب إلى موضع كذا ، وفلاناً أن يلزم الراية ، وفلاناً يتقدم ، وفلاناً يتأخر ) ، وفي رواية : إن المتوكل دس السم لعمه عبد الملك قبل اللقاء ليموت في المعركة فتقنع الفتنة في معسكر المغاربة .
ومال أحمد المنصور بمقدمة الجيش على مؤخرة البرتغاليين وأوقدت النار في بارود البرتغاليين ، واتجهت موجة مهاجمة ضد رماتهم أيضاً فلم يقف البرتغاليون لقوة الصدمة ، فتهالك قسم منهم صرعى ، وولى الباقون الأدبار قاصدين قنطرة نهر وادي المخازن ، فإذا هي أثر بعد عين ، نسفها المسلمون ، فارتموا بالنهر ، فغرق من غرق ، وأسر من أسر ، وقتل من قتل .
وصرع سبستيان وألوف من حوله بعد أن أبدى صموداً وشجاعة تذكر ، وحاول المتوكل الخائن الفرار شمالاً فوقع غريقاً في نهر وادي المخازن ، ووجدت جثته طافية على الماء ، فسلخ وملئ تبناً وطيف به في أرجاء المغرب حتى تمزق وتفسخ .
دامت المعركة أربع ساعات وثلث الساعة ، ولم يكن النصر فيها مصادفة ، بل لمعنويات عالية ، ونفوس شعرت بالمسؤولية ، ولخطة مدروسة مقررة محكمة .
قام "أحمد المنصور" أيضا بقيادة جيش المتطوعين ، فصدم مؤخرة الجيش البرتغالي بمنتهى العنف، وأشعلوا النار في خيام معسكر الصليبيين، وانقضت كتيبة المتطوعين على فرق الرماة البرتغالية، ففتكت بها فتكاً ذريعاً واضطرب الجيش البرتغالي بشدة، وبدأوا في الفرار من أرض المعركة إلى قنطرة نهر وادي المخازن لركوب الأسطول والفرار، ولكنهم فوجئوا بتهدمها، فوقفوا مصعوقين مذهولين ماذا يفعلون، فإذا بكتائب المغاربة من خلفهم، فقفز معظم الجيش البرتغالي في النهر هرباً من سيوف المسلمين، فغرق معظمهم في مياه النهر الهادرة التي أصبحت قبراً لهم، وكان على رأس من ابتلعتهم مياه النهر رمز الخيانة "محمد المتوكل"، أما الملك "سبستيان" فقد قتل، وحوله ألوف تدافع عنه، واستمرت هذه المعركة أربع ساعات، وقد مات في هذه المعركة ثلاثة ملوك: "عبد الملك السعدي" سلطان المغرب السعدي، و "محمد المتوكل" المخلوع عن عرشه، و "سبستيان" ملك البرتغال.
أدت هذه المعركة لتأمين حدود المغرب فأبعدت عنه اعداءه وحدت من جميع الاطماع الخارجية وأصبح مُهاب الجانب تخطب وده الدول الأوربية لهذا عرفت فترة المنصور السعدي استقرارا تميز بازدهار اقتصادي وتفرغ الدولة السعدية لبناء أسس دولة متماسكة فأنشئ ما يُعرف حاليا بالمخزن أو وزارة الداخلية المغربية والتي تتميز ببنية تراتبية تجعل الجميع في خدمة الدولة ففي المغرب حاليا لا توجد مخابرات قوية تضاهي مخابرات المخزن البسيطة التي تتفوق على اجهزة السي آي اي الأمريكية والسبب بسيط وهو أن المواطن العادي يصبح مخبرا لرجل قريب من سكناه هو ما يُعرف بالمقدم ,,,نُضيف عن نتائج معركة وادي المخازن فنقول انها أسفرت عن نهاية أسطورة شعب البرتغال وأفول نجمهم في عالم البحار، واضطربت دولتهم، وضعفت شوكتهم، يقول المؤرخ البرتغالي "لويس ماريا" واضعاً نتائج المعركة: "وهو العصر النحس بالغ النحوسة الذي انتهت فيه مدة الصولة والظفر والنجاح, وانتهت فيه أيام العناية من البرتغال، وانطفأ مصباحهم بين الأجناس، وزال رونقهم، وذهبت نخوتهم وقوتهم، وخلفها الفشل الذريع، وانقطع الرجاء، واضمحل الغنى والربح، وهو ذلك العصر الذي هلك فيه "سبستيان" في القصر الكبير في بلاد المغرب" ويجب تخليد يوم 4 غشت من كل سنة كعيد وطني للمغاربة
