عبد الرحيم الحاج محمد القائد العام للثورة العربية في فلسطين 1939 م
يقول الله تبارك وتعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } ( القرآن الكريم ، البقرة ) . ويقول الله العزيز الحكيم : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } ( القرآن الكريم : البقرة ) .
أولا : حياة ونشأة المجاهد الصغير عبد الرحيم الحاج محمد
نكتب بأحرف من نور وذهب سيرة شخصية فلسطينية وطنية فذة جاهدت ضد الاحتلال البريطاني لفلسطين ، وضد الوجود الصهيوني في فلسطين إنه المجاهد الصغير ( كما كان يسمي نفسه ) الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد آل سيف ، من مواليد قرية ذنابة ، في محافظة طولكرم بفلسطين ، عام 1312 هـ / 1892 م . وعائلته من العائلات العريقة التاريخية المشهورة في البلاد . فقد التحق أحد أجداده بحملة صلاح الدين الأيوبي لطرد الفرنجة الصليبيين من بلاد الشام عامة وفلسطين خاصة ، كما أعدم نابليون بونابرت أحد أجداده أثناء حملته على فلسطين عام 1799 م . وقرية ذنابة التي ترعرع فيها القائد عبد الرحيم الحاج محمد ، هي قرية فلسطينية صغيرة ، كانت تضم نحو 900 نسمة عام 1936 ، ضمت عدة عائلات هي : آل البرقاوي ، وآل سيف ، وآل عساف ، وآل خريشي ، وآل دلبح . ويحد قرية ذنابة يحدها غربا وجنوبا أراضي مدينة طولكرم ، وشوفة شرقا وكفر اللبد وعنبتا شمالا .
وقد نشأ وترعرع الشهيد عبد الرحيم الحاج محمد في قرية ذنابة ، القريبة من الساحل الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط ، ذات المناخ الساحلي الرطب صيفا والمعتدل في بقية فصول السنة الثلاثة : ربيعا وخريفا وشتاء . وبالنسبة لطفولة وشباب المجاهد الصغير ، فقد احتضنت كتاتيب قرية ذنابة الطفل عبد الرحيم لينهل من علم المدرسين فيها في مختلف العلوم الدينية والدنيوية . وفيما يتعلق بزواجه وعائلته ، فقد تزوج المجاهد الصغير ، عبد الرحيم الحاج محمد ، ورزقه الله عز وجل بأربعة أولاد هم : كمال ، وهو الابن البكر ، وعبد الكريم ، وجواد وجودت . وتوفيت زوجته عام 1934 . وكان يدعى ( أبو كمال ) . ولم يتزوج ثانية بعد وفاة زوجته ، فأوكل مهمة تربية أبنائه الأربعة إلى شقيقته ( الحاجة حليمة ) فكانت ترعاهم حق الرعاية بل وتولت جميع شؤونهم بعد ابتعاد والدهم عنهم وانشغاله بالثورة العربية في فلسطين .
من جهة ثانية ، عمل المجاهد الصغير ، في عدة مهن ، مدنية وعسكرية ، ففي العمل العسكري ، وعند بلوغ عبد الرحيم الحاج محمد سن الشباب التحق بالعسكرية خلال فترة الحكم العثماني للوطن العربي عامة وفلسطين خاصة ، فالتحق بكتائب الجيش العثماني بمدينتي بيروت وطرابلس شرقي بلاد الشام ( لبنان ) على ساحل البحر الأبيض المتوسط . وعندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918 بعد أربع سنوات عجاف على العرب والفلسطينيين ، زال الحكم العثماني عن سوريا الجنوبية ( فلسطين ) وأخضعت البلاد للاحتلال البريطاني الذي كان قدم وعدا عبر وزارة الخارجية البريطانية أطلق عليه وعد بلفور في 2 تشرين الثاني – نوفمبر 1917 ، يقضي بتسهيل إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بدعم بريطاني شامل ومتكامل نظير مساعدة الجاليات اليهودية في أوروبا والولايات المتحدة الحلفاء في حربهم مع دول المحور الألماني – الإيطالي – النمساوي – التركي والسعي لإدخال الولايات المتحدة في الحرب لصالح الحلفاء وهذا ما كان .
