منتديات مواد الاجتماعيات



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات مواد الاجتماعيات

منتديات مواد الاجتماعيات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات مواد الاجتماعيات


    معالم حضارات الشرق الادنى

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty معالم حضارات الشرق الادنى

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 11:46

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    معالم حضارات الشرق الادنى

    مقدمة
    كان الاعتقاد السائد لدى الكثيرين إلى زمن قريب أن دراسة الحضارات القديمة لا يتناولها بالبحث إلا بعض الخاصة من المرفهين أو المترفين الذين يشبعون هوايتهم في التعمق في الدراسة والبحث عن المجهول؛ ولكن نظرًا لأن كل ما تزخر به الحياة الراهنة من منتجات وخبرات وعادات وتقاليد ومظاهر مختلفة أخرى؛ إنما ترجع في أصولها إلى مختلف الجهود البشرية، وقد وضعت أسسها منذ عصور سحيقة وتطورت بمرور الزمن حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن فإن هذه الدراسة لم تعد موضوعًا قاصرًا على فئة من الناس بل ولا يمكن أن تفضل دراسة حضارة أمة على حضارة أمة أخرى غيرها؛ ولذا أخذ الاهتمام بها يتزايد حتى أصبحت دراستها منتشرة في جميع أنحاء العالم المتمدين وكثيرًا ما تتضافر جهود الباحثين من مختلف الدول والشعوب في دراسة الحضارات القديمة وتشجيعها على اعتبار أنها التراث الإنساني الذي استمدت منه مختلف الأمم أصول حضاراتها الحالية، ومن ثم يعملون على توفير أسباب هذه الدراسة بموالاة الكشوف الأثرية وترميم الآثار المختلفة ويعكفون على دراسة اللغات القديمة حتى يتمكنوا من وضع صورة حية أو قريبة من الواقع لهذه الحضارات ومظاهرها المختلفة، وهكذا تشعبت فروع البحث وتعددت نواحيه حتى أصبح من المستحيل أن يلم باحث أو دارس بحضارات مختلفة بل ولا بمختلف نواحي حضارة واحدة؛ وعلى ذلك فإن وضع مؤلف واحد لعدد من الحضارات لا يمكن أن يكون جامعًا مانعًا يرضي كل الرغبات ويسد كل الفجوات.
    ومع إنني ترددت كثيرًا في وضع هذا المؤلف؛ إلا أنني وجدت أن الضرورة تقضي بأن أُيَسِّر على طلبتي بعض الشيء وأجنبهم مشقة البحث في العديد من المراجع لمجرد سرعة الاطلاع على المعالم الرئيسية لحضارات الإقليم الذي نعيش فيه -الشرق الأدنى- على أنه ينبغي أن لا يفهم من ذلك أن في هذا المؤلف غنىً عن الاطلاع على مختلف المراجع المتخصصة في دراسة هذه الحضارات ونواحيها المتعددة.
    وقد يبدو للقارئ أنني في تناول هذه الحضارات لم أراعِ ترتيبها حسب أهميتها أو أسبقيتها في الزمن ولكنني أود أن ألفت النظر إلى أنني فضلت اتباع نفس الترتيب الذي سبق أن اتبعته في كتابي السابق: "معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم" استكمالًا للفائدة المرجوة؛ إذ إنني جردت ذلك الكتاب من كل ما يشير إلى المظاهر الحضارية إلا فيما يختص بالعصور السابقة للكتابة على أساس أنها الوسيلة الوحيدة لتتبع تاريخ تلك العصور، وهكذا يمكن اعتبار هذا المؤلف مع سابقه متكاملين
    بالنسبة لمن يود الاطلاع على المعالم المهمة لتاريخ وحضارات الشرق الأدنى القديم.
    ولا يسعني فى هذا المجال؛ إلا أن أقدم واجب الشكر إلى كل من عاونني على إخراج هذا الكتاب الذي أرجو أن يحقق الغرض المطلوب، والله ولي التوفيق.
    محمد أبو المحاسن عُصْفُور

    تمهيد
    الحضارة:
    الحضارة في اللغة خلاف البداوة؛ لأنها تدل على سكنى الحضر أو اجتماع الناس للتعاون على أسباب المعيشة ودفع المضرات؛ فهي تمثل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي وتقابل كلمة: "Civilisation".
    وبما أن كل مجتمع -مهما كان بدائيًّا- يصيب شيئًا من التطور ببذل الجهد والكفاح الدائم فإن هذا اللفظ خرج عن مدلوله الأصلي إلى مدلول عام شامل فأصبحت كلمة الحضارة تطلق على كل إنتاج مادي أو أدبي للإنسان سواء كان إنتاجًا راقيًا أو بدائيًّا وعلى ذلك يمكن القول بأنه لا يوجد مجتمع دون حضارة، وكثيرًا ما يختلط هذا اللفظ في معناه بكلمة الثقافة ولكن إذا ما تأملنا الأصل اللغوي لهذه الكلمة الأخيرة لوجدنا أنها تدل على التطور العقلي عن طريق التدريب والتعليم، وهي تقابل لفظ: "Culure" كذلك يختلط اللفظان : الحضارة والثقافة، في معناهما بكلمة المدنية وإن كان اختلاط هذه الأخيرة بكلمة الحضارة أعم من اختلاطها بالثقافة؛ إلا أن المدنية أصلا تدل على سكنى المدن. وقد تطور معناها حتى أصبح يدل على أقصى ما يصل إليه مجتمع ما في ميدان حضارته أثناء عصر من العصور. وهكذا نجد أن كتب اللغة تميل إلى ترتيب مراحل التطور الاجتماعي إلى البداوة ثم الحضارة وأخيرًا المدنية، على اعتبار أن البداوة تقوم على حياة الحيوان من صيد ورعي فمن دَأْبِهَا التنقل وعدم الاستقرار.
    والحضارة تدل على سكنى الحضر والانتظام في مجتمعات تتعاون في معيشتها أما المدنية فتدل على سكنى المدن والانتظام في مجتمعات أكثر تعقيدًا ورقيًّا أو كما تقول بعض كتب اللغة: إنها تمثل الانغماس في حياة الدَّعة والترف.
    فالحضارة على أي حال تمثل كل مظهر من مظاهر الإنتاج البشري أو غالبًا ما يحددها سلوك الإنسان وطرق معيشته وتفاعله مع البيئة؛ ولذا كان من الطبيعي أن تختلف كل حضارة في مظاهرها عن الحضارات الأخرى؛ فلكل حضارة من الحضارات -قديمها وحديثها- مظاهر مميزة وعلى هذا يميز الناس بين الحضارة المصرية والحضارة اليونانية والحضارة الإسلامية وهكذا.
    ومن العسير إبراز مميزات كل من تلك الحضارات وخاصة القديمة منها لأننا -من جهة- مازلنا نشعر بقصور الدراسات المتعلقة ببعض مظاهرها ومما يزيد المشكلة تعقيدًا أن بعض المدونات لم يمكن تفسيرها تمامًا حتى الآن؛ كما أننا -من جهة أخرى- نستشهد على مظاهر هذه الحضارات بمخلفات أثرية نحن على يقين من أنها لم تكن منتشرة بين عامة الناس؛ وإنما هي من مخلفات ثراة القوم وخاصتهم فضلًا عن كونها تمثل أرقى ما كانوا يمتلكونه وأفضل ما وصلت إليه الفنون في أزمانهم؛ فهي بالأحرى تمثل مخلفات المدنية لا مخلفات الحضارة، ومع كلٍّ ينبغي أن لا نقلل من شأنها عند مقارنة الحضارات المختلفة بعضها بعضًا إذ لا سبيل إلى التعرف إلى مظاهر هذه الحضارات إلا عن طريقها.
    ومع أن الكثيرين قد يتساءلون عن الأسباب التي تدعو الإنسان إلى الاحتفاظ بكثير من منتجاته الحضارية وهو ما أتاح لنا فرص العثور على ما يمثل هذه المنتجات في الحضارات القديمة؛ فإن من الممكن أن يعزى ذلك إلى عاملين أساسين هما: ديانة أهل هذه الحضارات وفنونها.
    والديانة شأنها شأن الحضارة خرجت في معناها عن مدلولها الأصلي؛ لأنها في اللغة كالدين لها معاني مختلفة منها الجزاء والمكافأة والطاعة والانقياد والعادة والعبادة، وهي كذلك اسم لجميع ما يعبد به الله والملة؛ إلا أن المعنى المألوف هو أنها: "الاعتراف بقوة أو قوى تفوق البشر، تسيطر عليهم، ويجب عليهم إطاعتها ويؤثر اعترافهم بها في سلوكهم وفي عقليتهم"، وقد تختلط في معناها بالعقيدة؛ ولكن هذه الأخيرة تدل في اللغة على عقد الرأي أو عقد القلب والضمير على أمر معين كما تدل على الاقتناء والجمع؛ فإذا قيل اعتقدت كذا أي عقدت عليه القلب والضمير، واعتقدت ضيعة ومالًا أي اقتنيتهما؛ إلا أن المعنى الشائع للعقيدة هو أنها: "إيمان بتفوق قوة من القوى"؛ ولكن ليس من الضروري أن تسيطر هذه القوة على البشر. وقد تطور هذا فأصبحت العقيدة اسمًا لما يدين به الإنسان. ومن الواضح أن الإنسان في الحضارات القديمة كانت له ديانات وعقائد عامة ولكننا لا نعرف شيئًا عن أصولها ونشأتها وطقوسها ومذاهبها؛ إلا من عصور متأخرة وخاصة بعد أن عرفت الكتابة؛ ومع هذا فإن ما نعرفه عنها لا يعد كافيًا لارتباطها بعواطف الإنسان وإحساساته الداخلية وهذه لا يمكن إدراكها؛ لأنها لم تدون في أغلب الأحيان -ورغم هذا يمكننا أن نتصور بأنها كانت ساذجة بسيطة في أول الأمر ثم تطورت ودخلتها زيادات وحواشي أخرجتها عن شكلها الأصلي، وما دام الأمر كذلك؛ فإن الإنسان -سواء في ديانته أو عقائده- يحاول أن يسترضي هذه القوى بكل ما لديه من وسائل مادية وغير مادية فشيَّد لها المعابد
    وقدَّم القرابين وقام بمختلف الطقوس من أجلها. وهذه بالطبع يبدو أثر البيئة فيها واضحًا هي الأخرى.
    ولما كانت الفنون هي كل ما يخرجه ذوق الإنسان ليحقق فائدة عملية في حياته وليرضي به غريزة من غرائزه. وبما أن الإنسان تميز بالذوق السليم والشعور بالجمال فمن الممكن القول: بأن الفن هو "الإنتاج الذي يرضي به الإنسان شعوره بالجمال"؛ لذا خضعت فنونه في كل من الحضارات القديمة إلى أصول وقواعد تميزت بها -وإن كانت قد وقعت في بعض الأخطاء- إلا أنها لم تحد عنها محافظة على تقاليدها وقواعدها؛ وبالتالي فإن كلا من هذه الفنون قد تأثرت هي الأخرى كذلك بالبيئة التي نشأت فيها وخضعت لمؤثراتها المختلفة.
    وعلى هذا يمكن القول بأن أهم المخلفات الأثرية التي تتخذ منها شواهد وأدلة على مظاهر الحضارات المختلفة ترتبط بفنون أهل هذه الحضارات ودياناتهم ارتباطًا وثيقًا؛ إلا أن كل المظاهر الحضارية في أي مجتمع من المجتمعات قوامها تفاعل الإنسان في هذا المجتمع مع بيئته التي عاش فيها؛ ولذا تنوعت هذه المظاهر وتنوعت بين قطر وآخر وبين أمة وأخرى ولا يحدث بينها من التشابه إلا بقدر تشابه بيئاتها وإن كانت بعض المظاهر تجد سبيلها من مكان إلى آخر عن طريق النقل والمحاكاة وسنتناول فيما يلي أهم المظاهر الحضارية في مختلف أقطار الشرق الأدنى.
    أولًا: حضارة مصر
    التعرف على الحضارة المصرية:
    لعل من أشق الأمور دراسة الحضارة المصرية دراسة شاملة وافية؛ لأنها وإن تناولها الباحثون بالدراسة في عصور مختلفة؛ إلا أن الكشف عن أسرار اللغة المصرية لم يتم إلا منذ فترة وجيزة نسبيًّا وعلى ذلك ظلت حضارة مصر غامضة بالنسبة لهؤلاء الباحثين رغم أن آثارها كانت تحيط بهم وفي متناول أيديهم؛ فاليونان مثلًا صادفتهم عقبات كثيرة في تفهم تلك الحضارة؛ بل إنهم حينما جاءوا إلى مصر دهشوا أشد دهشة لما شاهدوه من حضارة في وادي النيل؛ حيث كانوا يعتقدون بأنهم أرقى الأمم حضارة وثقافة، وقد بدت لهم مظاهر الحضارة المصرية غاية في الغرابة والغموض وكانوا بين مقدر لها وساخر منها؛ ولكن الأغلب أنهم كانوا يكنون لها الاحترام العميق مع أنهم عجزوا عن تفسير كثير مما شاهدوه من الاختلافات بينها وبين حضارتهم، وقد استهوتهم كذلك بعض قواعد السلوك عند المصريين؛ ولذا نجدهم يقارنون مظاهر هذه الحضارة بمظاهر حضارتهم فيذكر هيرودوت مثلًا: بأن المصري كان يكتب من اليمين إلى اليسار في حين تكتب شعوب العالم الأخرى من اليسار إلى اليمين وفي مصر تخرج المرأة إلى الأسواق وتقوم بالعمل في الحقول؛ بينما يظل الرجل في البيت؛ ليقوم بالغزل أو النسيج، كما أن النساج المصري كان يدفع لحمة النسيج من أعلى إلى أسفل وهذا كله عكس ما يحدث في البلاد الأخرى.
    ومع أن العالم القديم ظل ينظر إلى المصريين على أنهم شعب غريب
    الأطوار؛ إلا أنه كان يتطلع إلى مظاهر حضارتهم وينظر إليها نظرة التقديس والإجلال وكانت نقوشهم وطقوسهم الدينية التي كان يقوم بها الكهنة تمثل عالَمًا مليئًا بالأسرار والغموض وكثيرًا ما طمع اليونانيون في الوصول إلى دراسة تلك الأسرار؛ ولهذا نجد أن بعضهم وخاصة في عهد البطالمة يندمجون في الأوساط الكهنوتية ويقومون بالطقوس الدينية؛ ولكنهم لم يستطيعوا فهم كل تلك الألغاز التي أطاحت بهم؛ ومع هذا ظلوا على احترامهم وتقديرهم لرجال العلم والكهنة والمعبودات المصرية حتى وحدوا بين بعضها وبين الآلهة اليونانية.
    ومنذ العصر اليوناني استمر الغموض يحيط بالنقوس المصرية لم يستطع أحد تفسيرها رغم المحاولات العديدة التي بذلت في سبيل حل طلاسمها؛ ولكن طريقة تلك الكتابة جعلت من المحتم الوصول إلى تفسيرها؛ فمعظمها كتابة رمزية تصويرية وكانت دقة المصري وعنايته الفائقة بتدوين أهم الحوادث خير مساعد للعلماء في مهمتهم؛ فقد صور الأشخاص والمناظر المختلفة وكتب فوقها ما يدل عليها وكانت أولى النتائج المهمة في سبيل حل طلاسم اللغة المصرية هي: ما وصل إليه العالم الإنجليزي توماس ينج "Tomas Young" الذي قرر بأن الكتابة المدونة فوق المناظر المختلفة؛ هي شرح لتلك المناظر وأن أسماء الملوك الممثلين في تلك المناظر توضع داخل أشكال بيضاوية أي: خراطيش، وأن هذه الكتابة ليست كلها رمزية تصويرية أي أن أشكالها "رموزها" لا يدل كل منها على معنى؛ وإنما بعض هذه الأشكال أو الرموز له قيمة صوتية فقط ولا يدل على معنىً قائم بذاته. وفي نفس الوقت أو بعده بقليل عثرت الحملة الفرنسية على حجر رشيد وتوصل شمبليون من مقارنة
    الخراطيش المكتوبة به إلى نفس النتيجة التي وصل إليها "ينج" كما توصل إلى القيمة الصوتية لبعض الرموز وبدأ يضع معجمًا للحروف والعلامات الهيروغليفية.
    وتتابعت جهود العلماء بعد ذلك؛ فأمكن تفسير اللغة المصرية وفهم كل ما أمكن العثور عليه من آثار مكتوبة، ومع أن الآثار المصرية مليئة بآلاف النصوص والوثائق؛ إلا أنها ليست كافية للتعرف على كل نواحي الحياة المصرية؛ لأن كل ما كتب على الآثار المختلفة لا يخرج عن كونه شرح لبعض المناظر الدينية المتكررة مع الإشارة إلى الآلهة والقرابين المختلفة بالإضافة إلى أسماء الملوك وبعض الأحداث التاريخية المهمة التي حدثت في عهدهم أو عهد أسلافهم. أي أن المحصول من هذا الإنتاج الضخم كان محصولًا ضئيلًا للغاية لا يتناسب إطلاقًا مع وفرة الوثائق المكتوبة؛ فالاعتماد إذن على هذه المدونات وحدها لا يكفي لإعطاء فكرة كاملة عن الحضارة المصرية في أشكالها المختلفة.



    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty رد: معالم حضارات الشرق الادنى

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 11:47

    مقومات الحضارة المصرية:
    وكانت العقيدة التي يدين بها المصري خير ما أمدنا بفكرة واضحة عن الحضارة المصرية إذ إن المصري اعتقد في البعث وأنه سيحيا حياة أخرى أبدية -من جهة- ولأنه أحب حياته الدنيا وطمع في أن يجعل من حياته الأخرى صورة مطابقة لها -من جهة أخرى- صور مناظر حياته على جدران مقبرته أملًا في أن تتحول هذه المناظر إلى حقيقة واقعة عند البعث، ومع أننا نعتقد بأن هذه المناظر قد صورت على شاكلة ما كان يقوم به في حياته الدنيا؛ إلا أننا مع هذا نلاحظ
    نه حرص على أن يجعل من تلك الحياة حياة مثالية، وتغالى في إظهارها بمظهر الحياة دائمة السعادة والرفاهية. وقد وصل في ذلك أحيانًا إلى درجة السَّفَهِ حيث حرص على أن يأخذ معه إلى العالم الآخر كل ما ظن أنه سيحتاج إليه من آلات وأدوات وحيوانات أليفة.
    ومع أن كثيرًا من حضارات العالم القديم قد درست عن طريق دراسة آثار المنازل ومخلفات مناطق السكن في تلك الحضارات؛ إلا أننا في مصر نجد أن هذه المنازل قد اختفى معظمها ولم يبقَ منها إلا النادر فقط؛ حيث كان المصري يعتقد بأن حياته في الدنيا حياة زائلة وأن الحياة الآخرة هي الحياة الأبدية فكان يقيم مساكنة من موادَّ خفيفة سريعة البلى واستعمل لذلك اللَّبِن والأخشاب ولم يستعمل الحجر؛ إلا نادرًا وعلى الأخص حول الأبواب والنوافذ فقط ولم يبقَ من المدن المصرية التي كانت آهلة بالسكان؛ إلا أمثلة شاذة مثل: كاهون وتل العمارنة، والسبب في بقائهما هو أنهما قد بُنِيَتَا لغرض خاص ثم أهملتا بعد بنائهما والإقامة فيهما قليلًا وهجرهما السكان بعد ذلك. ويشبه ذلك أيضًا بعض القرى التي أقيمت من أجل عمال الجبانات مثل: مساكن عمال جبانتي الجيزة وسقارة؛ ولذا كان من الصعب استنتاج صورة واضحة للمساكن المصرية في عصورها المختلفة؛ ولكن أمكن التوصل إلى ذلك عن طريق البقايا المتخلفة من تلك المدن ومن مساكن العمال ومن بعض النماذج التي وضعت في المقابر لغرض من الأغراض السحريه أو لمجرد اللهو والتسلية. وكذلك من النقوش التي تمثل تلك المنازل.
    أما الفن المصري فهو جدير بالإعجاب وقد وصل إلى درجة عالية من
    الرقي في كل نواحيه المختلفة من عمارة ونقش ونحت وأدب وموسيقى، وقد بنيت هذه على أصول مستقلة فاقت في معظمها كل فنون الشعوب الأخرى ومما يميز الحضارة المصرية في هذا السبيل أننا نجد آثارها ممثلة في عصورها المختلفة، أي أن مظاهر تلك الحضارة ممثلة بصورة مستمرة من عصور ما قبل التاريخ في سلسلة متتابعة لا نكاد نجد فيها فجوة، فهي تمتاز عن سائر الأقطار الأخرى في هذه الناحية، وقد مكنتنا دراسة آثارها من التعرف على المصري في آلاف السنين ومنها يتضح أن اللغة المصرية لم تتغير إلا مرة واحدة وتغيرت الديانة مرتين كما تغيرت الطبقة الحاكمة عدة مرات، أما المصري نفسه فقد ظل دون تغيير يذكر؛ لأن ظروف الحياة الطبيعية ظلت كما هي ثابتة لا تتغير ولم يحدث مثل ذلك للشعوب الأخرى؛ ولهذا الأمر أهميته البالغة؛ لأنه يرينا كيف تطورت الآراء والأفكار خلال الخمسين قرنًا التي مضت وكيف تطورت العادات وإلى أي مدى أثرت الحضارة المصرية وتأثرت بالحضارات الأخرى وليس من المبالغة في شيء أن نذكر بأن الحضارة المصرية كان لها أثر كبير في الحضارتين اليونانية والرمانية اللتين نقل عنهما العرب. وهؤلاء بدورهم كان لهم أثرهم في الحضارات الأوروبية المعاصرة بل ويمكن أن نتبع أصل بعض الألفاظ في اللغة الإنجليزية وفي اللغات الأوروبية الأخرى ونرجعها إلى أصول مصرية قديمة.
    وما دامت الحضارة تنتج عن النشاط الإنساني وأن هذا النشاط يتأثر بالبيئة أي أنها تفاعل بين الإنسان وبيئته فمن الممكن القول: بأن البيئة المصرية بمميزاتها المختلفة هي التي حددت نوع تلك الحضارة وأثرت في تفكير المصري وإنتاجه، وإذا ما تأملنا هذه البيئة محاولين أن ندرس بصفة عامة
    جغرافية مصر فى معناها الضيق لوجدنا أن نهر النيل يمتد فيها من صخور الشلال الأول إلى البحر المتوسط وهو يتفرع فى الدلتا إلى أن يصب فى البحر؛ وعلى ذلك شملت مصر قسمين مختلفين: الأول يمتد فيه وادى طويل ضيق مساحته المنزرعة ضئيلة للغاية وتحف به الصحارى من الجانبين ويمكن لأى إنسان إذا ما وصل إلى حافة الوادى أن يقف باحدى قدميه على الأرض المنزرعة ويرتكز بقدمه الأخرى على الصحراء، أى أن الانتقال من الأرض المنزرعة إلى الصحراء انتقال فجائى، وتلى الصحراء شرقا وغربا سلاسل من التلال القليلة الارتفاع تمتد بطول الوادى تقريبا أما فى الدلتا فالوادى متسع والأراضى الزراعية شاسعة فهى فى معظم العصور أغنى وأكثر إزدحاما من الوجة القبلى وما زالت كذلك حتى الآن ولكنها فى أقدم العصور التاريخية كانت أقل سكانا لكثرة مستنقعاتها.
    ولما كان الانسان القديم فى مصر يخشى خطر الفيضان ويتجنبه فإنه كان يسكن على جانبى الوادى على الهضاب المرتفعة وكان النهر فى بداية الأمر قليل العمق متسع المجرى، وكلما عمق مجراه كلما انحسرت المياة من الجانبين وتبعه السكان هابطين من الهضاب إلى حافة الوادى وعلى هذه نجد أقدم البقايا الأثرية من عصور ما قبل الأسرات موغلة فى الصحراء بعيدة عن الوادى وأكثر ارتفاعا من تلك التى تليها فى الزمن فتكونت بذ المدرجات النهرية المعروفة التى تعد شاذة فى تتابعها الزمنى لأن المعتاد فى الطيقات الأثرية أن تكون أقدامها هى السفلى وأحداثها هى العليا أما فى المدرجاتالنهرية فإن العكس هو الذى حدث.
    وتتميز البيئة المصرية بأن الظاهرة الغالبه فيها تتمثل فى خطوط متوازية أو متعامدة فالوادى شريط ضيق يحيط بالنهر من الجانبين تبعد عنه قليلا الصحراوين الشرقية والغربية وهذه وتلك تخف بها سلاسل قليلة الارتفاع تظهر كأنها خطوط عمودية على طبقات الوادى التى تسير فى خطوط مستقيمة وكان لهذا أثره فى التفكير المصرى فقد رأى المصرى أن تلك الوديان والصحارى تمتد إلى مسافات شاسعة دون عائق وتمثل فضاء لا نهائيا كما أنه رأى بعض مظاهر الطبيعة فى إستمرار دائم فالشمس تشرق كل يوم فى المشرق وتغرب فى المغرب فاعتقد بأن هناك حياة خالدة يعيش فيها المرء حياة أبدية وأن الحياة الدنيا فترة اتنقال إلى عالم الخلود -وقد أثرت هذه البيئة كذلك فى نشاطه الفنى إذ خضع الفن إلى قواعد لا تحيد كثيرا عما تمثله المرء فى بيئته، فرسومه ونقوشه بل وتماثيله أيضا تخضع لقانون الاتجاهات المستقيمة حتى ليمكننا القول باننا إذا ما أخذنا صورة إنسان أو تمثالا من تلك التى قام بعملها المصري القديم وقطعنا الرأس والأطراف لوجدنا صعوبة فى تفسير الجزء الباقى كذلك إذا ما تأملنا هذه الصورة أو ذلك التمثال لوجدنا أن الراس يتعامد على الكتفين وأن هذين يمثلان خطا مستقينا يوازى الخطوط الأفقية الأخرى فى الجسم كذلك يتوازى الذراعان والساقان والخطوط الرأسية الأخرى ولذا قال أحد فلاسفة اليونان عن التماثيل المصرية بأنها كلها جميلة ولكن ينقصها المدرب الرياضى وذلك لأن الحركة فيها غير واضحة.
    وإذا ما خرجنا عن دائرة الأفكار الفلسفية والدينية والفن إلى الحياة العملية المصرية لوجدنا أن الجماعات التى عاشت فى مصر فى أجزائها المختلفة كان يسهل عليها الاتصال فيما بينها وأهم ظاهرة قامت بتسيير هذا الاتصال هى نهر النيل
    لذي كان له أكبر الأثر فى نشأة الحضارة المصرية وتطورها؛ فمن المعروف أن اتجاه التيار فى النهر "من الجنوب إلى الشمال" واتجاه الرياح السائدة "الرياح التجارية الشمالية الشرقية" "من الشمال إلى الجنوب" وعدم وجود العوائق على طول النهر من البحر المتوسط إلى أسوان مما يجعل الملاحة ميسورة في كل أوقات السنة وفي الاتجاهات المختلفة؛ وعلى ذلك كان من الطبيعي أن تنشط الملاحة فتمكنت الجماعات المنتشرة على طول الوادي من الاتصال بعضها بالبعض بسهولة ويسر وتبادلت مظاهر ثقافاتها وحضاراتها المختلفة -وكان للنيل كذلك أكبر الفضل في توحيد تلك الجماعات إذ أن خطر الفيضان المشترك والرغبة فى التحكم فى مياه النهر للحصول على منافع مشتركة حتمت إيجاد مجتمع موحد متعاون فى ذلك الجزء من العالم.
    ولا شك فى أن وادى النيل كان فى أول الأمر مسرحا لتنافس تلك الجماعات الصغيرة المتفرقة التى كانت تعيش على جانبيه والتى كانت تكون أقاليم مستقلة يغير أقواها على ما جاوره من أقاليم أضعف ويبسط سلطانه عليها حتى انقسم وادى النيل فى جزئه الأدنى إل قسمين كبيرين: مملكة الوجه القبلى وممكلة الوجه البحرى- ومملكة الوجه القبلى كانت تضم أصلا أثنين وعشرين إقليما من تلك الأقاليم الصغيرة أما مملكة الوجه البحرى فكانت تضم عشرين إقليما وقد ظل هذا التقسيم يراعى فى معظم العصور الفرعونية، كذلك ظل انقسام البلاد إلى مملكتين عالقا فى الأذهان حتى نهاية تلك العصور ويتمثل ذلك فى الألقاب الملكية وفى الكثير من الإدارات الحكومية فكان الملك يلقب الملكية وفى كثير من الإدارات الحكومية فكان الملك يلقب بملك الوجهين القبلى والبحرى وأطلق على بيت المال مثلا إسم "بيتى الذهب والفضة" والمقصود هو بيت
    الذهب والفضة الخاص بالجنوب ومثيله الخاص بالشمال كذلك كان هناك وزيران أحدهما للجنوب والآخر للشمال.


    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty نشأة الحضارة المصرية

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 11:49

    نشأة الحضارة المصرية
    ظل العالم المتحضر فترة من الزمن لا يعرف فيها شيئا عن نشأة الحضارة المصرية وتطورها بل وخيل للكثير من الباحثين بأن تلك الحضارة التى توحى آثارها بالنمو والإزدهار والتعقيد لم تكن أصيلة فى مصر ولم تتطور فيها وإنما جلبت إليها من الخارج صورة راقية، إلا أن العثور على آثار تمثل الحضارات السابقة لعصر الأسرات "أى الحضارات البدائية" فى سلسلة متتابعة تكاد تكون متكاملة أثبت أن الحضارة المصرية أصيلة فى مصر نشأت وتطورت فيها وإن كان الأمر لا يخلو بالطبع "كما هو الحال فى الحضارات الأخرى" من التأثر بحضارات الأقاليم المجاورة فى بعض مظاهرها. ولكن مما لاشك فيه بأن البيئات المتشابهة والأجناس المتشابهة تنتج حضارات متشابهة وهكذا كان تشابه بيئات الشرق الأدنى القديم مما يعقد الأمور فى التعرف على انتقال الحضارات من بيئة لأخرى.
    ولما كانت الحضارة المصرية قد وصلت إلى درجة رفيعة من التقدم والرقى فإنه كان من الأهمية بمكان أن يجتهد الباحثون فى التوصل إلى معرفة الجنس الذى يعد مسؤلا عن هذه الحضارة أو الذى أبدعها وأنشأها إلا أن كل الجهود التى بذلت لم تؤدى حتى الآن إلى نتيجة حاسمة إذ لم يعثر على بقايا بشرية يمكن الحكم منها على نوع السكان الذين عاشوا فى العصر الحجرى القديم وقد حاول العلماء عبثا التعرف على هؤلاء من مخلفات العصور التالية، وأقدم ما وجد من
    خلفات بشرية يدل على وجود عناصر مختلفة كانت تعيش جنبا إلى جنب ولذا يمكن القول بأن الحضارة المصرية ترجع الى أجناس مختلفة عاشت فى وادى النيل واحتك بعضها بالبعض كما كانت لهم علاقات بالأجناس المشابهة التى عاشت فى الأقطار المجاورة ولذا قال بعض المؤرخين بأنه لم يوجد مصرى على الإطلاق وإنما كان هناك دائما مصريون ويعنى هذا أنه لم ينفرد فى مصر جنس واحد وإنما وجدت أجناس متجاورة اختلطت ببعضها وكونت فى مجموعها سكان وادى النيل الأدنى.
    ومما لاشك فيه أن الشعبة الحامية من جنس حوض البحر المتوسط كانت أكثر العناصر نشاطا فى شمال أفريقيا بما فى ذلك وادى النيل، ويبدو أن جنسا له بعض الصفات الزنجية قوى التكوين والبنية كان يسود العالم القديم وقد دخلت الى وادى النيل فى أثناء دخوله اليها عناصر حامية قليلة العدد ثم ما لبثت هذه الأخيرة أن ازداد عددها حتى أصبحت هى الغالبة فى الوادى ورغم ذلك ظل خليط تلك العناصر مع الجنس أقوى البنية ممثلا فى معظم العصور التاريخية.
    ومن المعروف كذلك أن عناصر كثيرة مختلفة قد دخلت إلى مصر فى عهودها المختلفة ولكن هذه لم تؤثر فى التكوين الجنسى للسكان إلا بنسب ضئيلة لأن تلك العناصر عند دخولها إلى مصر لا تلبث أن تحتفظ بالسكان وتندمج فيهم وتفقد مميزاتها الجنسية بالتدريج وإن ظلت بعض تلك المميزات تظهر فى العناصر الناتجة من إختلاطها حينا بعد حين.
    وقد أدى تشابه بعض مظاهر الحضارة فى مصر مع مظاهر للحضارة فى جنوب غربى آسيا إلى الإعتقاد بأن الحضارة المصرية قد نقلت من
    هذه الجهات إلى مصر عن طريق هجرة من الهجرات ولكن تشابه ظروف البيئة فى تلك المرحلة البدائية يجعلنا نتردد كثيرا ف الأخذ بهذا الرأي، ومع كل فإن انتقال تلك المضاهر الحضارية قد تم عن طريق احتكاك مباشر أو غير مباشر بين سكان وادى النيل وبين سكان جنوب غربى آسيا وليس ضروريا أن يكون عن طريق هجرة من الهجرات.
    فنشأة الحضارة فى مصر إذن ما زال يكتنفها الغموض ومهما قيل فى ذلك فإن ما يعنينا هو أننا نجد في العصور الفرعونية حضارة بهرت العالم ووصلت إلى مدى بعيد في ميدان التقدم في كافة مظاهرها المختلفة وقد تمثلت في مصر دولة قوية فتية يحكمها بيت مالك له تقاليده ومراسيمه المعقدة ويحيط بالملك حشاية يحمل أفرادها مختلف الألقاب ويحتلون مناصب رفيعة، وتكاد تحاكى في تنظيمها الإدارى ما نسير عليه في حياتنا الحاضرة وكانت الطقوس الدينية تقام في بعض العبادات الحديثة وكان الجيش يتبع أساليب وفنون حربية تسير وفق الأسس التى تقوم عليها الجيوش النظامية -وهكذا فى سائر النظم كانت مصر دولة لا تختلف في كيانها كثيرا عن أى دولة حديثة.
    ويرى كثير من الأثريين بأن الحضارة المصرية كانت حضارة مادية حسية فى أساسها وأنها كانت تهدف إلى الناحية العلمية دون النظرية.
    ولكن مما لاشك فيه أن كثيرا من النتائج العملية التى وصل إليها المصرى كانت عن طريق إتجاهه إلى بعض النواحى النظرية أى أنه سما بتفكيره عن تحقيق أهداف عملية فى دراسته لبعض النواحى العلمية، ومهما
    كان الأمر فإنه في كل إنتاجه في المراحل الأولي من حضارته كان يهدف أصلا إلى تحقيق منفعة في حياته العملية شأنه في ذلك شأن الشعوب الأخرى.
    وإذا ما أردنا دراسة مظاهر الحضارة المصرية المختلفة فان من الملائم أن نتحدث عنها على أنها مظاهر لمجتمع نشيط راق وصل إلى مرتبة عالية من التنظيم وبالطبع تحتل الأسرة المكانة الأولى فى دراسة أى مجتمع من المجتمعات وتمثل الحياة اليومية لأفرادها مظاهر الحضارة المختلفة.


