كيف قضت النزاعات على استثمار بترولي في المغرب بقيمة 300 مليون دولار
البترول كان دائما حلم المغاربة. نحن الذين لن نفهم أبدا لماذا يصل الذهب الأسود إلى حدودنا ويتوقف ضدا عن الجغرافيا والطبيعة والمنطق، كنا دائما نسابق أحلامنا بأن تتحول بلادنا إلى دولة منتجة ومصدرة للطاقة الأكثر استعمالا في العالم، ما سيفتح الباب أمامنا للتطور والازدهار وتضخيم تروثنا الوطنية كما يحدث في الخليج وبلدان أخرى. هكذا إذن، فإننا ما إن نسمع عن إشاعة أو خبر أو ترد علينا قصاصة أنباء تفيد بالعثور عن شيء من المخزون الطاقي في جزء ما من الوطن، إلا ويعاودنا الأمل وتحذونا الرغبة في معرفة المزيد. هذا ما يحدث تقريبا في الجنوب المغربي منذ زمن غير بعيد. الدراسات الارتجاجية المجراة هنا وهناك تؤكد بالفعل وجود شيء ما. وهو مادفع بعشرات الشركات العالمية المتخصصة في الصناعة البترولية إلى الزحف نحو المغرب للاستثمار في الإمكانيات الجديدة.
غير أن «المسخوط دائما ما يجد العظمة في لحم البطن» كما يقول المغاربة في دارجهم اليومي. أو على الأقل هذا بالتحديد ما حصل في ما يمكن أن نسميه قضية أوزاهوا – أبوزيد أو «سيرفير» – «سود اسيستانس» – «سانليون»، إذا ما أردنا عدم إعطائها أسماء أشخاص بعينهم. التنازعات المادية بين الأطراف دفعت الشركة المنقبة إلى توقيف أشغالها في المغرب في منتصف يناير الماضي، لتتواصل أحلام المغاربة ابتعادا عنهم، فيما يتعلق بالثروات الطاقية التي تزخر بها بلادهم دون شك.
أحمد أوزاهوا مستثمر مغربي يعيش في المغرب منذ خمس سنوات. إطار سابق في شركة «أكور» الفرنسية.
من أجل إنشاء شركة متخصصة في تسيير التعاقدات واللوجستيك، باع بيته في فرنسا واقترض من أحد الأبناك المغربية بضمان الفيلا التي يقيم فيها مع زوجته وعائلته في أكادير. الشركة التي أنشأها أحمد أوزاهوا تحمل اسم «سيرفير». وبما أنها شركة متخصصة في تسيير التعاقدات وتوفير اللوجستيك، تخصصت في التنقيب عن البترول في المغرب بحكم أن صاحبها أحمد أوزاهوا سبق له العمل في هذا المجال هذا ما فتح له الباب للاتصال بأكبر الشركات المتخصصة في التنقيب في العالم.
في هذا السياق، حصلت «سيرفير» على ثلاثة عقود عمل مع الشركة الإيرلندية ذات الأسهم متعددة الجنسيات «سانليون إنيرجي» التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن أحد مقراتها بالإضافة إلى العاصمة الايرلندية دبلن. الاتفاقيات دخلت حيز التنفيذ منذ شهر يوليوز 2011 مع فرع سان ليون إنيرجي»، الشركة البولونية نوفاسيس انتربرايز.
الشركتان عملتا جنبا إلى جنب في موقع أخفنير جنوب المغرب بين طانطان وطرفاية على الساحل الأطلنتي. الشراكة في هذا الموقع تمت في أحسن الظروف، حسب أوزاهوا دائما، وعرفت اندماجا إيجابيا بين الشركتين ومحيطهما سواء الرسمي أو الاجتماعي ولا أدل على ذلك حفاوة الاستقبال التي خصت بها السلطات المحلية العاملين في الشركتين من مغاربة وأطر أجنبية.
أصل المشكل
بموجب الاتفاقيات الثلاث المبرمة مع الشركة المنقبة، استثمرت «سيرفير» 7 ملايين درهم في موقع أسا الزاك، إلى الكيلومتر 82 على طريق السمارة. في هذا الموقع وضعت «سيرفير» كل المستلزمات التقنية واللوجستيكية لفائدة «سانليون إنيرجي» احتراما للاتفاق المبرم بينها. الإضافة الخاصة بشركة «سيرفير» تمثلت في تمكين الشركة المنقبة على البترول في الجنوب المغربي، من وسائل عمل قوامها 10 شاحنات متخصصة و30 آلية لكل الأرضيات، وذلك ليتم العمل في اكتفاء ذاتي لمدة ثلاثة أشهر بمعدل 24 ساعة يوميا.
في الشق الاجتماعي والبشري، التزمت «سيرفير» وصاحبها أوزاهوا بإقامة قاعدة حياة كما يتعارف عليها في أدبيات الاتفاق القانوني الخاصة بالعمال، عبر تمتيعهم من كل المستحقات المادية في وقتها أولا ثم إنشاء كل ما يلزم لإيواء 200 عامل و30 مهندسا طبوغرافيا من الولايات المتحدة الأمريكية وبولونيا وكرواتيا. يذكر هنا أن الجريدة تتوفر على كل الوثائق التي تثبت هذه الالتزامات.
«سيرفير»، وفاء بكل التزاماتها، قدمت خدمة مدتها شهرين كاملين في هذا الموقع على مدار الساعة، ليكون جاهزا في العاشر من أكتوبر 2011، وهو الشهر الذي كان من المفترض أن تشرع فيه «سيرفير» في فوترة خدماتها على حساب الشركة المنقبة كما هو متفق عليه وممضى عليه من الطرفين.
نقطة التحول
في منتصف شهر أكتوبر 2011، استدعى عامل آسا الزاك مدير «سيرفير» أحمد أوزاهوا وممثلين عن شركة «سانليون إنيرجي» والمكتب الوطني للمحروقات والمعادن والدرك الملكي. دون سابق إنذار، طلب العامل من أوزاهوا مغادرة أسا الزاك وعدم العودة إليها مجددا.
في اليوم الموالي تلقى مدير «سيرفير» رسالة إلكترونية من شركة «سانليون إنيرجي» تطلب منه التنازل الكامل عن مستحقاته المادية للشركة لصالح شركة «سود – اسيستانس» لصاحبها أبوزيد الحبيب والتي يسيرها العثماني فريد زين الدين. أكثر من ذلك، شرعت «سانليون إنيرجي» في سداد خدمات الفوترة المتوجبة عليها نحو «سيرفير» بموجب العقد المبرم بين الطرفين والمقدرة في 4 ملايين درهم، لصالح شركة «سود - إسيستانس» عبر تحويلات شهرية في وكالة البنك المغربي للتجارة والصناعة بأكادير ابتداء من 31 أكتوبر الماضي.