علاقة الدولة السعدية بالإمنبراطورية العثمانيةاثر امتداد الإمبراطورية العثمانية في الشرق العربي، ووصولها إلى الجزائر غربا، اصطدمت بقوة اكتسبت هبة دولية إثر معركة وادي المخازن ,ولتوطيد دعائم الدولة السعدية وحماية البلاد واجه محمد الشيخ ثم ابنه عبد الله تطلعات العثمانيين لمد سيطرتهم إلى المغرب، بعد أن تمكنوا من فرض سلطانهم على الشمال الإفريقي، كما استرجع محمد الشيخ مدينة فاس بعد أن دخلها أبو حسون الو طاسي بدعم من الأتراك عقب استنجاده بهم ضد السعديين، وبذالك وضع حدا لنفوذ العثمانيين بالقضاء على أبو حسون سنة 1555 م.وإثر اقتناع الإمبراطورية العثمانية بعدم جدوى محاولة ضم المغرب إليها، فضلت إقامة علاقات وتحالفات معه لمواجهة الجنود الأوروبيين المسيحيين. لكن في عهد احمد المنصور تطورت العلاقات السعدية العثمانية الى نوع من الصداقة رغم انه واجه عدة محاولات للتدخل العثماني بعد ما جمعوا وحدات لأسطولهم بالجزائر سنة 1581 لغزو المغرب، لكنه استعد لهم وأقنعهم بالرجوع عن مشروعهم و حافظ على مسالمتهم و بادلهم الهدايا و السفارات،خصوصا بعد أن خف ضغطهم بسبب انشغالهم بحروب اوربا الشرقية في القرن16.غير أن الإمبراطورية المغربية شهدت فيما بعد صراعا حول الحكم أدى إلى انهيارها وسهولة تغلل التدخل الأجنبي الأوروبي في شؤونها الداخلية. وقد أدى تعامل فرنسا التي وقعت معاهدة الحماية مع المغرب مع عدة دول ملكية في الشرق الأوسطوإفريقيا إلى اعتبار المغرب "مملكة" خصوصا بعدما فقد العديد من الأراضي التي كانت تابعة للإمبراطورية والتي تحولت إلى مستعمرات أوروبية.
وتعتبر الدولة المغربية الدولة العربية الوحيدة التي لم تخضع لامتداد الإمبراطورية العثمانية للقوة والهيبة الدولية التي تمتع بها أنذاك، وحضوره في الساحة السياسة العالمية، حيث كان من الدول الأوائل الذين اعترفوا بقيام الولايات المتحدة الأمريكية كما أن صراع هذه الأخيرة مع إيالة ليبيا (التابعة للإمبراطورية العثمانية) في عهد يوسف باشا القره مانلي أدى إلى تدخل المغرب لصالح ليبيا ودمر أسطول بحري أمريكي كان متجها نحوها، وذلك بعد تحذيره من التدخل العسكري اتجاهها أثناء الحروب الطرابلسية، غير أن العلاقات بين الدولتين كانت حسنة رغم ذلك.
الدولة السعدية:العصر الذهبيبلغت الدولة أوجها السياسي في عهد أحمد منصور (1578-1603 م)، والذي أمن رخاء البلاد من خلال تحكمه في اقتصاد الدولة كما استُحدِث في عهده نظام إدارة جديد، والذي أطلق عليه اسم "المخزن".
