الاقتصاد المغربي بين "النمو" وإشكالية الانتقال نحو "التنمية"
تبعا لمفاهيم مصطلحات الفكر الاقتصادي ثمة توضيح بين النمو والتنمية الاقتصادية وجب الوقوف عنده كمحاولة لفهم التباين بين المجال الاقتصادي والمجال الاجتماعي. فالنمو هو في الأساس مرتبط بالإنتاج الوطني الداخلي الخام الذي يفترض أن تكون الآليات الإنتاجية الوطنية قادرة على تغطية الحاجيات الاستهلاكية الأساسية للمواطن مع إمكانية توفير فائض يمكن تخصيصه للتصدير مقابل اغناء الاحتياطي المغربي من العملات الأجنبية الضرورية لتمويل استيراد ما قد يعجز الاقتصاد الوطني على توفيره للمواطن. كما تجدر الاشارة إلى كون النمو يعتبر من بين الأهداف الأربع الأساسية : النمو والتشغيل والتضخم والتوازنات المالية الخارجية، التي يسعى الاقتصاد المغربي على غرار باقي اقتصاديات العالم على التوفيق بين مستوياتها علما بكون الأمر ليس بالهين ولكن بلوغه ليس بالمستحيل.
فإذا أقر والي بنك المغرب على تمكن الاقتصاد المغربي من تحقيق معدل نمو معقول بالرغم من الاكراهات الخارجية والداخلية، وبالرغم من كون معدل النمو المشار إليه يظل غير مضبوطا من الناحية الواقعية بالنظر لطبيعة الاقتصاد المغربي الذي يشهد توسع رقعة القطاع غير المهيكل المتجسد في عدة أنشطة إما داخليا وإما حدوديا والتي يصعب إدراجها ضمن معدل النمو؛ يبقى هذا المعدل ناقصا وغير معبر عن واقع الاقتصاد المغربي. وما يراد التلميح إليه هو كون حجم من المعاملات "ذات طابع اقتصادي" تظل خارج تحكم السياسة الاقتصادية للبلاد في حصرها وتدبيرها. وتجاوز هذه الإشكالية لن يكون إلا تدريجيا لكون مسبباتها يختلط فيها الاقتصادي بالسياسي والاجتماعي.
يمكن حصر الأهم إما في كون السياسة الاقتصادية و الاجتماعية في البلاد لم تتمكن من إيجاد توافق بين مكونات le carré magique المشكلة للنمو والتشغيل والتضخم والتوازنات المالية الخارجية ؛ أو أن الاقتصاد المغربي لم يجد له، ضمن ما جاد به الفكر الاقتصادي من نظريات، نظرية تتناغم وطبيعة الاقتصاد المغربي ؟ أو أن الأمر بات جليا إذ يكمن في عدم قدرة العنصر البشري المدبر للسياسة الاقتصادية العمومية، لتشبثه بالصراعات السياسية الجوفاء واللامتناهية التي تفضي إلى إبراز أطر أساسها الزبونية والقرابة وزادها الانتهازية وغياب المؤهلات وبالتالي فاقدة للرؤيا المستقبلية لسير الاقتصاد الوطني ووضعيته الاجتماعية والثقافية والفنية والتربوية... مؤمنة ومتشبثة بمبدأ "ON VIT AU JOUR LE JOUR" أي بالمرحلية والظرفية. وما يزكي ويرسخ هذا المبدأ لدى جل القطاعات العمومية لكونها تعاني من أعطاب هيكلية، هو غياب، لا أقول الضمير لكون الضمير مسألة معنوية شديدة الصلة بالوطنية إلا أنها شبه منعدمة في الممارسات العمومية حاليا لكون من شب على نهج شاب عليه، وإنما أقصد التفعيل الجدي للمعادلة المتجلية في المسؤولية مقابل المحاسبة والتي من دونها فلا ضمانة للاستقرار والسلم الاجتماعي. وليذهب السيد الشامي وزير الصناعة، خلال برنامج نقط على الحروف، ويجعل عنصر الضمير والرغبة في خدمة الوطن هي الفرق بين العمل في القطاع الخاص والقطاع العام. معذرة، السيد الوزير، فالفرق يكمن في كون القطاع الخاص، ليس كله بل فقط في المقاولات الكبرى، يشتغل وفق مبدأي المكافأة والمحاسبة الفعلية وهذا ما يحفز المؤهلات والضمير. أما موظف القطاع العمومي فقد بات مرسخا لديه كون المكافأة لا يستفيد منها إلا المقربون وما قد يلم به، هي المحاسبة والمجالس التأذيبية... مما يجعله مكرها في وضعية الخضوع لا في وضعية حتى الجرءة على الابتكار والاجتهاد وإبراز وطنيته.