[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وثائق البيعة بالمغرب
من القوانين والأحكام الدستورية التي تميز بها المغاربة "عقد البيعة"، وهو بمثابة عقد يكتبه أولو الحل والعقد من الأمة عندما يتقلد ملك من الملوك منصب الإمامة العظمى..
كان للمغرب في عصوره الخوالي قوانين وأحكام يلتزم بها مواطنوه ويتقيدون بهافيمايأتون ويذرون من قضايا الحكم وشؤون السياسة، ولم تكن هذه القوانين والأحكام مدونة في سجل ولا مثبتة في كتاب، وإنما كانت كالدستور البريطاني، تعارف الناس على أحكامه وتمسكوا بها وإن لم يصدر بها مرسوم أو يجر بشأنها استفتاء.
ومعظم هذه القوانين والأحكام مستمد مما أثر عن السلف الصالح من المسلمين أو نصت عليه كتب الفقه الإسلامي، وأقلها مأخوذة من تقاليد الوطن وأعرافه التي اصطلح عليها الناس وتوافقوا وجرى بها عملهم، و"ما جرى به العمل" أصل مشهور من أصول مذهب مالك بن أنس وركن من أركان فقهه معروف.
ومن هذه القوانين والأحكام الدستورية التي أخذ بها المغاربة وعملوا بها ولا يزالون "البيعة"، وهي عقد يكتبه أولو الحل والعقد من الأمة عندما يتولى مُلكَ بلدهم ملك أو سلطان جديد.
وكان جلوس ملك على العرش في المغرب يتم بإحدى طرق أربع:
1- يرشح ملك في حياته واحداً من أسرته يكون في الغالب أكبر أبنائه ليتولى الملك مكانه بعد مماته، وهذا ما يعرف بولاية العهد، فيأخذ له البيعة من الأمة ويقرن اسمه باسمه في الخطب ويخصه دون أمراء الأسرة بمميزات كقيادة الجيوش والنيابة عنه في تدبير الملك وتسيير شؤون الدولة، ومن الأمراء المغاربة الذين أخذ لهم العهد في حياة أسلافهم ثم صاروا بعدهم ملوكا: محمد بن إدريس الثاني، وعلي بن يوسف بن تاشفين، ومحمد الشيخ المدعو بالمأمون السعدي، ومولاي عبد الرحمان بن هشام العلوي، وجلالة الملك الحسن الثاني.
2- وقد يرشح الملك ابنه أو أخاه للملك من غير أن يوليه عهده صراحة، وذلك باستخلافه عنه في إحدى عواصمه الكبرى أو إسناد قيادة الجيش إليه وإنابته عنه في الحكم والتدبير، حتى إذا مات لم ينازعه أحد في الملك ولم يتطاول على مقامه، ومن الذين تولوا الملك بهذه الطريقة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، وابنه السلطان مولاي الحسن الأول.
3- وقد لا يرشح ملك خَلَفه في الملك بولاية عهد أو استخلاف، حتى إذا مات اجتمع أمراء الأسرة ووزراء الحكومة وقواد الجيش والعلماء والشرفاء فاختاروا لرياسة الدولة خير من تتوفر فيه شروط الملك المنصوص عليها في كتب الفقه من بين أفراد الأسرة الملكية، ومن السلاطين الذين تولوا الملك بهذه الطريقة يوسف بن عبد المؤمن الموحدي، وأبو سعيد المريني، ومولاي أحمد ابن السلطان مولاي إسماعيل العلوي.
4- يتولى المُلكَ مَلكٌ من الملوك قوة وغلابا، بإرادة منه أو بدونها، سواء كان من أسرة ملكية حاكمة أو من أسرة غيرها، ومن السلاطين الذين تولوا الملك بهذه الطريقة عبد المومن بن علي الموحدي، ويعقوب بن عبد الحق المريني، ومحمد الشيخ الوطاسي، والسلطان مولاي عبد الحفيظ العلوي.
وكيفما كانت الطريقة التي يصل بها ملك إلى الملك فإن ملكه لا يعتبر قانونيا إلا إذا زكاه ممثلو الأمة بالمدن والقرى ببيعات يلتزمون له فيها بالسمع والطاعة في المنشط والمكره، ويلتزم لهم فيها بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسير فيهم بسيرة سلف الإسلام الصالح، ويضمن لهم العدل ويؤمن لهم السبل ويحمي حوزة الوطن، وباختصار يتعهد لهم بجلب كل منفعة ودفع كل مضرة.
وكانت البيعات تعقد تارة بحرية وتارة بإكراه، ومن العلماء والأعيان من كان يرفض مبايعة ملك جديد إذا ما أحس أن عنقه لا يزال مطوقا ببيعة ملك قديم، أو شعر أن الملك الجديد لا تتوفر له شروط التملك والخلافة المنصوص عليها في كتب الفقه الإسلامي، أو لسبب آخر من الأسباب، والتاريخ المغربي مليء بأمثلة هذا الرفض في القديم والحديث.
ولما انتقل السلطان المنعم مولاي عبد الرحمان بن هشام العلوي إلى جوار ربه بمكناس يوم الاثنين 29 محرم عام 1276هـ (26 شتنبر سنة 1859م) أخذت البيعة لابنه وخليفته سيدي محمد بن عبد الرحمان بمكناس في الساعة السابعة من صباح غده الثلاثاء (فاتح صفر = 27 شتنبر) وهو في طريقه إليها، ثم جاءته بيعات المدن والقبائل المغربية بعد ذلك، ولم يتخلف عن بيعته أحد، لحزمه وحسن تدبيره، وحميد سيرته، ولأنه كان خليفة والده ونائبه ومستشاره في كل كبير من الأمور وصغير.