عمل المنصور بعد استقرار أوضاعه الداخلية و الخارجية لضم أقاليم السودان و تشكيل إمبراطورية إسلامية في غرب القارة لمواجهة الأطماع الأجنبية في ظل أوضاع السودان السيئة و انقسامها و بتزايد الخطر الإيبيري عبر المراكز الساحلية في غرب القارة، و اتجه الملك المنصور إلى الاستيلاء على المراكز الصحراوية المتجهة إلى السودان، و حاول إقناع الملك سونجاي الدخول في طاعته و برفضه أرسل له حملتين عسكريتين 1591 فقضوا على مملكته ليتم ضم أقاليمها للمغرب و جعلها تابعة لإدارته المركزية ،و عين لها واليا لتسيير أمور الإقليم واصبح المغرب يستفيد من تدفق الذهب من السودان الغربي .
مما ساهم في تعزيز مكانة المغرب وإنعاش أوضاعه الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية و العمرانية.
اندحار الدولة السعديةبعد سنة 1603 م قسمت المملكة وبدأت معها مرحلة التقهقر.
تدهور السعديين وتفكك المغرب:
عوامل تدهور الدولة السعدية وتراجع نفوذها:
العوامل السياسية:
-مشاكل العرش:على الرغم من الأمجاد التي حققها المنصور في مختلف الميادين ،فانه أساء إلى الدولة بتولية العهد احد أسوا أبنائه سيرة،ففتح بذالك خرقا استحال وثقه،وقضت الدولة قرابة نصف عمرها في نزاع مسلح على العرش منذ وفاة المنصور،وهذا النزاع عطل كل جهود الدولة تقريبا عن العمل السلمي المجدي وعن مواجهة المحتلين الدخلاء،وكان تقسيم المغرب إلى مملكتين هما مملكة مراكش ومملكة فاس بين أبناء المنصور اكبر مشجع لهم على التمرد وعدم الامتثال للملك المنصب.
- الاعتماد على العلوج في الجيش:كانت القيادة العسكرية كثيرا ماتوكل إلى العلوج ومن على شاكلتهم،وكان في الجيش عناصر مسيحية كثيرة من عدة أجناس،مما جرأ أدعياء العرش على أن يستنجدوا مرارا بالمسيحيين،وبذالك فقدت الثقة في العناصر الوطنية التي كانت توجد في الغالب تحت قيادة أتراك أو مرتزقة من أصل مسيحي،وهاته العناصر قامت بدور ملحوظ في الدس للدولة وإحباط كل خطة تهدف إلى تقويتها وتركيز دعائمها، كما قاموا بتسميم عبد الملك المعتصم،والاتصال سرا باتراك الجزائر وقتل المهدي الشيخ.
- التدخل الأجنبي:كان التدخل الأجنبي من عوامل قيام الدولة،كما كان من عوامل سقوطها أيضا فمنذ بدا القائم بنشاطه السياسي تصدى لحرب البرتغال الذين لم يتوقف الصراع ضدهم إلا في عهد المنصور لتستأنف بعده على يد الصوفية.وقد تبنى فيليب الثاني سياسة الدس والحقد التي سلكها البرتغال من قبل وبعد،فدبر مع الثائر محمد الشيخ الخطة للاستيلاء على العرائش،ثم استولى فيليب الثالث على المعمورة.وكذالك تعاون الأسبان أحيانا مع الموريسكيين على حساب المغرب وغيرهم…
- الحركات الاستقلالية:وتولدت نتيجة لضعف الملوك عن ضبط شؤون الدولة ومواجهة التدخل الأجنبي،وقد أدت إلى إضعاف هيبة الدولة وحدت من مواردها ومزقت صفوفها.
العوامل الاجتماعية والاقتصادية:
- عرف المغرب موازاة للاضطرابات السياسة تعاقب فترات من الأوبئة والجفاف.
