التنافس الأمريكي - البريطاني على النفط السعودي
أن اهمية الوطن العربي تكمن في ثرواته وخيراته التي دفعت بالقوى الاجنبية الى التسابق فيما بينهما للحصول على اكبر قدر من هذه الثروات ولاسيما بعد أن اصبحت شبه الجزيرة العربية محط انظار الغربيين من الامريكيين والبريطانيين الذين اظهروا تنافسهم الشديد حول المنطقة ولعل من بين الاشياء المهمة التي جرى التنافس عليها هو النفط ، إذ بدأ الاهتمام بنفط الخليج العربي في أواخر القرن التاسع عشر وأخذ الاهتمام يتزايد به في القرن العشرين عند التوقيع على اول اتفاق نفطي مع ايران عام 1901 بين الحكومة البريطانية والمواطن البريطاني ((وليم نوكس دارسي))([1]) وقد منح هذا الامتياز بالفعل للشركات البريطانية ، وبعد حصولها على هذا الامتياز ، دخلت بريطانيا ميدان التنافس والصراع على النفط في المنطقة مع الولايات المتحدة الامريكية ، وأخذت الأخيرة تنسق جهودها مع الامراء العرب وحكوماتها، وعمدت الى مزاحمة الدول الأخرى لضمان نصيبها من النفط في المنطقة، وقد أدى هذا الامر الى اشعال نار التنافس بين الطرفين.
المبحث الاول
اكتشاف النفط السعودي وتنافس الشركات الامريكية - البريطانية
شكلت حالة اكتشاف النفط السعودي اول نقطة للتنافس بين الشركات النفطية الامريكية والبريطانية عندما تفجر النفط في البحرين مما دفع اطماع الدول الغربية في ثروات البلاد العربية وخاصة في الخليج فبدأت بارسال مبعوثي حكوماتهم الى امراء الخليج للتفاوض في شأن النفط ، فعقدت مع السعودية اول اتفاق لها في آب 1923 وهو ما يعرف اتفاق هولمز ([2]).
وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وهزيمة الدولة العثمانية تقاسمت كل من بريطانيا وفرنسا الاراضي العربية بموجب اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 والمعدلة باتفاقية سان ريمو 1920 وحصلت الدولتان بموجب ذلك حصة في نفط العراق ، وهذا الاتفاق اغضب الحكومة الامريكية لانه استثنى مواطنيها بالمنطقة مما ادى الى حصول نزاع بينهما ، وكان حجة بريطانيا وفرنسا هي عدم مشاركة الحكومة الامريكية في الحرب معهما ضد الدولة العثمانية ([3]).
وتذرعت الولايات المتحدة الامريكية بأنها الدولة التي ساعدت بريطانيا وفرنسا ضد المانيا والدولة العثمانية مما يعطيها حق قاسم الغنائم بعد ان قدمت المساعدة اللازمة للحلفاء خلال الحرب ، بما فيها النفط الذي ساعد في تشغيل معداتها الحربية ، وعلى اساس ذلك حصلت اخيراً على حصة مقدارها 23.75 تطبيقاً لسياسة الباب المفتوح([4]) التي اعلنتها الولايات المتحدة الامريكية ودفعت هذه الحصة الولايات المتحدة الامريكية كثمن اتفقت عليه جميع الاطراف وعدم المطالبة باي امتياز نفطي اخر بشكل منفرد داخل منطقة جغرافية حدد بموجب خط احمر رسم على الخارطة تشمل جميع اجزاء شبة الجزيرة العربية اضحى فيما بعد اتفاقاً مهماً لنا([5]) وسنتناوله في المبحث الثاني من هذا الفصل.
تبدأ قضية النفط السعودي بالاحتياجات المتزايدة للدولة الجديدة التي كان يتطلع لها عبد العزيز بن سعود بعد ان كان يستلم اعانه قدرها (60.000) جنية استرليني من الحكومة البريطانية وذلك ضمن التزامه بالحدود المرسومة له على ان لا يمس المناطق الخاضعة للسيطرة البريطانية ، تعزيزاً للنفوذ البريطاني في المنطقة ، وكان من بين البريطانيين القادمين ضابط نيوزلندي اشترك في الحرب العالمية الاولى وجاء بحثاً عن النفط وهو (الميجر فرانك هولمز) الذي قدم اول امتياز للملك عبد العزيز([6]). ويعد (هولمز) الشخص الثاني بعد (وليام دارسي) صاحب الامتياز الايراني الذي قاده احساسه بوجود النفط في السعودية ومنطقة الخليج([7]).
حاول (هولمز) الحصول على امتياز نفطي للشركة التي كان يعمل فيها وهي الشركة الشرقية العامة وكان مبعوثها الشخصي ، الذي انتهز فرصة انعقاد مؤتمر العقير عام 1923 وفاتح الملك عبد العزيز بهذا الامر وحصل على موافقته المبدئية بمنحه الامتياز بعد اخذ موافقة بريطانيا في ذلك([8]) ، وكان من ضمن الاتفاق دفع بدل سنوي تتعهد به الشركة بمقدار (2000) جنية سنوياً مع مراهنة عقارية يتم الاتفاق عليها عند اكتشاف النفط ، وفي حالة عدم دفع الشركة بدل الايجار السنوي او عدم المباشرة بالتنقيب خلال مدة الاتفاق من حق الملك عبد العزيز ابن سعود الغاء الامتياز([9]).
