حروب الردة :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بدأ الصِّدِّيق
في تجهيز مجموعة من الجيوش الإسلاميَّة التي ستخرج لحرب المرتدِّين في وقت متزامن، فجهز أحدَ عشرَ جيشًا كاملاً، لا يتعدَّى قِوَامها ألفين أو ثلاثة أو على الأكثر خمسة آلاف، ولكنها كانت جيوشًا مُنَظَّمة، راغبةً في الجهاد في سبيل الله، فاهمةً لقضيَّتها، معتمدة على ربِّها، وحدَّد الصِّدِّيق
اتِّجاه كلِّ جيش من هذه الجيوش الأحد عشر، فوُزِّعت هذه الجيوش على الجزيرة توزيعًا دقيقًا، بحيث لا تبقى قبيلة أو منطقة إلا ويمرُّ بها جيش المسلمين.
واختار الصِّدِّيق
أحدَ عشرَ قائدًا فذًّا من قوَّاد الإسلام على رأس هذه الجيوش؛ فقاد خالد بن الوليد الجيش الأول المتَّجه إلى طيِّئ أوَّلاً، ثم بني أسد؛ تلك القبيلة الخطيرة التي يقودها طليحة بن خويلد الأسدي, ثم بني تميم، وفيهم مالك بن نُوَيْرَة، فإذا انتهى مِن كلِّ هذا بنجاح فإنَّ عليه أن يتوجَّه إلى بني حنيفة، لمقابلة أخطر جيوش المرتدِّين، وعلى رأسها مُسيلمة الكذَّاب؛ وذلك لمساعدة الجيشيْن الثاني والثالث
[17]
.
وكان عكرمة بن أبي جهل على رأس الجيش الثاني، وشُرَحْبِيل بن حَسَنَة على رأس الثالث، وأَمَر الصِّدِّيقُ
عكرمةَ ألا يُقاتل حتى يأتيه جيش شُرَحْبِيل، وكان جيشه حوالي ثلاثة آلاف، بينما يتعدَّى جيش مسيلمة مائة ألف رجل، فتعجَّل عكرمة بن أبي جهل في قتال مسيلمة قبل أن يأتيه شُرَحْبِيل بن حَسَنَة، فاجتاح جيشُ مسيلمة جيشَ عكرمة بن أبي جهل، ففرَّ جيش عكرمة، وتفرَّقوا في المنطقة، ووصلت الأنباء إلى الصِّدِّيق بالمدينة، فحزن حزنًا شديدًا، وعلم أن الجيش الإسلامي في طريقه إلى المدينة، فأرسل رسالة إلى عكرمة بن أبي جهل عَنَّفه بشدَّة على تسرُّعه في محاربة مسيلمة الكذاب، وقال له: لا ترجع بجيشك إلى المدينة، واتَّجه بجيشك إلى حذيفة بن محصن، وعَرْفَجَةَ بن هَرْثَمَةَ في اليمن، فقاتِل معهما
[18]
.
وعندما وصل جيش شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قرب بني حنيفة عسكر منتظرًا مدد أبي بكر الصِّدِّيق
، ثم تعجَّل فهاجم بجيشه الصغير -ثلاثة آلاف مجاهد- جيش مسيلمة، فحَدَث مع جيشه نفس الذي حدث مع عكرمة بن أبي جهل، فحَزِنَ الصِّدِّيق حزنًا شديدًا، وأرسل له أنِ امْكُث في مكانك، ولا ترجع إلى المدينة.
ثم كلَّف الصِّدِّيق خالد بن الوليد بقتال بني حنيفة، فهزمهم في معركة اليمامة بعد قتال عنيف، ظهرت فيه بطولات المهاجرين والأنصار, وقُتِلَ مسيلمة الكذَّاب على يَدِ بطلين؛ هما وحشيّ بن حرب بحربته، وأبي دُجَانَةَ بسيفه, وبلغ عدد قتلى المرتدِّين في معركة اليمامة 21000 قتيل، واستُشْهِد من جيش المسلمين 1200 شهيد، منهم 500 من حفظة القرآن، ثم صالح خالد
بني حنيفة؛ فعادوا للإسلام، وذهبوا إلى أبي بكر الصِّدِّيق، وبايعوه
[19]
.