- من بين القطاعات الاقتصادية التي تضررت أكثر نجد تلك التي تشكل موردا رئيسيا لخزينة الدولة،بحيث أدى تلاشي إشراف الدولة على صناعة السكر بسبب الحروب والأوبئة،إلى إتلاف المزارع وتخريب معاصر السكر،ومن ثم تراجع إنتاجه بالمغرب،وقد ظهرت في نفس الوقت مناطق تنافس المغرب في إنتاجه,
وانخفضت موارد القوافل الصحراوية من الذهب كذالك بسبب تراجع النفوذ السعدي عن السودان وعن منطقة التوات المركز الأساسي للقوافل القادمة من السودان.وبذالك تحول جزء مهم من تجارة القوافل نحو الولايات العثمانية،وتحول جزء مهم من التجارة السودان لصالح الأوربيين المتمركزين بالسواحل الإفريقية,
النتائج المترتبة عن تدهور الدولة السعدية:
ظهور قوات سياسية جديدة وتجزئة المغرب:
- حركة المجاهد العياشي:
ظهر محمد العياشي في البداية كأحد المتطوعين للجهاد في منطقة دكالة حوالي 1613.بعد ذالك تولى قيادة حركة الجهاد في المنطقة الشمالية الغربية من المغرب،وشرع في تنظيم حملات هجومية مستمرة ضد الثغور المحتلة.واتسع مجال تنقلاته الجهادية ليشمل طنجة والعرائش والمعمورة بل وحتى سبتة والبريجة.وتمكن عبر حملاته الموفقة من تضييق الخناق على المحتلين وإلزامهم على الاحتماء وراء الحصون،لكن حركة المجاهد العياشي لم تطل بسبب ضعف إمكانياته المادية،وعدم انضباط القبائل التابعة له،ودخوله في صراع مع المورسكيين بعدهم الدلائيين الذين تآمروا على اغتياله سنة 1641.
- حركة الجهاد البحري:
اتخذت اسبانيا سنة 1609 قررا لطرد المسلمين المتبقين بها بعد فشلها في قمعهم , وتوافدت بسبب ذلك على المغرب أفواج كبيرة منهم واستقر بعضهم في تطوان و بمصب أبي رقراق بقصبة الرباط التي أعادوا بناءها وتعميرها .
ومن هذين المركزين شرع (الموريسكيون) أو الأندلسيون المطرودون, في تنظيم حركة الجهاد ضد السفن الاسبانية على الخصوص , مستغلين في ذلك الأموال التي حملوها معهم وخبرتهم في ركوب البحر ومعرفة السواحل الأوربية .
و بذلك ساهمت الغنائم و النشاط التجاري المرتبط بها بتدعيم القوة الاقتصادية لسكان سلا و تطوان ما ساعد في ظهور كيانات مستقلة في المدينتين.
فاستقل موريسكيو تطوان تحت قيادة أسرة النقسيس المغربية، ومارسوا نشاطهم الجهادي بحرا بمضيق جبل طارق وبرا حول الثغور الشمالية المحتلة ، ورغم هذا لم يكن أقوى بما عليه في قصبة الرباط أو سلا التي اقتصرت فقط على الجهاد البحري و كانت سعة مينائها واتساع مجال نشاطها أكبر في منطقة تمر بها جل السفن الاروبية .
لتسقط المدينتين تحت نفوذ الدلائيين بسبب تراجع النشاط البحري منذ ق 16م، وبسبب صراعات داخلية و قوى محلية و ضغوط خارجية.
-الزاوية الدلائية:
ينتسب الدلائيون إلى قبائل صنهاجة و موطنهم ملوية وخلال ق 14 انتقلوا إلى منطقة (الدلاء) الواقعة غرب الأطلس المتوسط ، حيث أقام احد أحفادهم ( أبو بكر المجاطي ) الزاوية الدلالية في 1566،وانقطع فيها للعبادة و الوعظ و الإرشاد ونمت الزاوية وتطورت خصوصا في عهد ابنه (محمد أبي بكر) الذي تولى زعامتها سنة 1612م.