وتم بالفعل الغاء الامتياز لعجز هولمز وشركته على مواصلة التنقيب لافتقارهم الى الاموال اللازمة مما اضطرها الى التوقف عن دفع الايجار السنوي بعد سنتين من الاتفاقية الامر الذي دفع الملك ابن سعود عام 1928 من الغاء الامتياز لعدم دفع المبالغ المترتبة على الشركة والبالغة (6000 جنيه)([10]).
واثر تطلعات الملك الى مستقبل الدولة وميزانيتها وعجز تلك الميزانية وهو يرى الانخفاض المستمر في عوائد الحجيج الذين تناقصت اعدادهم وكان ذلك المصدر الرئيسي للمالية السعودية فضلاً عن اثار الازمة الاقتصادية العالمية مما دفعه الى استشارة (فلبي) الذي نصحه بالتعامل مع الامتيازات الاجنبية فما كان من الملك عبد العزيز الا ان قال ((يافلبي اذا وجدت من يعطيني مليون جنيه فانا مستعد لاعطائه كل الامتيازات التي يريدها))([11]). اشترت شركة ستاندارد اويل اوف كاليفورنيا حق الامتياز وباشرت اعمالها حتى اكتشاف النفط نهاية عام 1932 على عمق 600-750 متر([12]) .
ولعل تدفق النفط في البحرين قبل هذا التاريخ زاد احتمال وجود النفط في
المناطق القريبة منه ولاسيما في الاراضي السعودية وكان الملك ابن سعود في تلك المرحلة في الحاجة الى المال للاعتبارات التي ذكرناها سلفاً وليس متمنعاً من دخول الاستثمارات الاجنبية الى بلاده وذلك للسعي وراء تطوير اوضاع الدولة الاقتصادية ، وعند وصول (المستر كرين) الى جده ابدى الملك عبد العزيز رغبته في لقائه وجاء هذا الترتيب على يد (جون فلبي) مستشار الملك ابن سعود الذي بدأ لعبته بين الشركات حرصاً على مصلحة الدولة السعودية ومصالح الشركات ومصلحته الشخصية وارضاء الملك عبد العزيز الذي حاز على ثقته العالية به([13]). وتمت المقابلة بين الطرفين ولعل اهم ما ورد فيها هو الكشف عن كميات كافية من الماء وبالاخص الآبار الارتوازية لرفع المكانة الاقتصادية لبلاده([14]).
وكلف (المستر كرين) مهندساً لمسح المنطقة والكشف عن احتمال وجود بعض المعادن فيها، واوكلت المهمة الى المهندس (تويتشل) الذي قام بتنفيذ تلك المهمة وبدلاً من ان تظهر تنقيباته عن وجود الماء اظهرت احتمالاً بوجود النفط([15]) ، لذلك بدأت تتهافت العروض على الملك ابن سعود من قبل الشركات البريطانية والامريكية ، وابرق (المستر لوميس) مستشاراً شركة نفط كاليفورنيا ستاندارد اويل طلباً من فلبي لترتيب موعد لبحث شروط الامتياز كما بحث فلبي مع المستشارين السعوديين شروط الامتياز وبعث بها الى الشركة كاساس للمفاوضات في تشرين الاول 1932([16]) .
في حين فاتح مندوب شركة نفط العراق (ستيفن لونكريك) فلبي وطلب منه المساعدة لاجل الحصول على الامتياز وتمثل المصالح البريطانية في المفاوضات الا ان فلبي رفض وذلك كونه المستشار المؤتمن لدى الملك ابن سعود وكذلك ان فلبي علم من (لونكريك) ان الشركة لا تدفع اكثر من (5000 آلالاف) جنية فقط الا ان فلبي اكد له بان العروض الامريكية اكثر سخاءاً من ذلك بكثير وبعد مراسلات بينه وبين (لونكريك) والشركة في لندن زادت المبلغ الى ستة الآلاف جنية استرليني وليس ذهبا ، ولكن السعوديين لن يرضوا الا بالذهب وطالبوا بمبلغ اكبر من ذلك ولم يبق في المنافسة سوى الشركات الامريكية للحصول على الامتياز([17]).
اخذ (توتيشل) على عاتقه المهمة التي اوكلت اليه من قبل السعوديين ، وفاتح العديد من الشركات الامريكية الا انها لم تنظر للموضوع بعين الجدية([18]) الى حين لقائه بالمستر (لومباردي) الذي كان مدير الشركة التي عملت على الاتفاق مع السعوديين ومعه (المستر لوميس) ، وبهذا اللقاء تم الاتفاق على توكيل تويتشل للقيام باعمال الشركة والاتفاق مع الجانب السعودي ، وبذلك اصطحب تويتشل معه (المستر لويد هاملتون) ليقوم بالاجراءات اللازمة للشركة وقد وصلا الى السعودية في 20 شباط 1933 للقيام بالاعمال المنوطة بهم([19]) .