    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الأسرة

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 11:50

    الأسرة
    إذا ما أردنا أن نتتبع تقاليد الزواج والنظام الأسرى في مصر القديمة فإننا لا نكاد نجد ما يشير إلى هذه الأمور في بداية العصور الفرعونية، ويخيل إلينا أن المصري في عصور ما قبل الأسرات كان يتخذ زوجة كأليف تعاونه في حياته وتنجب له الاطفال شأنه في ذلك شأن الإنسان في كل المجتمعات البدائية البسيطة، فإنجاب الذرية من أهم البواعث على الزواج في تلك المجتمعات -ويستدل على أن المصرى القديم قد توخى هذا الغرض من تماثيل السيدات التى وجدت في عصور ما قبل الأسرات فهى عموما تماثيل لسيدات متضخمات الأثداء والبطون وهى في هيأتها وتكوينها تدل على أن المقصود منها تمثيل الأمومة وانجاب الذرية، "شكل 1" ومن نصائح أحد الحكماء لشاب يحضه على الزواج قوله له أن يتخذ له زوجة في شبابه "فإن أحسن شئ في الوجود هو بيت الإنسان الخاص به" وأن "تلد له ابنا" -ويبدو أن الاحتفاظ بالزوجة لم يكن سهلا كما هو الحال في سائر الجماعات البدائية فربما كان القوى يغتصب زوجة الضعيف ويتخذها
    لنفسه ولذا نجد أن الملك المتوفى يوصف فى نصوص الأهرام بأنه "يأخذ النساء من أزواجهن على حسب رغبته".
    ولا نعرف طقوس الزواج فى مصر القديمة إلا أن من المرجح أنه كانت هناك عقود قانونية كما يفهم ذلك من أقوال الحكماء في نصحهم لمن يستمعون إليهم عند الإشارة إلى الزوج بقولهم "لكى يؤسس المرء لنفسه بيتا" مما يدل على أن هناك إتفاقا من نوع ما أو عقدا يكتب بصورة خاصة ما مركز المرأة فى مصر القديمة فكان على خلاف ما يعتقده الأوربيون عن نساء الشرق إذ أن هؤلاء يعتقدون بأن المرأة في الشرق ملهاة للرجل وأنها لعبته ولمجرد تسليته والوقوف على راحته وظنوا أن الحالة في مصر القديمة لم تكن تختلف عن ذلك إلا أن هذا القول يتنافى مع الواقع فالمرأة فى الشرق من الناحية العملية تحظى بمكانة أعظم بكثير من مكانة المرأة الأوروبية ولها من الحقوق مالا تحلم به هذه الأخيرة في كثير من الأحيان. وعلى أية حال احتلت المرأة مركزا هاما في مصر
    ديمة وظهرت سيدات عظيمات قمن بأدوار كبيرة في التاريخ، وكانت الزوجة الشرعية لاتقل مركزًا عن الزوج فهي على قدم المساواة معه وقد مثلت في تماثيل الدولة القديمة في حجم يكاد يكون مساويًا لحجم الرجل "شكل 2" وتضع يدها حول رقبته أو وسطه في تآلُفٍ وكانت تشترك في صيده ولهوه وفي الإشراف على أعماله المختلفة. أما في العصور المتأخرة نسبيًّا فقد روعي أن تمثل الزوجات بحجم أصغر من حجم أزواجهن لأسباب فنية أو تقليدية.وكان من النادر أن يجمع المرء أكثر من زوجة شرعية ومع هذا كانت الزوجات الشرعيات للشخص الواحد في درجة عظيمة من الوُدِّ
    والتآلف فمثلا نجد أن "إميني" الذي كان نبيلا من نبلاء الدولة الوسطى كانت له زوجتان شرعيتان: إحداهما تسمى: حنوت، والآخرى تدعى: نبت، وقد أنجبت له الأولى ثلاث بنات وولدًا واحدًا، أما الثانية: فكان لها ولدان وخمس بنات وقد أسمت "حنوت" بناتها جميعًا باسم الزوجة الثانية، وسمت الأخرى ثاني بناتها باسم "حنوت" ويدل هذا على مقدار الصفاء بينهما1. وفي العصور المتأخرة لم تنشر عادة الزواج بأكثر من واحدة إلا في الطبقات الدنيا أو عند الملوك فقط وحكام الأقاليم وذلك لأسباب تتعلق بالوراثة أو لأسباب سياسية فأحد حكام الأقاليم في الدولة الوسطى قد أصاب ميراثًا عن طريق زواج والده بإحدى السيدات اللائي يرثن أحد الأقاليم أي أنه لم يكن له الحق في وراثته إلا عن طريق هذا الزواج، كما أن الملوك في الدولة الحديثة عمدوا إلى مصاهرة بعض ملوك دول الشرق المجاورة، ومن أبرز هذه الزيجات: زواج رمسيس الثاني بابنة ملك الحيثيين بعد عقد معاهدة الصلح بينهما، وقد جاء هذا الزواج توكيدًا للتحالف بينهما.
    وكان الزواج يتم غالبًا في سن مبكرة فالولد يتزوج عادة في سن الخامسة عشر أما البنت فكانت تتزوج في الثانية عشرة، وكان زواج الأخت قاعدة متبعة ويمنح الوالد ابنته لولده ليتزوج منها وتطور الأمر فأصبحت كلمة الأخت تطلق لتعني الحبيبة أو الخليلة كما كانت تدل على الزوجة ولم تكن هناك غضاضة في زواج الأخت فقد نشأت هذه العادة على الأرجح


    في المجتمعات الصغيرة لظروف حتمتها البيئة حتى تحافظ على دمائها وظل الملوك في مصر يتبعونها للمحافظة على الدم الملكي المقدس في دائرة البيت الملكي نفسه.
    ورغم الزواج المبكر كانت الحالة الخلقية بين الأزواج عادية في معظم الأحيان ولكن شابتها بعض الشوائب في أحوال نادرة إذ إن أمثلة وردت عن حدوث بعض الخيانات الزوجية إلا أنها لم تكن شائعة.
    وكان ينظر إلى الأرملة نظرة الحذر وكان الحكماء يحضون الشباب على تجنب الالتقاء بها حتى لا يقعوا في حبائلها كما أنهم كانوا ينفرون من المرأة المجهولة الأصل1.
    ولم يكن النبيل أو العظيم ليقتصر زوجته الشرعية فقط بل كان يتخذ بعض المحظيات فكان له بيت للحريم -شأنه في ذلك شأن الملوك- كان يعرف باسم: بيت المحجبات، ويخضع لرقابة شديدة. ولم يكن للحريم حقوق الزوجات الشرعيات، وليس لأبنائهم ولا لبناتهم حقوق شرعية، ولم يظهرن في الحفلات على قدم المساواة مع الزوجات بل كان مركزهن في المؤخرة دائمًا، وكان على المحظيات أن يقمن بالغناء وبالترفيه عن السيد، ومع هذا فقد وجدت أمثلة كثيرة للعتق وتشير إلى ذلك نصوص مختلفة وبعض النصوص تشتد في عتقهن والاحتفاظ لهن بالحقوق الشرعية كالأحرار2.
    وكان مركز الأم عظيمًا للغاية وكان المرء ينسب إليها أحيانًا لا إلى



    والده فيضاف اسم الأم بعد اسم الشخص، وكان التوريث في الدولة الوسطى يسير على نظام ابن الأبنة الكبرى هو الذي يرث لا الابن الأكبر كما أن جِد الشخص من جهة أمه كثيرًا ما كان يتوسط لحفيده في نيل الحظوة لدى البلاط أو في الحكومة، ولم يكن الابن ليرث عن أبيه شيئًا إلا بعد أن يقرر الملك ومستشاروه ذلك، لكي يوضع في مكان والده؟1.
    ومن جهة أخرى كان يراعي دائمًا أن يحمي الابن اسم والده وأن يخلده فهو يشرف على تقديم القرابين له ويحافظ على مقبرته وإبقاء آثاره لأن المصري كان يعتقد أن زوال اسمه من النقوش هلاك أبدي له؛ ولذا كثيرًا ما عمد بعض المصريين إلى إزالة أسماء بعض السابقين للانتقام منهم، ومع كل لا نجد أمثلة كثيرة يفتخر فيها الابن بوالده، بل ولم نجد سلسلة نسب كاملة تستمر عدة أجيال إلا في العصور المتأخرة وربما ذلك لصعوبة التعرف على الأجيال السابقة وذلك لأن الشخص كثيرًا ما كان يغير اسمه في بعض مراحل حياته كما أن بعض الأشخاص كانوا يعرفون بأسماء التدليل لا بأسمائهم الأصلية وأصبحت أسماء التدليل هذه واختصارات الأسماء شائعة منذ الدولة الوسطى على الأقل.
    أما الروابط العائلية بين أفراد الأسرة المختلفة فقد كانت تشوبها بعض الشوائب أحيانًا وذلك لانتشار عادة التسري ووجود الكثير من الرقيق الأجنبي وكان المصري ينظر إلى هؤلاء نظرة التحقير بل أنه كان ينظر
    لى الأجنبي عامة نظرة الاحتقار شأنه في ذلك شأن الأمم التي تنهض وخاصة إذا كانت الأمم الأخرى أضعف منها ويتمثل هذا في تعريف المصري للمصريين بأنهم: الرجال أو بني الإنسان. وللبدو بأنهم: سكان الرمال أو الصحراء. ولأهل الجنوب بأهل كوش الخاسئين، ومن الأمثلة الواضحة على احتقار أهل البلاد الأخرى مانجده في نص يمثل شكوى أحد الأبناء إلى الوزير في حق والده الذي كتب جزءًا من أملاكه لزوجته الثانية، فقد أجاب الوزير على هذه الشكوى بأن الوالد حر فيما يمتلك حتى ولو كانت تلك الزوجة التي أعطاها ليست زوجته بل محبوبه أجنبية آسيويه أو نوبية1. وكثيرًا ما كانت الزوجة الثانية وخاصة التي لا أولاد لها، تُعامل بشيء من القسوة من أولاد زوجها وإن كنَّ أحيانًا يعاملن معاملة طيبة ويحظين بمركز ممتاز وبالطبع كان المال عاملا مهمًّا في تحديد بعض أنواع العلاقات التي كانت تسود في الأسرات.
    أما فيما يختص بالأطفال وتنشئتهم فإنهم في عهد الدولة القديمة كانوا يتركون لحريتهم حتى سن الرابعة تقريبًا وكثيرًا ما تمثلهم النقوش وهم عرايا مجردين من اللباس يلعبون أو يصحبون آباءهم في نزهاتهم وصيدهم، أما بعد الدولة القديمة فيندر أن نجد صورة لطفل مجرد من اللباس، وكانوا يذهبون إلى مدارس تلحق بالمعابد غالبًا ولكن أبناء النبلاء وذوي النفوذ كانوا يذهبون إلى مدارس البلاط حيث ينشئون مع أبناء الملك وكانت العلامة المميزة لأبناء الملوك والنبلاء خصله من الشعر أشبه بالضفيرة على جانبي الرأس. ومع أنهم كانوا يعاملون بشيء من الحزم في تربيتهم أكثر
    ـــن أطفال العصر الحالي إلا أنهم كانوا يحظون بالكثير من اللُّعب التي وجدت منها نماذج في بعض المقابر ومنها أنواع متقدمة في صناعتها وفكرتها كثيرا 1.
    وقد روعي في قواعد السلوك أن تجعل من الإنسان شخصًا ممتازًا في عمله وفي علاقته مع الآخرين وهي تحضُّ على التعليم والابتعاد عن الشرور والآثام وعن قرناء السوء، ومن تعاليم بعض الحكماء نتبين أن السلوك في حضرة العظماء كان معقدًا يشوبه الكثير من التكلف ولا يكاد يختلف كثيرًا عن قواعد السلوك الحالية، ومن أمثلة ذلك ماورد على لسان أحد الحكماء: "إذا دعيت إلى حضرة العظيم فلا تجلس إلا إذا دعاك وإذا دعيت إلى الطعام فكل مما هو أمامك ولا تنظر إلى ما يأكله ذلك العظيم، اضحك عندما يضحك فإن هذا مما يبهج قلبه .. إلخ".
    أما عن وسائل الترفيه وقتل أقات الفراغ: فكثيرًا ما كانت الأسرة تشترك في الخروج مع عميدها في رحلات صيده ولهوه، فبعض النقوش تبين لنا الرجل واقفًا في زورقه وهو يقوم بصيد الطيور أو الأسماك في المستنقعات ومعه زوجته وأولاده وقد يصحبهم قط أليف يأتي بالطيور المصابة إلى القارب، أما في رحلات الصيد المحفوفة بالمخاطر مثل: صيد فرس النهر والتمساح وصيد الحيوانات المفترسة في الصحاري فأغلب الظن أن الرجال هم الذين كانوا يخرجون فيها وحدهم إذ لم يَرِدْ في النقوش ما يبين اصطحابهم لعائلاتهم فيها، غير أنه في أحوال نادرة كان يطيب لبعضهم



    أن يصحبوا زوجاتهم في صيد الصحراء حيث تقوم كلاب الصيد بدور مهم فيها إذ تكون حيوانات الصيد الرئيسية من الأرانب والغزلان التي يسهل للكلاب الإمساك بها، وكثيرًا ما كانت تقام في الصحراء ساحة مسورة بحواجز "جدران" في هيئة الشباك تساق إلى داخلها حيوانات الصيد حيث كان الملك في الدولة القديمة يمتع نفسه بإطلاق سهامه عليها بينما يقف على خدمته عدد من الخدم يقدمون له السهام التي يطلقها، وقد حاكى أمراء الأقاليم ملوكهم في هذه الرياضة منذ عهد الفوضى الأول، أما في الدولة الحديثة فإن الملوك كانوا مولعين بصيد الحيوانات المتوحشة ومواجهتها في العراء لما في ذلك من إثارة وحماس رغم الخطورة التي كانوا يتعرضون لها.
    أما تسلية الأسرة داخل الدار فتنحصر في مشاهدة رب الدار وأسرته لبعض المتصارعين وهم يعرضون ألعابهم في مرونة وخفة ومهارة " أو بعض المتبارزين المسلحين بعصي قصيرة ويتقون ضربات خصومهم بأذرعهم الطليقة التي تحميها سيور جلدية شدت إليها، وقد تشاهد الأسرة



    كذلك عرضًا لبعض الفتيات يلعبن بكرات صغيرة ألعابًا فيها كثير من المهارة والحذق أو يؤدين حركات بهلوانية أو يقمن بالرقص وهو ما كان يقوم به الرجال كذلك في بعض الأحيان، وكثيرًا ما يبدو في مناظر الرقص ما يمثل اللوحات الحية أو رقص الباليه "شكل 4"، وكانت الموسيقى
    والتصفيق بالأيدي والغناء ترافق الرقص في كثير من الأحيان، وقد أغرم المصريون بإقامة الحفلات التي كانت لا تخلو من الموسيقى والغناء والشراب.
    ولم يقتصر المصريون على ضروب التسلية الرياضية أو مشاهدة فرق المصارعين والراقصين وغيرهم والاشتراك في الحفلات المختلفة بل كانت لديهم أنواع أخرى من الألعاب وضروب اللهو فمن ذلك مثلا: قيام بعض الصبية بلعبه يَتَكَهَّنُ فيها أحدهم بمن يضربه وهو راكع لا يرى أيدي زملائه حين يهوي أحدهم على ظهره "شكل 5" أو يشتركون في قذف أداة ذات سن مدببة على لوحة من الخشب وغيرها من الألعاب التي تحتاج إلى مران ومهارة، كما أن الألعاب التي تحتاج إلى إعمال الفكر كانت محببة لديهم في سائر عصورهم ومنها ما يشبه رقع الشطرنج أو الداما الحالية، ومنها لعبة كانت رقعتها

    ذات مقبض وقد رسم عليها شكل أفعى مُلْتَفَّة حول نفسها ولكنها مقطعة في بعض الأماكن وكان المتباريات يلعبانها بوضع تماثيل صغيرة للأسود والكلاب على جسم الأفعى، ويبدو أن الفائز هو الذي يستطيع إخراج تماثيله من ذلك التيه الممثل في شكل جسم الأفعى بشروط معينة "شكل 6" وغير ذلك من الألعاب التي لم يكن التوصل إلى طريقة لعبها أو قواعدها.

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الملك

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 11:54

    الملك
    كان الملك على رأس المجتمع وهو سيده فذاته مَصُونة ولا تُمَسُّ، ولم يصل إلى هذه المكانة بالطبع إلا بعد تعاقب أجيال عديدة من الجماعات التي عاشت في وادي النيل، إذ يمكننا أن نتخيل أن هذه الجماعات كانت تسلم قيادها إلى زعماء أفرادها وتثق كل جماعة في زعيمها وتعترف له بالقوة والسيطرة، ثم أخذت هذه الجماعات تندمج معًا وانتقلت الزعامة إلى أيدي أقوى زعيم من هؤلاء، وبالطبع لم يكن ليصل إلى الزعامة إلا من تمتع بمييزات يعجز عنها غيره من الأفراد مما أدى إلى أن تنسب إليه قوى خارقه وأن يحاط بمظاهر الإجلال والقدسية ولكنه في نفس الوقت كثيرًا ما كان عرضة لأن يصبح هدفًا للحاسدين والمنافسين الذين يتحينون الفرص للإيقاع به والتخلص منه لإبداله بغيره، وليس من الضروري أن يكون العامل على التخلص منه عدوًّا بل قد يكون من أقرب المقربين إليه إذ يتصور أنه أحق منه بالمكانه التي يتمتع بها.
    ولا شك في أن حروبًا كثيرة دارت بين الأقاليم المختلفة إلى أن وحدت هذه الأقاليم في قطرين: "مملكة الوجه القبلي ومملكة الوجه البحري" واستمر الحال على هذا المنوال زمنًا طويلا قبل أن توحد المملكتان توحيدًا مؤكدًا، وبالطبع أخذت مكانة الزعيم الأقوى تزداد ويعظم توقيره، وما أن صار هذا ملكًا حتى كانت قدسيته قد بلغت أوجها ونسب إلى الآلهة، ونظرًا لطول الأمد الذي عاشت فيه مملكتا الوجه القبلي والبحري منفصلتين فقد حرص الملك على إبراز حكمه لهذين القطرين فأصبح يطلق على نفسه: موحد القطرين، أو سيد القطرين.

    ومن البديهي أن تنتقل كل الحقوق والواجبات التي كانت لزعيم الجماعة إلى ملك البلاد، وبما أن الزعيم كانت له السلطة المطلقة على الجماعة يتصرف في شئونها ويرعى حقوقها ويدافع عنها فقد أصبح الملك صاحب الحق المطلق في كل أملاك الدولة، وإذا سمح بإعطاء شئ منها إلى بعض المقربين له فإنما يكون ذلك من قبيل المنحة أو العارية التي يستطيع أن يستردها حينما يشاء بل وكانت الرعية من الناحية النظرية على الأقل ملكًا له يتصرف فيها وفق مايريد، وكان هو المحور التي يدور حوله كل شئون الدولة وهو المسيطر عليها والمتصرف فيها، إلا أنه في الواقع لم يكن ليستطيع ذلك إلا بمعاونة الوزراء وعدد من المستشارين الذين يستعينون بدورهم بالعديد من الموظفين والكتَّاب، وإلى جانب هؤلاء يعمل قوَّاد الجيش وجنودهم والكهنة وأتباعهم على احتفاظ الملك بسلطانه وإعلاء شأنه والمعاونة في تصريف شئون الدولة، وفي مختلف الأقاليم كان يمثل الملك أمراؤها الذين كانوا يستعينون بدورهم بأجهزة مصغرة لما هو موجود بالعاصمة.
    وكان على الملوك أن يحسنوا علاقاتهم بكل هذه السلطات وفي نفس الوقت كانوا يعملون على عدم تهديدها لسلطانهم، وما دام الملك كان قويًّا فإنه كان ينعم باستقرار الأمر له، وازدهرت البلاد ونعمت بالأمن والهدوء في حين أن ضعف الملوك كان يؤدي إلى كثرة الدسائس من حولهم وقد ينجم عن ذلك إسقاطهم على أيدي مغتصبي العرش أو قيام الثورات ضدهم وإن لم يكن هذا ولا ذاك فإن كلا من الطوائف المختلفة التي تعاون الملك في تصريف أمور الدولة تعمل على زيادة نفوذها والإكثار من الامتيازات التي تتمتع بها وتسوء أحوال الدولة ويعم فيها الفساد.
    مع أن الملك كان ينسب إلى الآلهة بل واعتبر في نظر المصريين إله كما يتضح ذلك من الألقاب التي كان يتخذها1، كذلك كانوا يشيرون إليه بلفظ: "الإله"، "حور الذي في القصر"، "الإله الطيب"... إلخ، وبعد موته يطلقون عليه: الإله العظيم، إلا أن فكرة ألوهية الملك الحي لم تمثل ماديًّا إلا ابتداء من عصر الأسرة الثامنة عشر، فمنذ أقدم العصور لم تنشأ معابد لعبادة الملك وهو على قيد الحياة إذ إن أقدم ماعثر عليه من معابد لعبادة الملك وهو مازال حيًّا كان من عهد أمنحتب الثالث2، ومن الممكن أن تكون الفكرة التي ابتدعتها حتشبسوت في معبدها بالدير البحري والتي حاكاها أمنحتب الثالث في معبد الأقصر من تصوير مولدهما كأن الإله آمون نفسه قد اتصل جنسيًّا بوالدتيهما وأنجبهما من صلبه مما جعل فكرة إنشاء معبد لعبادة أمنحتب الثالث لشخصه مقبولة لديه إلا أنه لم يبدأها في مصر إذ لم تبدأ عبادة شخص الملك الحي في مصر إلا منذ عهد رمسيس الثاني.
    ومادام الملوك يتمتعون بمثل هذه المكانة فإنه كان لابد من أن يمتازوا عن رعاياهم في زيِّهم وزينتهم وإن كان لباسهم في أقدم العصور يتسم بالبساطة لا يزيد على إزار قصير ذو شريط يمتد فوق الكتف الأيسر وحزام مثبت به ذيل حيوان من الخلف ويوضع فيه خنجر من الأمام وهذا الزي يشبه ما كان يلبسه صيادو الوحوش في أقدم العصور
    إلى جانب هذا الإزار كان الملوك يتزينون بنقبة قصيرة تلتف حول الوسط فوق ما يشبه الجعبة التي تستر العورة، وفي الوسط حزام مثبت بمشبك من الأمام نقش عليه اسم الملك وقد أصبح هذا الزي تقليديًّا في معظم العصور الفرعونية.
    وكان يتحلى بلحية طويلة صناعية مدببة يثبتها إلى ذقنه كما يضع على رأسه عصابة تنحدر على الكتفين بثنايا كثيرة وتلوى في الخلف على هيئة ضفيرة قصيرة فوق العنق ويشدها على الجبهة شريط يمثل على منتصفه الجزء العلوي للأفعى السامة "أوريوس" رمزًا لحمايتها له كأنها تهدد أعداء الملك، بينما يمتد بقية جسمها في خط متعرج فوق منتصف الرأس، أما التيجان فقد كانت تختلف في أشكالها وما ترمز لها فمنها: التاج الأبيض وهو تاج الوجه القبلي وكان على شكل مخروط طويل ومنها: التاج الأحمر وهو تاج الوجه البحري وكان على شكل قلنسوة لها ظهر كمسند مرتفع وحلية ملتوية من الأمام ومنها: التاج المزدوج الذي يجمع بين التاجين السابقين ومنها: التاج الأزرق... إلخ، ومن شارات الملك
    التي كان يستعملها عصًا معقوفة، كان شكلها يستخدم في الكتابة بمعنى: حاكم أو ملك، وأداة تشبه السوط أو المذبة، أما السلاح التقليدي الذي كان يمثل مستخدمًا له في النقوش التي تبينه وهو يقضي على الأعداء؛ فكان هراوة أو دبوس قتال هو عبارة عن عصا قصيرة مثبت في طرفها كتلة من الحجر.
    وقد تطورت أزياء الملوك بمرور الزمن؛ ولكنها في الغالب لم تختلف عن ملابس الرعية إلا بما تحلى به من زخارف ذهبية على أن النقبة الملكية التقليدية ظلت ملازمة لهذه الأزياء؛ فكانت تلبس فوق الملابس العادية أو تحتها، وإلى جانب شارات الملك السابقة أخذ الملوك منذ عصر الدولة الحديثة يستخدمون سيفًا يشبة المنجل.
    ومن الطبيعي أن كثرة واجبات الملك وتعقد الحياة الاجتماعية قد استوجبا ظهور الملك بمظهر لائق في المناسبات المختلفة؛ ولذا كان من المحتم مراعاة اختيار الملابس والشارات المناسبة والعناية بها وملاحظة دقة استعمالها واختص عدد من الموظفين في البلاط بهذه الأمور؛ فكان هناك: موظفو خزانة الثياب الملكية، والمشرف على ثياب الملك، وغسال فرعون، ورئيس غسالي القصر، ورئيس القائمين بتبيض الثياب الملكية، والمشرف على صانعي الشعر"المستعار"، وصانع شعر فرعون، وأمناء التيجان... إلخ. أما الحلي: فكانت لها إدارة مهمة في القصر: إدارة الحلى الملكية ولها رئيس وكاتب ورئيس صناع ورئيس فنانين، والمستشار الخاص بحلي الملك، ومبدع الحلي الملكية.
    وكان العرش في أول أمره بسيطًا عبارة عن مقعد في هيئة مكعب ذو ظهر قليل الارتفاع، وابتداء من عصر الدولة الحديثة صار هذا المقعد
    وضع تحت مظلة تحملها أعمدة خشبية دقيقة، ويبدو العرش وكأنه يرتكز على رءوس أعداء مصر التقليديين-الزنوج والآسيويين- وتحلَّى المظلة في أعلاها بزخارف في هيئة صفوف من أفاعي الحماية-أوريوس- وفي قاعدتها بأسماء البلاد الأجنبية التي هزمها الملك.