اقتصر الدلائيون في بداية الأمر على الاهتمام بالجانب العلمي و الديني و حافظوا على ولائهم للسعديين رغم تدهور سلطتهم , وبدأ تطلعهم إلى القيادة السياسية بعد تولي (محمد الحاج) زعامة الزاوية في 1637، بحيث جهز قوة عسكرية واجه بها السعديين وانتصر عليهم و اقتطع منهم منطقة ملوية و تدلا، تم وجه أنظاره نحو المناطق الشمالية و تافيلالت و الواجهة الاطلنتيكية , لكن سرعان ما تشتت قواتهم وتراجع نفوذهم أمام انفتاح عدة جبهات للصراع أمامهم .
-الزاوية السملالية :
تعرف هذه الزاوية باسم قبيلة مؤسسها احمد بن موسى السملالي قد ظهرت في ق 16 بتازروالت على السفح الغربي للأطلس الصغير.
وقد عرفت هذه الزاوية شهرة و نفوذا كبيرين في الجنوب المغربي بفضل النشاط الديني و العلمي لمؤسسها.
ومع بداية الصراع بين أبناء المنصور أظهر أحفاد الشيخ نزوعا نحوا الاستقلال و الثورة ضد السعديين، خصوص بعد أن آل الأمر لأحدهم سنة 1613، وهو سيدي علي المعروف (بابي حسون) فقد تمكن من توحيد قبائل جزولة حوله وتأسيس إمارة غرب الأطلس الصغير، وبنى مدينة ايليغ و كانت مقر لحكومته، وضم أقاليم سوس و درعة و سجلماسة إلى أن امتد نفوذه إلى بلاد السودان في ظل تشجيع الأمراء للتجارة.
وبذلك استقطبت الإمارة السملالية جزاءا مهما من التجارة الخارجية أيضا ،لما وفرته مناطق نفوذها من ثروات اقتصادية هامة و منافذها البحرية إضافة إلى ماعرفته من استقرار نسبي في أوضاعها السياسية.
ورغم ما توفر للسملاليين من إشرافهم على النشاط التجاري فإنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على هذا النشاط لأنهم لم يتمكنوا من الحفاظ على منطقته نفوذهم طويلا، فقد اضطرتهم قوة الأشراف العلويين الناشئة في تافيلالت إلى التراجع عنها و عن درعة سنة ،1646 لتجهز عليهم بعد ذلك في سنة 1670 .
اهم المعالم الحضارية للسعدييننشطت حركة العمران في الجنوب وطوال بداية انتشار حكم السعديين ،فقد أعادوا بناء و توسيع و تجديد عدة أماكن , والاهم بناء ضريح السعديين و إقامة قصر البديع، ليمتد نشاطهم نحو المناطق الشمالية لاحقا عبر أعمال تحصينية.
*استمرار الفن المعماري المغربي الأندلسي عبر الفن المعماري السعدي بحيث حافظوا على مواد البناء بها و ادخلوا تحسينات عليها مع الحفاظ على نفس أسلوب التجميل داخل البناءات.
قصر البديع
القصر البديع بمراكش من روائع الهندسة المعمارية الإسلامية بالمغرب، بناه السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي (1603-1578) شهورا قليلة بعد تولية الحكم وانتصاره الباهر على البرتغاليين في معركة وادي المخازن عام 1578م. اختار أحمد المنصور الزاوية الشمالية-الشرقية لبناء هذا القصر الذي يخصص لإقامة الحفلات وتنظيم الاستقبالات الرسمية. وقد انطلقت الأشغال به بعد شهر دجنبر من سنة 1578 واستمرت دون انقطاع لمدة 16 سنة.