وبالنسبة للعمل التجاري ، ففي ذلك العام ، 1918 ، رجع عبد الرحيم الحاج محمد إلى مسقط رأسه بقرية ذنابة ، وبدأ يعمل في التجارة في طولكرم علما بأن عائلته كانت ميسورة الحال ماليا ، فقد ورث عن أبيه عقارات واسعة من أراض وبيوت ومحلات تجارية . وأما بالنسبة للعمل الثوري الفلسطيني للمجاهد الصغير في الثورة العربية بفلسطين ، فقبل اندلاع الثورة العربية بفلسطين ، شهدت سنوات العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين الماضي ، مظاهرات عارمة وانتفاضات وهبات جماهيرية وثورات شعبية متتالية ظهرت تارة واختفت تارة أخرى حسب الأوضاع والظروف الملائمة ودرجة الاستفزازات التي يقوم بها الاحتلال البريطاني والجاليات اليهودية بفلسطين . وتضمنت فعاليات المقاومة الشعبية الفلسطينية الأعمال السلمية كالمظاهرات والمذكرات والعرائض الاحتجاجية على ممارسات الاحتلال والجاليات اليهودية في البلاد . وقد هيأت هذه الفعاليات الشعبية والأهلية السلمية أبناء شعب فلسطين الأصليين للثورة على الاحتلال والمحتلين إلى أن بزغ فجر الثورة العربية الكبرى في فلسطين ربيع عام 1936 ..
ثانيا : بداية التحاق المجاهد الصغير بالثورة العربية بفلسطين
انخرط عبد الرحيم الحاج محمد في صفوف المدافعين عن فلسطين ، الوطن والشعب ، فشرع يحرض أبناء شعبه الفلسطيني ، ضد الاحتلال البريطاني للبلاد ، والوجود الصهيوني الذي بدأته الجاليات اليهودية الغربية خاصة الأوروبية والروسية والأمريكية . وأخذ عبد الرحيم يدعو الفلاحين والتجار والمهنيين في مثلث الرعب الفلسطيني : طولكرم ونابلس وجنين لمقاومة الغزاة الأجانب من يهود وبريطانيين . وما مكنه أكثر علاقاته التجارية اليومية مع المزارعين والتجار الفلسطينيين في القرى والمدن الثلاث المذكورة آنفا بسبب تجارته بالقمح ، وهو المحصول الرئيسي في هذه المناطق الفلسطينية الوسطى . وقد لاقى كل تأييد وتشجيع من أهل فلسطين ، للسعي الحثيث نحو الحرية والاستقلال الوطني ودحر الغاصب الأجنبي .