    حاشية الملك
    لا يمكننا أن نتعرف على كل أفراد حاشية الملك ووظائفهم في البلاط بصورة كامله؛ ولكن من الممكن أن نتبع الكثيرين منهم إذا تأملنا مناظر الاحتفالات المدنية والدينية التي كان الملك يشترك فيها وخاصة من عهد الدولة الحديثة؛ ففي أقدم العصور كان الملك يتجلى لرعيته في محفَّة يحملها عدد من الجنود ويرافقه موظف كبير يحمل لقب: حامل المروحة على يمين الملك، وهو يحمل مروحة صغيرة رمزًا لمكانته؛ بينما يوجد حامل مروحة كبيرة أمام المحفَّة وآخر من خلفها، وحينما يخرج الموكب الملكي من القصر لحضور أحد الاحتفالات أو للنزهة يجري في المقدمة رجلان يحملان العصي لإفساح الطريق أمام المركبة الملكية التي تشدها خيول مزينة وعلى جانبيها يجري الحرس الملكي ويتبعها عدد من الجنود يمثلون مختلف فرق الجيش ومن بعدهم كبار الضباط في مركباتهم، وإذا صاحبت سيداتُ القصر الملكَ في هذا الموكب؛ فإن عربات الملكة والأميرات تجري إلى جانب عربة الملك. وفي الاحتفالات التي تجري داخل المعابد نجد إلى جانب الكهنة القائمين بالطقوس بعض أبناء الملك الذين حضروا لمشاهدتها ويحيط بالملك عدد من كبار موظفيه، وقد يحمل محفته عدد من أبنائه بينما يقوم عدد آخر منهم باستخدام المراوح ويتقدم الكهنة في



    الموكب طائفة من أقارب وأولاد الملك والأمراء العظام وفي طليعة الموكب نافخو الأبواق وقارعو الطبول، معلنين قدوم الموكب.
    ومما يوضح لنا الدور الذي كان يقوم به بعض رجال البلاط عدد من النصوص التي خلفها هؤلاء وافتخروا فيها بمكانتهم وحظوتهم لدى سادتهم؛ فهناك مثلًا: المشرف على أسرار غرفة الصباح، وهو ما يعادل حاليًا: رئيس الخدمة الخاصة، الذي كان يشرف على ملابس الملك وزينته وتمتد اختصاصاته إلى كثير من الشئون، وكثيرًا ما كان يعهد بهذه الوظيفة إلى ابن الملك، أو إلى أقرب المقربين إليه؛ لأنه في غالب الأحيان كان يتحكم في إدارة القصر أيضًا، وإلى جانب هذا الموظف كان هناك عدد كبير من المقربين إلى الملك وكانت تقاليد القصر صارمة بحيث لا يمكن لأحد هؤلاء أن يتعدى في مثوله أمام الملك المكان الذي يخصص له أو أن يقترب من شخص الملك أكثر مما يستحق، ومع أن لقب: السمير والسمير الوحيد، يوحيان بأن حامل كل منهما لا بد وأن يكون من أتباع الملك الذين يضمهم بلاطه إي أن هذين اللقبين كثيرًا ما كانا يمنحان على سبيل التشريف لأشخاص يعملون في خارج البلاط أو في أماكن نائية عن العاصمة.
    ومع أن الملوك كانوا يجمعون بين عدد من الزوجات إلا أن زوجة واحدة هي التي تعد ملكة شرعية وهي التي كان يجري في عروقها الدم الملكي أو تكون أولى زوجات الملك، وكان اسمها يوضع في خرطوش كما هو الحال بالنسبة لاسم زوجها وكان نفوذها عظيمًا وخاصة إذا استطاعت أن تتحكم في شخص الملك، وكثيرًا ما كنَّ يلعبنَ دورًا



    رئيسيًّا في البلاط بعد وفاة أزواجهن، كما أن بعضهن بلغن مرتبة التقديس كآلهات.
    وإلى جانب الملكات وغيرهن من زوجات الملك كان الملوك يحتفظون بحريم خاص ومحظيات يخضعن لرئيسة ويشرف عليهن عدد من الموظفين لهم مكانتهم مثل: المشرف على غرف الحريم الملكية، نائب رئيس الحريم، إلى جانب عدد من الحراس الذين يمنعونهن من الاتصال بالعالم الخارجي اتصالًا غير مرغوب فيه، وكثيرًا ما كان بعض النبلاء ذوو المكانة يفخرون بأنهم كانوا يشغلون وظيفة:المشرف على بيت الحريم الملكي، وبأنهم كانوا يعرضون الحريم على الملك ويلاحظون الرقص في القصر، وبالطبع كانت مهمة هذه الحريم تنحصر في تسلية الملك وإدخال السرور إلى نفسه، وكان الوصول إلى مرتبة محظية ملكية يعد شرفًا تتطلع إليه الكثيرات؛ لأن بعضهن كن يتمتعن بحظوة كبيرة لدى الملك وتمنحن ألقاب شرف رفيعة مثل: حاكمة البلاد كلها، سيدة القطرين، الحاكمة الجميلة ... إلخ، وكثيرًا ما كان يفخر بعض العظماء باتخاذ محظيات ملكيات كزوجات لهم.
    ولا شك في أن تعدد زوجات الملوك وكثرة محظياتهم قد أدى إلى وجود عدد وفير من الأبناء الملكيين؛ ولذا كانت تخصص لهم أملاك معينة كما كانت تسند إليهم مناصب مختلفة دينية وقضائية وإدارية وعسكرية، وقد عني بتنشئة هؤلاء الأمراء في أقسام خاصة من القصر وكان المشرفون على تربيتهم يتمتعون بمكانة سامية فمرضعاتهم -وهن غالبًا من زوجات الأشراف- كن يلعبنَ دورًا مهمًّا في البلاط وخاصة إذا ما أصبح الجالس
    على العرش أو الملكة من بين الذين أرضعتهم، كما أن مربي الأمير أو الأميرة كان هو الآخر يعد أعلى شخصيات البلاط.
    وكثيرًا ما كان الملوك يسمحون بتنشئة بعض أبناء كبار رجال الدولة مع أبنائهم في البلاط ويولونهم عطفهم ورعايتهم؛ ولذا كان هؤلاء يفخرون دائمًا بهذه النشأة عندما يصبحون رجالًا، مهما علا قدرهم.
    وينبغي أن ندرك بأن كل ملك كان يشمل بعطفه، إلى جانب أفراد أسرته عدد من الأقارب يميزهم لقب: قريب الملك، أو المعروف لدى الملك، ولا يخلو الأمر من وجود أدعياء حملوا هذا اللقب؛ ولذا كان أقرباء الملك الحقيقيون يميزون أنفسهم بلقب: قريب حقيقي للملك، ويمكننا أن نتصور أن الملوك وخاصة في أقدم العصور كانوا لا يسندون أكبر وظائف الدولة إلا من يعيشون على مقربة منهم ومن يتوخون فيهم الإخلاص والحكمة؛ ولذا لا نستبعد أن الوزراء ورؤساء الكهنة كانوا من بين الأمراء الملكيين أو من أقرباء الملك، ويجيء هؤلاء في مركزهم الاجتماعي بعد ملك البلاد وأسرته بالطبع، وكان سراة القوم والنبلاء كثيرًا ما يحملون ألقابًا شرفية كانت لا تمنح صاحبها الحق في القيام بأعباء وظيفية وإن كانت في معناها تدل على أعمال معينة؛ إلا أن ذلك لم يكن ليقصد به إلا إظهار ما لحاملها من حظوة لدى الملك وتتيح له أن يظهر في معيته، ومع كلٍّ يمكننا أن نتخيل أن هذا الإجراء كان وسيلة فعالة لمراقبة هؤلاء بإبقائهم على مقربة من القصر.
    أما حكام الأقاليم فكانوا يمثلون طبقة خاصة ويجمعون من السلطات مثلما يجمع الملوك في نطاق الأقليم التي يحكمونها، غير أنهم كانوا دون شك أدنى مرتبة من الوزراء إلا إذا ارتبطوا برباط المصاهرة أو النسب مع البيت المالك نفسه.
    وفيما عدا هؤلاء الذين أسلفنا ذكرهم جميعًا لا نكاد نتبين من طبقات المجتمع الباقية سوى طائفة الموظفين الذين كان المجال أمامهم مفتوحًا للترقي إلى أرقى المناصب والارتفاع بمكانتهم الاجتماعية، ولا نكاد نتبين من الآثار شيئًا يستحق الذكر من الطبقات الاجتماعية الأخرى إلا أن من الممكن أن نتخيل أن هؤلاء كانوا يمثلون على الترتيب مهرة الصناع والفنانين ثم الكَادِحِين من أبناء الشعب وهم التجار والمزارعون والأُجراء وأصحاب الحرف الوضيعة والرقيق؛ على أنه يبدو أنه كان في الإمكان تحرر بعض العبيد والوصول إلى مكانة اجتماعية مرموقة.









    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty المسكن

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 11:55

    المسكن
    لايمكننا -بالرغم من تقدم الكشوف الأثرية في مصر- أن نكون فكرة واضحة عن أقدم المنازل التي وجدت فيها؛ لأن هذه كانت من موادَّ خفيفة دون شك وكانت باستمرار تقع في نفس الأماكن المجاورة للمجرى؛ فإذا ما دمر منزل أو تهدم حل محله منزل جديد يبنى على أنقاض المنزل الأول؛ ولذا كان من العسير العثور على آثار لأقدم المنازل وإعطاء صورة مؤكدة عنها ومع ذلك يمكن أن نتصور أشكال تلك المنازل من الرسوم التي وردت عن أقدم المعابد المصرية؛ لأنه من المعروف -حسب رأي المحدثين- أن المنزل المصري هو أساس التصميم في المعابد والمقابر ومما يؤيد ذلك أن المصري نفسه كان يطلق على المعبد اسم بيت الإله وعلى



    المقبرة بيت الروح أو المنزل الأبدي فكلاهما إذن صمم على غرار المنازل التي أقيمت للأحياء.
    وأقدم أنواع المعابد كانت عبارة عن أكواخ من الألياف المضفرة ومن سيقان البردي وغيرها من النباتات المماثلة، ولا شك أن المنازل كانت على مثالها، وقد استبدلت هذه في العصور التاريخية؛ بل ومنذ ما قبل الأسرات بمنازل من الطمي كما يستدل على ذلك من نموذج من الطين وجد في إحدى مقابر الوجه القبلي وهو يمثل المنزل في
    هيئة متوازي مستطيلات مائل الجدران إلى الداخل وكان إطار الباب من الخشب والعارضة الأسطوانية التي تربط القائمتين من الخشب أيضًا، وبالحائط الخلفي للمنزل نافذتان عاليتان متقاربتان تثبت فيهما عوارض قصيرة من الخشب.
    وقد سبقت الإشارة بأننا لم نعثر على مدن مصرية كاملة؛ إلا في حالات نادرة وقد بنيت هذه المدن لأغراض خاصة وفي عصور خاصة، ثم أهملت وهجرت بعد سكنها بفترة قصيرة؛ فأدى ذلك إلى طمرها بالرمال وأتيحت الفرصة لحفظها، ومن أمثلة هذه: مدينة كاهون، التي ترجع إلى الدولة الوسطى، وهذه المدينة -شأنها في ذلك شأن مثيلتها: أخيتاتون، وتل العمارنة التي بنيت في عهد إخناتون- بنيت دفعة واحدة، أي أنها لم تنمو بالتدريج؛ فهي مدينة مصطنعة؛ ولذا بقي تخطيطها سليمًا في جملته، وعلى ذاك أمكن للأثريين الذين قاموا بالحفر فيها أن يستكملوا النقص في بعض المنازل التي تهدمت واستطاعوا أن يكونوا فكرة صحيحة عن شكل المنازل فيها.
    وتبلغ مساحة مدينة كاهون حسب الأبحاث الأثرية التي تمت فيها "350×400" متر مربع تقريبًا، ويحيط بها سور من اللَّبِن به فتحتان إحداهما جنوبية غربية، والثانية شمالية شرقية. وتنقسم هذه المدينة إلى قسمين: أحدهما صغير خاصة بمنازل العمال، والآخر كبير كان يقطنه الملك وبعض النبلاء وكبار موظفي البلاط وهو مقر الحكومة أيضًا.
    ومنازل العمال غاية في التواضع ويشترك كل منزلين في حائطهما الخلفي أما القسم الكبير من المدينة فيقع في الجانب الشرقي منها وينفصل عن القسم السابق بجدار عريض يمتد بطول المدينة، وهذا القسم كان يشغل
    نحو ثلاثة أرباع المدينة، ونصفه على الأقل كان خاصًّا بالملك وكبار موظفي البلاط والحكومة، وهو يتألف من عشرة أو أحد عشر منزلًا في حجم القسم الخاص بالعمال، ويفصل كل بيتين حائطٌ مشترك، وإلى جنوب تلك المنازل الكبيرة كانت توجد منازل صغيرة أشبه بالفيلات وهي خاصة بالنبلاء وإن كان بعض هذه المنازل الصغيرة كبير الحجم متعدد الحجرات ومنها ما يضم نحو سبعين قسمًا بين غرفة ودهليز "شكل 9".
    وأهم الأجزاء الرئيسية في أي منزل من منازل النبلاء هو: المدخل وحجرتان للبواب ودهليز يتفرع إلى فرعين: أحدهما يتجه إلى بيت الرجال والآخر يتجه إلى قسم الحريم.
    أما منازل العمال والطبقات الدنيا من الشعب فكانت كما ذكرنا بسيطة متواضعة. وهي على العموم تتألف من ردهة تحيط بها بعض غرف وكانت أحيانًا تتكون من طابقين.
    أما في الدولة الحديثة فأحسن الأمثلة للمنازل فيها تلك التي وجدت في تل العمارنة وهي كذلك على نوعين: منازل لأفراد الشعب عبارة عن غرفة رئيسية في الوسط تبعدها ردهات تفصلها وتخفيها عن أنظار الداخلين، وفيها سُلَّم يؤدي إلى السطح، ولها غرفتان خلفيتان، كما توجد بها أحيانًا غرفة للاستحمام، أما منازل السادة، فكانت أشبه بالدوَّار في الريف المصري الحالي، فبعد المدخل الرئيسي يوجد فناء، ومن هذا يصعد سُلَّم إلى قسم الرجال، ويليه مباشرة بَهْو أعمدة أو مكان للاستقبال يجلس فيه صاحب الدار، وبجوار هذا الجزء توجد غرفة للطعام، ومن هذه يفتح باب إلى حجرة أخرى للاستقبال، وهي صغيرة نسبيًّا، ويلي هذه سُلَّم يؤدي إلى الدور العلوي أيضًا، حيث يوجد القسم الخاص بالسيدات.
    حول حجرات الاستقبال توجد المخازن وبعض الحجرات الخاصة بموظفي الدار، ودورات للمياة، وكذلك توجد بعض الحظائر، والفناء الأمامي للدار ينفتح في حديقة كبرى مجاورة للمنزل قد يكون لها مدخل خاص آخر وفي بعض الأحيان يوجد بها معبد خاصوكانت لأبواب والنوافذ في هذه الدور قليلة العدد عادة والنوافذ صغيرة المساحة وترتفع إلى قرب السطح وكانت الجدران تزين في كثير من الأحيان وبعض المنازل يطلى من الخارج.
    وكانت هذه المنازل تزود بأثاث كافٍ من أسرة ومساند رأس ووسائد وكراسي وغالبًا ما كان هذا الأثاث دقيق الصناعة مزخرفًا بمختلف الزخارف وخاصة في عصر الدولة الحديثة بل وابتداء من أواخر عهد الدولة الوسطى؛ كان الأثاث يطعم بالأصداف والأخشاب الثمينة وبعض الأحجار الكريمة وشبه الكريمة، وبعد أن ازدادت الصلة بشمال السودان
    كان الأثاث يطعم بالعاج والآبنوس وتطورت أشكال موائد الطعام والأواني، وظهرت أشكال كثيرة لقدور المشروبات وقواعدها وربما كانت هذه منقولة عن طراز آسيوية كما زينت صناديق حفظ الملابس بالنقوش والرسوم المختلفة التي تمثل مناظر الصيد والحروب وغيرها، وما زال أثر ذلك يطالعنا في العصور الحديثة حيث نجد مثل هذه الصناديق في الريف المصري الآن، وغالبًا ما كانت جدران المنازل تغطى بستر من الحصير، كذلك وجدت مواقد فحم للتدفئة وكثر استعمال المصابيح وتعددت أشكالها وأشكال قواعدها، كما وجدت أدوات للاغتسال ولسائر الأغراض الأخرى.
    وكانت هذه الدور تزود بأماكن مخصصة للطبخ وأماكن لمختلف الصناعات والأعمال المنزلية، وهذه الأعمال لا تقتصر على الأعمال البسيطة التي نزاولها في منازلنا في الوقت الحاضر بل كانت متعددة ومعقدة فكانت كل دار أشبه بمصانع صغيرة متعددة تجتمع تحت سقف واحد ولكلٍّ من هذه عمالها المختصين وإلى جانب هؤلاء موظفين إداريين وعمال للشئون المنزلية مثل: البساتين والطباخين والخدم والكتاب والحرس. أما طوائف الصناع الذين كانوا يعملون في المنازل فمن أهمهم: صناع الجعة والخبازين وصناع الأواني الفخارية والنجارين وغيرهم، ولا يفوتنا أن نذكر هنا بأن المائدة المصرية كانت معقدة تعددت فيها أنواع الأطعمة بل وتعددت أنواع الصنف الواحد منها مثل: الخبز وكانت الحفلات والمآدب غاية في البذخ والإسراف مما يدل على اهتمام المصري بطعامه اهتمامًا بالغًا، كما كان يميل إلى التأنق فيه والعناية به في معظم أطوار حياته فلا تكاد تخلو مناظر الحفلات والموائد من تمثيل الزهور وكثيرًا ما كانت ترتب في شكل بهيج.


    ودراسة المنازل المصرية تدل على أن المصري عامة وصل إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه في سبيل تهيئة مسكنه لراحته وراحة عائلته كما كان يتوخى في تصميمه أن يحقق أغراضه الصحية والاجتماعية.
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الملابس والزينة

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 11:57

    الملابس والزينة
    يبدو أن الإنسان في البداية كان يتخذ من الجلد رداء يغطي جسمه وفي ذلك كان يستوي الرجال والنساء، وقد ظل الجلد مستعملًا بعد ذلك في عصر الدولة القديمة؛ ولكنه أصبح قاصرًا على فئة خاصة هي فئة الكهنة التي استعملت جلد الفهد كزي تقليدي ديني فوق نقبة بسيطة في كل العصور الفرعونية.
    وأقدم لباس للرجال كان عبارة عن حزام حول الوسط يشد إليه ما يشبه الجعبة أو الكيس لستر العورة، بعد ذلك ظهرت النقبة القصيرة البسيطة وهي تشبه قطعة القماش -الفوطة- التي يلفها بعض الصيادين أحيانًا في بحيرة المنزلة حول وسطهم تصل إلى الركبة تقريبًا وهى تعرف في مصر القديمة باسم: شنديت، -شكل "7"- وتكاد تكون هذه من أول ما استعمل من الملابس؛ فهي من عصر مبكر جدًّا؛ بل ويخيل إلينا أنها استعملت منذ أن عرف الإنسان النسيج وهي تعد الأساس الذي قامت عليه جميع الأزياء الخاصة بالرجال في العصور التالية وأقدم الرسوم الدالة عليها تصورها في هيئة خطوط تتدلى من الحزام وتتعامد عليه أي أنها في هذا تذكر بألياف النخيل أو السمار أي أنها تشبه زي السكان الأصليين في جزر هاواي.
    ثم أصبحت هذه النقبة بيضاء مستطيلة الشكل تثبت حول الوسط
    بحزام وتترك الركبة عارية غير مغطاة وقج أصبحت جعبة العورة غير ضرورية؛ ولكنها ظلت لباسًا تقريبًا؛ كذلك كان هذا الكيس يمثل في تماثيل بعض الآلهة ونقوشها، وربما كان هذا الزى "أي الجعبة" من أصل أفريقي؛ فبعض القبائل ما زالت تستعمله حتى زمننا هذا. وعند الصيد كان يضاف إلى الإزار القصير "الشنديت" ذيل الحيوان، وقد انقرض هذا هو الآخر إلا من ملابس الملك.
    وظلت النقبة الضيقة الكتانية هى القطعة الرئيسية في لباس المصري في الأسرة الأولى والدولة القديمة وكان يلبسها أفراد من ذوى المراكز السامية حتى عهد الأسرة الرابعة، ثم اقتصر استعمالها بعد ذلك على الكتبة والخدم والفلاحين؛ فالمعروف أن التطور يبدأ أولًا فى البيت الملكي ثم يقلده النبلاء وهؤلاء يقلدهم من يتلوهم من الطبقات بعد أن يفقد الشكل الجديد رونقه عند الطبقة الخاصة، وبعد ذلك يصبح شائعًا في الطبقات الدنيا؛ بينما يتخذ العظماء زيًا جديدًا آخر وهكذا. ولم يخرج المصرى عما جرى به العرف أيضًا من مراعاة لظروف السن فما كان ملائما السنين لم يكن مناسبًا لحديثي السن.
    ومنذ عهد خفرع اتخذ النبلاء نقبة أوسع وأطول عن ذي قبل وتغالوا في ذلك من أواخر الأسرة الخامسة، وأصبحت النقبة بارزة من الأمام ثم قصروا في شكلها في عصر الأسرة السادسة؛ ولكنها كانت أحيانًا تزخرف بخرز منظوم؛ إلا أن ذلك لم يدم طويلًا إذ بطل استعمال الخرز بانتهاء عصر الدولة القديمة -وفى نفس الوقت تقريبًا أي في نهاية عصر الدولة القديمة
    دأ الخدم والفلاحون يستعملون نقبة أوسع مقلدين بذلك خدم العظماء الذين كانوا قد بدءوا محاكاة أسيادهم، وفي أحوال نادرة استعمل الرجال ملابس طويلة سابغة تشبه القميص وتصل إلى قرب القدمين وغالبًا ما كان يظهر بها الموتى الممثلين أمام موائد القرابين، ويبدو أن هذا الزي كان يستعمله المسنون في نهاية حياتهم أي في الفترة التي تسبق وفاتهم، وكان هناك رداء للاحتفالات يلبسه العظماء وهو من النوع القديم القصير، وربما كان أوسع منه قليلًا ويتميز عنه بشكله الأنيق المستدير من الأمام وفيه يبرز طرف رفيع من النقبة من تحت الحزام مرتفعًا إلى أعلى أو شريط خاص ويزين بمشبك أنيق أو أنشوطة جميلة يكتب عليه أحيانًا اسم صاحبه ويزخرف الجزء الخلفي من الإزار بقطعة من القماش الذهبي ذي الثناياوفي حالات خاصة من الدولة القديمة والوسطى "الكهنة فقط" كان رداء الحفلات يكمل بجلد فهد يضعونه على أكتافهم؛ بحيث تنحدر رأس ومخالب الحيوان الأمامية إلى أسفل وتربط المخالب الخلفية بشرائط فوق الكتف، وقد ظلت هذه الملابس دون تغيير في عهد الفوضى الأول، اللهم إلا أن النقبة استطالت إلى منتصف الساق.
    وفي الدولة الوسطى زخرف الطرف الأعلى للنقبة بحاشية مطرزة أو بعمل ثنايا أنيقة في الجزء الأول منها، وكان النبلاء يتخذون نقبة خفيفة شفافة فلبسوا تحتها نقبة داخلية، أما العامة؛ فقد اقتصروا على نقبة سميكة، وقد عاصر النقبة المزدوجة التي كان يرتديها النبلاء معطف قصير أو ثوب ضيق محبوك مخطط يغطي الجسم من الرأس إلى القدمين.
    ولم يطرأ على ذلك تغيير يذكر فيما بين الدولتين الوسطى والحديثة؛ غير أن الأشكال الفاخرة أخذت تطغى على الأشكال البسيطة ولم يحتفظ بالنقبة البسيطة؛ إلا الكهنة. وفي عهد الدولة الحديثة بالذات أدى احتكاك مصر بالبلاد الآسيوية في الشمال إلى تغيرات سريعة في الزِّي؛ فمنذ عهد حتشبسوت غطي الجزء الأعلى من الجسم بقميص فضفاض؛ ولكنها تغيرت من جيل لآخر؛ ففي بداية النصف الثاني من الأسرة الثامنة عشر استطالت النقبة الخارجية من الخلف وقصرت من الأمام وفي نهاية الأسرة كانت النقبة الداخلية طويلة فضفاضة أما الخارجية فكانت ترفع وهي منتفخة فتظهر من تحتها النقبة الداخلية وكان الجزء الأمامي منها ينتهي بثنايا سميكة وتتدلى أطراف الحزام كشرائط طويلة.
    وقد أخذت النقبة الخارجية تقل في الأهمية في الاحتفالات حتى
    صبحت قطعة من القماش تلف حول الخصر؛ بينما أصبحت النقبة الداخلية فضفاضة ذات ثنايا، وتعددت أشكال هذه النقبة الداخلية فكانت أحيانًا قصيرة من الأمام وتغطي الساقين من الخلف وفى أحيان أخرى كانت تتخذ شكل النقبة القديمة أو كانت تلف حول الخصر مرتين أو ثلاث.
    أما الجزء الذي يغطي الجسم من أعلى فظل ثابتًا تقريبًا؛ ولكنه في عصر الأسرة التاسعة عشر أصبح أكثر اتساعًا، أما المعطف الذى كان يغطي الظهر ويربط من الأمام على الصدر؛ فقد ظل مستعملًا كذلك وظهر الملوك فيه كثيرًا ولم يلبسه الأشخاص إلا فى الحفلات.
    وقد وجدت ملابس خاصة ترتديها طبقات معينة من الشعب أو ملابس تدل على وظيفة لابسها وهذه وجدت في جميع العصور فالملك -مثلًا- كان يلبس في الحفلات التذكارية قميصًا قصيرًا ونقبة ملكية لها ذيل حيوان ثم أصبحت هذه النقبة في متناول طبقات عدة فيما بين الدولتين الوسطى والحديثة حتى إنها في عهد الأسرة الثامنة عشر أصبحت زيًّا شائعًا بين المشرفين على كل أنواع الإدارات في المناسبات الرسمية فقط، وإن كانوا أحيانًا يلبسون زيًّا مشابهًا، ومع كل فحينما قضت ظروف التجديد باستعمال نقبة خارجية؛ فإنهم كانوا يرفعون هذه ويربطونها حتى تظهر النقبة الداخلية من تحتها؛ إشارةً إلى مكانتهم، ومن علامات الشرف أيضًا أن النبلاء في الدولتين القديمة والوسطى كانوا يلفون قطعة من القماش الأبيض حول صدورهم أو يعلقونها متدلية فوق الكتف في شكل شريط عريض، وقد أصبح هذا الشريط زيًّا مميِّزًا للكاهن المرتل في جميع العصور كما أن الشريط الضيق الذي كان يمسكه النبلاء بين أصابعهم ورؤساء الأعمال؛ لم يقتص استعماله على عصر من العصور.
    ابتداء من أواخر الدولة الوسطى كان كبير القضاء والوزير يلبس ثوبًا محبوكًا ينحدر من الصدر حتى يبلغ القدمين يثبته شريط من الخلف عند الرقبة.
    وفي عهد إخناتون زين الملك وزوجة أرديتهما بخرطوش آتون، أما ملابس صغار الموظفين؛ فقد كانت متأخرة في تطورها؛ ففي عهد الدولة الوسطى لبس هؤلاء النقبة القصيرة التي كانت مستعملة في الدولة القديمة، وفي الدولة الحديثة لبسوا النقبة الأطول الخاصة بالدولة الوسطى؛ كذلك كان أفراد الطبقات الدنيا من الشعب كالفلاحين والرعاة والعمال يلبسون نقبة قصيرة عادية غير مضمومة الأطراف تكفي أية حركة لفتحها من الأمام وكانت من الكتان عادة وفي عهد الدولة الحديثة بالذات كان العمال يلبسون فوقها شبكة من الجلد وكثيرًا ما كانت ترقع في الأماكن المستهلكة فوق الساقين، أما الرعاة والملاحين فكانوا يلبسون نقبة بدائية من الشرائط المضفرة وكان الصيادون ومن يعملون في الماء يلبسون حزامًا تتدلى منه أشرطة أو هدب من الأمام، وكثيرًا ما كان الصياد والراعي والجزار يضطر إلى خلع زيه أثناء العمل فيعمل وهو عارٍ تمامًا.
    ملابس النساء
    كانت ملابس النساء بسيطة متماثلة منذ أقدم العصور حتى الأسرة الثامنة عشر فلا فرق يذكر بين الفلاحة والابنة الملكية؛ إذ كان الثوب بسيطًا خاليًا من الثنايا وكان من الضيق بحيث يبرز تقاطيع الجسم بوضوح، وكان ينحدر من الثدي ويمتد حتى يبلغ العقبين ويثبت بشريطين يمران فوق الكتفين، وهذان الشريطان وحدهما هما اللذان خضعا للتطور فأحيانًا كانا يمتدان في وضع رأسي من القميص إلى الكتفين وأحيانًا يتقاربان من بعضهما في ميل عن الاتجاه الرأسي وفي أحيان أخرى كانا يتقاطعان، وقديمًا كان هذان الشريطان يغطيان الثديين تمامًا ثم أصبحا يضيقان أو يختفيان تمامًا فيبرز الثديان.
    وكان القميص عادة من لون واحد لا زخرف فيه إلا عند حافته العليا إذ كانت هذه تطرز أو تزخرف أحيانًا، وكانت الملابس المحلَّاة بالرسوم نادرة ، وهذه الزخارف كانت عبارة عن خطوط أفقية أو رأسية أو تنحصر في زخرف ريشي أو زهيرات تنتشر فوق الأثداء والأغلب أن تطرح شبكة من حبات الخرز فوق القميص البسيط الذي كان أحيانًا يلبس

    فوق الثوب العادي، كما هو ممثل في تمثال زوجة كبير الكهنة "رع حتب" الموجود في المتحف المصري.
    وفي الأسرة الثامنة عشرة -أي حوالي الوقت الذي تغير فيه زي الرجال- تغير كذلك زي النساء وأصبح من قطعتين أيضًا: الأولى قميص ضيق يغطي الكتف اليسرى بينما تكون الكتف اليمنى عارية، أما الرداء الثاني وهو الخارجي فكان فضفاضًا ويربط من الأمام فوق الثدي وكلاهما من الكتان الشفاف ترى تقاسيم الجسم خلالهما؛ وإن كان بعض الأثريين يرى أن تمثيل تقاسيم الجسم لايرجع إلى شفافية الأثواب وإنما يرجع إلى غرض ديني يحتم إظهار سائر أعضاء الجسم، أي لم يكن هذان الثوبان شفافين، وكان الرداء الخارجي يوشى عند حاشيته بتطريز وينسدل باستقامة عند الوقوف، ثم تطور هذا الباس كثيرًا بحيث يصعب تتبع تفصيلاته؛ وإن كان من المؤكد أن الرداء الخارجي في عصري الأسرتين التاسعة عشر، والعشرين قد تطور فأصبح ينسدل فوق الذراع اليسرى، أما الذراع اليمنى فكانت طليقة. وحوالي نهاية الأسرة العشرين أضيف قميص سميك إلى الثوب الداخلي الذي كان على الأرجح نصف شفاف علاوة على الرداء الخارجي المفتوح؛ كذلك وجد زي آخر مختلف عن الطراز المألوف وهو يتألف من ثوب طويل له أكمام ومعطف قصير مزركش بهداب يوضع فوق الأكتاف ومن الأمام ينسدل رداء يشبه النقبة؛ ولكنه يمتد من الرقبة إلى القدمين.
    أما الخادمات فقد كن يلبسن قميصًا يصل إلى الرقبة وله كمان قصيران أحيانًا ولم يكن هناك فارق يذكر بين ملابس الخادمات والطبقات الدنيا
    وبين السيدات من نفس العصر وهذه الثياب عمومًا لم تكن لتسمح إلا بحركات محدودة؛ ولذا كن يحتفظن بنقب صغيرة عند العمل ويتجردن عما عدا ذلك وهو ماكانت تفضله الراقصات اللائي كنَّ يزين النقبة بكل ألوان الزخارف، أما صغار الوصيفات فكنَّ عاريات تمامًا إلا من حزام ضيق مطرز حول الخصر.
    ونظرًا لانتشار الكتان في صنع الملابس حرص المصريون على نظافته وتفننوا فيها وأدى هذا إلى وجود فئة خاصة للقيام بهذا العمل، ومن الألقاب التي كان يفخر بها بعضهم لقب: رئيس الغسالين للملك ورئيس المبيضين للملابس الملكية. ولا ندري شيئًا عن المادة التي استعملت لإزالة الأوساخ أو التي تعادل الصابون؛ ولكننا نعرف من الرسوم والنقوش الأثرية أن المصري كان يضرب ملابسه بعصًا قصيره ويعصرها ويضخمها بالدهون والزيوت العطرية. ولا نعرف شيئًا يذكر عن حياكة الثياب؛ ولكن يبدو أن هذه المهنة كانت شاقة عسيرة كان يقوم بها الرجال في الغالب وإن قامت النساء أحيانًا بمثل هذا العمل كما يفهم ذلك من قصة الأخوين مثلًا ولم يحدث هذا إلا في نطاق محدود.

    النعال:
    كان المصريون كثيرًا ما يمثلون حفاة لا فارق بين فلاح وملك، شيخ وشاب، رجل وامرأة. وفي الدولة القديمة لم تستعمل المرأة النعال إلا نادرًا؛ كذلك كان الرجال لايلبسونها إلا عند الضرورة القصوى أو للنزهة وكان الخدم والعمال الزراعيين يستعملون النعال في الحقول للسير على الجذور
    والقش، وكان العظماء يخلعون النعال كلما أمكن ذلك ويعطونها لحامل النعال.
    وفي الدولة الوسطى كان عدم امتلاك النعال من علامات الفقر كما يتضح ذلك مما ورد في تنبؤات الحكيم "ايبور- ور". وفي الدولة الحديثة أصبح استعمالها عامًّا ومع ذلك ظل المعتاد أن يخلع النعل في حضرة الشخص الأعلى مقامًا.
    والنعال عامة كانت في جوهرها من شكل واحد؛ فالجزء الأسفل كان من البردي أو سعف النخيل أو الجلد وفي هذه الحالة الأخيرة كان يخاط نعل آخر من سعف النخيل فوق الجلد، وللنعل سيران من المادة المصنوع منها أحدهما يمر على أعلى القدم والآخر يوضع بين الأصبع الكبير والأصبع التالي له ويتصل بمنتصف السير الأول، وأحيانا يمر سير ثالث حول القدم من الخلف يحكم تثبيت النعل. ومن نهاية الأسرة الثامنة عشر فضلوا نوعًا طرفة مدبب إلى أعلى أي أن هذه النعال كانت تشبه بعض الصنادل التي تلبس في الصيف.
    ب الزينة:
    1- الشعر:
    لم يكن قص الشعر وحلاقة الذقن معروفين في العصر الباكر وقد استمر عامة الشعب والرعاة والفلاحين أحيانًا في عدم قص الشعر والحلاقة خلال الدولة القديمة أيضًا، ولا يدل ذلك على عدم اهتمام القوم بزينة الرأس؛ بل إن ما عثر عليه في مقابر العصور السحيقة ومن أوائل عصر الأسرات يدل على مدى اهتمامهم بهذه الزينة حيث وجدت الأمشاط ودبابيس الشعر في تلك المقابر.



