[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
المدرسة والمجتمع وأزمة القيم
يطرح صاحب هذه المقالة من منظور لا يقصد، ارتهانا لموقف عدمي، إلى تسويد الأفق، بل إلى مساءلة-لا تنكر الحماس-راهن واقع تعليمي ثقيل التكلفة بطيء المردودية هزيل الفائدة، في مجتمع سريع التحول كثير المطالب بالغ التذمر، في سياق دولي غير مسبوق ينذر بالابتلاء والابتلاع؛ يعتمد المنظور مدخل القيم بما هي أساسا ما يجعل أي فعل إنساني ذا معنى؛ لأنها مبدأ لتعليله وشرعيته، ولأنها ما يجعل الحياة قابلة أو جديرة بأن تعاش.
يصدر هذا المقال عن طائفة من الافتراضات نعرضها على سبيل المساءلة والمناظرة، وندعو إلى تمحيص وجاهتها وتـأمل استلزاماتها:
·
القيم هي ما يمنح التربية والتكوين معنى
·
التربية على القيم هي ما يحقق التعايش ويضمنه
·
التكوين الحقيقي هو ما يحقق المشاركة في فرص الحياة وإمكانياتها
·
لكي يكون الفعل التربوي التكويني(=المدرسة) ذا معنى؛ لا ينبغي أن يكون متناقضا(تناقض القول مع الواقع، القيم مع الممارسة...)
·
لكي تنجح المدرسة يجب أن تتطابق قيمها مع قيم المجتمع، أو أن يتناغم خطابهما بحيث يرى خطاب المجتمع المدرسة ضرورية ويقنع خطاب المجتمع نفسه بأنه مفيد
·
خطاب المجتمع خطاب مضاد لخطاب المدرسة
·
إصلاح المجتمع رهين بإصلاح المدرسة
الانتهاء بالافتراض الأخير الذي هو خلاصة الافتراضات السابقة يعني أن مصدر التنمية البشرية والتنشئة الاجتماعية يعاني خللا مشخصا بأزمة القيم، من دون أن يعني ذلك البتة رد الأزمة إلى ما هو لامادي فقط؛ فالأسباب المادية ربما كانت أكثر قوة ووجاهة.
الحديث عن أزمة التربية والتكوين(=المدرسة اختصارا من الآن فصاعدا)هو حديث لا ينقطع في كل الأمم وعلى مر التاريخ. ومن البدهي أن هذه الأزمة تتلون بوعي المجتمعات وانتظاراتها؛ فأزمة المدرسة في كندا هي غير أزمتها في فرنسا أو في المغرب، ومن ثم تتنوع الحلول تبعا لتصور الأزمة ونوعيتها.
في العصر اليوناني حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، لم يظهر السوفسطائيون إلا لكي يحلوا أزمة التربية والتكوين التي انتهي إليها تعليم الشعراء؛ كان السؤال الخطير، في واقع شهد تنازع الملل والنحل الفلسفية والعقدية وتصارع التعاليم المختلفة التي تزرع الشك واللايقين وقلق المعرفة ولا تستجيب لمطالب الحياة، كان هذا السؤال هو إلى من تكل أولادك إن وجدوا، في مثل هذا السياق؟
إن هذا السؤال يجد راهنيته اليوم ليس من جهة محتوى المقارنة فقط، بل ومن جهة فكرة المقارنة ذاتها؛ كان التعليم الذي قدمه السوفسطائيون تعليما ينسجم مع الجو الديمقراطي الذي أخذ في الاستتباب عهدئذ، ولا سيما مع بركليس"Périclès
"(حوالي 495-429 ق.م)، تعليما لم يكن يقدم المعارف المجردة فقط، بل يقدم كيفية الحياة ومهارة العيش في المدينة. ومن ثم كان تعليمهم لا متهافِتا كما يدعي خصومهم، بل متهافَتاً عليه؛ لأنه مرتبط بحاجة المجتمع.