وثائق البيعة بالمغرب
من القوانين والأحكام الدستورية التي تميز بها المغاربة "عقد البيعة"، وهو بمثابة عقد يكتبه أولو الحل والعقد من الأمة عندما يتقلد ملك من الملوك منصب الإمامة العظمى..
كان للمغرب في عصوره الخوالي قوانين وأحكام يلتزم بها مواطنوه ويتقيدون بهافيمايأتون ويذرون من قضايا الحكم وشؤون السياسة، ولم تكن هذه القوانين والأحكام مدونة في سجل ولا مثبتة في كتاب، وإنما كانت كالدستور البريطاني، تعارف الناس على أحكامه وتمسكوا بها وإن لم يصدر بها مرسوم أو يجر بشأنها استفتاء.
ومعظم هذه القوانين والأحكام مستمد مما أثر عن السلف الصالح من المسلمين أو نصت عليه كتب الفقه الإسلامي، وأقلها مأخوذة من تقاليد الوطن وأعرافه التي اصطلح عليها الناس وتوافقوا وجرى بها عملهم، و"ما جرى به العمل" أصل مشهور من أصول مذهب مالك بن أنس وركن من أركان فقهه معروف.
ومن هذه القوانين والأحكام الدستورية التي أخذ بها المغاربة وعملوا بها ولا يزالون "البيعة"، وهي عقد يكتبه أولو الحل والعقد من الأمة عندما يتولى مُلكَ بلدهم ملك أو سلطان جديد.
وكان جلوس ملك على العرش في المغرب يتم بإحدى طرق أربع:
1- يرشح ملك في حياته واحداً من أسرته يكون في الغالب أكبر أبنائه ليتولى الملك مكانه بعد مماته، وهذا ما يعرف بولاية العهد، فيأخذ له البيعة من الأمة ويقرن اسمه باسمه في الخطب ويخصه دون أمراء الأسرة بمميزات كقيادة الجيوش والنيابة عنه في تدبير الملك وتسيير شؤون الدولة، ومن الأمراء المغاربة الذين أخذ لهم العهد في حياة أسلافهم ثم صاروا بعدهم ملوكا: محمد بن إدريس الثاني، وعلي بن يوسف بن تاشفين، ومحمد الشيخ المدعو بالمأمون السعدي، ومولاي عبد الرحمان بن هشام العلوي، وجلالة الملك الحسن الثاني.
2- وقد يرشح الملك ابنه أو أخاه للملك من غير أن يوليه عهده صراحة، وذلك باستخلافه عنه في إحدى عواصمه الكبرى أو إسناد قيادة الجيش إليه وإنابته عنه في الحكم والتدبير، حتى إذا مات لم ينازعه أحد في الملك ولم يتطاول على مقامه، ومن الذين تولوا الملك بهذه الطريقة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان، وابنه السلطان مولاي الحسن الأول.
3- وقد لا يرشح ملك خَلَفه في الملك بولاية عهد أو استخلاف، حتى إذا مات اجتمع أمراء الأسرة ووزراء الحكومة وقواد الجيش والعلماء والشرفاء فاختاروا لرياسة الدولة خير من تتوفر فيه شروط الملك المنصوص عليها في كتب الفقه من بين أفراد الأسرة الملكية، ومن السلاطين الذين تولوا الملك بهذه الطريقة يوسف بن عبد المؤمن الموحدي، وأبو سعيد المريني، ومولاي أحمد ابن السلطان مولاي إسماعيل العلوي.
4- يتولى المُلكَ مَلكٌ من الملوك قوة وغلابا، بإرادة منه أو بدونها، سواء كان من أسرة ملكية حاكمة أو من أسرة غيرها، ومن السلاطين الذين تولوا الملك بهذه الطريقة عبد المومن بن علي الموحدي، ويعقوب بن عبد الحق المريني، ومحمد الشيخ الوطاسي، والسلطان مولاي عبد الحفيظ العلوي.
وكيفما كانت الطريقة التي يصل بها ملك إلى الملك فإن ملكه لا يعتبر قانونيا إلا إذا زكاه ممثلو الأمة بالمدن والقرى ببيعات يلتزمون له فيها بالسمع والطاعة في المنشط والمكره، ويلتزم لهم فيها بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسير فيهم بسيرة سلف الإسلام الصالح، ويضمن لهم العدل ويؤمن لهم السبل ويحمي حوزة الوطن، وباختصار يتعهد لهم بجلب كل منفعة ودفع كل مضرة.
وكانت البيعات تعقد تارة بحرية وتارة بإكراه، ومن العلماء والأعيان من كان يرفض مبايعة ملك جديد إذا ما أحس أن عنقه لا يزال مطوقا ببيعة ملك قديم، أو شعر أن الملك الجديد لا تتوفر له شروط التملك والخلافة المنصوص عليها في كتب الفقه الإسلامي، أو لسبب آخر من الأسباب، والتاريخ المغربي مليء بأمثلة هذا الرفض في القديم والحديث.
ولما انتقل السلطان المنعم مولاي عبد الرحمان بن هشام العلوي إلى جوار ربه بمكناس يوم الاثنين 29 محرم عام 1276هـ (26 شتنبر سنة 1859م) أخذت البيعة لابنه وخليفته سيدي محمد بن عبد الرحمان بمكناس في الساعة السابعة من صباح غده الثلاثاء (فاتح صفر = 27 شتنبر) وهو في طريقه إليها، ثم جاءته بيعات المدن والقبائل المغربية بعد ذلك، ولم يتخلف عن بيعته أحد، لحزمه وحسن تدبيره، وحميد سيرته، ولأنه كان خليفة والده ونائبه ومستشاره في كل كبير من الأمور وصغير.