    ويبدو أن عادة قص الشَّعر بدأت عند الطبقات الراقية منذ الأسرة الأولى أي حوالي نفس العصر الذي وجدت فيه النقبة الكتانية التي حلت محل النقبة المضفورة، وفي بعض الأحيان كان الشَّعر يقص بحيث يبقى قصيرًا فوق الرأس فلا تحتاج إلى غطاء، وفي أحيان أخرى كان الشعر لا يُزال ولذا كان لا بد من لبس قلنسوة ضيقة محبوكة لحماية الرأس ضد أشعة الشمس، كما كان من المعتاد كذلك استعمال شعر مستعار.
    وفي الدولة القديمة تميز نوعان من الشَّعر المستعار: أحدهما يشبه الشعر المجعد القصير والآخر يشبه الجدائل الطويلة، وكان الأول لا يترك من الجبهة ظاهرًا إلا القليل في أغلب الأحيان ويغطي الآذان، وكان الثاني يمتد خلف العنق، وخصلاته تتخذ أشكالًا هندسية أي تكون في هيئة المثلث أو المربع أو شكل مستدير ويكون قص الشعر على الجبهة في هذه الحالة مستقيمًا أو مستديرًا.
    وفي الدولة الوسطى لم يظهر تغير يذكر. أما في الدولة الحديثة؛ فقد حدثت تطورات كثيرة أهمها شكلين: الأول قصير مقصوص من الخلف باستدارة والثاني طويل مهدل من الأمام على الكتفين، وكان كلاهما يرسل أو يجعد بطريقة جذابة أو يكون في جدائل صغيرة حول الوجه وتكون الجدائل حلزونية في الشعر الطويل بحيث يبرز الفرق بين شعر الرأس المستقيم وبين تلك الجدائل، وقد استمر هذا حتى عصر الأسرة العشرين.
    ولم يقتصر تزيين الشعر على الرجال وحدهم؛ بل سارت النساء على هذا المنوال أيضًا ففي عصر الدولة القديمة كانت تعلو رءوسهن كسوة



    كبيرة من الشعر المرسل الذي يتدلى حتى الثديين في مجموعتين وهي في الغالب من الشعر المستعار، وكانت كل الطبقات تتساوى في هذا وإن كانت الخادمات والبنات أحيانًا لايستعملن هذا الشعر المستعار، وفي بعض الأحيان كانت السيدات العظيمات تستعملن شعرًا مستعارًا قصيرًا ينتهي عند الأكتاف ويظهر من تحته الشعر الطبيعي المفروق وهو يغطي الجبهة إلى قرب العينين.
    وقد ظل الشعر المستعار في الدولة الوسطى كما كان في الدولة القديمة؛ إلا أن هدابًا جميلًا أضيف في نهاية مجموعتي الشعر، وكانت بعض السيدات الراقيات يعقصن شعرهن الطبيعي القصير في جدائل صغيرة تشبه الشعر المستعار الذي استعمله الرجال في الدولة القديمة.
    وفي الأسرة الثامنة عشر ظهرت أشكال جديدة في أغطية الرأس حيث أبطلت الغدائر الطويلة التي كانت من الأمام وأصبح الشعر طليقًا مرسلًا على الظهر والكتفين أو على الظهر فقط، وكان ينسدل في بساطة أو يضفر في جدائل أو يجعد وتكون هذه الجدائل منمقة أو في جدائل قصيرة وكانت أطراف الضفائر العديدة أو الجدائل تجمع أو تجدل معًا بحيث يكون الشعر الثقيل بمثابة حاشية ذات هداب، وقد وردت بعض النقوش التي تمثل عازفات للموسيقى وشعرهن المجعد يحيط بالوجه وتتدلى من خلف الرأس بضعة جدائل في ضفيرة متصلة بها. وبعد الأسرة العشرين؛ رجعت الطريقة القديمة وإن غالت السيدات في طول الشعر المستعار وطرق تصفيفه.
    ويبدو أن عملية التصفيف كانت تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين فمن
    النقوش نرى بعض السيدات وأمامهن وصيفاتهن يقمن بتصفيف شعورهن بينما تقدم لهن المشروبات ليستعينوا بها على قضاء الوقت الطويل الذي تستغرقه هذه العملية التي يمكن مقارنتها بعملية تصفيف الشعر لدى سيدات شمال السودان الآن. وقد عثر على عدد كبير من الأمشاط مختلفة الأشكال والأحجام من عصور مصر المختلفة وكانت هذه الأمشاط تزخرف بمختلف النقوش.


    2- اللحية:
    حلقت اللحية من عصر الأسرات الأولى وربما كان حب المصريين للنظافة هو الدافع لذلك، وفي الدولة القديمة ظل الشارب الرفيع ممثلًا في تماثيلها ونقوشها؛ ولكنه اختفى بعد ذلك ولم تمثل اللحية المدببة إلا في زي الملوك فقط
    وهي لحية صناعية عبارة عن جديلة صغيرة مضفورة جيدًا لتبدو كلحية طبيعية وقد قلد العظماء في الدولة القديمة الملوك واستمر ذلك في الدولة الوسطى. أما في الدولة الحديثة؛ فقد أصبحت اللحية نادرة وفي مناسبات معينة وكانت لحية الشخص العادي أصغر من لحية الملك، وكان للآلهة لحية خاصة وهي أطول من لحى البشر وتجدل على شكل ضفيرة تثنى عند طرفها المدبب إلى أعلى.

    3- الحلي:
    استعمل العقود الرجال والنساء على السواء؛ وذلك منذ أقدم العصور، وكانت العقود من أحجار كريمة ونصف كريمة ومن القاشاني وتنظم في خيوط بسيطة بها تميمة في الوسط؛ غير أن هناك عقودًا عريضة تتألف من عدة صفوف تنتظم خرزاتها بأشكال بديعة وتنتهي خلف العنق بثقل على هيئة شرابة "شكل 10"، أما الأساور فكانت من القرن والعظم والعاج والنحاس ووجدت كذلك أساور من الصوان أعرض ولكنها كانت دقيقة في أول الأمر ثم حلت محلها أساور أعرض، وكان يلبسها الرجال والنساء على السواء حول الذراع والساعد، وكانت الخلاخيل شائعة بين النساء أما الأقراط فكانت إما في هيئة حلقات تثبت في الأذن وبها فجوة تضغط على شحمتها وإما في صورة معلقات تثبت بدبوس ينفذ في شحمة الأذن، ويبدو أن الحلقات جاءت إلى مصر من الجنوب أما المعلقات فجاءت من آسيا، وقد امتنع الرجال عن استعمالها فيما عدا الملوك، ابتداء من عصر الأسرة التاسعة عشر.
    أما الخواتم فقد استعملت في الحلى منذ أقدم العصور وتعددت أشكالها، وفي العصور المتأخرة أصبح ينقش عليها اسم صاحبها ولقبه أو تنقش عليها رسوم يقصد منها التوفيق والفأل الحسن وقد ينقش عليها أحيانًا اسم الملك الحاكم.
    ولم يستعمل المصريون -باستثناء الأسرة المالكة- غطاء للرأس سوى القلنسوة الضيقة المحبوكة التي سبقت الإشارة إليها عند الكلام على الشعر المستعار، وكان الملك يضع تيجانًا مختلفة أو عصابة للرأس ذات ثنايا.
    أما الملكات فكن منذ بدء الدولة الحديثة يضعن الحلية القديمة التي تتزيَّى بها الآلهات وهي على شكل أنثى العقاب التي تنشر جناحيها على الرأس، وكانت نساء العامة في الحفلات تكتفي بإكليل أو شريط مزركش في أطرافه مشبك نفيس يشده ويربطه.
    وكان الأولاد في جميع العصور تقريبًا لا يمتازون بأي زي خاص للرأس؛ ولكن ابتداء من الدول الحديثة كانوا يضعون عصابة ذات ربطة عريضة حلت محل خصلة الشعر الجانبية، كذلك كانوا يضعون أحيانًا بعض التيجان البسيطة إذا كانوا من الأمراء.
    وقد امتاز الرجال على النساء بالعصي والصولجانات، وكان لكل عصا ولكل صولجان اسم خاص ودلالة خاصة وتستخدم في مناسبات معينة. وقد أبطل استعمال الأصباغ والوشم منذ الدولة القديمة؛ ولكن ظلت للعطور أهميتها البالغة حتى أن المصري كان يرى ضرورة تزويد الميت بسبعة أنواع من العطور المقدسة ونوعين من الأصباغ، وكان الكحل يستخدم منذ



    أقدم العصور وهو من نوعين أخضر وأسود ووجدت لوحات الصحن التي كان يسحق عليها في المقابر منذ ما قبل الأسرات، ولم يقتصر استعمال المساحيق على الكحل فقط؛ بل كانت هناك مساحيق أخرى استعملت ابتداء من عهد الدولة الحديثة ربما كان استعمالها قد نقل إلى مصر من الخارج. ومن رسوم الحفلات والمآدب نتبين مقدار عناية القوم بزينتهم، وكثيرًا ما تساءل الأثريون عن كنه المخروط الذي كان يمثل فوق رءوس السيدات وقد اتضح أنه عبارة عن كومة من مواد عطرية دهنية، وكانت الْمِرْآة من أهم الأدوات التي عثر عليها في المقابر حيث اعتنى المصري باقتنائها وتعددت أشكالها وكانت تصنع من البرونز المصقول، أما مقبضها فقد اختلفت المادة التي صنع منها وتعددت أشكاله.















    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الإدارة

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:01

    الإدارة
    من الملاحظ في مصر القديمة أن إسناد المناصب الإدارية للأشخاص كان كثيرًا ما يرتبط بوضعهم الاجتماعي؛ على أنه كان من الممكن في بعض الأحيان أن يرتقي بعض الأشخاص في مكانتهم الاجتماعية عند توليهم بعض المهام الإدارية.
    وقد سبق أن أشرنا إلى أن الملك كان صاحب السلطة العليا في البلاد، وأنه مصدر السلطات جميعًا وقصره المحور الذي تدور حوله كل شئون الدولة، كما بينا أنه كان يستعين من يتوسم فيهم القدرة والإخلاص من بين المحيطين به، ولا يتأتى له أو لهؤلاء أن يهيمنوا



    على كل صغيرة وكبيرة في جميع أنحاء البلاد إلا إذا كان لهم أعوان يشرفون على مختلف الشئون في أقصى البلاد ودانيها.
    ومن البديهي أن كل بقعة من البلاد كانت تخضع لنفوذ أقوى الرجال فيها، وهؤلاء بدورهم يخضعون لنفوذ أقوى رجال الإقليم الذي يتضمن بقعتهم وهكذا مما أدى إلى ظهور عدد من الموسرين ذوي النفوذ في مختلف الأنحاء، وانقسمت مصر منذ عصور سحيقة إلى "42" إقليمًا: عشرين منها في الشمال، "22" في الجنوب، ونظرًا لأن الملك كان من الناحية النظرية على الأقل يمتلك البلاد جميعها؛ فإنه كان يمنح إمارة الأقاليم إلى المقربين من رجاله، ولو أن الكثيرين كانوا من المنعة والنفوذ بحيث لا يمكن إحلال غيرهم في مكانهم؛ إلا أن هذا التقليد ظل متبعًا واستمرت إدارة الأقاليم تعد منحة من الملك، ولا شك في أن بعض ذوي الخطوة استطاعوا أن يمنحوا إمارة الأقاليم التي كان يتولاها آباؤهم وما لبثت هذه أن أصبحت تنتقل في أسرات معينة استقرت في أقاليمها وعملت على زيادة نفوذها حتى أصبح حاكم الإقليم يعتبر نفسه سيدًا مستقلًا في إقليمه.
    ولذا أصبح من الضروري أن يسند الملك مهمة الإشراف على حكام الأقاليم إلى من يثق فيهم؛ ولذا تجد أن لقب: حاكم الوجه القبلي، أخذ يظهر منذ منتصف الأسرة الخامسة تقريبًا أما لقب: حاكم الوجه البحري، فلم يعثر على ما يثبت وجودة إلا من عصر الدولة الوسطى، ومن الملاحظ أن حاكم الوجه القبلي كان يعاونه: العظماء العشرة للجنوب، الذين لم يكونوا في درجة واحدة من المكانة بل ولم يكن لبعضهم نصيب
    في الإدارة إلا اسميًّا فقط، ولم يكن لهؤلاء نظراء في الوجة البحري1؛ إذ يبدو أن الحاجة لم تكن لتدعو إلى وجود أمثالهم هناك، ومع هذا كان هؤلاء في الوجه القبلي يعدون في نفس الوقت قضاة ورؤساء في المناطق التابعة لهم كما كانوا بمثابة مساعدين للملك، وبهذه الصفة حملوا ألقاب مختلفة منها: مستشار الأوامر الملكية، والمشرف على المهام الملكية، والمشرف على الكتبة الملكيين، إلى غير ذلك من الألقاب التي تدل على المهام التي كانوا يضطلعون بها، ومنذ عهد الأسرة الخامسة كان يرأس هؤلاء حاكم الوجه القبلي، إلا أن هذا اللقب سرعان ما فقد قيمته العملية وأصبح من ألقاب الشرف، ولم يعثر على نظيره -حاكم الوجه البحري- إلا في عصر الدولة الوسطى وربما كان ذلك لأن إدارة الدلتا ظلت منذ أقدم العصور حتى الدولة القديمة على الأقل تختلف بعض الشيء عن إدارة الوجه القبلي.
    ويلاحظ أن كل إقليم من الأقاليم التي انقسمت إليها البلاد كانت له محاكمه وجيشه ومخازن غلاله، أي أن الحكم في عهد الدولة القديمة كان لا مركزيًّا إلا فيما يختص بالخزينة العامة للدولة، ففي كل إقليم أملاك للخزينة العامة يشرف عليها مندوبها في الإقليم وإلى جانب هذه توجد في العاصمة إدارة مالية مركزية للدولة ذات اختصاصات متعددة وينجز أعمالها طوائف مختلفة من الموظفين فمنهم الكتبة ورؤساؤهم ومنهم المشرفون ومنهم أمناء الخزانة، ويظهر أن هذان الأخيرين كان يوكل إليهم أمر



    الحصول على المعادن والأحجار الثمينة، ولذا كان من بين اختصاصاتهم الإشراف على البعثات التي ترسل للحصول على هذه الموارد فكان منهم من يلقب: المشرف على المشاة، والمشرف على الأسلحة، والمشرف على حركات السفن، والمشرف على عمال الإله، والمشرف على مهام الملك ... إلخ.
    وإلى جانب هذه الإدارة المركزية؛ وجدت إدارات أخرى مركزية تتولى شئون ذات أهمية خاصة مثل: الإدارة المركزية للإشراف على الأراضي الزراعية ومخازن الغلال والإدارة العليا للقضاء، وكان المشرف على كل من هذه الإدارات يحاول أن يوسع من اختصاصه بضم إدارات تحت إشرافه، وفي كل من هذه الإدارات يوجد عدد من الكتبة يشرف عليهم: رؤساء كتبة ومشرفون. وكانت بعض هذه الإدارات في الدولة القديمة غالبًا ما تتبع الوزير مباشرة.
    وقد ازداد عدد الوظائف في العاصمة وتنوعت ألقاب الموظفين إلى أن أصبح بعضها ذو طابع رنان يرضي غرور من يشغل مثل هذه الوظائف؛ فمثلًا أصبح قائد الجيش مستشار جميع البلاد الأجنبية، ورئيس كهنة عين شمس مستشار السماء، وهكذا.
    وعندما يكون البيت المالك قويًّا كان حاكم الإقليم يعد موظفًا إداريًّا تحت إشراف البلاط، ولذا كان يدفن في جبانة العاصمة على مقربة من مقبرة الملك شأنه في ذلك شأن موظفي البلاط الآخرين، أما عند ضعف الملوك فإن حاكم الإقليم كان يشعر بالاستقلال ويعتبر إقليمه دويلة صغيرة تملكها أسرته، وكثيرًا ما كان حاكم الإقليم يحاول توسيع رقعة إقليمة على حساب الأقاليم الأخرى ويبني كل منهم مقبرته في عاصمة إقليمه



    ويؤرخ الحوادث بحسب تاريخ حكمه لإقليمه؛ أي أن حكومة الدولة أصبحت حكومة إقطاعية، وما إن استقر الأمر لمؤسس الأسرة الثانية عشر؛ إلا وأخذ يثبت الحدود بين الأقاليم المختلفة ويقرب إليه الأمراء الأقوياء ويعزل غير المخلصين، ويعين بدلًا منهم حكامًا يثق فيهم؛ وهكذا أصبح أمراء الأقاليم في الدولة الوسطى أمراء إقطاع مخلصين للملك، وكانت حكومة الإقليم صورة مصغرة لحكومة الدولة؛ فكان للإقليم خزانته التي كان أمينها يشرف على كل من يعملون من أجل الأمير في مختلف المهن والصناعات، وإلى جانب هذا الموظف الكبير يوجد جيش من المشرفين والكتبة مثل: المشرف على الجند، والمشرف على مخازن الغلال، والمشرف على الماشية، والمشرف على الصحراء وغيرهم، كما كان حاكم الإقليم يتشبه بالفرعون فيحيط نفسه بحاشيته ويجعل بلاطه صورة مصغرة للبلاط الملكي، ومع هذا ظلت الإدارات المركزية التي عرفت منذ الدولة القديمة دون تغيير، ولها فروعها الثابتة في الأقاليم؛ بل وزادت أهمية عما سبق، ومن هذه: إدارة الخزينة والأملاك الملكية ... إلخ.
    وقد تغير الحال في عهد الدولة الحديثة، فقد بدأ الملوك منذ أن طردوا الهكسوس يسيطرون على البلاد واعتبروا كل ما حرروه بقسوة السلاح ملكًا خاصًّا، وانتهى أمر معظم أمراء الأقاليم والنبلاء وأصبحت كل الأملاك ملكًا للفرعون فيما عدا أملاك الكهنة. ونظرًا للدور العظيم الذي قام به الجيش في حرب الاستقلال فقد ازدادت مكانة أفراده حتى أصبحت له القوة الرئيسية في الدولة وأصبح يتدخل في كثير من شئونها؛ ولكن ما لبثت قوة الكهنة أن أخذت في الازدياد هي الأخرى
    حتى فازوا بقدر كبير من السلطة أيضًا، وهكذا نجد أن كبار رجال الجيش من جهة وكبار الكهنة من جهة أخرى قد تمكنوا تدريجيًّا من انتزاع الكثير من الامتيازات التي كان يتمتع بها الأمراء والنبلاء من قبل.
    ونظرًا لتوسع الدولة الحديثة وكثرة فتوحاتها؛ زاد عدد الأجانب في مصر سواء جاءوا كأسرى حرب أو كرقيق أو كجنود مرتزقة، وقد استخدم هؤلاء في مختلف الأعمال وارتفع شأن الكثير منهم وزاد نفوذهم وأصبح منهم عدد وفير من كبار موظفي الدولة ووصل بعضهم إلى مكانة سامية في بلاط الفرعون نفسه.
    وقد أدى هذا التوسع أيضًا إلى جانب ما حدث من تطور اجتماعي إلى تنوع الإدارات وضخامة عدد الموظفين، وكان أكثر هؤلاء عددًا -بالطبع- هم الكتبة الذين كانوا يسجلون كل شيء؛ فما من وارد إلى المخازن وما من منصرف يمكن إثباته؛ إلا إذا كان مسجلًا، كما كانت كل العقود والمعاملات الرسمية تسجل في وثائق تحفظ في إدارة السجلات وقد تعمل منها بعض النسخ أيضًا، وكان كل موظف يحرص على مرضاة رؤسائه وعلى حسن معاملة زملائه له؛ وإلا تعرض للكثير من المتاعب.
    وكما هو الحال في كل عصر؛ كان بعض كبار الموظفين يميلون إلى جمع الكثير من الاختصاصات في أيديهم، وقد أدى ذلك إلى تمتعهم بالعديد من الألقاب؛ بينما عجزوا عن الاضطلاع بمهام وظائفهم فاكتفوا بمباشرة شئون أهم هذه الوظائف؛ تاركين بقية اختصاصاتهم لصغار الموظفين، وبالتدريج فقدت هذه الألقاب دلالتها وأصبحت ألقابًا جوفاء.
    وكان يتبع كل إدارة من الإدارات عدد من العمال والصناع، وهؤلاء كانوا ينقسمون إلى فرق لكل منها رئيس، وقد وردت إشارات كثيرة يفهم منها أن العمال لم يكونوا دائمًا طائفة بائسة؛ بل كانوا يحصلون علىمخصصات تسمح لهم بحياة غير عسيرة؛ فكان منهم المتزوجون ومنهم من كان له بيته ومقبرته الخاصتان به، وبعضهم كان على شيء من الثقافة؛ غير أننا نجد من بعض الإشارات الخاصة الأخرى ما يفيد إلى أنهم كثيرًا ما كانوا يتعرضون للاستغلال أو الأزمات بسبب تأخير صرف أجورهم ومخصصاتهم؛ حتى إنهم كانوا يثورون في بعض الأحيان ويضربون عن عملهم؛ إلا إذا أجيبت مطالبهم كما حدث بين عمال المقابر في عهد رمسيس الثالث. ومن هذا نرى أن هؤلاء العمال كانوا يتمتعون بقسط من الحرية لا يتوافر للأرقاء الذين كانوا غالبًا من الأسرى والعبيد.
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الديانة

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:03

    الديانة
    ليس من المغالاة في شيء القول بأن دراسة الديانة المصرية تشمل في الواقع نحو نصف علم المصريات، وهي تستمد عناصرها الأولى من البيئة المصرية؛ فالشعور بالولاء والحب أو الخوف والرهبة تجاه عنصر من عناصرها؛ جعل المصري يعتقد بقدرة ذلك العنصر ويقدر صفاته وبدأ يتصرف إزاءه بما يتخيل أنه يرضي ذلك العنصر أو يتجنب أذاه. وبالطبع كانت بعض هذه العناصر الشائعة معروفة للجميع مثل الظواهر الطبيعية، وهناك عناصر أخرى كانت تؤثر في حياة الإنسان اليومية، وهي تختلف من إقليم إلى آخر وبين جماعة وأخرى وقد وجد الإنسان أن العناصر الطبيعية كالشمس والقمر وغيرها بعيدة عنه ولم يعرف كيف يتقرب لها تقربًا ماديًّا؛ بينما كانت العناصر الأخرى المحيطة به أقرب منالًا؛ فتقرب منها ونسب نفسه إليها ومن ذلك نشأت الطواطم؛ إذ كانت بعض الجماعات مثلًا تقدر بعض مميزات حيوان أو نبات معين فتتخذه لها رمزًا وطوطمًا.
    كذلك وجدت هذه الجماعات أن بعض الكائنات لها قدرة خارقة أو أنها كانت تتصف بالقدرة على الخلق أو الثبوت والدوام أو القضاء على غيرها من كائنات؛ فرأت إحدى الجماعات أن الثور مثلًا قادر على الإخصاب وإنتاج الذرية فقدسوه كما وجدت جماعة أخرى أن نوعًا من الأشجار له صفه الثبوت والاستقرار؛ فقدسوا هذا النوع من الشجر ورأت جماعة ثالثة بأن اللَّبُؤة تمثل البطش والقوة فقدسوها وهكذا.
    تطور التفكير الديني:
    وجد المصري القديم في الكائنات المحلية صفات الخلق؛ ولكنه لم يفكر في كيفية الخلق بعد، ولم يكن هناك ما يمنع من تقديس الظواهر الطبيعية جنبًا إلى جنب مع الكائنات المحلية كما أن انتصار جماعة من الجماعات على ما جاورها كان يعد بالتالي انتصارًا لمعبودها على معبود الجماعة المغلوبة، ومع هذا كان يسمح لمعبود الجماعة المغلوبة بالبقاء كمظهر آخر للمعبود الأقوى أو كممثل لصفة من صفاته.
    ويعد انتقالًا من تمثيل المعبودات المحلية في صورة الحيوان أو بعض الكائنات الأخرى إلى تمثيلها في صورة إنسانية تطورًا كبيرًا لم يصل إليه المصري؛ إلا بعد أن بلغ مرحلة معينة من الحضارة، فبداية تحكم الإنسان وسيطرته على الحيوان والعالم المادي من حوله من جهة وبداية التقليل من شأن القوة الجسمانية من جهة أخرى جعل الإنسان يقدر ما للبشر من مزايا فتخيل آلهته في صورة إنسانية؛ ولكنه للتمييز بينها صار يصورها على هيئة الإنسان برأس يمثل رأس المعبود الأصلي أو برأس أضيفت إليه علامة مميزة لذلك المعبود، فمثلًا صورة الإله أمون

    في هيئة آدمية برأس كبش وصور الإلهة حتحور برأس آدمية ولها قرون بقرة وهكذا.
    وبالطبع كان تمثيل الآلهة في هذه الهيئة الإنسانية مما ساعد على التفكير بأن هذه الآلهة لها من المشاعر ما يحاكي مشاعر البشر من حب وبغض، وأن هذه الآلهة تحمي وتعطي وتعاقب وتأخذ وهكذا مما لا يمكن التعبير عنه عند الحيوان أو الجماد. ومن جهة أخرى أعطيت لهذه الآلهة صفات تتعلق بالإنتاج والتناسل وبالخلق والموت ودفن الموتى ... إلخ.
    ولذا كانت بعض الآلهة من الذكور وبعضها من الإناث؛ كذلك أعطيت الآلهة بعض المهام والأعمال الخاصة التي ظن المصري أنها تقوم بها؛ فضلًا عن صفاتها الأصلية، فمثلًا كان الإله خنوم فضلًا عن اعتباره الإله الذي يصور الأجنة في الأرحام أو الإله الخالق، كان يعتبر كذلك إله الماء النقي أو إله منابع النيل، وكان أبو منجل رمز إله القمر تحوت يعد كذلك الإله العالم وكاتب الآلهة.
    وقد تطورت الديانة من وقت لآخر، وظهرت معتقدات جديدة ولكن -كما سبقت الإشارة- لم تختفِ المعبودات القديمة، وكانت النتيجة أن تعقدت الديانة المصرية تعقيدًا شديدًا لاشتراك كثير من الآلهة في صفات واحدة وإن اختلفت مدلولاتها.
    وكان المصري مسالِمًا بطبعه وقد أثر ذلك في ديانته؛ فلم تتسم آلهته بصفات العنف أو حب سفك الدماء كما هو الحال بين آلهة الممالك الأخرى.

    نشأة الأساطير:
    سبقت الإشارة إلى أن المصري قد تأثر في ديانته بمظاهر البيئة التي عاش فيها واتخذ من عناصر هذه البيئة آلهة تميزت بصفات معينة، وكان يتخذ لهذه الآلهة نموذجًا من الحيوان أو الجماد أو يقيم له التماثيل التي تقرب المعبود لإدراكه، أما في حالة التفكير في المعبودات التي يصعب عليه إدراكها؛ فإنه كثيرًا ما كان يلجأ إلى الخيال؛ فحينما قدس السماء مثلًا تصورها على هيئة بطن بقرة عظيمة، أو امرأة ترتكز بزوج من طرفيها على الأفق الشرقي؛ بينما ترتكز بالزوج الآخر على الأفق الغربي، كما كان يتصور أحيانًا أن أركانها قائمة فوق أربعة جبال أو محمولة على أربعة أعمدة؛ كذلك تصور الأرض في هيئة رجل مستلقٍ على ظهره "شكل 15"، وهكذا ذهب به الخيال بعيدًا؛ ولكنه في خياله هذا كان يحاول تفسير الظاهرات الطبيعية بتفسيرات تتمشى مع ما يلمسه ويقع تحت حسه في بيئته، ولذا فإنه حينما أراد تفسير ظهور الشمس يوميًّا ثم اختفائها تصور إله الشمس في هيئة جعل "جعران" يدفع
    أمامه بيضته؛ حيث ظن أن الجعل حيوان خنثى يضع بيضه بنفسه، أي أنه كإله الشمس خالق نفسه بنفسه، وعلى هذا تصور إله الشمس كجعل كبير يخلق نفسه بنفسه؛ لأنه يولد يوميًّا كل صباح في الأفق الشرقي ويختفي مساء في الأفق الغربي.
    ولم يترك المصري مظهرًا من مظاهر الطبيعة التي أحاطت به؛ دون أن يفكر فيه ويحاول تفسيره فلعب خياله دورا خطيرًا في تفسير ما عجز عن إدراكه وتعقدت الصور التي نتجت عن هذا الخيال وتعددت التفسيرات واختلفت باختلاف المذاهب أو المفكرين ونشأت أساطير مشوهة عن كثير من الآلهة مما زاد في صعوبة إدراك كنه الديانة المصرية.
    كذلك أشرنا إلى أن المصري قد اعتقد بأن من الآلهة ما هو مذكر ومنها ما هو مؤنث؛ فأدى ذلك إلى إدماج الآلهة في أسر إلهية بتزاوج بعض تلك الآلهة التي ترتبط معًا ببعض الروابط وهداه تفكيره إلى إيجاد مجموعات أسرية تمثل الإله الرب والإلهة الزوجة والإله الابن؛ كذلك ربط هذه الآلهة بعضها بالبعض بعلاقات حسب الدور الذي يقوم
    به الإله أو حسب وظيفته أو خصائصه؛ فمثلًا كان الإله أوزريس إلهًا خيرًا تزوج من أختة إيزيس وكان شقيقه ست إلهًا شريرًا، وكان زوجًا لشقيقتهما نفتيس، وقد كاد لأخيه أوزريس وقتله واستطاعت شقيقتاه إيزيس ونفتيس "زوجة ست" أن تجمعا أشلاء أزوريس كما أمكن أن تعيد إيزيس الحياة إلى زوجها أزوريس فأنجب منها ولدًا هو حورس؛ ولكنه فضل أن يترك هذا العالم ويعيش في العالم الآخر ويحكمه؛ بينما طالب ابنه حورس بحقه في ملك مصر الذي اغتصبه عمه ست؛ فكان الإله تحوت خير معين له على استرجاع حقه المسلوب منه.
    ومن الآلهة من كانوا يعتبرون حماة لطوائف معينة من الناس اعتمادًا على الخصائص التي امتازوا بها ولشهرتهم في نواحٍ معينة؛ فمثلًا كان الإله تحوت يعتبر حاميًا لطائفة الكتاب لما له من شهرة في العلم والحكمة، كما أن بتاح كان يعد حاميًا للفنانين، أما الأطباء فكانت الإلهة سخمت إلهة منف التي في شكل اللبؤة راعية لهم ثم في العصور المتأخرة حينما أله "أمحتب" أصبح هذا إلهًا للأطباء وكانت سخمت في نظرهم أمًّا له كذلك؛ كانت الإلهة ماعت التي تمثل الحق والصدق والعدالة تعد راعية للوزراء والقضاء؛ وهكذا اتخذت كل طائفة من الطوائف المهنية حاميًا أو راعيًا من الآلهة، كما كان عامة الشعب يتخذون في الغالب معبودهم المحلي راعيًا لهم.
    ولا شكَّ أن طائفة من العقلاء -على الأقل- اعتقدوا في وجود إلهٍ خالقٍ يسيطر على الكون بدليل أن بعض النصوص تشير إلى أن الإلهَ كتعبيرٍ عامٍّ أو كإله واحد، ومن ذلك مثلًا ماجاء في بعضها بأن "ما يحدث هو أمر الله" ولكن كان لا بد من تقريبِ صفاتِ هذا الإلهِ
    للعامة فاتَّخذت له صورةً ترمز إلى أكثر صفاته وضوحًا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعلى هذا لم تكُنْ الحيوانات أو التماثيل التي قدست لِتُقَدَّس على أنها المعبود نفسه؛ وإنما كانت كرمزٍ لصفة معينة في المعبود؛ إلا أن العامة قد أخطئوا فهم المقصود من تلك الرموز وتعبدوا لها. والواقع أنه لا توجد عقليةٌ مهما كانت بدائية تعتبر الحيوان أو الجماد أو حتى الإنسان؛ إلا صورةً أو موضعًا للقوة المقدسة أو الظاهرة المقدسة التي تمثِّلُها، والمصري شأنه في ذلك شأن الشعوب الأخرى؛ أراد أن يتقرب إلى تلك القوى المقدسة، ووجد أن أحسن وسيلة هي اختيار ما يمثل تلك القوة في عالمه المادي، ولكن مع الأسف حدث -كما يحدث في كل العصور- أن اتَّخذَت الطوائف الدنيا من الشعب تلك التشبيهات بحرفيتها فعبدت الصورةَ المختارةَ نفسهَا من هذا العالم المادي.
    وبالطبع كان كل إقليم يحاول جاهدًا أن يجعل لإلهه المحلي دورًا مهمًّا فحاك حوله الأساطير التي تبرز هذه الأهمية وعوملت الآلهة في هذه الأساطير كالإنسان؛ فصارت محببة لدى الشعب، وخضع الدين الرسمي لهذه الأساطير لما لها من سيطرة على النفوس.
    ولا ريب في أن المصري كان يتساءل عن كنه المخلوقات والظواهر الطبيعية التي من حوله وعن كيفية نشأتها ووجودها وبهذا تدرج إلى التفكير في مشكلة الخلق، ثم تساءل عن المشكلة الكبرى وهي مشكلة نشأة العالم المحيط به، ولم يطل به التفكير كثيرًا حتى اهتدى بخياله إلى تكوين فكرة اتخذ عناصرها من البيئة المحيطة به فتمثل في الفيضان ماء أزليًّا أطلق عليه اسم "نون"، وقد دعاه إلى هذا التفكير أن الفيضان تستمر مياههفترة من الوقت ثم تبرز من تحتها الأرض تدريجيًا وفي هذه ينبت الزرع وتدب الحياة، وعلى ذلك ظن بأن العالم في بدء تكوينه نشأ من ماء أزلي برزت فيه قمة تل مزدهر، ثم ظهرت المعالم الأولى للحياة فوق هذا التل، أو أن زهرة من اللوتس ظهرت فوق سطح هذا الماء وعلى هذه برز الكائن الأول في هيئة طائر أو كائن هو الذي خلق السموات والأرض والآلهة الأخرى، وقد اختلفت الأساطير المتصلة بنشاة الخليقة. وبالطبع كان كل إقليم يحاول أن يجعل من إلهه المحلي الإله المهم في نشأة هذه الخليقة أو خالقها، وكانت أشهر المدراس التي اتجهت إلى ذلك هي مدرسة هليوبوليس ومنف والأشمونين.