يعد هذا الاتفاق، الذي ادى الى اعتراض بريطانيا التي حاولت من جانبها افشاله والدخول سريعاً لمصلحتها لان مثل هذا الامتياز سيسعى الى جلب ليس الشركات الامريكية فقط بل يتبعه نفوذ امريكي في المنطقة مما سيؤثر في المصالح البريطانية دون شك وبذلك بدأت الحكومة البريطانية منذ بداية عام 1933 لتكريس الجهود في الحصول على امتياز النفط في السعودية وبعثوا (لونكريك) للتفاوض مع الجانب السعودي وحاولوا كذلك من خلال الممثل الدائم للملك ابن سعود في الكويت([20]). وحاولت شركة الانكو – فارسية بشتى الطرق الاتصال بالملك ابن سعود للحصول على امتياز الاحساء من خلال ممثليها في عبادان وطلبت من (جيشولم Chisholm) للاتصال بالكولونيل (ديكسون Dickson) الوكيل السياسي البريطاني في الكويت للاتصال بالملك ابن سعود في محاولة للتوصل الى اتفاق للحصول على الامتياز ولم تتأخر شركة نفط العراق الى اجراء اتصالاتها مع (حافظ وهبه) بهذا الشأن حين كان يشغل منصب احد مستشاري الملك السعودي([21]) ، الا ان المصالح البريطانية اقتضت ان يكون التفاوض مباشراً مع ابن سعود واوكلت هذه المهمة الى (لونكريك) الا ان الوفد الامريكي سبقه بعشرين يوماً وقد باشر مفاوضاته مع الجانب السعودي الا ان تلك المفاوضات لم تحسم قبل وصول (لونكريك) ممثلاً عن شركة نفط العراق عام 1933([22]). واعقب (لونكريك) (الميجر هولمز) ممثلاً عن الشركة لكنه ترك البلاد بعد مطالبته بتسديد الايجار السنوي المترتب على امتياز الاحساء فانسحب تاركاً ميدان التنافس بين شركتي نفط العراق وستاندارد اويل اوف كاليفورنيا([23]).
لم يكن (لونكريك) على علم بما توصلت اليه شركة نفط ستاندارد كاليفونيا وممثليها (هاملتون وتويتشل) من اتفاق ، واراد معرفة تفاصيل ذلك من المعتمد البريطاني في جده([24]). ودخل (لونكريك) مع المتفاوضين ممثلاً عن شركة نفط العراق واحس ان شركته دون مستوى عروض الشركة الامريكية المقدمة للجانب السعودي ، وحاول (لونكريك) اللجوء الى تبريرات جانبية لموقف الشركة فاشار الى التكاليف التي سوف تتحملها الشركة لاجراء عمليات الكشف والتنقيب عن النفط. والحكومة السعودية ستكون حره في املاء الشروط التي تراها وعلى الشركة التي تختارها([25]).
رفض (عبد الله بن سليمان) وزير المالية السعودي ، المقترحات التي تقدم بها (لونكريك) واشار اليه باعادة النظر في الشروط وتقديمها في الاجتماع الثاني الذي ينعقد في اليوم التالي واعد (لونكريك) شروطاً كانت تتضمن تقديم تسهيلات من الحكومة السعودية وتحديد موعد الاجازة للشركة وكذلك عدم وجود أي منافس للشركة والتفاوض معه وتدفع الشركة مبلغاً قدره 200 باون ذهب لكل شهر ابتداءاً من توقيع الاجازة ويكون للشركة الحق في تقديم امتياز اخر وفق الشروط التي يكون الطرفان قد اتفقا عليها . وفي حالة عدم الالتزام بالشروط المذكورة خلال المدة المحددة تكون الحكومة السعودية صاحبة الرأي في اختيار أي طرف اخر للتفاوض ومنح الامتياز([26]).
بقيت الحكومة السعودية مصره على موقفها من القرض وان المفاوضات من صالح الشركة الامريكية وبقيت شركة نفط العراق البريطانية تراقب سير المفاوضات([27]). وبالرغم من ان الحكومة السعودية قد تجاهلت العرض الذي قدمته شركة نفط العراق الا انها لم تتفق مع شركة ستاندارد اويل اوف كاليفورنيا رغم العرض المغري الذي قدمته تلك الشركة مقارنة بالشركة المنافسة ، وبقيت مسألة القرض المقترح تقديمه محط الخلاف بين الطرفين. لكن السعوديين تقدموا بطلب جديد قدمه (نجيب صالح) سكرتير وزير المالية، وكان أكثر ارهاقاً من السابق وقد أشار فيه الى توقيع قرض بمبلغ 100.000 باون ذهب مع المدفوعات السنوية البالغة 30.000 باون ذهب في بداية امتياز السنة الثانية وايضاً في بداية السنة الثالثة المبلغ نفسه ، و 30.000 طن من النفط سنوياً تعفى من أي كلفة مع التعهد بدفع عوائدها التي تقدر 200.000 باون ذهب كحد ادنى عند البدء بالمبادلة التجارية النفطية([28]).