وما فتئ عبد الرحيم الحاج محمد ، الشاب والفلاح والتاجر والعسكري الفلسطيني ، أن دعا إلى الاستعداد للثورة والنزال العسكري القومي والإسلامي ، ضد الاحتلال والمحتلين ومن لف لفهم من اليهود الطامعين في أرض فلسطين لتكون مستعمرة كبيرة متقدمة للغرب في وطن العرب . وبما أن عبد الرحيم كان رجلا عسكريا سابقا ، خدم في وحدات الجيش العثماني السابق في سوريا الكبرى ، فأراد الانتقال من العمل التحريضي التعبوي السياسي والجماهيري إلى فعل العمل العسكري : الجهادي والفدائي في سورية الجنوبية ( فلسطين ) التي أخضعت بعد الحرب العالمية الأولى لنفوذ الاحتلال البريطاني المباشر الداعم لترسيخ المشروع الصهيوني في أرض وطن الاباء والأجداد العرب المسلمين في فلسطين . فباشر بجمع الأموال والسلاح وتوزيعهما على سريا وكتائب ومجموعات وخلايا المجاهدين العرب الفلسطينيين السريين الذين بدأوا يعدون العدة العملية والفعلية للكفاح الشامل ضد الاحتلال والمحتلين . وبالفعل ، نظمت عدة خلايا عسكرية سرية ، من سرايا المجاهدين ضد الغزاة المحتلين الأجانب من كلا الجانبين : اليهود والبريطانيين ، كصليبيين وفرنجة جدد ، ونفذت عدة هجمات عسكرية بقوات الأعداء وقصفت المستعمرات اليهودية في مثلث الرعب الفلسطيني ( نابلس – طولكرم – جنين ) فقتل بعض جنود الاحتلال والمستعمرين اليهود ودمرت مساحات واسعة من المزارع اليهودية في هذه المناطق فدب الذعر والرعب في صفوف الاحتلال ومعاونيه اليهود . ولا بد من القول ، إن العصابة الجهادية التي أسسها الشيخ العربي المسلم عز الدين القسام أثناء وجوده بالساحل الفلسطيني ، واستشهاده في 20 تشرين الثاني – نوفمبر 1935 ، في منطقة أحراش يعبد جنوب مدينة جنين ، ساهمت في تأجيج روح التحدي والثورة في صفوف ابناء شعب فلسطين الغيورين على الوطن والأمة . وبعد هذه المعركة الجهادية التي استشهد فيها الشيخ القسام ، بادر عبد الرحيم الحاج محمد إلى التخلي عن مهنة التجارة ، والتبرع بماله للثورة الفتية الناهضة المناهضة للاحتلال البريطاني .
وفي 25 نيسان – ابريل 1936 ، نادت الأحزاب السياسية الست في فلسطين إلى تنظيم اضراب عام شامل ضد الاحتلال البريطاني واليهود ، وشكلت " اللجنة العربية العليا " برئاسة الحاج أمين الحسيني مفتى القدس والديار الفلسطينية ، رئيس الهيئة الإسلامية العليا .
ثالثا : المجاهد الصغير القائد العام للثورة العربية بفلسطين
في مطلع عام 1939 تم تعيين عبد الرحيم الحاج محمد قائدا عاما للثورة ( القائد العام لجيش الثورة العربية في فلسطين ) أثناء وجوده بدمشق وعين لمعونته مجلس قيادي يتناوب على رئاسته أحد أعضائه دوريا . وقد استشهد عبد الرحيم الحاج محمد على يد البريطانيين في 27 آذار 1939 وهو يتبوأ منصب القائد العام للثورة العربية بفلسطين .
وهذا نموذج عن البيانات العسكرية للثورة أثناء قيادته
مجلس قيادة العامة للثورة العربية بفلسطين 7 / 9 / 1938
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
( محكمة الثورة العربية بفلسطين )
نظرا لكثرة الدعاوى المقامة لدى الثوار العرب ، فقد قررت القيادة العامة للثورة العربية بفلسطين ، تعيين محكمة صلح الثورة برئاسة المجاهد عبد القادر اليوسف عبد الهادي للنظر في القضايا المقامة لدى محكمة الثورة بما فيه المصلحة العامة بما جاء به الكتاب المقدس والسنة النبوية سيرا على نهج السلف الصالح " ومن لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " . وقد أعطيت له السلطة والصلاحية في القيام بمهمته ، وتنفيذ أوامره لدى صدورها ، وقد يجوز استئناف القضايا الجزائية لدى القيادة . هذا ولا يجوز النظر في القضايا الجزائية التي مر عليها أكثر من عشر سنوات . ألفت نظر الجمهور العربي الأبي بعدم تقديم الشكاوى للحكومة الغاشمة مع رفع رسوم الدعوى التي يتراوح ما بين خمسين إلى خمسماية مل فلسطيني . هذا راجيا من الله العون وحسن التوفيق . والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه . { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } .
خادم أمته ووطنه المجاهد الصغير / عبد الرحيم الحاج محمد