    مدرسة هليوبوليس:
    تذكر هذه المدرسة أن الإله آتوم يكون في المياة الأزلية نون قبل أن تتكون السماء والأرض أو الدودة والعلقة ولم يحد مكانًا يقف فيه؛ فوقف فوق تل ثم صعد فوق حجر "بن بن" في هليوبوليس ووجد نفسه وحيدًا؛ ففكر في خلق زملاء له وحمل من نفسه ثم تفل أو أمنى وأنجب شو وتفنوت اللذان أنجبا جب ونوت وأنجب هذان الأخيران بدورهما أزوريس وست ونفتيس وإيزيس، وقد عرف هؤلاء الآلهة التسعة باسم التاسوع الكبير، وعلى حسب هذه النظرية لم يكن حوريس وتحوت ومعات وأنوبيس ضمن هذا التاسوع وإن كان لهم دور مهم في الأساطير المتعلقة به.
    وقد تغالت المدن الكبيرة في محاكاتها لهليوبوليس وكونت مجموعة إلهية على رأسها إلهها المحلي؛ فكانت هذه المجاميع تتجاوز التسعة في
    كثير من الأحيان فمثلًا كانت مجموعة طيبة الإلهية تتألف من "15" إلهًا، كما أن بعض المدن الأخرى لم تجد من الألهة ما يناسبها؛ فجعلت مجموعاتها تتكون من آلهة تتكرر أسماؤها؛ فمثلًا كانت مجموعة أبيدوس تتألف من إلهين باسم خنوم وإله باسم تحوت وإلهين باسم أوب وات وهكذا. والغريب أن كل مجموعة من هذه المجاميع كانت تعامل كإله واحد.
    مدرسة منف:
    اعتبرت منف إلهًا بتاح أجدر من آتوم كما أنها ذكرت أن بتاح خلق من نفسه ثمانية آلهة أخرى سميت كلها باسم بتاح، وإن كان البشر أطلقوا عليها أسماء أخرى؛ وذلك لتكون مع بتاح الأصلي تاسوعًا يعادل تاسوع هليوبوليس وقد أرجعت هذه المدرسة كل آلهة مصر إلى بتاح والإله الثاني بتاح نون والإلهة الثالثة بتاح نونيت في هذا التاسوع هما اللذان أنجبا آتوم أي أن آتوم وهو أعظم آلهة هليوبوليس قد اعتبر في هذه المدرسة أقل شأنًا من الإله بتاح كما أن شفتي آتوم وأسنانه التي تفل بها شو وتفنوت قد استعارهما من بتاح؛ كذلك اعتبر القلب واللسان من أطياف بتاح وهذان كانا يمثلان تحوت وحورس وقد خلق اللسان، أي تحوت، كل شيء بواسطة الكلمة.
    وقد تأثرت المعابد المختلفة بتعاليم منف فاعتبرت الآلهة التي قدست فيها أعضاء للإله الرئيس في المعبد.
    ولما كان لأوزير مركز خطير في اللاهوت المصري؛ فإن تعاليم منف جعلت منه تابعًا من أتباع بتاح وجعلت منف الميدان الذي جرت فيه
    أهم الأحداث التي تعرض لها هذا الإله؛ ففيها توجه أوزريس إلى العالم السفلي بعد أن انتشله إيزيس ونفتيس وفيها حاول جب "والد أوزوريس" أن يصلح بين حورس وست وهكذا.
    مدرسة الأشمولين:
    سميت هذه المدينة كذلك لأن مجموعة الآلهة فيها تتكون من ثمانية لا تسعة كالمعتاد، وتعتبر هذه المدرسة من تخريج منف لأن أول الكائنات فيها هو الإله تاتنن خالق الآلهة الثمانية وخالق البيضة التي خرج منها إله الشمس فهو جد "والد آباء" الآلهة جميعًا، أما الآلهة الثمانية؛ فكانوا عبارة عن آلهة تمثل أربعة ذكور في هيئة ضفادع وأربع إناث في هيئة الحيات، وكل زوج منها يمثل مظهرًا من المظاهر التي كانت تسود العالم في البداية؛ فالزوج الأول نون ونونيت يمثل الفراغ اللانهائي والزوج الثاني وهو حوح وحوحيت ويمثل الماء الأزلي والزوج الثالث كوك وكوكيت يمثل الظلمة والزوج الرابع نياو وزوجته نيات أو آمون وأمونيت ويمثل الخفاء.
    ولا نعرف الكثير عن دقائق تعاليم الأشمونين لقلة ما تخلف عنها؛ ولكننا نعلم الكثير عن أثر هذه التعاليم في مدينة أخرى نقلت عنها في عصور تالية، وهذه المدينة هي طيبة التي تشير الأساطير إلى أن بعض آلهة الأشمونين تسربت إليها، ومن هذه الآلهة آمون، كما استقرت تعاليم كثيرة من تعاليم الأشمونين في هذه المدينة أيضًا؛ إلا أن طيبة لم تكتفِ بآلهة ثمانية؛ بل إن محاكاتها لمدرسة منف جعلتها تضع إلها قبل هؤلاء الثمانية، ولم يكن هناك بد من أن يكون آمون هو ذلك الإله الذي خلق



    بقية التاسوع مع أنه أحد الآلهة الثمانية في الأصل؛ وعلى ذلك تخيلوا إلهًا في هيئة ثعبان أطلقوا عليه إسم "كم ات اف" أي ذلك الذي أكمل زمانهن أو بمعنى آخر هو الذي انتهى أمره، وهذا الإله أنجب إلهًا آخر اسمه "إير- تا" أي "خلق الأرض"، وهذا بدوره خلق الثمانية آلهة الأولى التي منها نشأت الخليقة، ومع كل فقد كان "كم ات اف" في نظرهم هو "آمون العظيم" معبود الأقصر وخالق الأرض وإله التناسل.
    طبيعة الآلهة:
    نظر المصري لآلهته على أنها كائنات أعلى قدرًا من الإنسان ولا تختلف عنه كثيرًا. والواقع أن المصري قسَّم سكان العالم إلى ثلاثة أقسام هي الناس والآلهة والموتى؛ فالأسطورة التي قيلت عن نشأة الخليقة تبعًا لتعاليم طيبة أي التي تأثرت بمدرسة الأشمونين تذكر أن الدنيا كانت حينما خلقت الآلهة الثمانية لا تزال في ظلام وأن هذه الآلهة الثمانية اندفعت مع تيار الماء الأزلي إلى الأشمونين أو وصلت إلى منف أو إلى هليوبوليس وهناك خلقت الشمس ثم رجعت إلى طيبة ولما أتمت صنعها بخلق العالم انتهى أمرها ولحقت بالثعبان "كم ات اف" في عالم الموتى بطيبة حيث استراحوا في مكان معبد صغير بمدينة هابو، وكان آمون يزورهم كل عشرة أيام؛ فلم تكن فكرة موت الإله غريبة لدى المصري؛ بل كانت شيئًا مألوفًا في تفكيره وعلى ذلك اختلط أزوريس "بكم ات اف" كما أصبح آمون هو روح أوزوريس أي أن آمون في الدنيا السفلى، كان أوزوريس وكان آمون هو الروح الذي يزور هذا الجسد، أي أنه كان كإله الشمس عند تجواله في الدنيا السفلى أثناء الليل حيث يزور جسده أوزوريس.
    واعتبار آمون روح أزوريس يجعلنا نتعرض لعقيدة المصري بأن الإنسان كانت له روح "با" وقرين "كا". وبالطبع كان للإله ما كان للبشر، وكانت روح الإله تسكن تمثاله الذي في معبده؛ ولكنها كانت كذلك طليقة تتجول في أماكن أخرى وخاصة في السماء، كما أنها كانت تسكن الحيوان المقدس في معبده؛ فكان أبيس مثلًا روح بتاح، كذلك كان في عصر متأخر روح أزوريس أيضًا، وكان الطائر الخرافي "فينكس" روح "سبك" أما "تيس منديس" فكان يمثل أرواح أربعة آلهة هي: رع وأزوريس وحب و شو، ثم تطور الأمر فأصبح للإله الواحد أرواح مختلفة وقرائن متعددة فللإله رع مثلًا سبعة أرواح و "14" قرين ولم يمكن التعرف على هذه الأرواح السبعة؛ وإنما عرفت الأربعة عشر "14" قرينًا التي كانت من الذكور ولها ما يماثلها من الإناث وهذه القرائن هي التي تتمثل في قوى السحر والبهاء والنصر والقوة والنمو والطعام والاستمرار والنظر والسمع والشبع ... إلخ. كذلك تشير بعض الأساطير إلى أن إله الشمس كانت له أربعة رءوس على هيئة رأس الكبش وتقوم كلها على عنق واحد وكانت له "777" أذن ومئات الألوف من القرون، ورءوس الكباش الأربعة كانت تمثل آلهة الرياح الأربعة إِلَى آخِرِ مَا جَاءَ فِي تِلْكَ الخَرَافَاتِ؛ كذلك كانت القرائن الأربعة عشر مع إناثها تنشر الخير مثل النيل والحقل ... إلخ. وبما أن الملك كان ذو صفات إلهية؛ فقد كانت له أرواح كثيرة، كذلك كانت له قرائن مختلفة، وبعض الأفراد كانت لهم أيضًا أكثر من قرين في حالات خاصة، وكان يكنى عن عزيمة الملك أو سلطته القوية بتعبير "أرواح الملك" إذا ما ترجمنا هذا التعبير حرفيًّا، كما كان يكنى عن آلهة المدينة بأرواح المدينة.
    ولما كثر الخلط وأصبح عددًا من الآلهة يسمى باسم واحد؛ فقد حاول المصري أن يميز بينها فمثلًا كانت هناك سخمت محبوبة بتاح وسخمت سيدة الصحراء العربية وسخمت في بيت باستت، ولم يتسنَّ ذلك في كثير من الحالات؛ إذ إننا نطالع في النصوص ما يفيد وجود مئات من الآلهات حتحور كما أن الآلهة ذات الاسم الواحد كثيرًا ما اختلطت بعضها ببعض فمثلًا حدث الخلط بين حورس وإدفو "قرص الشمس المجنح" وبين حورس ابن إيزيس. ويستدل من أُسطورة حورس إدفو على أنه كان يصحب الإله رع هو وتحوت في سفره من الحدود النوبية إلى مصر وقد انتصر على أعداء رع، وكان تحوت يسمي الأماكن والبلدان التي مروا بها؛ كذلك تدل الأساطير على أن الآلهة كانوا ملوكًا على مصر العليا والسفلى وعرف الناس مدة حكمهم، وقد ذكرتهم بردية تورين مبتدئة بالإله جب ثم أوزير وست وحورس ثم تحوت ومعات ومن بعدهم آلهة أقل شأنًا وفي آخر القائمة ذكر "خدم حورس" وكانوا عشرة وهم الملوك الذين حكموا في العصور الأولى.

















    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الحوادث التاريخية وأثرها:

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:05

    الحوادث التاريخية وأثرها:
    لا شك في أن الأحداث التاريخية كانت ذات أثر كبير في تطور الديانة المصرية؛ فإذا ما نظرنا إلى ألقاب الملوك وإلى القصص الديني والأساطير المختلفة فإننا نجد ما يشير إلى ذلك إذ يذكر مانيثون بأن مصر كان يحكمها قبل العصور التاريخية حكام من الآلهة أي أسرة إلهية "بتاح ورع وشو وجب وأوزير وست وحوريس" وبعد ذلك حكمت أسرة من أشباه الآلهة ثم عشرة ملوك من الأرواح أو من أتباع حوريس حكموا قبل
    مينا، وتشير بردية تورين إلى نفس الترتيب تقريبًا.
    وتدل الشواهد الأثرية على أن أتباع حوريس وصلوا إلى وادي النيل عن طريق وادي الحمامات واستقروا بالقرب من قفط حيث كان إلهها المحلي مين، وكان المعبود الوطني في مصر كلها هو الإله ست. وكان حوريس وأتباعه محاربين متفوقين بما لديهم من أسلحة؛ فلم يمكثوا طويلًا في قفط أو ما جاورها؛ فتحركوا شمالًا حتى استقروا في غرب الدلتا، ثم وفدت عليهم أقوام من شرق الدلتا يدينون بنفس الدين ويعرفون الأسلحة المعدنية وقد أطلق عليهم أصحاب الرماح فاتصلوا بأتباع الإله حوريس الذين كانوا في غرب الدلتا حتى أصبح هذا الإله إلهًا لغرب الدلتا كله.
    ثم جاءت بعد ذلك هجرة من غرب آسيا تحت قيادة أوزير الذي كان على ما يحتمل ملكًا عبد ثم أله فيما بعد وقد استقر هؤلاء في شرق الدلتا، ولم يكونوا من المحاربين؛ بل كانوا رعاة ورجال سلم وسرعان ما اندمجوا في أهل البلاد الذين رأوا في أوزيريس صورة للإله الطيب وأخًا لإلههم ست، كما أن أوزيريس وقومه كانوا يميلون إلى أهل شمال الدلتا وإلهته إيزيس، وفي نفس الوقت جاءت كذلك مجموعة أخرى من المهاجرين اخترقت الدلتا واستقرت عند رأسها في هليوبوليس، وكان رع هو قائدهم وإلههم ويحتمل أنهم جاءوا من الشمال الشرقي للبحر المتوسط أو من جزره وكانوا على جانب من الثقافة والفهم ومعظمهم من التجار وأصحاب الحرف.
    وقد وجد حوريس وأتباعه أمورًا مشتركة بينهم وبين أوزير وأتباعه وقد نتج عن ذلك أن غرب الدلتا تحت قيادة حوريس وشمال الدلتا تحت قيادة إيزيس ارتبطوا برباط ودٍّ وسلام مع أوزير وأتباعه وكذلك مع



    ست، ورأى المتعبدون في إيزيس زوجة لأوزير وحوريس ابن لهما وست شقيق لأوزير: وبما أن حوريس الذي اعتبر إلها للسماء كان يعترف بالإله ست؛ فإن أتباع رع كذلك اعترفوا بالإله الوطني ست؛ ولكنهم لم يعترفوا لأوزير في أول الأمر، وبعد أن استقرت الأمور بين رع وأوزير وأخذت وحدتهما في الظهور بدأ يظهر لون من التنافس بين ست وأوزير، فبفضل النشاط الحربي لحوريس وطرق أوزير السلمية وثقافة رع؛ تكونت مملكة في مصر السفلى بقيادة حوريس وكانت عاصمتها بوتو، وكان طابع هذه المملكة سلميًّا وفقًا لما تميز به أوزير الذي نشط أتباعه في التبشير له حتى امتدت نفوذه إلى أبيدوس أو ما بعدها ويعد هذا أول اتحاد بين الدلتا والصعيد.
    ولكن سرعان ما غضب ست وأتباعه ولم يكن أوزير قائدًا حربيًا فتراجع إلى بوزيريس موطنه في الدلتا وذبح هناك؛ ولكن أتباعه اعتقدوا أنه بعث ليحكم العالم السفلي وأصبحت إيزيس وحيدة، أما رع فقد وقف موقف المحايد؛ إلا أن هذه الأمور استثارت حوريس الذي كان قائدًا وملكًا على مصر السفلى؛ فأراد أن ينتقم لأبيه ونشب صراع جديد بين حوريس وست وفي هذه المرة تغلب حوريس، وغزا الصعيد؛ فاضطر ست وأتباعه إلى التراجع أعلى النهر ثم إلى الواحات والصحاري. وقد يدل هذا على التوحيد الثاني الذي حدث من الدلتا أيضًا قبل التوحيد الذي قام به مينا ويعد بداية الأسرات.
    وفي نفس الوقت جاء وافدون جدد من الصعيد شقوا طريقهم إلى الدلتا وكانوا يحملون أفكارا جديدة؛ ولم يكن رع ليعنى كثيرًا بالصعيد أو بأعمال
    حوريس؛ ولكنه كان يميل إلى ست ويفضله وسرعان ما حدث احتكاك بين الصعيد والدلتا، وظل أتباع حوريس الأوفياء على ارتباطهم به، وكان معظمهم من الجنوبيين، وأصبحت العداوة صريحة بين أتباع حوريس في الصعيد وأتباعه الشماليين الذين تأثروا بالأفكار الجديدة؛ ولكن أهل الجنوب انتصروا آخر الأمر تحت قيادة أحد أتباع حوريس وهو الملك مينا الذي أعاد توحيد مصر، وهذا هو التوحيد الثالث الذي بدأت على إثره العصور التاريخية، وقد أصبح اتخاذ اللقب الحوريسي لدى الملوك تقليدًا طوال العصور الفرعونية باستثناء الملك "بر- اب- سن" الذي اتخذ لقب ست بدلًا منه، وربما كان ذلك؛ لأنه كان يدين بهذا المعبود ولا ينتمي لأتباع حوريس.
    ومنذ عهد الأسرة الرابعة يبدأ نفوذ رع في الازدياد حتى إن ملوكها اتخذوا أسماء تتضمن اسم رع في نهايتها، وبعد ذلك انتقل الملك إلى بيت ينتمي إلى كهنة هذا الإله مؤسسًا الأسرة الخامسة، وعلى ذلك يمكننا أن نستنتج أن نفوذ هليوبوليس وكهنتها قد أصبح مسيطرًا وازداد هذا النفوذ قوة فتقربت الآلهة الأخرى إلى الإله رع ووحدت معه ولم يستثنَ من ذلك إلا الإله بتاح.
    ولما عظم شأن طيبة في الأسرة الحادية عشر ازداد مركز آمون الذي يحتمل أنه كان إله الأسرة الحاكمة لأننا نعلم بأن الإلهين "مين ومنتو" كانا يعبدان في طيبة قبل ذلك، ولكن آمون صارت له الصدارة منذ عهد تلك الأسرة.
    ولما جاء الهكسوس إلى مصر واستوطنوا شرق الدلتا؛ وجدوا أنالإله ست الذي كان يعبد في ذلك المكان قريب الشبه من إلههم سوتخ فعبدوه واتخذوه إلهًا رسميًّا.
    ولما طردت الأسرة السابعة عشر الطيبية الهكسوس من مصر عاد آمون إلى سابق سيطرته وأصبح الإله الرسمي للدولة في عهد الإمبراطورية الحديثة، وقد أصبح عظيم الخطر؛ لأنه إله الأسرة التي أسست هذه الإمبراطورية وإليه يعزى انتصارها، وقد وحدت معه آلهة كثيرة؛ حتى إن رع وحور وحدا معه أيضًا، وظلت الهبات والأوقاف تتوالى على هذا المعبود من ملوك الإمبراطورية حتى أصبح ذهب بلاد النوبة وقفًا عليه وسميت بلاد النوبة تبعًا لذلك باسم بلاد الذهب الخاص لآمون، وصيغت في مدحه الأناشيد، ومنها أناشيد أطلقت عليه اسم رع وأخرى أطلقت عليه اسم آتون وذلك في عصر إخناتون.
    ومنذ عهد أمنحتب الثالث أو قبله بقليل يبدأ اسم آتون في الظهور، وربما كان ذلك لأن الملوك وجدوا في نفوذ آمون خطرًا يهدد الملكية؛ فأرادوا أن يضعفوا من مركز هذا الإله بإيجاد منافسين له ممن يحظون بتأييد عام فعبدوا آتون كصورة لرع الذي ظل طوال العصور الفرعونية ذو مكانة مرموقة؛ كذلك لجأ أمنحتب الثالث إلى إدخال عبادة الملك الحي أو صورته الحية على الأرض؛ ولكنه لم يشأ أن يبدأ هذه الخطوة في مصر بل بدأها بعيدًا في السودان حيث بنى معابد لعبادته هو وزوجته هناك كما أنه في نهايه عهده بنى معبد للشمس في الكرنك.
    ولما جاء إخناتون أحدث ثورة عامة وقد صور إله الشمس في شكل
    يقرب إلى أذهان العامة "قرص الشمس تخرج منه الأشعة وهذه تنتهي بأيدٍ تتدلى منها علامة الحياة" بخلاف التصوير القديم الذي كان يغلق على أفهام العامة؛ إذ إنه كان يصور إله الشمس في هيئة إنسان برأس صقر، وربما كان إخناتون لا يعتقد بأنه ارتكب إثمًا نحو معبود أجداده آمون؛ لأن هذا الأخير كان موحدًا مع إله الشمس في صورة "آمون رع"؛ إلا أن كهنة آمون وجدوا في فكرته الجديدة هرطقة حاولوا القضاء عليها فحدثت الثورة المعروفة، وتغالى إخناتون في صب جام غضبه على آمون ونقل هذا الغضب إلى كل المعبودات الأخرى وخرج إخناتون على كل التقاليد وظهر أثر ذلك في الفن خاصة، ولم تذكر ديانة إخناتون مملكة الموتى كما أن التوريات المعهودة عن الوفاة مثل "الطيران إلى السماء" أو "الرسو" لم تذكر كذلك؛ بل ذكر الموت والدفن ببساطة، ويظهر أن أتباع إخناتون أحبوا الحياة؛ ففضلوا التفكير فيها بدلًا من الموت، ومع ذلك ظلت العقيدة القديمة التي تذكر بأن الموتى يسكنون العالم السفلي وأن الروح تستطيع الخروج من المقبرة والعودة إليها كما كانت ولم تتغير وظلت الروح كذلك تمثل في هيئة طائر يجثم فوق الجثة، كما ظل الاعتقادُ بأن الميت يتقبل القرابين سائدًا، أما محاكمة أوزير؛ فلم تذكر؛ ولكن كلمة "مبرر" أو "مرحوم" كانت تذكر أحيانًا، وكان الجعل يوضع على المومياء؛ ولكن كان ينقش عليه دعاء لآتون كما أن تماثيل الأوشابتي "المجيبين" ظلت تستعمل كذلك؛ ولكن الدعاء عليها كان لآتون أيضًا؛ وبدلًا من تمثيل الآلهة إيزيس ونفتيس وغيرها من الآلهات مجتمعة على أركان التابوت مثلت الملكة بدلًا منها.
    يرى بعض الأثريين أن عدم وجود الناحية التصوفية وناحية ماوراء الطبيعة هو سبب فشل هذه الديانة؛ ولذلك فضل الشعب العقيدة القديمة؛ ولكن يبدو أن محافظة المصريين على التقاليد وضعف القوة المملكة في الخارج ووفاة الملك سريعًا دون أن تستقر هذه الديانة الجديدة وعدم وجود خلف له من الذكور؛ كل ذلك أدى إلى التحول ثانية إلى الديانة القديمة بل والرجوع إلى العاصمة القديمة أيضًا، وكانت النقمة شديدة على إخناتون إذ أطلق عليه بعد وفاته اسم مجرم أخيتاتون.
    وبعودة الحياة الطبيعية بعد هذه الثورة عادت عقيدة آمون بصورة لا تماثل قوتها من قبل فقد استعادت آلهة المدن المختلفة حقوقها مثل رع وبتاح، ومن جهة أخرى لما كان لطيبة شرف القضاء على الهرطقة؛ فإنها صارت أعظم الأماكن قداسة. وقد ازدادت ثروة آمون زيادة لا مثيل لها فحقوله أصبحت خمسة أضعاف حقول رع وتسعين ضعفًًا لحقول بتاح وقد شيدت له المعابد الفخمة في الأسرة التاسعة عشر، ولما عظمت فخامة هذه المعابد؛ لم يكن يسمح لعامة الشعب بدخولها فأصبح دين آمون دين الخاصة وأصبح غريبًا على أبناء الشعب الذين فكروا في آلهة أكثر شعبية ومنها إله الشمس، كما عادت الحياة إلى كثير من الآلهة القديمة التي حاول الملوك إرضاءها ببناء معابد لها؛ فمثلًا بنى رعمسيس الرابع معبدًا في أبيدوس للإله أزوريس الذي كان يعد في نظر الملك من أكثر الآلهة غموضًا وخفاء، وأنه هو القمر وهو النيل وهو الذي يحكم العالم الآخر؛ كذلك احتل الإله ست مركزًا ضخمًا في عصر الأسرة التاسعة عشر.
    ورغم أن عامة الشعب لم يكن من الميسور دخولهم إلى المعابد الفخمة



    التي بناها ملوكهم؛ إلا أن ذلك لم يحل دون تقواهم وقد نقشوا الصلوات تعبدًا لآلهتهم ولجئوا في حالات كثيرة إلى آلهة تكون أقرب منالًا؛ بل وتطور الأمر حتى أصبح كل فرد يقدس من الكائنات ما يقع تحت نظره وما يصادفه فمثلًا عبدوا الآثار القديمة وعبدوا بعض الحيوانات والجمادات في بيئتهم المحلية كما تصوروا آلهة أخرى خرافية تجمع في صفاتها وتكوينها مميزات كائنات متعددة مثل: تويرس وبس1 وبعل وغيرهم وكذلك صور لهم الوهم عبادة بعض المعالم الجغرافية مثل قمم الجبل في البر الغربي لطيبة، وازدادت عبادة العامة والسذج للحيوان وانتشرت حتى أصبحت شائعة، وقد تغالى الرومان في هذا بعد ذلك إلى درجة أن أحد شعرائهم واسمه جوفنال2 تهكم من ذلك بقوله مخاطبًا رجال عصره: "أيها الأطهار الذين تولد لهم تلك الآلهة في الحدائق".
    ويبدو أن الآلهة التي تمثل النواحي الأخلاقية كانت آخر العبادات ظهورًا ومن أمثلة ذلك: ماعت وبس وغيرها.
    ولأهمية المعايير الأخلاقية توقف مصير الميت على ملكه في الحياة وأصبح الموت من أهم المشاكل التي شغل المصريون أنفسهم بها؛ ولذلك أصبحت أسطورة أزوريس من أوسع الأساطير انتشارًا وصارت عبادته أقرب العبادات إلى القلوب.
    العقائد الجنزية:
    لا نعرف كثيرًا عن العقائد الجنزية في أقدم العصور الفرعونية، وأول ما يطالعنا عن تلك العقائد هو ما ورد في متون الأهرام التي دونت في الأهرام ابتداء من عهد أوناس آخر ملوك الأسرة الخامسة، وهي لا شك ترجع إلى أصول قديمة؛ لأننا نعلم بأن المصري منذ أقدم العصور كان يعنى بموتاه عناية فائقة ولا يدخر وسعًا في سبيل المحافظة عليهم، كما أن الميت كان يزود في مقبرته بما يلزمه من متاع يحمل على الظن بأن اعتقاد المصري في حياة ثانية كان اعتقادًا راسخًا وأن هذه الحياة تشبه حياته الأولى.
    ومع أن متون الأهرام تدور في معظمها حول الملك وواجب الآلهة نحو العناية بشخصه المقدس؛ فقد وجدت بها أوراد تدل على أن الميت لم يذنب في حق الملك مما يدل على أن هذه الأوراد في أصلها كانت تستخدم لعامة الشعب أيضًا أو أنها كانت شائعة، ومن الأوراد ما يدل كذلك على مصير متواضع إذ تشير إلى الرقاد في التراب أو الرمل.
    ومما نلاحظه في نصوص الأهرام أن الإله أزوريس الذي كان يعد إله الموتى اتخذ في بعض الأوراد مكان إله الشمس أو مكان إلهة السماء.
    ومما تجدر الإشارة إليه أن المصري كان يعتقد بأن الإنسان يتألف من ثلاثة عناصر: هي الجسم والكا "القرين" والبا "الروح"، وكان يفسر الموت بأنه هجر الكا للموتى علمًا بأن الكا كان يستقبلها عند ولادته بأمر رع وهي تشبه صاحبها تمامًا، كما اعتبر القبر دارًا للكا وأن القرابين تقدم إليها؛ كذلك كانت الكا في نظر المصري هي الملاك الحارس
    لذي يهتم بالإنسان وهي التي تنجب له الأبناء؛ ولكنها ظلت مع ذلك كائنًا إلهيا غامضًا بالنسبة له كما يفهم ذلك من النصوص المختلفة التي تشير إليها، أما البا فهي الروح التي تترك الجسد عند الموت وقد صورها المصري في أشكال مختلفة فهي أحيانًا كطير ولذلك كان من المحتمل في نظره أن تكون روح الميت طائرًا بين طيور الأشجار التي غرسها بنفسه، وأحيانًا تكون في هيئة زهرة اللوتس أو في هيئة الثعبان الذي يندفع من جحره أو التمساح الذي يزحف من الماء إلى الأرض. وقد تساءل المصري كذلك عن مقدرة الروح وظن أنها تستطيع اتخاذ تلك الأشكال جميعًا وغيرها من أشكال كثيرة لا حصر لها كما أنها كانت في نظره تستطيع الاستقرار في أي مكان تشاء.
    ولما رأى الشمس تغرب يوميًّا في الغرب وتعود إلى الشروق في الشرق اعتقد بأنها كانت تجوب ليلًا عالَمًا سفليًّا، وهذا العالم لا يدخله الأحياء بل هو عالم الموتى الذين يهبطون إليه في الغرب ويعيشون في عالم مظلم؛ إلا إذا مضت من فوقهم الشمس في رحلتها بالليل، ولذا أطلق على عالم الموتى اسم "عالم الغرب" كما أن الموتى يسمون أهل الغرب واعتبر "سكر" إله الموتى في منف أول أهل الغرب.
    وكما يختلف الناس في حياتهم؛ كذلك لا يمكن أن تكون هناك مساواة بعد الموت أي لا بد من وجود أماكن أفضل ومقر أحسن للأرواح الممتازة، هذا المقر كان في السماء، أي أصبح هناك عالم ثانٍ للموتى وقد أطلق عليه اسم "دوات" ثم تطور هذا الاسم؛ فأصبح يطلق فيما بعد على عالم الموتى السفلى كذلك، وقد ظن المصري بأن نجوم الليلهم موتى أو أرواح سعيدة ظلت في سناء دائم مع الآلهة؛ إذ مد إليهم رع يده أو أخذتهم إليها آلهة السماء ونظمتهم بين ما لا يفنى من نجوم جسدها.
    وقد ظهر أثر التضارب في التفكير الديني في متون الأهرام نفسها إذ نجد فيها ما يشير إلى أن الميت يطير في شكل طائر إلى السماء إلى جانب إخوته الآلهة حيث تمد إليه إلهة السماء يديها وتقيمه عليها نجمًا لا يفنى، وهو يولد منها في الصباح وينتسب إلى الذين يقفون من وراء رع والذين يقفون أمام نجمة الصباح، يبحر إلى الجانب الشرقي من السماء حيث تولد الآلهة فيولد معهم، متجدد القوة والشباب. ومن أمثلة التضارب في النصوص أن الملك ليس إنسانًا وليس آباءه من البشر. إنه تحوت أقوى الآلهة أعظم من رع وهو ابنه. كما تصور النصوص الميت كصائد يتصيد نجوم السماء ويلتهم الآلهة يعيش على آبائه ويتغذى بأمهاته.
    أما مقر الأبرار فقد تخيلة المصري كمجموعة من الجزر تمثل: حقل الأطعمة، وحقل يارو أو مقر الممجدين، هاتان الجنتان تخيلهما المصري على شكل البلاد المصرية يغمرها الفيضان ويزدهر فيها الزرع وتقوم آلهة السماء فيها بإطعام الميت طعامًا طاهرًا بريئًا، ترضعه نوت أو الحية التي تحمي الشمس ولا تفطمانه أبدًا أو يلتقي نصيبه من شونة الإله العظيم ويلبس ما لا يفنى وله من الخبر والجعة ما يبقى أبدًا، طعامه بين الآلهة وشرابه النبيذ على نحو شرب رع، ويعطيه رع مما يأكل ويشرب.
    وكان الوصول إلى حقول الأبرار هذه صعبًا عسيرًا فكان الميت

