الغبطة والحسد
حديث اليوم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
((لا حسد إلا في اثنتين رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل أتاه الله مالاً فهو يهلكه بالحق فقال رجل ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل ))
[رواه الإمام بخاري والنسائي]
وفي رواية للشيخين:
لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
أيها الأخوة الكرام:
كلمة الحسد وردت في القرآن الكريم:
﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)﴾
( سورة الفلق: 1 ـ 5)
فالحسد ثابت في القرآن الكريم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
إن العين لتضع الجمل في القدر، والرجل في القبر .
أي عين الحسود، بعض علماء القلوب يقولون: إن الحسد حينما تسري هذه العين الحاسدة يسري شعاعها إلى إنسان محسود غافل عن الله عز وجل، فالغافل إذا حسد أصابته عين الحسود، أما إذا كان معتصماً بالله وكان مستعيذاً به، ملتجئاً إليه، قولك أعوذ بالله ينتهي كل شيء يعنينا من هذا الكلام أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا حسد، الحسد في التعريف الدقيق أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك، كي تنصرف إليك أو إلى غيرك، على كلٍ أن تتمنى زوال النعمة عن أخيك هذا حسد لا شك فيه، هذا حسد، وهناك حسد من نوع مثقل وهو أن تسعى عن طريق الوشاية، أو عن طريق المكر، أو عن طريق الإيقاع في أن تزيل هذه النعمة عن أخيك، إذاً الحسد في أصله تمني زوال النعمة، وفي فعله أن تسعى جاهداً كي تزيل هذه النعمة عن أخيك لتنصرف إليك أو إلى غيرك هذا هو الحسد.
وحينما قال عليه الصلاة والسلام: لا حسد، هذه إلا نافيه للجنس كي أن تقول لا إله إلا الله.
يعني من أشد أنواع النفي أن تستخدم لا النافية للجنس، يعني أيام إنسان يطرق بابه جاره يقول له هل من رغيف خبزٍ، باللغة الدارجة من شدة رغبتك أن تلبي جارك وليس عندك خبز إطلاقاً، تقول جنس الخبز لا أملكه، ما معنى جنس الخبر لا أملكه يعني لا الخبز ولا الكعك ولا خبز يابس ولا أي شيء من هذا القبيل.
فحينما نستخدم لا النافية للجنس هذا نفي مشدد، نفي مغلظ، وأعلى أنواع النفي أن تقول لا إله إلا الله لا معبود بحق إلا الله، اللا النافية للجنس تنفي الجنس وفي لا تنفي المفرد، تقول لا طالب في الصف بل طالبةٌ، نفيت جنس الذكور، أما إذا قلت لا طالب في الصف بل طالبات في عندنا لا باللغة اسمها حجازية تنفي المفرد، بينما لا النافية للجنس تنفي الجنس.
فالنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال لا حسد، يعني جنس الحسد لا يمكن أن يكون عند المؤمن، مستحيل، لماذا ؟ لأنه مؤمن، لأنه مؤمن أن الله بيده كل شيء، وأن الله هو الغني، وأن الله هو الرزاق، وأن الله عادل فيما يعطي، لذلك ربنا عز وجل في القرآن قال:
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾
( سورة النساء: 32 )
كل إنسان له بنية خاصة، له شكل خاص، له أجهزة خاصة قد تكون أجهزته قوية، قد تكون ضعيفة، قد يكون له شكل وسيم، وقد يكون له شكل دميم، قد يكون له بشرة معينة، قد يكون له طول معين، قد يكون له بيت من نوع معين، بمساحة معينة، له عمل معين، بدخل معين فحينما يحسد الآخرين يعلن لهم أنني لا أعرف الله عز وجل، لأن الحسد أساسه جهل لله عز وجل، جهل بعدالته، جهل بحكمته، جهل بأن الدنيا فانية لا قيمة لها، الله سبحانه وتعالى وزع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء وسوف توزع هذه الحظوظ في الآخرة توزيع جزاء، فمادامت القضية مؤقتة، ما قيمة المال إذا كان موقتاً، ما قيمة السلطان، والقوة إذا كانت مؤقتة، ما قيمة الوجاهة إذا كانت مؤقتة، ما قيمة الوسامة والصحة، ما دام كل شيء إلى زوال، إذاً أنا ممتحن في هذه الدنيا، فالإنسان حينما يحسد لا يعرف الله عز وجل، ما عرف الله، ولا عرف طبيعة الحياة الدنيا، ولا عرف مهمته فيها، لأنه إذا عرف مهمته فيها أعرض عن الدنيا والتفت إلى الآخرة، وأخذ من الدنيا ما يكفيه، أخذ من الدنيا ما يعينه على أداء مهمته.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا حسد، فلذلك الذي كان يطوف حول الكعبة، وكان يقول يا رب هل أنت راضٍ عني، قال له الإمام الشافعي وكان وراءه، قال: يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك، قال وكيف أرضى عن الله ! قال إن كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، هذا امتحان دقيق أيها الأخوة مقياس دقيق، لك وضع، لك جسم، لك مكان، لك بيت، لك زوجة، لك أولاد، راضي عن الله أنت فيما أعطاك ؟ هل ترى أن الهدى أثمن عطاء هل ترى معرفة الله لا يعدلها شيء.
من أوتي القرآن فظن أن أحداً أوتي خيراً منه فقد حقر ما عظمه الله تعالى.
من ندم على شيء فاته من الدنيا ما عرف الله عز وجل.