إن واقعا بشريا يعيش تحديات ورهانات على مستوى العقيدة والمعرفة والعلم، وعلى مستوى الاقتصاد وفرص الحياة وأنماطها، لا يمكن تدبيره إلا إذا ساد وخيم جو ديمقراطي يتم فيه تدبير الشأن العام والبحث عن تحقيق الخير الأسمى للجميع بحرية وحوار ومشاركة وبعقلانية تبني البرامج عبر قراءة التاريخ(استخلاص القيم والخصوصيات الضامنة للوحدة والهوية)، وتحليل الواقع(التعامل النقدي مع المطالب الآنية في ظل إكراهات الواقع المحلي والدُّوَلي) واستشراف المستقبل(البحث عن موطئ قدم في خريطة العالم التي أصبحت افتراضية إلى حد لا يتصور).إن الاقتناع بوجود أزمة في المدرسة المغربية سبب كاف لتدشين مسلسل إصلاح المنظومة التربوية التي يقدم عنها البنك الدولي تقريرا أسود، يقدمه بالوصف ويعيشه المجتمع المغربي بالمعاناة، يقول:«وعلى الرغم من الإنفاق العام الكبير على التعليم(6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي)، إلا أن النوعية ونطاق التغطية على السواء لا يزالان ضعيفين بصورة ملحوظة. وعلى الرغم من أن الأمية تنخفض ببطء، إلا أن معدلاتها لا تزال عالية بصورة تنذر بالخطر، وبوصولها إلى 48 في المائة تمثل أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول الأقل دخلا. وبالمثل، فإنه على الرغم من أن الالتحاق بالمدارس قد زاد، إلا أن 2.5 في المائة من الأطفال لا يزالون لا يلتحقون بالمدارس-وأغلبيتهم من بنات الريف. وتمثل النوعية أيضا مشكلة كما تدل عليها المعدلات الرديئة لاستبقاء التلاميذ في المدارس، حيث يترك 25 من تلاميذ المدارس الدراسة قبل السنة الخامسة، ويبقى فقط 10 في المائة حتى السنة الحادية عشرة. أما طلبة الجامعات، الذين يقضون في المتوسط ثماني سنوات لإنهاء برنامج أربع سنوات، فيجدون غالبا أن مهاراتهم لا تناسب سوق العمل»
المدرسة والمجتمع وأزمة القيم
يطرح صاحب هذه المقالة من منظور لا يقصد، ارتهانا لموقف عدمي، إلى تسويد الأفق، بل إلى مساءلة-لا تنكر الحماس-راهن واقع تعليمي ثقيل التكلفة بطيء المردودية هزيل الفائدة، في مجتمع سريع التحول كثير المطالب بالغ التذمر، في سياق دولي غير مسبوق ينذر بالابتلاء والابتلاع؛ يعتمد المنظور مدخل القيم بما هي أساسا ما يجعل أي فعل إنساني ذا معنى؛ لأنها مبدأ لتعليله وشرعيته، ولأنها ما يجعل الحياة قابلة أو جديرة بأن تعاش.
يصدر هذا المقال عن طائفة من الافتراضات نعرضها على سبيل المساءلة والمناظرة، وندعو إلى تمحيص وجاهتها وتـأمل استلزاماتها:
·
القيم هي ما يمنح التربية والتكوين معنى
·
التربية على القيم هي ما يحقق التعايش ويضمنه
·
التكوين الحقيقي هو ما يحقق المشاركة في فرص الحياة وإمكانياتها
·
لكي يكون الفعل التربوي التكويني(=المدرسة) ذا معنى؛ لا ينبغي أن يكون متناقضا(تناقض القول مع الواقع، القيم مع الممارسة...)
·
لكي تنجح المدرسة يجب أن تتطابق قيمها مع قيم المجتمع، أو أن يتناغم خطابهما بحيث يرى خطاب المجتمع المدرسة ضرورية ويقنع خطاب المجتمع نفسه بأنه مفيد
·
خطاب المجتمع خطاب مضاد لخطاب المدرسة
·
إصلاح المجتمع رهين بإصلاح المدرسة
الانتهاء بالافتراض الأخير الذي هو خلاصة الافتراضات السابقة يعني أن مصدر التنمية البشرية والتنشئة الاجتماعية يعاني خللا مشخصا بأزمة القيم، من دون أن يعني ذلك البتة رد الأزمة إلى ما هو لامادي فقط؛ فالأسباب المادية ربما كانت أكثر قوة ووجاهة.