    يرجو عطف حورس "الصقر" وتحوت "أبو منجل" لينقلانه إلى هذه الحقول أو يرجو إله الشمس ليعبر به في سفينته أو يرجو ملاح "نوتي" حقول يارو الذي لا ينقل غير الرجل القويم الذي لا قارب له.
    وتبدو مبادئ الأخلاق في نصوص الأهرام من كثير من العبارات التي منها: "ما من شر ارتكبه" و"لم يتقول السوء على الملك" و "لم يحقر الآلهة" و "طاهر الجسد". ومن ذلك يتبين أن معاملة الفرد مع الناس والآلهة كانت تعتمد على مكارم الأخلاق واحترام الملك والآلهة.
    وبانتشار عقيدة أوزيريس تأثر الأدب الجنزي وأصبح خليطًا مشوهًا أكثر من ذي قبل. ولا نجد إلا القليل من السحر في متون الأهرام. ولما تطورت الحياة الاجتماعية في مصر الفرعونية؛ أصبح للأفراد حق كتابة نصوص جنزية على توابيتهم منذ عهد الدولة الوسطى تقريبًا وهذه النصوص عرفت باسم نصوص توابيت، وهي عبارة عن مختارات من نصوص الأهرام التي كانت وقفًا على الملوك، صيغت في صورة جديدة وأضيفت إليها مواد أخرى، وقد تطورت هذه في عهد الدولة الحديثة إلى ما يعرف باسم كتاب الموتى، وهو عبارة عن النصوص الحنزية التي دونت في المقابر أو في البرديات ابتداء من عهد الدولة الحديثة حتى العصر الروماني، وكتاب الموتى هذا يرجع في تكوينه إلى مجموعتي متون الأهرام ونصوص التوابيت وقد أطلق المصريون عليه اسم تعريفات للخروج نهارًا، أي أن الغرض من كتاب الموتى هو تمكين المتوفى من الخروج من ظلمة القبر إلى ضوء الشمس وتمكينه من الحركة بعد الموت، وكثير من تعزيمات هذا الكتاب يفهم منها توفير
    السعادة في العالم الآخر والتهرب من الأخطار التي تصادف الميت، وهذه كانت تتمثل في هيئة آلهة شريرة أو شياطين أو ما ينتاب المرء من جوع وعطش... إلخ.
    وابتداء من عهد الأسرة الثامنة عشر ظهر كتابان آخران لأول مرة وهما: "ايم دوات" "مافي العالم السفلي" و "كتاب الأبواب" وهذان الكتابان يدوران حول موضوع واحد هو رحلة الشمس ليلًا إلى العالم السفلي، وكان المعتقد أن إله الشمس يواصل السفر ليلًا من الغرب إلى الشرق في أسفل الأرض وفي هذه الرحلة يزور ممالك الأموات ويضفي عليهم من ضوئه وكان عليه أثناءها أن يناضل أنواعًا من المردة تسعى لوقف تسياره ولمنعه من الشروق على الأرض ثانية، وكان العالم السفلي في نظر المصري مقسمًا إلى اثنى عشر قسمًا طبقًا لساعات الليل يجتاز إله الشمس كلًا منها في ساعة معينة وفي صورة تختلف عن صورته في النهار، وكان المتوفى يأمل أن يلحق بموكب إله الشمس؛ فاستعان على ذلك بالنصوص التي أطلق عليها "كتاب ما في العالم السفلى" حتى يتمكن من تخطي الأخطار التي تكتنف طريقه ليلًا.
    أما كتاب الأبواب فيتحدث عن نفس الموضوع أي رحلة الشمس خلال أقسام العالم السفلي الاثني عشر؛ ولكنه يقتصر على وصف الأبواب والبوابات التي تؤدي إلى هذه الأقسام والكائنات التي تحرسها.
    وكان الميت دائمًا يأمل أن تكون روحه ضيفًا يرحب به في بيته عند زيارتها للدنيا؛ لا ضيفًا غير مرغوب فيه، كما اعتقد المصري بأن روح المتوفى في إمكانها أن تتدخل في شئون الأحياء، وقد وردت إلينا نصوص
    كثيرة تبين هذه العقيدة، ومن ذلك مثلًا أن أحد الناس كتب خطابًا إلى روح زوجته المتوفاة يرجوها فيه أن تكفَّ عن أذاه ويذكرها بما كان يبذله من أجلها أثناء حياتها؛ كذلك اعتقد المصري بأن الميت كان يبرر موقفه أمام أزوريس الذي كان قاضيًا وحاكمًا في العالم السفلي فيتقدم بسلسلة من الاعترافات الإنكارية أو السلبية حتى يقبله في مملكته التي يعيش فيها المبرئون والمرحومون، ومن هذه الاعترافات مثلًا: أنا لم أسرق ولم امتهن أرملة ولم أكذب... إلخ.
    وكانت قاعة المحكمة يمثل فيها أزوريس كرئيس للمحكمة ومن حوله اثنان وأربعون قاضيًا وفيها يشرف تحوت على الميزان الذي يوزن فيه قلب المتوفى في مقابل ريشة العدل التي توضع في الكفة الأخرى من الميزان؛ فمن كان قلبه أثقل منها ثبتت براءته واعتبر في عداد الأبرار الذين لهم الحق في الوصول إلى حقول يارو، أما من تثبت إدانته؛ فيلقى قلبه إلى حيوان خرافي متوحش مخيف ليلتهمه ويلقى الميت جزاءه في النار ولا يصحب إله الشمس في رحلته ولا ينتظم بين الأرواح السعيدة التي تتلألأ في السماء.
    ومن ذلك يتبين أن الدين كان يحض على مكارم الأخلاق وأن تلك المعايير الأخلاقية لا شك في أنها في أول الأمر عادات اجتماعية فرضها المجتمع وأصبح لها من القوة ما جعلها من التعاليم الدينية.
    ولما كان المصري لا يشك إطلاقًا في البعث؛ فإنه حرص على المحافظة على جسده حتى تتعرف عليه الروح وتعود إليه بسهولة كما كان يحرص على بقاء هذا الجسد سليمًا حتى لا يبعث في حالة غير التي كان عليها،



    وقد احتاط كذلك بعمل تماثيل له حتى إذا ما أصيب الجسد أمكن للروح أن تحل في تمثال له؛ ولكن نلاحظ في هذه الحالة أن التمثال كان يمثله وهو في ريعان شبابه طمعًا في أن يبعث وهو في خير هيئة له.
    وبالطبع كانت المحافظة على الجثة تتطلب أن يكون الدفن في مكان أمين بعيد عن المؤثرات الجوية والحيوانات الضارية. وكانت المقبرة في أول أمرها عبارة عن حفرة بسيطة يوضع فيها الميت ثم يهال عليه الرديم، ثم أمكن تسقيف هذه الحفرة بالبوص ثم بالخشب، ولا شك في أن أهل المتوفى كانوا يميزون مقبرته من غيرها بكومة من الرمال أو الحصى. وهذا الجزء الذي يعلو سطح الأرض أصبح جزءًا متممًا للمقبرة وخضع لتيار التطور.
    ومنذ عصر ما قبل الأُسَرِ؛ أصبح الجزء الذي تحت سطح الأرض مستطيل الشكل؛ لأن تسقيف حفرة الدفن واختراع اللبن الذي استخدم في تبطين هذه الحفرة؛ كان يحتم ذلك أو ييسره على الأقل. وفي أواخر هذا العصر تقريبًا قسمت حفرة الدفن إلى حجرات كما أن الجزء الذي يعلو سطح الأرض فوق هذه الحفرة "Super- Strucure" أصبح عبارة عن بناء من اللبن مستطيل الشكل مائل الجوانب إلى الداخل قليلًا وهو الذي عرف باسم "المصطبة". وكثيرًا ما أصبحت كلمة المصطبة تطلق على المقبرة بأكملها، أي على الجزئين معًا, وكانت جدران المصاطب تبنى بحيث تكون ذات تعرجات -مداخل ومخارج- أشبه بأسوار الحصون ثم اقتصر على فجوتين فقط في جدارها الشرقي منذ عهد الأسرة الثانية، وكانت الفجوة الجنوبية منهما أكبر من الشمالية، وقد وضعت لوحة جنزية لصاحب المقبرة
    في الفجوة الجنوبية، وهذه اللوحة هي التي تطورت فيما بعد إلى ما يعرف باسم الباب الوهمي.
    ومنذ عهد زوسر أمكن بناء مقبرة بأكملها من الحجر وفي عهد الدولة القديمة ظل الجزء الذي تحت الأرض ينحت في الصخر في هيئة حجرة للدفن يؤدي إليها طريق منحدر أو بئر عمودي مع اختلافات بسيطة في أهرام الملوك. أما الجزء الذي يعلو سطح الأرض؛ فقد ظل الأشراف والشعب يبنون في هيئة المصاطب ولكن الحجر استعمل في هذا البناء؛ بينما تدرج الملوك ابتداء من عهد زوسر من الهرم المدرج إلى الشكل الهرمي في بناء هذا الجزء الظاهر من المقبرة، وقد ظل هذا الشكل محببًا لدى الملوك إلى عهد الدولة الوسطى وإن كان بعض هؤلاء لم يستطيعوا إلا بناء أهرام صغيرة من اللبن.
    وكانت القرابين تقدم إلى روح المتوفى أمام اللوحة الجنزية ولما عظم اتساع الفجوة التي بها اللوحة حولت إلى حجرة لتقديم القرابين والقيام بالطقوس الدينية نحو المتوفى، أما بالنسبة للأهرام؛ فكان كل ملك يبني في الجهة الشرقية من هرمه معبدًا جنزيًّا يصله بالوادي طريق منحدر ينتهي إلى بناء صغير للاستقبال على حافة الوادي.
    وحينما عظم نفوذ الأشراف في عهد الإقطاع الأول والدولة الوسطى نحتوا مقابرهم في الصخر في مناطق أقاليمهم.
    ومنذ عهد الدولة الحديثة أخذ الملوك والأشراف في نحت مقابرهم في الصخر خشية سطو اللصوص عليها وفصل الملوك بين مقابرهم وبين المعابد الجنزية التي شيدوها بعيدًا عنها حتى لا يهتدي اللصوص إلى مكان دفنهم، أما الأشراف؛ فكانت حجرات تقديم القرابين من صميم المقبرة نفسها.
    وقد تبين المصري منذ أقدم العصور أن الدفن وحده لا يكفي للمحافظة على الجثة فلجأ إلى التحنيط ولا نعرف على وجه الدقة متى بدأ؟ رغم العثور على جثث من الأسرة الثانية كفنت بعناية ودقة وكان كل عضو فيها ملتف على حدة مما يشعر بوجود نوع من التحنيط. ومنذ عصر الأسرة الرابعة عثر على جثث محنطة تحنيطًا تامًّا وما زال صندوق حتب حرس يحوي صرة كانت بها الأحشاء محفوظة في النطرون؛ غير أن الجثة لم يعثر عليها، وأقدم مومياء معروفة ترجع للأسرة الخامسة في المتحف الملكي لكلية الجراحة بلندن، وقد استمر التحنيط مستخدمًا حتى أوائل العهد المسيحي.
    ومعظم مواد التحنيط وطرقة أصبحت معروفة إلا من بعض التفاصيل وأقدم وصف للتحنيط وصل إلينا من هيرودوت ثم ديودور. وقد روى هيرودوت بأن المصري كان يستعمل ثلاثة طرق مختلفة:
    1- وهي تكلف وزنة من الفضة ذات قيمة كبيرة، وفيها يستخرج نخاع المخ من الخياشيم بآلة خاصة وما يتبقى منه يزال بعقاقير لم يذكر اسمها كما كانت محتويات الجوف والصدر -ما عدا القلب والكليتين- تستخرج عن طريق فتحة في الجانب الأيسر ثم ينظف مكانها بنبيذ البلح والتوابل ويملؤ بعد ذلك بالمر وبعض المواد العطرية والكتان والراتنج والنشارة والنطرون وقشر البصل وغير ذلك. ثم تخاط الفتحة ويعالج كل الجسم بالنطرون لمدة 70 يومًا ثم يغسل ويلف في لفائف من الكتان تلصق بالصمغ.
    2- كان زيت خشب الأرز يستخدم في هذه الطريقة حيث كان الجسم
    يحقن به ولا يسمح بتسربه؛ إلا بعد أن يعالج الجسم بالنطرون.
    3- أرخص الطرق وكانت للفقراء وتتلخص في تنظيف الأحشاء بأنواع من السوائل: ماء أو شربة، ثم يعالج الجسم بعد ذلك بالنطرون لمدة 70 يومًا.
    ويعطينا ديودور بعض التفاصيل لم يذكرها هيرودوت إلا أنه لم يذكر سوى طريقة واحدة للتحنيط تتلخص في إزالة الأحشاء ما عدا القلب والكليتين وتنظيفهما بنبيذ البلح وتوابل مختلفة لم يعين أسماءها، ويُدلَّك الجسم بزيت خشب الأرز ثم يمسح بالمر والقرفة ومواد مماثلة؛ بالإضافة إلى قار البحر الميت؛ حيث أشار في إحدى المناسبات عند وصف قار "البحر الميت" أنه كان يحمل إلى مصر ليباع فيها لتحنيط الموتى؛ لأن الأجسام لا يمكن أن تحفظ مدة طويلة دون تعفن؛ إلا إذا خلطت بالتوابل العطرية المستعملة لهذه المناسبة.
    وربما كان الاختلاف بين الطريقة التي ذكرها ديودور وطرق هيرودوت راجع إلى أن فن التحنيط قد تطور في الأربعة قرون التي تفصل بين هذين المؤرخين.
    وبعض الجثث لم تنزع منها الأحشاء مثل مومياء "عاشيت" من الدولة الوسطى، أما الأحشاء التي تنزع؛ فكانت تعالج بمخلوط من الرمل والقار وتدفن في صندوق خاص قد يكون مقسمًا إلى أربعة أقسام ثم أصبحت توضع في أربعة أواني إلى جوار الجثة، وهذه الأواني تعرف باسم أواني الأحشاء.
    وأحدها كانت توضع به الأمعاء الغليظة والمعدة والثاني توضع به



    الأمعاء الدقيقة والثالث توضع به الرئتان والرابع يوضع به الكبد، وأغطية هذه الأواني على هيئة أحد أبناء حورس الأربعة التي كانت تعتبر حامية للأحشاء.
    والظاهر أن التحنيط اكتشف مصادفة حينما تبين المصري أن بعض الأجساد التي دفنت في تربة ملحية كانت تحفظ من التعفن، ويذكر هيرودوت أن الأثيوبيين كانوا يجففون الأجسام لتحنيطها ويدلكونها بالحصى ثم يضعونها في أوعية شفافة.
    هذا وقد كانت عملية التحنيط تجريها فئة خاصة يبدو أنها كانت فئة غير محبوبة.











    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty القضاء

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:07

    القضاء
    كان الوزير في أقدم العصور على رأس القضاء بحكم وظيفته كبيرًا للقضاة، ومنذ عهد الأسرة الخامسة؛ أصبحت هذه الوظيفة وراثية في أسرة نبيلة، وقد وجدت في الوجه القبلي ست محاكم كبيرة يحتمل أن كلًا منها كانت تختص بقسم من أقسام ستة رئيسية يرجح أن العرف جرى على تقسيم الوجه القبلي إليها في بعض الشئون العامة، وكان كل من عظماء الوجة القبلي العشرة يعتبر مستشارًا في إحدى هذه المحاكم، أما رئيس هؤلاء العظماء فكان يعتبر مستشارًا فيها جميعًا، وبالطبع كان لكل محكمة قضاتها، وإلى جانب هؤلاء كان هناك قضاة لا ينتمون إلى أي محكمة، وهؤلاء كانوا يعملون كمساعدين لكبير القضاة عندما تعقد جلسات ذات سرية أو ذات أهمية خاصة، ومثل هؤلاء القاضي الذي كان
    يلقب بلقب "فم نخن" ولما كانت الإلهة "ماعت" تعد إلهة للعدالة؛ فإن القضاة كانوا يعدون من كهنتها.
    ويبدو أن هذا النظام قد تعرض للتبديل؛ ففي عصر الدولة الوسطى؛ تغير تشكيل هذه المحاكم وأصبح منصب كبير القضاة -وإن ظل مرتبطًا بمنصب الوزير- لقبًا تقليديًّا، ولم تعد له نفس الاختصاصات السابقة كما أن لقب "فم نخن" أصبح هو الآخر لقبًا شرفيًّا يمنح لبعض أمراء الأقاليم، أما في الدولة الحديثة؛ فإن ما ورد من إشارات يدل على أن أعضاء المحاكم كانوا عرضة للتغيير والتنقلات، وكانوا عادة من الموظفين والكهنة الضالعين في القانون؛ غير أن كاتب المحكمة كان غالبًا ثابتًا في وظيفته، ولهذا الأمر أهميته بالطبع؛ لأنه كان يكلف بحفظ محاضر الجلسات باعتبارها الوثائق الحاسمة في المحاكمات.
    ولم تصل إلينا القوانين التي كانت المحاكم تسترشد بها؛ ولكن هناك ما يشير إلى وجود مجموعة للقوانين الرسمية كانت مدونة على ملفات من الرق وجدت ضمن مناظر المحكمة التي كانت تعقد في قاعة الوزير "رخ مي رع" "من عهد الأسرة الثامنة عشرة كما تظهرها نقوش مقبرته في البر الغربي للأقصر، ومعظم هذه القوانين ترجع في أصولها إلى عصور سحيقة؛ إلا أن الحاجة كانت تدعو بعض الملوك إلى سنِّ المزيد من سن القوانين كما حدث في عهد سنوسرت الأول "الأسرة الثانية عشر" وحور محب "مستهل الأسرة التاسعة عشر".
    وكانت ظروف بعض القضايا توجب الخروج على الإجراءات القضائية المعتادة فمن ذلك القضية التي اتهمت فيها زوجة الملك بيبي الأول حيث جرت



    المحاكمة فيها بسرية ولم يشترك فيها سوى عدد محدود من القضاة وعلى رأسهم أوني الذي كان مقربًا للملك، كما أن قضية المؤامرة التي دبرت لاغتيال رمسيس الثالث لم تنظر أمام محكمة عادية؛ بل شكلت لها هيئة محاكمة خاصة منحت سلطات مطلقة وقد جرت المحاكمة في سرية وسرعة؛ إذ إن غالبية المشتركين في المؤامرة كانوا من حريم الملك ومن كبار موظفي البلاط والضباط.
    وكانت الدعاوي المدنية تقدم أمام المحاكم الدائمة وكان على الشاكي أن يثبت حقه بما لدية من وثائق رسمية أو شهادة الشهود أو بهما معًا، وكان على المدعى عليه أن يقسم بأن ينفذ قرار المحكمة، كما كان على الشهود أن يقسموا على قول الصدق.
    أما أهم الوثائق التي كان يعتد بها في الوصايا التي يوصي فيها السلف إلى المدعي بما يدعي ملكيته، وقوائم الضرائب الرسمية التي تثبت حقه فيما يدعي أنه حقه، وعقود الشراء إلى جانب الوثائق التي تنص على الهبات والأوقاف والإعفاء من الضرائب وغيرها.







    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty العسكرية

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:08

    العسكرية
    لم يكن في مصر في أقدم عصورها جيشًا موحدًا؛ بل لكل مقاطعة قوتها العسكرية الخاصة ولكل من المعابد الكبيرة ولإدارة بيت المال فرقها الخاصة، وهذه كلها كانت تجمع عند الحاجة كما حدث عندما هاجم الآسيويون مصر في عهد الأسرة السادسة، -وقد ظل الحال كذلك إلى عهد الدولة الوسطى حيث ظل كل أمير يحتفظ في إقليمه بجيشه الصغير الخاص به. ولم يكن هذا الجيش يستخدم في الحروب؛ بل كان يقوم بأعمال أخرى وقت السلم؛ فإلى جانب حماية البعثات التجارية وبعثات استغلال المناجم والمحاجر في الصحراء كان الكثيرون من الجنود يستخدمون كعمال؛ وخاصة في هذه البعثات الأخيرة لجر ونقل الأحجار، وقد تنبه ملوك الدولة الوسطى إلى أن فِرَقًا كهذه لا يمكن أن تكون لها فاعلية الجيوش الموحدة المنظمة فأنشئوا لهم حرسًا خاصًّا ثابتًا استخدموه في حروبهم، وقد عرف هذا الحرس باسم "أتباع الحاكم".
    أما في عهد الدولة الحديثة؛ فقد أخذ الطابع الحربي يسود البلاد بعد أن نجحت في طرد الهكسوس وذاقت طعم النصر في القتال وأقبل المصريون على الانخراط في سلك الجندية لما كانوا ينالونه فيها من شرف وفخار فضلًا عن المكاسب المادية التي يحصلون عليها في انتصاراتهم، وأصبح الجيش المصري ثابتًا يتألف من عدد من الفيالق أو الوحدات التي كانت على الأرجح تختلف في ملابسها وأسلحتها، ويغلب على الظن أن الجيش المصري لم يخلُ في أي وقت من المرتزقة وخاصة من النوبيين الذين استمر استخدامهم منذ أقدم العصور؛ ففي الدولة القديمة عملوا
    كحرس للجبانات والمناطق الصحراوية، وفي عهد الفوضى الأول كانوا يعملون في جيوش المقاطعات وظلوا كذلك يستخدمون في الجيش في عهد الدولة الوسطى، أما في الدولة الحديثة؛ فكانوا يؤلفون فرقًا حربية تعمل في حفظ الأمن إلى جانب بعض النواحي الإدارية الأخرى، وقد زادت العناصر الأجنبية في الجيش ابتداء من عصر الأسرة التاسعة عشر حتى أصبحوا في العصر المتأخر يشكلون غالبية الجيش المصري، وكان يرأسهم رؤساء من بني جلدتهم. ومما يلاحظ في هذا الصدد أن جماعات الشردان والليبين أخذت تسود في أواخر عصر الدولة الحديثة بينما أفسحت مكانها في عصر النهضة "الأسرة 26" وما بعدها للعناصر اليونانية.
    وكما تطور الجيش في تكوينه تطورت كذلك الأسلحة التي استخدمها؛ ففي فجر التاريخ كان السلاح الشائع الاستعمال هو الهراوة "دبوس القتال" ذات الرأس الحجري التي ظلت تبين في النقوش حتى أواخر العصور الفرعونية كسلاح تقليدي يستخدمه الفرعون في تحطيم رءوس أعدائه. وفي عصر الدولة القديمة كان الجنود يسلحون بفئوس للقتال وبالقسي والسهام. وفي عهد الفوضى الأولى ظل استخدام القسي والسهام إلى جانب استخدام الحراب الطويلة والتروس في حالة الالتحام عن قرب، ولم يزد تسليح الجنود في عهد الدولة الوسطى عن ذلك كثيرًا؛ غير أن بعض الجنود كانوا يكتفون بالتسلح بمجرد مقلاع فقط. ومن المحتمل أن الخنجر استعمل في مختلف العصور؛ ولكنه لم يمثل مع الجنود في صورهم إلا نادرًا. وقد تغير شكل الفأس النحاسية في الدولة الوسطى حتى أصبحت تبدو كأنها السلاح الذي تطور إلى السيف المنحني



    الذي كان يحمله ملوك الدولة الحديثة، وهو على شكل المنجل.
    وفي عهد الدولة الحديثة كان الجنود يتسلحون بالحراب مع الخناجر أو السيوف التي على شكل المنجل وترس ثقيل، وقد يتسلح بعضهم بحربة خفيفة وترس أو رماح طويلة وسيوف أو القسي والسهام، وكان بعض الجنود يلبسون الدرع "قميص الحرب" هذا إلى جانب استحداث العجلات الحربية كأداة فعالة في الحروب منذ طرد الهكسوس من مصر، وهذه كان يركب فيها عادة محاربان أحدهما لقيادة الخيل والآخر يرمي بالسهام من قوسه أو يقذف بمزارق كانت توضع في جعبتين عند حافة المركبة في متناول يده، وقد أصبح هؤلاء الفرسان يشكلون قسمًا مهمًّا في الجيش المصري.
    وفي بلد كمصر عرضة للإغارة عليها من بدو الصحاري المتاخمة ومن النوبيين في الجنوب كان لا بد من وجود عدد من الحصون والثكنات عند المناطق الخطر، وتدل البقايا الأثرية على وجود مثل هذه الحصون عند الحدود الجنوبية في عهد الدولة القديمة، وفي عهد الدولة الوسطى وجدت حصون على حدود الدلتا الشرقية وفي جنوب مصر كما بنيت سلسلة من القلاع في النوبة السفلى للسيطرة عليها وحماية الممتلكات المصرية بها؛ أما في عهد الدولة الحديثة فلم تكن الحاجة تدعو في أول الأمر لإنشاء مثل هذه الحصون وربما استعاضوا عنها بإنشاء مدن عسكرية في الدلتا.
    ويبدو أن المصريين لخبرتهم بمثل هذه التحصينات قد اكتسبوا مهارة في طرق حصارها وتحطيمها منذ عصر الدولة القديمة على الأقل حيث يبدو ذلك واضحًا من منظر يمثل اغتصابهم لحصن آسيوي بالمراقي وقضبان الهدم
    جاء في نقش بإحدى مقابر دشاشة1، وفي إحدى مقابر بني حسن مناظر حصار أحد الحصون؛ حيث يتقدم إليه المهاجمون تحت مظلة واقية وهم يدفعون في جداره قضيبًا طويلًا للهدم ويرمون المدافعين عنه بوابل من السهام2.
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الحياة الاقتصادية:

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:11

    الحياة الاقتصادية:
    الزراعة وتربية الحيوان:
    لا بد عند الكلام عن الزراعة أن نتخيل البيئة المصرية في بداية العصور الفرعونية؛ فالمعروف أن النهر كان متسع المجرى قليل الغور؛ لأنه لم يكن قد عمق هذا المجرى تمامًا فكانت مياه الفيضان تغمر الجانبين إلى مسافات بعيدة ونتج عن ذلك أن المستنقعات والغابات كانت شائعة وخاصة في الدلتا؛ أي: أن هذه البيئة المصرية كانت في أول الأمر بيئة صياد بطبيعتها، ثم عرف الإنسان استئناس الحيوان، وحينما تعددت مطالبه وعجز عن الاكتفاء بهاتين الحرفتين وتوصل إلى الزراعة بدأ حياة الاستقرار فأخذ يقتلع الغابات ويزرع مكانها، وقد أدى ذلك إلى الإفادة من مياه النيل وأخذ ينظم جهوده المشتركة ليستطيع التغلب على مياه النهر والتحكم فيها لفائدته؛ ولذا كان النيل من أهم البواعث التي أدت إلى ظهور المجتمعات المنظمة، وكان ظهور المجتمعات الصغيرة إلى جوار بعض سببًا في اشتداد المنافسة بينها ومجالًا لنشأة الصراع في سبيل فرض النفوذ ونشر



    السلطان فكان الإقليم الأقوى يحاول بسط سيادته على الأقاليم المجاورة.
    ولا يكاد يوجد في العالم نهر اعتمد سكان واديه عليه في حياتهم مثل اعتماد المصري على نهر النيل، بل وإلى هذا النهر يرجع الفضل في وجود الإنسان في هذه البقعة من العالم، وعلى ذلك ليس من المستغرب أن اعتبره المصريون إلهًا وتخيلوه في هيئة إنسان عظيم الثديين كبير البطن ممتلئ الجسم كناية عن الخير والبركة ويقوم بحزم وربط رمزي الوجه القبلي والوجه البحري "" وكثيرًا ما وجد مع غيره
    من الآلهة مثل أوزوريس، كما أطلق على هذا الإله الموحد اسم أوزر- أبيس في العصر اليوناني.
    وقد يصبح النيل خطيرًا أحيانًا، ولا يتمثل هذا الخطر في شدة الفيضان فقط؛ وإنما يتمثل أيضًا في قلة ما يجيء به من مياه في بعض السنوات؛ مما يؤدي إلى هلاك الزرع وانتشار المجاعات، وإذا ما انخفض منسوب المياه؛ فإن الفلاح يلجأ إلى وسائل تعينه على رفع الماء إلى حقله، وقد توصل إلى هذه الوسائل منذ أقدم العصور وظل يستعملها حتى يومنا هذا، ومن أهم هذه الوسائل: الشادوف؛ كذلك ما زال الفلاح يمهد أرضه بالمحراث أو الفأس لإعدادها للزراعة.
    وكان الجو المصري يساعد على أعمال الزراعة المختلفة؛ فالجو صحو في معظم أيام السنة وأتاح ذلك للمصري أن يؤدي أعماله بنظام ونشاط، وكان المحراث الذي استعمله المصري القديم عبارة عن سكين خشبي تثبت إليها يدان أو مقبضان وعريش طويل ينتهي بنير "ناف" وكانت الثيران هي التي تجر المحراث في الدولة القديمة أما في الدولة الحديثة؛ فقد استعملت البغال أيضًا.
    وطريقة بذر البذور هي نفسها التي ما زالت مستعملة حتى اليوم إذ يمسك الفلاح بسلة مصنوعة من البوص أو القش أو البردي ويلقي بيده البذور ثم يسير الخراف في الحقل لتغرز هذه البذور في التربة، وقد تمرر الخراف عدة مرات مرات لكي يضمن الفلاح تغريز معظم الحبوب.
    أما الحصاد فكان يتم بمنجل قصير ويستعين الفلاح على العمل في الحقل بعازف للناي أو أحد المنشدين الذي يشجي العمال بألحانه، وكثيرًا


    ما نرى في النقوش مناظر الحقول أثناء فترة الحصاد وفيها نشاهد مناظر تمثل العمال أحيانًا في راحتهم يتناولون طعامهم بالقرب من مكان جمع المحصول؛ حيث نرى حزم النبات مكومة في قطعة أرض فضاء في أحد أركان الحقل أو بالقرب منه، ثم تنقل هذه الحزم إلى مكان الدرس، وكان الحمار هو المستعمل في النقل أما الدَّرْسُ؛ فكان يتم بواسطة إمرار الحيوانات ذوات الحوافر على تلك الحزم مثل الحمير والثيران، ثم أصبح الأمر قاصرًا على استعمال الثيران فقط.
    وكانت التذرية بمذراة ذات ثلاث أسنان أو كانت الحبوب وما يختلط بها ترفع على لوحات خشب قليلة النقوش "شكل 17" وهذه الطريقة الأخيرة كانت تستعملها نساء معصوبات الرءوس، وربما كان الغرض من ذلك حفظ شعورهن من الأتربة المتصاعدة عن هذه العملية؛ إذ كانت الحبوب ترفع على اللوحات الخشبية إلى أعلى ثم تترك لتسقط فتهبط الحبوب في مكانها بينما تتطاير الأتربة والقش بعيدًا في الهواء



