[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
المقاومة السنية للدولة العبيدية في الشمال الإفريقي ومراحلها
د/ محمد العبدة
تمهيد
سحابة مظلمة أطلت على القرن الرابع الهجري، إنه عصر التدهور السياسي المحزن، فذاك القرن ومعه بداية القرن الخامس قد يكون من أسوأ الحقب التي مرت على المسلمين؛ وذلك حين استولى البويهيون على الخلافة في بغداد وأضعفوها وفتحوا الباب لكل المذاهب الضالة، وحين
خريطة الدولة العبيدية
استولى القرامطة على شرقي الجزيرة العربية وجنوب العراق، وقاموا بالغارات على الشام ومصر والحجاز، ورافق ذلك أيضًا التدهور المالي؛ لأن هذه الفرق وهذه الدول لا يهمها إصلاح الأوطان بقدر ما يهمها العيث والفساد في الأرض وتنفيذ آرائهم الباطنية.
وقد بلغت ذروة تمكن هذه الفرق في قيام الدولة العبيدية الملقبة زورًا بـ(الفاطمية)، وكانت نشأتها في منطقة شمال إفريقيا (تونس)، وقد أخذ دعاة هذه الدولة البيعة لعبيد الله الملقب بالمهدي في القيروان، ثم بنى مدينة (المهدية) في الساحل الشمالي الشرقي من (تونس).
هل هذا نبش للتاريخ؟ نعم، إنه شيء لا بد منه، فمن الماضي يبنى الحاضر والمستقبل، وربما يكون في غفلة أهل السُّنَّة اليوم عمّا يدبر لهم من مكائد هؤلاء ما يدعونا لنبش التاريخ مرة ثانية وثالثة؛ ولأن كثيرًا من الناس لا يقرءون التاريخ، ولا يربطون الماضي بالحاضر.
وسنتكلم عن نموذج من هذه الدول الباطنية (الدولة الفاطمية) والمقاومة السنية التي وقفت في وجهها في شمال إفريقيا.
طبيعة هذه الدولة
1- أنشأ هذه الدولة حركة باطنية فلسفية سياسية تدعي الانتساب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، والحقيقة أن الغموض يلف هذه الدعوة، فلا يوجد أي خبر صحيح أو صادق عن سلسلة النسب ما بين مؤسس هذه الدولة (عبيد الله بن ميمون القداح) وبين محمد بن إسماعيل
بن جعفر الصادق (توفي والده إسماعيل في حياة جعفر الصادق كما يقولون). وقد طعن علماء السنة وكثير من المؤرخين في نسب هذه الأسرة، وكتبوا محضرًا في ذلك في بغداد، وكان من الموقعين عليه الشريف الرضي. وكثير من المؤرخين يُرْجِعون نسب عبيد الله إلى أصل فارسي،
وقضية التشيع لآل البيت إنما هي ستار لأهدافهم الباطنية، ومنها التوسع على حساب الدولة العباسية أو القضاء على هذه الدولة والاستيلاء على العالم الإسلامي[1].
ولذلك لم تكن استراتيجتهم البقاء في شمال إفريقيا بل كان الهدف دائمًا هو الشرق، واختاروا مصر بالذات لموقعها المهم والمتوسط بين الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي؛ ولذلك نجدهم تخلوا عن الشمال الإفريقي بعد الانتقال إلى مصر، وتركوه لأسرة صنهاجية تحكمه وتدين لهم بالولاء.
والدليل على أنها دعوة باطنية أنهم كانوا هم والقرامطة حركة واحدة، ثم انقسم عنهم القرامطة لخلاف حول رئيس الدعوة، هل يكون نائبًا عن الإمام الغائب أم يعتبر نفسه إمامًا. وبعد أن استقروا في مصر رفضوا ذكر نسبهم رغم الحملات التي شنت ضدهم في هذا الموضوع،
وعندما كتب خامس ملوكهم (نزار) إلى أحد ملوك الدولة الأموية في الأندلس يهجوه ويسبه، كتب إليه الأمير الأموي: "أما بعد، فقد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك، والسلام".
2- اعتمدت هذه الدولة في تثبيت أركانها على المال الوفير الذي تجمعه من خلال التلاعب بعقول الناس الجهلة باسم حب آل البيت، وكذلك بالنهب والمصادرات لأموال الأغنياء (واعتماد هذا العنصر للتأثير على الناس وشراء ضمائرهم هو دأب أمثالهم من أصحاب المذاهب والعقائد). وهكذا تكدست الأموال عند عبيد الله وخبأها تحت الأرض، وصارت الدعوة (أكبر بزنس)[2].