كان الجيش الخامس مُتَّجهًا إلى الشمال وعلى رأسه خالد بن سعيد
, وكان متَّجهًا لقبيلة قُضَاعَة. أما الجيش السادس فكان مُتَّجهًا إلى مشارف الشام، وعلى رأسه عمرو بن العاص
، ولم يُلاقِ هذان الجيشان قتالاً يُذكر، وما إن وَصَلا إلى الشام حتى فرَّت منهم القبائل، فعادوا إلى المدينة
[20]
.
أما الجيش السابع فاتَّجه إلى قبائل عبد القيس الموجودة في البحرين، وكان على رأسه العلاء بن الحضرمي، وكانت كلُّ القبائل في تلك المناطق قد ارتدَّت عن الإسلام وعلى رأسها قبيلة عبد القيس، وما ثبت على الإسلام إلا قرية صغيرة تسمى جُوَاثَى التي حاصرها المرتدُّون، فأرسل رسائل إلى القبائل المرتدَّة لعلَّها تعود للإسلام، ولكنهم رفضوا, وأصرُّوا على موقفهم, فدارت المعارك بين الجيش المسلم والمرتدِّين استمرَّت شهرًا كاملاً، وفي ذات يومٍ سمع العلاء بن الحضرمي ضَجَّة في معسكر المرتدِّين، فعلم أنهم سُكارى، فجهَّز جيشه في الليل، وباغتهم فهزمهم هزيمة ساحقة، وفرَّ بعضهم إلى جزيرة دارين، ولم يكن مع العلاء بن الحضرمي في ذلك الوقت سفن، فرَكِب الجيش البحر، ووصلوا إلى دارين دون أن يفقد المسلمون مقاتلاً واحدًا، ورأى الفارُّون المرتدُّون جموعَ المسلمين تخرج من البحر، فسُقِطَ في أيديهم، وأَعْمَل المسلمون فيهم السيف، وقتلوا منهم أعدادًا كثيرة، ثم عاد المسلمون منتصرين في سفن المرتدِّين
[21]
.
أما الجيشان الثامن والتاسع فاتَّجها إلى عُمَان فكان الجيش الأول بقيادة حذيفة بن محصن
، والجيش الآخر كان بقيادة عَرْفَجَة بن هرثمة، وقد أَمَر أبو بكر
الجشين بأن يتَّحدا بقيادة حذيفة بن محصن، ولحق بهما عكرمة بن أبي جهل بعد أن هُزِم أمام مسيلمة وأرسل حذيفة رسالة إلى جَيْفَر وعبَّاد فرجعا بمن معهما من المسلمين إلى جيش حذيفة بن محصن، وعسكروا مع المسلمين، بينما جهَّز لُقَيْط -الذي ادَّعى النبوَّة بعد وفاة النبي
- جيشه، وتقابل مع المسلمين في موقعة شرسة، وكانت القوَّة متكافئة، وظلَّ الفريقان في صراع إلى أن مَنَّ الله على المسلمين بمدد من جيش العلاء بن الحضرمي، فرَجَحَت كِفَّة المسلمين، وكتب الله النصر للمسلمين، وقُتل لُقَيْط بن مالك، وقُتل معه عشرة آلاف مرتدٍّ
[22]
.
ثم انطلقت جيوش المسلمين الثلاثة بعد ذلك إلى مَهَرَة
[23]
لقتال المرتدِّين هناك، ولما وصل الجيش إلى مَهَرَة بعث أبو بكر برسالة يُؤَمِّرُ فيها عكرمة بن أبي جهل على الجيوش الثلاثة, وكان بهذه المنطقة كثير من القبائل المرتدَّة، وكان على رأس هذه القبائل اثنان يُدعى أحدهما شخريط والآخر مَصْبَح، وبعد ارتدادهما اختلفا وتقاتلا، فكلٌّ منهما يريد إمارة المرتدِّين، ووصل عكرمة، وعلم بأمرهما فراسل شخريطًا، وهدَّده بقوَّة المسلمين، ورغَّبه في الإسلام، فأسلم شخريط لمَّا تيقَّن من قوَّة المسلمين، وأنهم سيحاربون معه ضدَّ مَصْبَح، وتسلَّل بجيشه وانضمَّ إلى جيش عكرمة بن أبي جهل، وقاتل المسلمون في هذه المعركة قتالاً شديدًا، وصبروا حتى كتب الله لهم النصر
[24]
.