    وتقدم من باكورة الحصاد قرابين مختلفة كما أن صاحب المزرعة كان يأخذ شيئًا من هذا المحصول المبكر، أي تقدم له؛ كذلك باكورة الحصاد الجديد لتجربتها والاطمئنان على نوع المحصول، وكثيرًا ما نجد في مناظر الدولة القديمة منظرًا يمثل المذبح المعد لتقديم القرابين بين أكوام القمح، وكانت إلهة الحصاد التي تقدم لها القرابين عادة هي "رننوت".
    أما حفظ المحصول؛ فكان يتم بعد أن يقوم كاتب الصوامع والكيال بعملها حيث كان الكيال يكيل المحصول؛ بينما الكاتب يسجل عدد الكيل، وبعد ذلك كان ينقل إلى أهرام كبيرة لحفظه، وكانت الصوامع على أنواع: فبعضها من الفخار وبعضها من الخشب وبعضها كبير إلى درجة أنه كان يكفي لاستعمال مدينة أو قرية بأكملها، وهي عمومًا ذات شكل مخروطي وبها فتحة في القمة وباب من أسفل، وكان التخزين يتم عن طريق الفتحة العليا، أما الاستهلاك؛ فكان عن طريق الباب السفلي.
    وقد عرف المصري من الحبوب القمح ونوعًا من الشوفان، وكان كل منها يختلف في نوعه في مصر العليا عنه في مصر السفلى، وهناك بعض أنواع الحبوب لم يمكن تحديدها؛ فمثلًا كان هناك نوع اسمه "سخت"، كذلك كان من الحبوب ما هو أبيض ومنها ما هو أخضر، وربما كان هذا الأخير نوعًا من البازلاء. أو ما شابهها من البقول، أما الخَضْرَاوَات فكانت متعددة.
    وكان المصري يحب حيواناته الأليفة ويتعلق بها وخاصة تلك التي تساعده في أعماله، واشتدت عنايته بالأنواع الحسنة من الثيران فكان يتفنن



    في تزيينها بأغطية جميلة وجلاجل، وقد وصل به الأمر إلى تقديس الثور والبقرة، وكذلك قدس الكبش. وقد نقش كثيرًا من المناظر التي تمثل تلك الحيوانات، ومن بينها مناظر تمثل قيام الثيران بالعمل في الحقول، كما أحب مناظر مناطحة الثيران وغيرها.
    وكانت ثروة المصري من الثيران ضخمة وهي تنقسم عمومًا من ناحية خصائصها الحيوانية إلى ثلاثة أنواع: الأول ذو قرون طويلة تشبه القيثارة أو هلالية الشكل، والثاني قصير القرون، والثالث بدون قرون. وكثيرًا ما كان يتحكم في شكل قرون ثيرانه بأن يجعلها تنمو في اتجاهات خاصة، وما زالت هذه العادة معروفة في أواسط أفريقيا، وتتبين العناية بغذاء الحيوان من كثير من المناظر ومن بعض مخلفات الأدب المصري.
    كذلك كان يعنى بتربية السلالات الأصيلة والإكثار منها، وعند جمع الجزية من بلاد النوبة -مثلًا- كانت الأصناف الممتازة من هذا الحيوان تزين وترسل إلى بيت الملك، أما الحيوانات الأخرى في الجزية فكان الموظفون المصريون في تلك البلاد يحتفظون بها للاستهلاك المحلي. وكان غذاء التسمين المفضل عبارة عن عجين الخبز يصنع في خيوط ويطعم للحيوان، وكانت عملية حلب البقر من الأمور الصعبة؛ فلم تقم بها النساء بل كان يقوم بها الرجال.
    وكان الرعاة خشنو المظهر يظهرون وكأنهم أنصاف متوحشين لبعدهم عن المدينة، وكانوا يمثلون عراة أو بنقبة غريبة الشكل من النوع القديم المصنوع من القش المضغوط، وكانوا معروفين بالمهارة في أعمال خاصة بالفلاحة ومتعلقة بها مثل: صنع القوارب والحصر من الخوص وصيد



    الطيور والأسماك، ولم يكن متاع الراعي ليتعدى قدر كبير من الفخار وسلة تحوي أواني صغيرة وبضع حصر من البردي يصنعها بيده وهي في نفس الوقت الغطاء الذي يلتحف به ليقيه الرياح العاتية والجو البارد. وكانوا ينتقلون بالقطعان من مكان إلى آخر في مهارة غريبة؛ وكثيرًا ما كانوا يلجئون إلى حمل الحيوان الرضيع فتتبعه الأم ويتبع هذه بقية القطيع، وكان أصحاب الضياع يمتلكون قطعانًا كبيرة؛ ولكنهم لم يفخروا إلا بالحيوانات الكبيرة فقط. ولم يعنوا كثيرًا بغيرها كالماعز والحمير والخراف، ولا تجد في نقوش العصور القديمة مناظر تمثل قطعان الخنازير ولم تذكر هذه الحيوانات في النصوص إلا نادرًا ولا نعرف هل كان هذا الحيوان كثير الوجود في مصر أم لا؟ ولا ندري هل وجد منذ أقدم العصور أو أن وجوده لم يتعدَ الأنواع البرية منه فقط.
    وإلى جانب الحيوانات المستأنسة كانت تكثر بمصر الحيوانات البرية مثل: الظباء والتباتل والوعول والغزلان، وكان الظبي السمين يعتبر من الأطعمة الشهية ويمثل كقربان دائمًا؛ أما الطيور فكانت عديدة ولكن لم تعرف الدواجن، وقد احترف صيد الطيور صيادون مهرة وكانوا يسمنونها بخيوط العجين مثل الماشية إلى جانب بعض الحبوب التي تنثر لها.
    وللتمييز بين حيوانات القطعان المختلفة كثيرًا ما كان يعمد أصحابها إلى وشمها بعلامات مميزة، وكانت الحيوانات تحفظ في حظائر نظيفة، وقد وجدت آثار للأحجار المثقوبة التي كانت تربط إليها هذه الحيوانات، ويستدل منها على أن الحيوانات كانت تربط في الحظيرة في صفين متقابلين



    بحيث تكون رءوسها إلى الخارج مواجهة للجدار؛ بينما تكون مؤخرة كل حيوان أمام مؤخرة الحيوان المقابل له.
    وكان للأوز مكانه خاصة واعتبر حيوانًا مدللا في كثير من الأحيان؛ حتى إن زوجة أحد موظفي معبد آمون اتخذت أوزة كحيوان مدلل تتبعها أينما ذهبت.
    ورغم ما كان يبذله الفلاح من جهد، ورغم أنه كان عماد الثروة في مصر القديمة؛ إلا أنه كان يعتبر مخلوقًا بائسًا يستحق الرحمة والرثاء، ويبين لنا خطاب أحد الكتاب لتلميذه مقدار ما كان يعانيه الفلاح من مرارة العيش؛ فقد جاء فيه أن المحصول كانت تأكله الدود، وإذا ما وضع في الأَجْرَانِ؛ فإن الفئران والعصافير تأتي على معظمه وعند تسليم المحصول لا يجد الفلاح لديه ما يكفي لما هو مطلوب منه فيضرب ويعذب.
    الصناعة:
    كان الاعتقاد السائد عند المصري المثقف بأن الصانع كالفلاح كلاهما مخلوق بائس وأن حالة الصناع تدعو إلى السخرية؛ فمن ذلك قول أحد شعراء الدولة الوسطى عن صناع المعادن بأن الحداد لا يوفد كسفير لبلاده ولا يؤدي الصانع رسالة؛ كذلك وصف الحداد بأنه يقف بجانب موقده وأصابعه مثل جلد التمساح ورائحته أنتن من بيض السمك، أما النجار فهو مرهق في عمله دائم العناء؛ ولكن هذه النظرة لا يمكن أن تكون عادلة؛ لأن الصناع المصريين أخرجوا من آيات صناعاتهم ما لا يمكن أن ينتجه إلا كل شغوف بعمله أي أن إنتاجهم لم يكن مفروضًا عليهم في جميع الحالات وإن كانت بعض التقاليد
    قد حتمت عليه قواعد خاصة؛ إلا أن التفاوت في الإتقان ووجود بعض النماذج التي يعجز عنها الصانع الحديث بإمكانياته الضخمة يجعلنا نعتقد أن الصانع المصري كان يؤدي عمله برغبة واهتمام، وكثيرًا ما كانت له فرصة للحرية في اختيار بعض النماذج وابتكار ما يراه مناسبًا عند إخراج قطعة فنية.
    أما المواد الخام التي كان يتناولها الصانع في صناعته؛ فكانت مما تنتجه البيئة المحلية أو مما يستورده من البيئات المجاورة، وكانت العلاقاتُ بين وادي النيل الأدنى ووادي النيل الأعلى -أي بين مصر والسودان- وبين وادي النيل وآسيا الغربية نشيطةً منذ فجر التاريخ، وقد تمثل التبادل التجاري بينها أو ما يدل على هذا التبادل في مقابر عصر ما قبل الأُسَرِ إذ وجد بها العاج وبعض المنتجات الصناعية التي تماثل ما وجد في جنوب غربي آسيا، ورغم أن الفيل كان يعيش في غربي آسيا، كما كان يعيش على حدود الصحراء الغربية لمصر نفسها؛ فإن من المسلم به أن العاج كان يأتي من النوبة؛ وإن كان من الممكن الحصول عليه من هذه المصادر الثلاثة جميعًا أي أن التبادل التجاري بين مصر وجيرانها في عصور ما قبل الأُسَرِ لا يمكن إنكاره.
    وإذا ما تأملنا البيئة المصرية نجد أن أهم المواد الخام فيها هي:


    1- البردي
    كان هذا النبات يمثل عنصرًا مهمًّا للغاية إذ إنه دخل في صناعات كثيرة، وأول ما تبادر إلى الذهن في هذا الشأن أن سيقان البردي استخدمت في بناء الأكواخ وعمل القوارب "شكل 18" والحصر والسلال والحبال ثم النعال،كذلك كانت سيقان البردي تجمع في حزم لتقوم مقام الأعمدة عند تسقيف المنازل أو عند رفع تعريشاتها الخفيفة
    زورق من البردي يجلس به صائد بالشص
    أو لتقويه الجدران، وكان من أثر استخدام البردي في المباني القديمة أن ظل المصري يمثل سيقانه في المباني الحجرية حتى نهاية العصور الفرعونية، كذلك مثلت زهوره أيضًا في العمارة المصرية، ومما يدل على أثر هذا النبات في حياة المصري أن زهرة البردي كانت تعتبر رمزًا للوجه البحري، بينما كانت زهرة اللوتس ترمز للوجه القبلي، ثم استخدم البردي كذلك في عمل صحف الكتابة وبالطبع كانت الكلمة اليونانية "Papyrus" الدالة على هذا النبات هي الكلمة التي اشتقت منها الكلمة الدالة على الورق أو الصحف في معظم اللغات الحديثة حيث تسمى بالإنجليزية "Paper" وبالفرنسية "Papier"... إلخ. وكانت طريقة عمل الصحف منه تتلخص في قطع سيقان البردي إلى شرائح تلصق بعضها إلى جوار بعض طولا وعرضًا وتطرق بشدة ثم تجفف ويقوى طرفها وإذا ما أريد عمل قرطاس للكتابة فإن طرفي هذا القرطاس يقويان، وكان القرطاس لايستعمل مرة واحدة فقط بل كان من الجائز استعماله عدة مرات بعد أن تمحى الكتابة السابقة منه في كل مرة، وكان البردي سلعة رئيسية في الصادرات المصرية في العهد اليوناني الروماني.

    2- الكتان:
    وهو يلي البردي في الأهمية وقد وجد في مصر منذ أقدم العصور بالنسبة لكثرة وجود المستنقعات بها. وجادت زراعته لوفرة المياه، وقد استعمل في أنواع مختلفة من النسيج منها: الخشن والرقيق والشفاف حيث نهضت صناعة الغزل والنسيج منذ أقدم العصور، وكان يحترفها الرجال في معظم الأحوال، وكانت الأنوال المستعملة تتطور بتطور الزمن: ففي الدولة الوسطى كانت ساذجة والعمل عليها مرهقًا لأنها كانت تحتم على النَّساج الجلوس في هيئة القرفصاء، أما في الدولة الحديثة فكانت الأنوال من النوع المركب التي أباحت شيئًا من الراحة للصانع الذي يقوم بالعمل عليها، وقد أشرنا فيما سبق إلى دهشة هيرودوت حينما وجد أن النساج المصري كان يدفع بلحمة النسيج إلى الاتجاه المضاد للاتجاه المستعمل في النسيج عند الشعوب الأخرى.
    وكانت الطريقة التي يتبعها المصري في صناعة الكتان تبدأ بجمع سيقان هذا النبات ثم تمشيطها بعد التجفيف ثم تغلى السيقان لِيَلِينَ لحاؤها وتطرق بعد ذلك لإزالة هذا اللحاء وبعدئذٍ تندى الألياف بالماء ثم تفتل بمغزل، وقد اشتهرت الغزالات في الدولة الوسطى بالبراعة، وكان فتل الحبال من الصناعات المشهورة التي لقيت رواجًا كبيرًا، وبعد غزل الكتان كان تؤخذ خيوطه للأنوال لنسجه حسب الطلب.
    3- الجلود:
    استخدمت الجلود في الصناعة منذ أقدم العصور وكانت الجلود المستعملة لاينزع عنها شعرها الجميل مثل جلود الفهود أو الحيوانات التي كان جلدها أقرب إلى الفراء واستخدمت هذه الجلود في عمل الملابس وظل استعمالها تقليديًّا بالنسبة لجلد الفهد، إذ ظل مستعملا
    كزي للكهنة في كل العصور الفرعونية تقريبًا، كذلك استخدم الجلد في الصناعات المختلفة مثل: صناعة التروس والجعاب وعلب المرايا وفي صناعة أغطية الرأس وفي النعال والأحزمة، وقد ظلت النقبة المصنوعة من الجلد لباسًا للصيادين والرعاة، والجلد كمادة خام كان له تقديره الخاص في نظر المصري فاستخدم في الكتابة ليدل على مدلولات خاصة: فالرمز الذي يصور عنزة بدون رأس أو جلد الحيوان بأكمله استعمل في كلمات كثيرة وبمعانٍ مختلفة، كما استخدم الرمز الدال على جزء من جلد الحيوان كمخصص في كثير من الحالات وقد استعمل الرِّق الأبيض في ملفات الكتابة كذلك.


    4- الأخشاب:
    لم تعرف مصر الأنواع الجيدة من الأخشاب حتى إن بعض الأنواع المتوسطة كان يحافظ عليها بشدة، ولعل هذا قد انتقل إلى المعاصرين في الوقت الحاضر إذ كثيرًا ما نجد أن الفلاح يتشاءم من قطع بعض الأشجار مثل التوت و الجميز. وأهم الأنواع التي كانت شائعة في مصر هي الجميز والنخيل والدوم والأثل والسنط وكلها أنواع جيدة، أما الأخشاب الجيدة فكانت تستورد من الخارج مثل الأرز الذي كان يجلب من لبنان، وكثيرًا ما كان المصري يلجأ إلى محاكاة الخشب الثمين بتغطية الأخشاب المحلية بطبقة من الألوان أو بطبقة من الجص الملون.
    وكان النجار وهو من أهم الصناع في مصر يستعمل أدوات بسيطة من النُّحاس أو البرنز يستعين في تثبيت أجزائها بسيور من الجلد، وبهذه الآلات -رغم بساطتها- أمكن للنجار أن ينتج كثيرًا من روائع فنه وصناعاته الدقيقة
    والضخمة فقد تمكن من عمل المراكب والمركبات وأجزاء المنازل والأثاث والأسلحة والتوابيت وغيرها.
    وبالطبع لم يكن في استطاعة المصري الحصول على ألواح كبيرة عظيمة الطول سواء من بيئته المحلية أو من الأخشاب المستوردة فكان يتحايل على ذلك بلصق الألواح الصغيرة جنبًا إلى جنب، وكثيرًا ما كان يزخرف صناعته فيحفر الخشب ويطعمه بالعاج أو بالأبنوس أو أن يملأ الحفر بمادة ملونة. وإذا ما تأملنا المراكب المصرية فإننا نجد أنها تتقوس من الطرفين وقد توصل المصري إلى تقويس الخشب بطريقة بسيطة للغاية تتلخص في أنه كان يضع عامودًا أُسطوانيًّا في وسط القارب ينتهي من أعلى بفرعين يثبت بينهما حبل ويوصل طرف كل فرع بطرف القارب المقابل له ثم توضع عصا في الحبل الموصل بين الطرفين وبإدارة العصا تضيق المسافة بين الفرعين وبالتالي يشد طرفاهما طرفي القارب نحو الداخل
    وكان العاج والآبنوس من المواد التي كثر استخدامها في صناعة الأثاث ولكنهما كانا يعتبران من المواد الثمينة وفي العصور المتأخرة وخاصة في العصر اليوناني الروماني كان نوع من الكارتون يستخدم في صناعة الأقنعة التي كانت توضع على وجه المومياء وتزود بعيون صناعية من الأحجار
    الثمينة فكانت تحاكي وجه الميت تمامًا، بعد أن كانت هذه الأقنعة تصنع أولا من قطع الكتان وتلصق بعضها فوق بعض ثم تغطى هذه بطبقة من الجص.
    5- الفخار:
    عرفت خامات الفخار في مصر منذ أقدم العصور وكان لهذه الصناعات أثر بالغ في الحضارة المصرية إذ إن حياة الاستقرار تطلبت أن يقوم الإنسان بحفظ حاجياته، وكان المصري محظوظًا في بيئته لأن النيل كان يجلب الطمي في كل عام، فصنع منه الأواني اللازمة لحفظ أطعمته، ولا بد أنه في أول الأمر كان يصنع تلك الأواني من الطمي دون حرقه، أي أنه لم يعرف الفخار دفعة واحدة، وربما كان الجفاف الذي تتعرض له تلك الأواني سببا في معرفة المصري بأنها تزداد صلابة وتماسكًا كلما تعرضت لارتفاع درجة الحرارة، إلى أن توصل إلى أن الحَرْقَ يزيد من صلابتها وتماسكها، وما زالت صناعة الفخار حتى الآن تجد سوقًا رائجة في البلاد.
    ويبدو أن صناعة الفخار في مصر لم تتأثر بمؤثرات خارجية كثيرة في أوائل الأمر بل ولم تستخدم آلات لصناعتها إذ لم تكن هذه معروفة بعد، ومع أنها كانت تصنع باليد فإن الفخار الذي وجد من حضارة البداري وهو يمثل تلك الصناعة اليدوية يعد من أعظم الأواني التي عرفت في تاريخ مصر بأكلمه من حيث الجودة والإتقان. وبعد ذلك عرفت العجلة وكثر إنتاج الفخار فأصبح تجاريًّا وبدأ يفقد الدرجة الرفيعة التي وصل إليها من قبل في الدقة واللإتقان.
    وقد نشأت تبعًا لهذه الصناعة صناعات بسيطة فمثلا وجدت قواعد خشبية لهذه الأواني أو كانت تصنع حلقات من الفخار لترتكز عليها،



    كما أن تلوين الأواني الفخارية وزخرفتها قد أوجدت مجالا لصناعة فنية، فمن الأواني ما كان يكتفى فيها برسم خطوط محفورة تجعلها تحاكي السلال ومنها ما كان يلون بألوان تجعلها تحاكي الأواني الحجرية، ومن الأواني الفخارية كذلك ما صنع في هيئة الحيوانات أو في أشكال خيالية، كما كانت صناعة التزجيح أو القاشاني معروفة منذ فجر التاريخ، وقد نشأت هذه الصناعة في مصر ولكن لايعرف كيف توصل إليها المصري بل ولا نعرف المواد التي بدأ بها المصري هذه الصناعة، ونجد أمثلة لصناعة الزجاج نفسها في العصور التاريخية، وكان هذا الزجاج ينفخ بأنابيب من الفخار يحمي طرفَها من الاحتراق غشاءٌ من طمي النيل.

    6- صهر المعادن:
    لم يعثر على نماذج للكور في الدولة القديمة أو الوسطى ولكنه وجد في الدولة الحديثة، وقد عرف النُّحاس والبرنز منذ أقدم العصور، وكانت سيناء هي المورد الذي جاء منه النحاس الذي استخدم بكثرة منذ أقدم العصور، وكان البرونز أكثر استعمالا منه بالطبع فلصلابته استغل في صناعة كثير من الآلات، أي أن المصري عرف خلط المعادن منذ أقدم العصور وكان أغلى ما يستخدمه منها هو مزيج من الذهب والفضة بنسبه 2: 3 يعرف باسم الألكترون، وكان الذهب مستعملا في الحلي منذ الدولة القديمة وكانت قيمته كبيرة وبلغ الصانع في صناعته درجة كبيرة من المهارة، ولقيمة هؤلاء الصناع في الأوساط المصرية اعتبر المشرف على الصياغ مشرفًا على الفنانين في مصر العليا والسفلى، ولقب كذلك بأنه هو الذي يعرف الأسرار في بيوت الذهب، كذلك عرف المصري صناعة الميناء، أي خيوط الذهب المغطاة بطبقة زجاجية كما عرف التمويه بالذهب، ومع هذا كانت الفضة أغلى من الذهب وذلك لندرتها



    نسبيًّا مع أنها عرفت قبل الذهب وكان المصري يقسم الذهب إلى أنواع حسب المورد الذي يؤخذ منه: فهناك ذهب مياه وذهب جبال وذهب بلاد النوبة، وكان غسيل الذهب والعمل في المناجم من أشق الأعمال، ولذا كان الأسرى أو العبيد يقومون بها ويشرف عليهم الجنود ورؤساء البعثات، وقد لاقى المعدِّنون الكثير من الأهوال دون شك، وأخطر هذه كانت ندرة المياه في الطرق المؤدية إلى المناجم، وكثيرًا ما كانوا يستنفدون الجزء الأكبر من طاقة الحمل عند الدواب في حمل المياه اللازمة لهم، ولذلك نجد رمسيس الثاني يفتخر بأنه نجح في حفر بئر في الصحراء حيث أخفق والده سيتي الأول في مثل هذا العمل، كذلك بلغ الاهتمام بالذهب أن عملت التخطيطات والرسوم التي تبين موقع مناجمه فقد عثر على بردية من عهد سيتي الأول رسم بها تخطيط لموقع مناجم الذهب في وادي مياه، وتعد هذه أقدم خريطة في العالم.
    وقد عرف الحديد منذ العصر الباكر ولكنه لم يستعمل في الصناعة إلا في عهد الدولة الحديثة وربما كانت صعوبة الحصول عليه هي السبب التي جعلت استخدامه عسيرًا، وقد قصر استعماله على رءوس السهام وبعض أدوات القتال.
    7- الأحجار:
    كانت الأحجار التي استخدمها المصري كثيرة متعددة، ويعد الحجر الجيري الحجر الخالد في حياة المصري إذ بنيت منه المعابد والمقابر والهياكل المختلفة كما نحتت منه التماثيل وصنعت منه الأواني واللوحات وغيرها، واستخدم الصوان منذ أقدم العصور في صنع الأدوات والأسلحة، أما المرمر فقد استخدم في البناء وصناعة الأواني واستخدم الحجر


    الرملي في البناء، ولشدة صلابته استخدم كذلك في صناعة التماثيل، وكان الجرانيت من الأحجار عظيمة الأهمية لأنه كان الحجر الفخم الذي زينت به المعابد وعملت منه المسلات والتماثيل والأواني، وكثيرًا ما كان يستخدم في تكسية الجدران في المباني المهمة.
    وقد استغلت المحاجر الموجودة في أماكن متعددة من القطر مثل: طره وسلسلة وحمامات وأسوان وحتنوب، وكان نقل الأحجار من هذه المحاجر، يتطلب جهدًا وعناية فائقتين، وكان الموظفون المنوط بهم نقل هذه الأحجار يصلون إلى مراتب رفيعة ويعتبرون الإشراف على نقل الأحجار من ألقاب الشرف الكبيرة التي يعتزون بها، وكانت البعثات المكلفة بنقل الأحجار ضخمة العدد، فمثلا نعلم أن بعثة قامت لهذا الغرض في عهد رعمسيس الرابع كانت تتألف من "110" ضابطًا من مختلف الرتب و"50" من الموظفين المدنين و"130" من البنائين ومصورين و"4" نقاشين و"3" رؤساء مبانٍ ومشرف على الفنانين و "500" جندي عادي و"200" جندي من صيادي السمك للبلاط و"800" رجل من الفرق المساعدة السورية و"2000" من عبيد المعابد ويراقب سلوك هؤلاء "50" من رجال الشرطة أي أن البعثة كانت "8000" رجل، وكان الأسرى الأجانب يقومون بعملية النقل وهي عملية شاقة عسيرة وخاصة عند نقل الأحجار الضخمة، وقد وضحتها بعض النقوش وخير مثال لذلك نقش في إحدى مقابر من الدولة الوسطى يبين كيفية نقل تمثال تحوت حتب أمير البرشة "شكل 20".
    وقد تفنن المصري في صناعة الأواني من الحجر واستخدم في ذلك الأحجار الصلبة جميلة التكوينات، وكثيرًا ما كان المصري يقوم بقطع
    الأحجار الثمينة، الكريمة ونصف الكريمة، مثل الزمرد والأماتيست وغيرها من محاجر خاصة.



















    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty المواصلات والتجارة:

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:13

    المواصلات والتجارة:
    أشرنا فيما سبق إلى أن النيل هو أهم مظهر في الحياة المصرية؛ فهو الذي يسَّر الاتصال بين أجزاء البلاد المختلفة وقد استخدم المصريون للتنقل فيه زَوَارِقَ صغيرة من سيقان البردي تدفعها مرادي ذات شوكتين،
    وهذه الزوارق عبارة عن حزم من البردي شد بعضها إلى بعض توضع في وسطها كتلة من الخشب أو تفرش بالحصير؛ أما السفن الكبيرة فكانت تصنع من الخشب وتزود بمجاديف، وقد وجدت صورها منذ أقدم العصور على الأواني الفخارية وعلى جدران إحدى المقابر في هيراكونبوليس من عصر ما قبل الأُسَر، وكانت تزود بشراع مربع الشكل أو مستطيل يثبت إلى الساري بعوارض مستقيمة، وقد تقدمت صناعة السفن واختلفت أشكالها؛ ولكنها كانت على العموم تزود بقمرتين، وكان ارتفاعها في مؤخرتها كارتفاعها في مقدمتها؛ وذلك لكي يسهل تزويد من يدفعها بالمرادي بسند جيد يدفعها منه أو ليكون كدعامة لتدعيم مكان المجداف الطويل الذي يقوم مكان السكان.
    وإذا ما تأملنا خريطة القطر المصري؛ لوجدنا أن النيل يمتد من الجنوب إلى الشمال في اتجاه مستقيم، وكان المصريون يلازمون النهر، أي أنهم كانوا موزعين على جانبيه باستثناء الدلتا التي كثرت بها المستنقعات؛ فكانت الحركة في النهر من الشمال إلى الجنوب تتطلب استخدام الشراع الذي تدفعه الرياح التجارية الشمالية الشرقية السائدة؛ بينما كان تيار النهر كافيًا لدفع السفن من الجنوب إلى الشمال، وفي هذه الحالة كان من الممكن إناخة الصاري ونزع العوارض التي يثبت بها الشراع ثم يلف الشراع ويطوى.
    وفي الدولة القديمة كانت السفن تختلف في الأشكال والغرض التي تستعمل من أجله؛ فمنها: السفن العريضة وسفن تجر غيرها أو سفن يجرها غيرها، وكانت للسفن الفاخرة قمرة كبيرة لا يسمح معها بوجود الشراع؛ كذلك لم تكن سفن الشحن مزودة بقمرات إذ كان كل فراغ يستغل
    فيها للمنقولات، وكانت هناك قوارب خفيفة للشحن يديرها ملاح واحد وهي لنقل الأثقال الخفيفة، وكانت غالبًا تتبع سفينة الشريف وحاشيته كقوارب الزاد مثلًا، ومن الشائع جر السفن باللبان "الحبل" الذي كان يربط إلى قائم في مقدمة المركب، وكانت مراكب الشحن الكبيرة التي تنقل الأثقال الضخمة لا تستعمل الشراع أو المجاديف؛ بل كان يجرها الرجال أو تجرها سفن أخرى ومثل هذه السفن المعدة للنقل كانت تنقل الأحجار في كافة عصور التاريخ.
    وقد تطورت السفن في أشكالها تطورًا عظيمًا في عهد الدولتين الوسطى والحديثة وزخرفت بكثير من الزخارف وخاصة سفن الرحلات والحملات البحرية التي تميزت عن سفن النيل في بنائها؛ نظرًا لما كانت تتعرض له في أسفارها الطويلة، وقد أشارت بعض الأساطير والقصص إلى ما كان يتعرض له المسافرون في البحر من المخاطر ومن أمثلة ذلك قصة الملاح الغريق.
    أما المواصلات البرية؛ فكانت أقل شأنًا من مواصلات النهر؛ وذلك لأنها لم تكن وسيلة مجدية أو اقتصادية في نقل البضائع كبيرة الحجم والعظيمة الوزن؛ ولهذا ظلت دون تطور يذكر، وقد استخدم الأشراف في تنقلاتهم محفات هي عبارة عن مقاعد يمكن حملها والشريف جالس فيها. وكانت تزود أحيانًا بمظلة، وكثيرًا ما نجد أن المحفة كانت توضع فوق حمارين متجاورين "شكل 21"، أو يحملها بعض الرجال، وكان الحمار أحسن وسائل النقل الشعبية، ومع هذا لم يمثل المصري وهو يركب الحمار؛ ولكننا نشاهد هذا الحيوان في النقوش وهو ينقل الحاصلات الزراعية وما شابهها، ولضخامة الدور الذي يقوم به هذا الحيوان في مصر القديمة قال بعض العلماء: إن الحضارة المصرية بأكملها قامت على ظهر الحمار


    فهو الذي ساهم بجهوده في كافة الأعمال التي هيأت هذه الحضارة.
    وفي الدولة الحديثة أبطلت المحفة والحمار وإن ظلت المحفة تستخدم في الحفلات فقط أو في مناسبات خاصة، وقد استعيض عن ذلك باستخدام المركبات،
    ولم يستعمل الحصان وحده إلا في بعض الحالات الضرورية الملحة؛ لأننا لم نعثر إلا على أمثلة نادرة لنقوش تصور إنسانًا وهو يركب حصانًا، وربما كان ذلك في حالة قهرية كفرار من معركة حربية أو لمهمة سريعة كطلب نجدة أو غيرها.
    ويغلب على الظن أن عربات ضخمة تجرها الثيران كانت تستخدم لنقل الزاد والأمتعة لعمال المناجم، أما المركبات فكانت غالبًا للسفر والصيد والحرب.
    ولا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن بأن الاتصال كان ميسرًا دائمًا، ولا يصح أن نفهم بأن المصري كان كثير التنقل؛ إذ يبدو أن الرحلات كانت قاصرة على نطاق ضيق؛ فكان كل إقليم يتصل بجيرانه مباشرة ولكن إلى جانب

    ذلك كان البيت المالك يعمل على تيسير الاتصال بالأقطار المجاورة ويشجع هذا الاتصال؛ كما أن الحاجة الملحة إلى بعض المواد الخام كانت تضطر فئات خاصة من السكان إلى القيام بدور الوسيط التجاري بين البيت المالك وبين الأقطار المجاورة لمصر؛ وخاصة في الجنوب، ومن أمثلة ذلك أمراء اليفانتين الذين قاموا برحلات محفوفة بالمخاطر لكي يتبادلوا التجارة مع أهل البلاد الجنوبية، وليحصلوا للفراعنة على الحاصلات التي يرغبونها ويقدرونها، وكان من أثر هذا أن عظُم شأن هؤلاء الأمراء وأصبحوا يتمتعون بنفوذ كبير؛ فلم يخضعوا إلا للملك مباشرة، وكانوا يذهبون إلى منف للاستماع إلى أوامر الملك قبل القيام بأية رحلة أي أنهم كانوا يتلقون تعليماتهم منه مباشرة؛ كذلك كان أرز لبنان من العوامل التي شجعت المصريين على المخاطرة بالذهاب إلى شرق البحر المتوسط، وقد شجع هذا على غزو تلك الأقطار في الدولة الحديثة.
    وإذا كنا قد ذكرنا بأن الاتصال لم يكن نشيطًا إلا بين الأقاليم المتجاورة وأن المصري لم يتصل بالأقطار الأجنبية إلا للحصول على سلعها المختلفة، أي أن هذا الاتصال حددته عوامل سياسية واقتصادية مختلفة؛ فإننا من جهة أخرى نرى بأن الاتصال بالرسائل والمكاتبات كان أكثر نشاطًا. ويبدو أنه لبعد المسافات وجدت طائفة من الرسل الذين كانوا في خدمة الخاصة من الشعب حيث يشير أحدهم في رده لأحد زملائه بأن غلامه لم يصل بعد، وتشير إحدى المكاتبات إلى أن الغلام اضطر لتخفيف حمله؛ فألقى ببعض الحاجيات أو تخلص منها أي أنه كان هناك اتصال ثابت مستمر ورسل منتظمون، ولا ندري هل كان هؤلاء الرسل

    موظفين، أو أن مثل هذه الوظيفة لم يكن لها وجود. وعلى أي حال إذا كانت هذه قد وجدت ضمن وظائف الدولة؛ فإن ذلك لم يحدث إلا في عصر متأخر، وكان الرسل عادة يحملون بعض الهدايا والسلع الخفيفة ولما كانت البيئة المصرية تتشابه في معظم جهاتها فإن الفرصة للتبادل التجاري على نطاق واسع لم تكن ميسورة، وعلى هذا كانت التجارة الداخلية ضعيفة لتشابه الحاصلات بين إقليم وآخر وليس كما يظن بعض الأثريين أن صعوبة المواصلات هي التي حالت دون ازدياد النشاط التجاري.