وعندما قرر رابع ملوكهم الملقب بـ (المعز) الانتقال إلى مصر، أرسل جوهر الصقلي مقدمة له، وحمل جوهر معه ألفًا ومائتي صندوق مليئة بالأموال غير الذهب الذي جمعوه في شمال إفريقيا،
المقاومة السنية للدولة العبيدية في الشمال الإفريقي ومراحلها
د/ محمد العبدة
تمهيد
سحابة مظلمة أطلت على القرن الرابع الهجري، إنه عصر التدهور السياسي المحزن، فذاك القرن ومعه بداية القرن الخامس قد يكون من أسوأ الحقب التي مرت على المسلمين؛ وذلك حين استولى البويهيون على الخلافة في بغداد وأضعفوها وفتحوا الباب لكل المذاهب الضالة، وحين
خريطة الدولة العبيدية
استولى القرامطة على شرقي الجزيرة العربية وجنوب العراق، وقاموا بالغارات على الشام ومصر والحجاز، ورافق ذلك أيضًا التدهور المالي؛ لأن هذه الفرق وهذه الدول لا يهمها إصلاح الأوطان بقدر ما يهمها العيث والفساد في الأرض وتنفيذ آرائهم الباطنية.
وقد بلغت ذروة تمكن هذه الفرق في قيام الدولة العبيدية الملقبة زورًا بـ(الفاطمية)، وكانت نشأتها في منطقة شمال إفريقيا (تونس)، وقد أخذ دعاة هذه الدولة البيعة لعبيد الله الملقب بالمهدي في القيروان، ثم بنى مدينة (المهدية) في الساحل الشمالي الشرقي من (تونس).
هل هذا نبش للتاريخ؟ نعم، إنه شيء لا بد منه، فمن الماضي يبنى الحاضر والمستقبل، وربما يكون في غفلة أهل السُّنَّة اليوم عمّا يدبر لهم من مكائد هؤلاء ما يدعونا لنبش التاريخ مرة ثانية وثالثة؛ ولأن كثيرًا من الناس لا يقرءون التاريخ، ولا يربطون الماضي بالحاضر.
وسنتكلم عن نموذج من هذه الدول الباطنية (الدولة الفاطمية) والمقاومة السنية التي وقفت في وجهها في شمال إفريقيا.
طبيعة هذه الدولة
1- أنشأ هذه الدولة حركة باطنية فلسفية سياسية تدعي الانتساب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، والحقيقة أن الغموض يلف هذه الدعوة، فلا يوجد أي خبر صحيح أو صادق عن سلسلة النسب ما بين مؤسس هذه الدولة (عبيد الله بن ميمون القداح) وبين محمد بن إسماعيل
بن جعفر الصادق (توفي والده إسماعيل في حياة جعفر الصادق كما يقولون). وقد طعن علماء السنة وكثير من المؤرخين في نسب هذه الأسرة، وكتبوا محضرًا في ذلك في بغداد، وكان من الموقعين عليه الشريف الرضي. وكثير من المؤرخين يُرْجِعون نسب عبيد الله إلى أصل فارسي،
وقضية التشيع لآل البيت إنما هي ستار لأهدافهم الباطنية، ومنها التوسع على حساب الدولة العباسية أو القضاء على هذه الدولة والاستيلاء على العالم الإسلامي[1].
ولذلك لم تكن استراتيجتهم البقاء في شمال إفريقيا بل كان الهدف دائمًا هو الشرق، واختاروا مصر بالذات لموقعها المهم والمتوسط بين الشرق الإسلامي والغرب الإسلامي؛ ولذلك نجدهم تخلوا عن الشمال الإفريقي بعد الانتقال إلى مصر، وتركوه لأسرة صنهاجية تحكمه وتدين لهم بالولاء.
والدليل على أنها دعوة باطنية أنهم كانوا هم والقرامطة حركة واحدة، ثم انقسم عنهم القرامطة لخلاف حول رئيس الدعوة، هل يكون نائبًا عن الإمام الغائب أم يعتبر نفسه إمامًا. وبعد أن استقروا في مصر رفضوا ذكر نسبهم رغم الحملات التي شنت ضدهم في هذا الموضوع،
وعندما كتب خامس ملوكهم (نزار) إلى أحد ملوك الدولة الأموية في الأندلس يهجوه ويسبه، كتب إليه الأمير الأموي: "أما بعد، فقد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك، والسلام".
2- اعتمدت هذه الدولة في تثبيت أركانها على المال الوفير الذي تجمعه من خلال التلاعب بعقول الناس الجهلة باسم حب آل البيت، وكذلك بالنهب والمصادرات لأموال الأغنياء (واعتماد هذا العنصر للتأثير على الناس وشراء ضمائرهم هو دأب أمثالهم من أصحاب المذاهب والعقائد). وهكذا تكدست الأموال عند عبيد الله وخبأها تحت الأرض، وصارت الدعوة (أكبر بزنس)[2].
وعندما قرر رابع ملوكهم الملقب بـ (المعز) الانتقال إلى مصر، أرسل جوهر الصقلي مقدمة له، وحمل جوهر معه ألفًا ومائتي صندوق مليئة بالأموال غير الذهب الذي جمعوه في شمال إفريقيا،