وتشير المصادر التاريخية أن السلطان قد جلب لبنائه وزخرفته أمهر الصناع والمهندسين المغاربة والأجانب حتى أن بعض المؤرخين والجغرافيين القدامى قد اعتبروه من عجائب الدنيا. يقع قصر البديع في الجانب الشمالي الشرقي للقصبة، يتميز التصميم العام للمعلمة بتوزيع متناسق للبنايات حول ساحة مستطيلة الشكل . يتوسط هذه الآخيرة صهريج كبير طوله 90 مترا وعرضه 20 مترا وأربعة صهاريج أخرى جانبية تتخللها أربع حدائق. إن أهم ما يميز قصر البديع كثرة الزخارف وتنوع المواد المستعملة كالرخام والتيجان والأعمدة المكسوة بأوراق الذهب والزليج المتعدد الألوان والخشب المنقوش والمصبوغ والجبس. إلا أن هذه المعلمة البديعة تعرضت للهدم سنة 1696م حيث استعمل السلطان العلوي إسماعيل العناصر المزينة لها لزخرفة بنايات عاصمته الجديدة مكناس.إلا أننا نتوفر على عدة نصوص تاريخية وتصاميم تمكننا من التعرف على هندسته ومكوناته المعمارية وزخارفه. يشير تصميم برتغالي يعود إلى سنة 1585، إلى أن القصر كان محاطا بسور مدعم في زواياه الأربعة بأبراج وأن الولوج إليه كان يتم عبر عدة أبواب تتواجد الرئيسية منها بالجهة الجنوبية الغربية.
كان القصر ينتظم حول ساحة مركزية كبرى تتوسطها بركة مائية كبيرة تتوفر على نافـورة. وبجنباتها روضتان مغروستان بالأشجار والزهور وصهاريج مائية ذات حجم أصغر. وبوسط الضلعين الصغيرين للساحة يرتفع جناحان لم يتبق منهما إلا آثار واحد، وهما ذوا تصميم مربع وكانا مغطيين بقبة يحملهما 12 عمودا ضخما تذكرنا بتلك التي ترفع حاليا قبة القاعة الكبرى لقبور السعديين بمراكش. كانت أرضيتهما المغطاة بالزليج تتخللها برك مائية صغيرة تغذيها قواديس، مما كان يساهم في تلطيف الجو داخلهما.
وعلى الجنبات الطويلة للساحة تمتد عدة أجنحة مستطيلة تنفتح بواسطة أقواس لم يتبق منها إلا أطلالها. ومن بين أهمها تذكر المصادر قاعة الذهب، وقاعة البلور وقاعة الخيزران . أما القاعة الخمسينية التي كانت تستعمل كقاعة للاستقبالات فلازالت قائمة بالجهة الشرقية بالقرب من المدخل الرئيسي للقصر.
وبسبب حالة الخراب التي يتواجد عليها قصر البديع حاليا، فإننا لا نتوفر إلا على عناصر قليلة تمكننا من التعرف على الزخارف التي كانت تغطي جدرانه وأرضيته وسقوفه. وتذكر المصادر من بين المواد التي استعملت لهذا الغرض الرخام، والجزع من شتى الألوان، والتيجان المذهبة والزليج المتعدد الألوان والسقوف الخشبية المذهبة، والجبس المنقوش والمصبوغ إضافة إلى النافورات والبرك المائية. ويمكننا أن نتخيل حلة القصر البديع من خلال روائع الفن المعماري السعدي المتبقية بمراكش خاصة القبور السعدية ومدرسة بن يوسف.
يشكل قصر البديع نموذجا حيا يمكننا من التعرف على عمارة القصور خلال القرن 16 بالمغرب. فهو يحمل عدة تأثيرات أجنبية تتجسد من خلال تصميمه الأندلسي الشكل. فالأجنحة المحورية مستوحاة من ساحة الأسود بغرناطة ونجدها أيضا في صحن مسجد القرويين بفاس، والبركة المائية المستطيلة والكبيرة الحجم نجدها بساحة الريحان. أما نظام البرك والقنوات المائية داخل القاعات فنجد مثيلا لها بقصر الحمراء بغرناطة. ويفهم من هذا أن الفن الأندلسي بغرناطة ظل يمارس تأثيره على الفن المغربي خلال هذه الفترة بفضل هجرات المورسكيين الفارين من حروب الاسترداد المسيحية. ويفيدنا المؤرخ الإفراني في فهم بعض مصادر التأثير الأخرى حيث يذكر أن المنصور الذهبي استقدم العمال والحرفيين من كل البلاد وحتى من أوروبا كما جلب الرخام من مدينة بيز من إيطاليا ، وهي طرق وتقاليد شائعة في القرون الوسطى ببلاد الإسلام
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]