الحديث عن أزمة التربية والتكوين(=المدرسة اختصارا من الآن فصاعدا)هو حديث لا ينقطع في كل الأمم وعلى مر التاريخ. ومن البدهي أن هذه الأزمة تتلون بوعي المجتمعات وانتظاراتها؛ فأزمة المدرسة في كندا هي غير أزمتها في فرنسا أو في المغرب، ومن ثم تتنوع الحلول تبعا لتصور الأزمة ونوعيتها.
في العصر اليوناني حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، لم يظهر السوفسطائيون إلا لكي يحلوا أزمة التربية والتكوين التي انتهي إليها تعليم الشعراء؛ كان السؤال الخطير، في واقع شهد تنازع الملل والنحل الفلسفية والعقدية وتصارع التعاليم المختلفة التي تزرع الشك واللايقين وقلق المعرفة ولا تستجيب لمطالب الحياة، كان هذا السؤال هو إلى من تكل أولادك إن وجدوا، في مثل هذا السياق؟
إن هذا السؤال يجد راهنيته اليوم ليس من جهة محتوى المقارنة فقط، بل ومن جهة فكرة المقارنة ذاتها؛ كان التعليم الذي قدمه السوفسطائيون تعليما ينسجم مع الجو الديمقراطي الذي أخذ في الاستتباب عهدئذ، ولا سيما مع بركليس"Périclès
"(حوالي 495-429 ق.م)، تعليما لم يكن يقدم المعارف المجردة فقط، بل يقدم كيفية الحياة ومهارة العيش في المدينة. ومن ثم كان تعليمهم لا متهافِتا كما يدعي خصومهم، بل متهافَتاً عليه؛ لأنه مرتبط بحاجة المجتمع.
إن واقعا بشريا يعيش تحديات ورهانات على مستوى العقيدة والمعرفة والعلم، وعلى مستوى الاقتصاد وفرص الحياة وأنماطها، لا يمكن تدبيره إلا إذا ساد وخيم جو ديمقراطي يتم فيه تدبير الشأن العام والبحث عن تحقيق الخير الأسمى للجميع بحرية وحوار ومشاركة وبعقلانية تبني البرامج عبر قراءة التاريخ(استخلاص القيم والخصوصيات الضامنة للوحدة والهوية)، وتحليل الواقع(التعامل النقدي مع المطالب الآنية في ظل إكراهات الواقع المحلي والدُّوَلي) واستشراف المستقبل(البحث عن موطئ قدم في خريطة العالم التي أصبحت افتراضية إلى حد لا يتصور).إن الاقتناع بوجود أزمة في المدرسة المغربية سبب كاف لتدشين مسلسل إصلاح المنظومة التربوية التي يقدم عنها البنك الدولي تقريرا أسود، يقدمه بالوصف ويعيشه المجتمع المغربي بالمعاناة، يقول:«وعلى الرغم من الإنفاق العام الكبير على التعليم(6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي)، إلا أن النوعية ونطاق التغطية على السواء لا يزالان ضعيفين بصورة ملحوظة. وعلى الرغم من أن الأمية تنخفض ببطء، إلا أن معدلاتها لا تزال عالية بصورة تنذر بالخطر، وبوصولها إلى 48 في المائة تمثل أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدول الأقل دخلا. وبالمثل، فإنه على الرغم من أن الالتحاق بالمدارس قد زاد، إلا أن 2.5 في المائة من الأطفال لا يزالون لا يلتحقون بالمدارس-وأغلبيتهم من بنات الريف. وتمثل النوعية أيضا مشكلة كما تدل عليها المعدلات الرديئة لاستبقاء التلاميذ في المدارس، حيث يترك 25 من تلاميذ المدارس الدراسة قبل السنة الخامسة، ويبقى فقط 10 في المائة حتى السنة الحادية عشرة. أما طلبة الجامعات، الذين يقضون في المتوسط ثماني سنوات لإنهاء برنامج أربع سنوات، فيجدون غالبا أن مهاراتهم لا تناسب سوق العمل»