وبعد انتصار المسلمين في مَهَرَة جمع عكرمة الجيش ليذهب به إلى اليمن، وكان المتَّجِه إلى اليمن جيشان؛ الجيش العاشر بقيادة المهاجر بن أميَّة حيث اتَّجه إلى صنعاء، والجيش الحادي عشر بقيادة سُوَيْد بن مُقَرِّن توجه إلى تهامة، وكان الأسود العنسي قد ادَّعى النبوَّة قبل وفاة النبي
، ولكنه قُتل على يَدِ فيروز الدَّيْلَمي, وقيس بن مكشوح الذي كان على رأس المرتدِّين بعدما عَلِمَ بوفاة الرسول
، ولكنه هُزِمَ هزيمة ساحقة على يَدِ الجيوش الإسلاميَّة فاستسلم، واستسلم معه عمرو بن معديكرب، وأرسلوا إلى الصِّدِّيق مع أحد الرسل، وفي الطريق أسلما قبل أن يصلا إلى المدينة، وقَبِل منهما الصِّدِّيق الإسلام
[25]
.
جمع القرآن :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
انتهت حروب الردَّة، وتمَّ القضاء على كلِّ مَن ادَّعى النبوَّة وبدأت أنظار المسلمين تتَّجه إلى أمرين؛ أوَّلهما: التفكير في جمع القرآن وحفظه؛ فقد كان القرَّاء والعلماء أسرع الناس إلى العمل والجهاد؛ لرفع شأن الإسلام والمسلمين، فخرج عدد كبير منهم لجهاد المرتدِّين, فكان استشهادهم في معركة اليمامة بمنزلة إنذار للمسلمين حتى يحفظوا قُرْآنهم من الضياع, فأشار عمر بن الخطاب
على الصِّدِّيق
بجمع القرآن، فيقول أبو بكر
: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن الكريم، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقُرَّاء في المواطن كلها، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلتُ لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله
؟! فقال عمر: هذا والله خير، فلم يزلْ عمر يُراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر
[26]
.
فأَمَر الصِّدِّيق زيدَ بن ثابت
بجمعه قائلاً له: إنك رجل شاب عاقل، لا نتَّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله
، فتتبَّعِ القرآنَ فاجمَعْه. فقال زيد: فوالله لو كلَّفني نقلَ جبل من الجبال ما كان بأثقل عليَّ مما كلفني به من جمع القرآن
[27]
.
وثاني الأمرين هو تأمين حدود دولتهم، فالفرس يقفون في وجه الدعوة الإسلاميَّة، ويساندون أعداءها, كما يحارب الروم الدعوة وينصرون خصومها.
الخروج للفرس والروم :
بدأت عداوة الفرس للمسلمين في عهد الرسول، عندما أمر ملك الفرس عامله على اليمن أن يرسل من عنده رجلاً ليقتل رسول الله أو يأسره، بعدما أرسل له النبي مَن يدعوه إلى الإسلام، ولكن الله أَهْلَكَ ملك الفرس عندما ثار عليه قومه، وحفظ رسوله حتى مات
[28]
.
وعندما ارتدَّت العرب ظنَّ الفرس أن العرب المرتدِّين سيقضون على الإسلام في مهده، ولكن الله خَيَّبَ ظنَّهم، فعادوا يكيدون للإسلام، فما كان من أبي بكر الصِّدِّيق
t
إلا أن بعث إليهم خالد بن الوليد، وتحرَّك الجيش بقيادته نحو العراق، ونزل الحيرة فدعا أهلها إلى الإسلام، أو الجزية، أو الحرب, فقَبِل أهل الحيرة أن يدفعوا للمسلمين الجزية ويعيشوا في أمان وسلام، وكانت هذه أوَّل جزية تُؤخذ من الفرس في الإسلام
[29]
.
وسار خالد بجيشه إلى الأنبار، فهزم أهلها حتى نزلوا على شروطه، وقبلوا دفع الجزية أيضًا. ثم اتجه إلى "عين التمر"، ومنها إلى "دُومَة الجَنْدَل"، وفتحهما عَنوةً وقهرًا بعد أن رفض أهلها الإسلام والجزية وأعلنوا الحرب! فانتصر البطل الفاتح عليهم وأَمَّنَ بذلك حدود الدولة الإسلاميَّة الناشئة من ناحية الفرس
[30]
.