    التجارة والتجار:
    أخطأ بعض الأثريين ومن بينهم إرمان "Erman" في الزعم بعدم وجود ذكر للتجار في النصوص المصرية لأننا نعلم بأن الرحالة في الدولة القديمة كانوا يذهبون إلى النوبة للتبادل التجاري ولا يغير قيامهم بهذا العمل لحساب الملك من حقيقة أنهم كانوا تجارًا؛ كذلك تشير قصة الملاح الغريق إلى أنه كان هو الآخر يقوم برحلته للتجارة، وقصة الفلاح الفصيح تدل هي الأخرى على أنه كان يتاجر في بعض سلع وادي النطرون، ولا تخرج رحلة بونت التي حدثت في عهد حتشبسوت عن كونها رحلة تجارية قامت بها بعثة ملكية؛ ولكن رغم هذا لم يكن للتجار كيان واضح في النصوص المصرية.
    والغريب أن التبادل التجاري في الأسواق المحلية كان يتم عن طريق المقايضة، وقد ظهرت له صور في عهد الدولة القديمة؛ أما في الدولة الوسطى؛ فلم توجد أمثال تلك الصور، وفي الدولة الحديثة تعود صور المقايضات إلى الظهور؛ ولكنها كانت تحدث في الموانئ الكبيرة بجوار مكان رسو السفن.
    ومن الطبيعي أن المقايضة لم تحدث دون الاصطلاح على أساس وحدة للقيمة، وهذه الوحدة؛ وإن لم تكن موجودة من الناحية العملية؛ فإن الأشياء كانت تقدر بالنسبة لها من الناحية النظرية، وعلى هذا يمكن القول بأن أساس سعر المقايضة كان ثابتًا، والوحدة التي شاع استعمالها عرفت باسم "دبن" وهي تساوي "91" جرامًا من النحاس؛ فكان الثور مثلًا يقدر بنحو "120" دبنًا والحمار بنحو "40" دبنًا، أي أنه كان من الممكن مقايضة الثور نظير ثلاثة حمير.
    وكانت الحاصلات التي يرغب فيها المصري من الأقطار الأجنبية هي القردة وخشب الآبنوس والعاج وجلود الفهود وهي تأتي من النوبة، وهنا نلاحظ أن البفانتين -التي كانت تمثل إحدى مدينتي الحدود بين مصر والنوبة- كان يطلق عليها اسم: آبو، أي: العاج، أما المدينة الثانية فهي سونت أي: السوق، وهي أسوان الحالية. ومن موارد النوبة الأخرى: العبيد والذهب والحيوانات والخشب وريش النعام، وكان المصري يأتي بالنحاس من مناجم سيناء كما يجلب الأحجار من محاجر وادي حمامات والأحجار الثمينة ونصف الكريمة من الصحراء الشرقية، أما بلاد بونت؛ فكان يأتي منها البخور، ويأتي من البلاد الشمالية -مثل لبنان- بالأرز والأسلحة، وكان بدو فلسطين يجلبون الكحل والعطور إلى مصر، وكذلك الوعول، ومنذ عهد الدولة الحديثة وردت المنتجات السورية إلى مصر بكثرة كما كانت مصر ترسل الذهب إلى الملوك الموالين لها.






    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty العلوم والآداب

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:14

    العلوم والآداب
    عُرِف المصري بحبه للعلوم وتقديره لها، وكان ينظر إلى مركز العالم أو الكاتب نظرته إلى الشخص المحترم الذي يحكم بنفسه، أما من عداه من الطبقات الأخرى فكان يحكمه غيره، وربما كان هذا التقدير راجعًا إلى عظم شأن الكتاب حيث كانوا يرتفعون سريعًا ويتقلدون أعظم المناصب وأرفعها، ويقول أحد الكتاب في ذلك: إن الرجل المحظوظ هو الذي يضع العلم في قلبه، وعند مناقشته لمهنة الكتابة فضلها عن كل ما عداها من المهن، وذكر بأن الكاتب قد يصبح أميرًا حكيمًا، وكان المصري يعتقد بأن الكاتب يصل إلى الإله تحوت الذي يهبه العلم وينير له السبيل، ولذا كان الكاتب إذا ما وصل إلى مرحلة حاسمة في حياته يقوم بعمل تمثال لنفسه وهو يكتب أمام تمثال لهذا الإله.
    وإذا ما أردنا أن نتعرف السبيل الذي كان يسلكه المصري في التعلم؛ فإننا نلاحظ أن بيوت التعليم أو المدارس كانت في أول الأمر تلحق بالبلاط، وكان يتعلم فيها الأمراء والنبلاء ويندمج معهم بعض أفراد عامة الشعب أيضًا، أما في الدولة الحديثة؛ فكانت المدارس تلحق بمختلف أقسام الحكومة، وعلى ذلك كان التلاميذ في هذه الأقسام يتمثلون في طائفتين: طائفة الصبية وطائفة المرءوسين، وقد يغير التلميذ اتجاهه بعد أداء الخدمة العسكرية؛ فمثلًا كان "باك أن خنسو" رئيسًا للإسطبلات الملكية قبل أن يصبح كبيرًا للكهنة؛ أي أنه في سن الخامسة عشر أو السادسة عشر كان رئيسًا للإسطبلات ثم تحول بعد ذلك لدراسة اللاهوت.



    وكان النظام المدرسي عنيفًا قاسيًا ينتهي في منتصف النهار تقريبًا وكان من المعتاد أن تذهب الأم بطعام ولدها إلى المدرسة، وهو يتألف غالبًا من إنائين من الجعة تحضرها الأم من المنزل، ومن مبادئ التربية في ذلك العهد أن "أذني الطفل على ظهره لا يسمع إلا إذا قرع عليهما"، ومن هذه المبادئ أيضًا أن "الإنسان استطاع أن يستأنس الحيوان ويخضعه فحيوان "كاروى" الذي استقدم من النوبة تعلم فهم اللغة والأسود أمكن تعليمها وترويضها، والخيول استؤنست وذللت والصقور تعلمت؛ فلماذا لا يتعلم الكاتب الشاب بنفس هذه الطريقة؟ أي أن العنف والشدة كانا يستخدمان في التعليم. وكثيرًا ما نجد في البرديات المختلفة تكرارًا للتنبيهات التي يجب على الشباب مراعاتها في مهنته ككاتب، وفي الكراسات التي عثر عليها والتي كان يكتب فيها التلاميذ نسخت قواعد الحكمة والسلوك من نماذج قديمة وهي في صورة توجيهات من حكيم قديم أو خطابات من أستاذ إلى تلميذه.
    أما الأدوات المستعملة في الكتابة؛ فكانت عبارة عن أقلام من البوص تبرى أطرافها، وكان لا بد للكاتب من أقلام احتياطية يضعها خلف أذنه، أما الألواح فكانت عبارة عن ألواح من الخشب تغطى بطبقة رقيقة مصقولة من الجص يسهل محو الكتابة منها، ولم يستعمل البردي إلا الكتبة المتمرنين، هذا وكان الكتاب يستعملون لوحة بها قدحان صغيران للحبر الأسود والأحمر وبقية اللوحة عبارة عن صندوق أنبوبي لوضع الأقلام ويضاف إلى ذلك قدح للماء، وكان الكاتب المتدين يصب بعض هذا الماء كقربان للإله تحوت قبل البدء في الكتابة



    وكان التلاميذ يهتمون اهتمامًا بالغًا بكراساتهم، وكانت تدفن معهم، وقد احترم المصري الكتابة وقدسها واعتبرها أساس كل تعليم وثقافة وأنها من اختراع الإله تحوت الذي علمها للمصريين.
    وكانت الكتابة في بداية أمرها تصويرية بحتة؛ أي أن المصري كان يعبر عن الأشياء المرئية بصورتها؛ ولهذا كان من الصعب التعبير عن الأشياء غير المرئية أو عن الأفعال أو الحروف والظروف، ثم أمكن التعبير عن المعنى المراد برسم الرمز الذي يتفق في النطق مع المعنى المقصود مع إضافة مخصص يبين نوع المعنى المراد، وتلى ذلك تطور آخر وهو استعمال الرمز كجزء من الكلمة؛ وبذلك ظهرت الكتابة المقطعية، وهذا يدل على أن الكتابة بدأت تتخذ شكلًا يقرب الكمال؛ حيث توصلوا من هذه الخطوة إلى اختراع الهجائية، ومع ذلك لم يستعمل المصريون الهجائية وحدها؛ بل كانوا يكتبون بالرموز في كل وظائفها السابقة؛ بل وكان شكل الكتابة نفسها يختلف على حسب الحاجة وعلى حسب المادة التي كتبت عليها؛ فكانت الهيروغليفية وهي أول صورة للكتابة تكتب على جدران المعابد والمقابر وفي اللوحات أي أنها كانت كتابة زخرفية وتتفق مع طابع الفن المصري القديم الذي ظل مرتبطًا بها حتى نهاية العصور الفرعونية؛ فكانت أشكال الأشخاص والمخلوقات الأخرى يعبر عنها في النقوش والتماثيل بصورة مماثلة لما تظهر به في هذه الكتابة.
    ومنذ الدولة القديمة وجد المصري أن كتابة الهيروغليفية تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين، كما أنها تشغل حيزًا لا يستهان به فلجأ إلى استعمال كتابة مختصرة، أي أنه اختصر الرموز الهيروغليفية إلى أشكال أكثر بساطة ليوفر



    الجهد والمساحة اللازمين. واستعملت هذه الكتابة الجديدة المختصرة في كتابة الأدبيات وفي الدواوين وفي المعاملات وما أشبه ذلك، وتعرف هذه باسم الهيراطيقية، ولما تعقدت مطالب الحياة وانتشرت المعاملات التجارية وغيرها وازدهرت الحضارة وتطورت في عهد الدولة الحديثة وما بعدها؛ ظهرت كتابة أخرى مختصرة عن الهيراطيقية وهي شديدة الاختزال، استعملها العامة في معاملاتهم وكتبت بها بعض البرديات القانونية والأدبية، وهذه هي الكتابة الديموطيقية التي ظهرت على الأرجح في بداية العصر المتأخر من مصر الفرعونية، وفي نفس الوقت تقريبًا أو بعده بقليل استعمل المصري كتابة جديدة أخرى هي الكتابة القبطية؛ وربما كان ذلك للرغبة في التيسير على الجنود المرتزقة اليونانيين الذين وفدوا بكثرة على البلاد؛ فقد كتبت هذه الكتابة بحروف يونانية مع إضافة سبعة أحرف لاستكمال الهجائية اليونانية بما يفي بنطق سائر الأصوات السامية، وبالطبع يعتبر إطلاق لفظ اللغة القبطية على هذه الكتابة تجاوزًا، فهي لغة مصرية كتبت بحروف يونانية وحروف أخرى أضيفت إليها مع إدخال بعض ألفاظ قليلة من اليونانية.
    وعلى إثر ظهور الكتابة تقدمت العلوم والفنون -بالطبع- وظهرت النظريات الفلسفية العميقة في اللاهوت وفي الديانة، كما أن من المرجح أن الكتابة ساعدت أيضًا على اختراع التقويم وإن كان من المحتمل جدًّا بأن المصري قد توصل إلى تقسيم السنة إلى فصول قبل معرفته بالكتابة؛ ولكنه لم يضع الأسس الثابتة لهذا التقسيم إلا بعد أن عرفها، وكانت السنة المصرية تبدأ في التاسع عشر من شهر يوليو أي أن هذا اليوم
    كان يمثل رأس السنة بالنسبة للمصريين، وقد عرف هذا بحلول الفيضان في مثل هذا الموعد من كل عام وهو ما كان يتفق كثيرًا مع ظهور نجم الشعرى اليمانية الذي يعاود ظهوره كل "365" يومًا؛ فقسم المصري السنة إلى اثني عشر شهرًا كل منها ثلاثون يومًا، وأضاف إليها خمسة أيام أطلق عليها اسم الشهر الصغير، كما قسم السنة إلى ثلاثة فصول هي: فصل الفيضان وفصل الزرع وفصل الحصاد أو الجفاف، وقسم اليوم إلى ساعات الليل وساعات النهار، وتوصل إلى معرفة ساعات النهار بقياس الظل على أسطح مستوية أي عرف ما يشبه المزولة، كما وجدت لديه ساعات مائية لقياس الزمن في الليل غالبًا، وهذه كانت عبارة عن أواني مملوءة بالماء الذي ينظم تصريفه منها بحيث تفرغ محتويات الإناء في اثنتي عشرة ساعة؛ كذلك قسم الليل إلى اثنتي عشرة ساعة، ورصد الكواكب التي تظهر في تلك الساعات وسمى بعض النجوم بأسمائها أو على العكس سمى الساعات بأسماء النجوم التي تظهر فيها. وقد اعتقد المصري بوجود أيام سعيدة وأخرى منحوسة وأشار إلى ذلك كثيرا من النصوص، كما أنه كان يعتقد بأن من يولد في أيام معينه يصاب بأمراض معينة؛ وهكذا لجأ إلى السحر واعتقد في قوته ونفعه، وكان من أثر هذا أيضًا أن اختلط السحر بالطب؛ فلم يخل الطب من السحر في معظم الأحيان حتى أصبح في واقع الأمر مزيجًا من التعاويذ والطب العملي.
    وقد وردت لنا أسماء بعض مشاهير الأطباء؛ ولكن إذا ما تأملنا وظائف هؤلاء نجد أنهم كانوا يجمعون بين البيطريين والبشريين والسحرة في نفس الوقت، ومع كل كان الطب يسير على أساس سليم لأن المصري اهتم كل الاهتمام بتشخيص المرض حيث كان يرى أن العلاج الناجح لا يمكن وصفه إلا بمعرفة الداء تمامًا، وقد وصل إلى درجة رفيعة في علم التشريح وربما كانت معرفته للتحنيط



    السبب في نجاحه الذي أحرزه في هذا المضمار، أما العقاقير فكانت غالبيتها نباتية والقليل منها من أصل حيواني، وكثيرًا ما نجد من بين هذه العقاقير ما تعافه النفس وتشمئز منه. ولا ندري سببًا لاختيار المواد التي كانت تركب منها العقاقير وربما كان معظم هذا الاختيار مبني على أصل خرافي إذ كثيرًا ما نجد أن من بين هذه المواد ما لا يمكن أن نتخيل استعماله لبشاعته.
    أما في الرياضيات؛ فقد وصل المصري إلى نتائج عظيمة في المقاييس والمساحة والحساب وإن كان قد توصل إلى هذه النتائج بطريقة ساذجة فمثلًا في عمليات الضرب والقسمة كان يسير خطوة خطوة بطريقة بدائية؛ فمثلًا عند ضرب "5×8" يصل إلى النتيجة باحتساب تكرار العدد ثمانية من مرة واحدة إلى خمس مرات.
    أما في حالة القسمة؛ فإنه كان يتساءل عن المقدار الذي إذا ضرب في المقسوم عليه ينتج العدد المقسوم، أي أنهم يصلون إلى خارج القسمة بضرب المقسوم عليه في أعداد صغيرة محاولين الوصول إلى خارج القسمة من جمع الأرقام الصغيرة التي تقابل في المجموع العدد المقسوم.
    أما في الأدب فإن من الممكن القول بأن الكثير من أدبنا الشعبي الحديث يرجع في أصله إلى الأدب المصري القديم. وكثيرًا ما نجد أن التشابه شديد بين قصصنا الشعبي الحديث وبين القصص في الدولة الوسطى؛ فمثلًا قصة الملاح الغريق التي تذكر بأن ملاحًا كان راحلًا في بعثة تجارية، كسر قاربه وتعلق بقطعة من الخشب ووصل إلى جزيرة خالية من السكان كانت تسكنها حية ضخمة حملته إلى المكان الذي تعيش فيه، وقد ذكر بأن
    هذه الحية كانت إلهة الجزيرة وقد أخبرته بأنها هي الأخرى قد نجت وحدها من شهاب سقط على الجزيرة فأغرق كل أقاربها وإخوتها، ويسترسل في قصته فيذكر بأنه عاش فترة على هذه الجزيرة إلى أن جاء قارب حمله إلى مصر وهو محمل بهدايا كثيرة من الجزيرة، وبعد أن صعد إلى القارب الذي أخذه إلى مصر اختفت الجزيرة؛ فهذه القصة إذن تشبه إحدى قصص السندباد البحري. ومن القصص في الأدب المصري القديم ما يشير إلى سوء الحالة السياسية في بعض الأوقات أو إلى حدوث بعض أحداث تاريخية هامة مثل قصة الفلاح الفصيح التي تبين كيف أن بعض الحكام كانوا طغاة مستبدين وأن بعض الأمراء والملك نفسه كانوا يميلون إلى الأدب الجيد؛ حتى إنهم تعمدوا إهمال هذا الفلاح ليكثر من شكواه فيتمتعوا بسماع الجيد من الكلام، وبعد هذا جازاه الملك وأكرمه ورد إليه حقوقه. وتشير قصة سنوحي إلى فراره من مصر لكنها لا تبين السبب الذي من أجله ترك البلاد، إلا أنه يبدو من سياق القصة بأنه من عصر مناوئ لسنوسرت الأول حينما كان وليًّا للعهد فلما تولى هذا على العرش خشي سنوحي على نفسه وفر إلى فلسطين، ويبين ذلك مقدار ما كان يحدث في البلاط من مؤامرات ودسائس، كما أن إكرام بدو فلسطين لسنوحي يدل على أن البدو كانوا يكنون الاحترام للمصريين، وفي الدولة الحديثة نجد بعض القصص التي يظهر فيها الخيال بشكل واضح ويعكس صورة من أحداث التاريخ في العصور القديمة؛ فمثلًا قصة خوفو والساحر ددي التي تشير إلى أن ملوكًا من سلالة رع سيعتلون العرش بعد أن يحكم خوفو وولده وحفيده، وهذه القصة تدل على أن الملك قد انتقل من الأسرة الرابعة إلى ملوك الأسرة الخامسة الذين كانوا من أصل ينتمي إلى الإله رع أو من الكهنة، ومن بين القصص المشهورة



    أيضًا قصة الأمير ذو المصير المحتوم التي تذكر بأن ملكًا كان لا ينجب أبناء فطلب إلى الآلهة أن تمنحه ولدًا فاستجابت هذه لدعائه؛ ولكن كان مقدرًا لهذا الأمير أن يموت بلدغة ثعبان أو يأكله تمساح أو يقضي عليه كلب وتبين القصة كيف أنه نجا من التمساح؛ ولكن القصة مع الأسف لم تكمل فلا ندري هل لدغه ثعبان أو قضى عليه كلب، وفي قصة أخرى يتمثل إخلاص شقيق لشقيقه وإفساد زوجة الشقيق الأكبر للعلاقة بين الشقيقين؛ وهذه القصة المعروفة بقصة الأخوين وهي قصة من النوع الخرافي العميق ربما كانت قد تأثرت بقصة أوزوريس.
    ولم يتناول الأدب المصري القصص والأساطير فحسب؛ وإنما نجد فيه الكثير من المتنوعات ففيه النقد وفيه الحكم وفيه الأغاني والأناشيد الدينية وغير الدينية وأناشيد النصر والملاحم وأغاني الشراب والحب وغير ذلك.




    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : معالم حضارات الشرق الادنى 710
    عارضة الطاقة :
    معالم حضارات الشرق الادنى Left_bar_bleue90 / 10090 / 100معالم حضارات الشرق الادنى Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    معالم حضارات الشرق الادنى Empty الفنون

    مُساهمة من طرف Admin الأحد مارس 20 2011, 12:15

    الفنون
    وإذا ما تحدثنا عن الفن عند المصري القديم فإن أبرز الفنون التي أبدعها تتمثل في الرسم والنقش والتصوير والنحت. وهذه كلها خضعت لقانون الاتجاهات المستقيمة التي سبقت الإشارة إليه عند الحديث في المقدمة عن أثر البيئة المصرية.
    هذا وقد خضع الفن المصري في هذه الأمور إلى أصول وقواعد لم يحد عنها إلا قليلًا طوال عصوره الفرعونية، ومهما قيل عن اختلاف المدارس الفنية في مصر؛ فإننا نلاحظ أنها جميعا خضعت لتلك القواعد والتقاليد المرعية، ففي النقش والرسم والتصوير نجد أن صور الإنسان
    تتميز بأنها تجعل الرأس ينظر من الجانب والكتفين من الأمام أما بقية أجزاء الجسم فتنظر من الجانب كذلك "انظر أشكال الأشخاص التي وردت في هذا الكتاب".
    وفي المناظر التي تركها الفنان المصري أخطاء كثيرة يبدو أنه تعمدها محافظة منه على التقاليد الموروثة أو لغرض ديني خاص؛ إذ نجد أن الوجه وإن كان يرسم من الجانب فإن العين ترسم من الأمام؛ كذلك كان الكتفان يرسمان من الأمام بينما يرسم الصدر من الجانب، أما الأيدي فترسم بعرضها الكامل من سطحها الخارجي فتبدو في أمثلة كثيرة وكأن الكفين يمثلان كف اليد اليمنى أو اليسرى فقط. كذلك نجد أن الأقدام ترسم من الجانب بحيث يظهر إبهام أصابع القدم في كل منهما دون بقية الأصابع؛ فكأن للشخص قدمين يسريين أو يمنيين مع أن الفنان كثيرًا ما كان ينجح في بيان اختلاف الساقين. ومن القواعد التي اتبعها الفنان المصري كذلك أنه كان يرسم الشخص الذي يمد ساقه اليسرى إلى الأمام مثلًا؛ بحيث تظهر ذراعه اليسرى ممتدة كذلك، وعلى العكس إذا ما أريد تمثيل شخص مادًّا ساقه اليمنى؛ فإنه يمد الذراع اليمنى معها أيضًا انظر "شكل 11" وهذا الوضع غير الطبيعي الذي يتنافى مع الحركة الإنسانية قصد منه الفنان بالطبع أن يبرز أعضاء الجسم واضحة، وقد اعتاد المصري كذلك أن يمثل الأشخاص وهم يتجهون إلى اليمين أي أن القدم اليسرى والذراع اليسرى إلى الأمام فإذا ما اضطرته الظروف إلى رسم شخص يتجه إلى اليسار؛ فإنه يقع في بعض الارتباكات الفنية كأن يقلب جانب الإزار الذي يلبسه الشخص أو أن يجعل اليد اليمنى تقبض على العصا الطويلة بينما تقبض اليد اليسرى على العصا القصيرةكذلك كانند خروجه على الوضع التقليدي للرسم
    الفنان يحرص على إبراز الأشكال من أخص مظاهرها المميزة، وبذلك كان الشكل الواحد في الصورة يرسم بحيث يبدو وكأنه أخذ من جهات نظر مختلفة لا كما تقتضي قواعد الرسم المنظور، فرائد الفنان في هذا أن تكون الصورة واضحة تعطي فكرة تامة عن الشكل المراد رسمه، أي يرسم الشخص -كما قلنا- ورأسه من الجانب والكتفان من الأمام وهكذا، وإذا أريد رسم سمكة فإنها ترسم وكأنها واقفة على جانبها، كما أن الفنان كان يعتني بتنظيم أجزاء مناظره ومفرداتها بحيث يرى كل شكل من الأشكال وكأنه مستقل عن غيره فلا يخفي أحد تلك الأشكال شكلًا آخر أو جزءًا كبيرًا منه. وإذا ما أريد ترتيب عدد من المناظر؛ فإنها كانت تنظم في صفوف متتالية بعضها فوق بعض وتفصلها خطوط مستقيمة سميكة يمثل كل منها مستوى الأرض، ورغم أن المصري لم يتقيد في صوره ونقوشه بقواعد المنظور؛ إلا أنه بلغ الذروة في طريقته الخاصة وأن الفنان رغم إدراكه بوضع الأشياء معًا يجعل بعضها يخفي ما وراءه
    كما أن الأشياء البعيدة تبدو أصغر حجمًا؛ إلا أنه راعى في نقوشه وصوره أن يمثل الأشياء على حقيقتها وعلى أوضح ما تكون دون اعتبار لما يظهر أو يختفي منها لعين الرائي، وربما كان مرجع هذا إلى اهتمام المصري بعقيدة البعث وبأن تلك الأشياء المرسومة تتحول إلى أشياء حقيقية عند تلاوة التعاويذ أو عند البعث؛ ولذلك حتمت التقاليد أن تكون هذه الصور أقرب إلى أصلها الحقيقي؛ فإذا أراد المصري أن يرسم مثلًا مائدة قرابين وعليها بعض المأكولات؛ فإنه كان يمثل تلك المأكولات كاملة على المائدة، وإذا ما كانت مما يوضع في أواني؛ فإن الآنية كانت ترسم بحيث تظهر محتوياتها فوقها أو في داخلها دون مراعاة لعدم شفافية الإناء ودون مراعاة لقواعد الرسم؛ كذلك كان من الأصول المرعية أن يكون أهم الأشكال في المنظر أكبرها حجمًا ويتمثل هذا بصفة خاصة في رسوم الأفراد؛ إذ كان الشخص المهم يبين في حجم أكبر ممن عداه من أشخاص آخرين في نفس المنظر كصورة الملك أو النبيل مع أفراد عائلته أو بعض رجال حاشيته "شكل 23".
    وقد تنوعت موضوعات النقوش والرسوم، وتناولت أغراضًا شتى؛ فرسم المصري كل ما تمثله في حياته وكان لكل عصر طراز فني خاص رغم أن الفنانين التزموا قواعد الفن التي سبقت الإشارة إليها في كل العصور. وكانت طريقة العمل في النقش تماثل ذلك إلى حد كبير ففي الرسوم كانوا يبدءون برسم الأشكال بتفاصيلها ثم يلونونها بالألوان المختلفة ولكن النقش كان يتميز عن الرسم بمرحلة متوسطة إذ كانت الأشكال المرسومة تحفر غائرة أو بارزة قبل تلوينها أي أن النقش كان
    على نوعين، النقش البارز: وهو الذي تزال فيه الأجزاء الخلفية أو المحيطة بالرسم بحيث تبرز الأشكال عن السطح الخلفي بضعة مليمترات، والنقش الغائر: الذي كان يكتفى فيه بحفر السطح الداخلي للشكل ونحته بتفاصيله.
    ولا يختلف الغرض الذي توخاه المصري من التماثيل عن الغرض من الصور والنقوش فكلاهما كان يهدف إلى أن تنقلب هذه التماثيل وتلك الصور إلى أشكال حقيقية عند البعث، وعلى ذلك حرص الفنان على أن يجعل منها صورًا صادقة لما تمثلها؛ حتى إنه لجأ إلى توضيح عيون التماثيل والنقوش بحيث تحاكي الطبيعة، فبياض العين كان من حجر أبيض "مرو أو مرمر"والقرنية من حجر البلور الشفاف وفي وسطه تحفر
    بؤرة صغيرة تملأ بمادة سوداء لتمثيل إنسان العين ولم تختلف التماثيل عن النقوش في خضوعها لقانون الاتجاهات المستقيمة؛ أي أن التماثيل والنقوش المصرية كانت تعوزها الحركة؛ بينما كانت التماثيل اليونانية كأنها صورة أخذت من فيلم سينمائي، ورغم هذا فإن المتأمل في كلا الفنين المصري واليوناني يجد أن الأول يشعر بالوقار والعظمة والخلود، أما الثاني فيشعر الإنسان بالحياة كما هي، ويمكن تلخيص هذا في أن الفنان المصري أراد تمثيل الحياة كما ينبغي أن تكون بينما أراد الفنان اليوناني أن يصور الحياة الطبيعية كما هي.
    ولا شك أن الفنان في مصر لم يصل إلى غاية فنه دفعة واحدة أي أن صناعة التماثيل مثلًا لم تكتمل منذ بداية العصور؛ فالمحاولات الأولى تبين أن الفنان حتى عصر الأسرة الأولى لم يستطع أن يصور إنسانًا خاصًّا؛ بل صور مجرد إنسان يمكن تمييزه عن الكائنات الأخرى، وفي عصر الأسرة الثانية تقدمت صناعة التماثيل؛ ولكن إذا ما نظرنا إلى أي تمثال فإننا نجد أن المادة المصنوع منها التمثال تسترعي انتباهنا أكثر من الانتباه الذي نوجهه إلى الإنسان المصنوع له التمثال، أي أن المادة نفسها التي صنع منها التمثال كانت تتغلب على الفكرة، وفي آخر عهد هذه الأسرة قربت الفكرة أكثر من ذي قبل أي: بدأ التمثال يسترعي انتباهنا كممثل لشخص معين، ومنذ ذلك الحين ارتقت صناعة التماثيل واكتملت الأصول الفنية؛ ولكن كان لكل عصر مميزاته الخاصة كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإذا ما أخذنا تماثيل الملوك فإننا نجدها في الدولة القديمة تتميز بالوقار والعظمة وتشعر الرائي بأنه أمام قطعة تمثل شخصية لها



    مجدها، أما تماثيل الدولة الوسطى فنتبين فيها دلائل الصرامة والقوة ومضاء العزيمة، وكان الجزء الأسفل منها لا يعتنى به عناية تامة وخاصة في أوائل ذلك العهد، أما تماثيل الدولة الحديثة فتمتاز بالرشاقة وإبراز تقاطيع الجسم في شيء من الليونة كما تمتاز باستطالة الوجه، ومما تجدر ملاحظته كذلك أن نسبة الرأس إلى الجسم كانت تختلف فهي في الدولة القديمة "1- 9" وفي الوسطى "1- 8" وفي الحديثة "1- 7" تقريبًا؛ كذلك من الممكن الإشارة إلى بعض المميزات العامة التي تبين الاختلافات بين تماثيل كل عصر عن تماثيل العصور الأخرى، ففي الدولة القديمة: امتازت التماثيل باستقامة الخطوط وكان التمثال الواقف تمثل يداه مستقرة على الجانبين، أما في التماثيل الجالسة فكانت إحدى اليدين تستقر على الصدر والأخرى على الركبة ثم أصبحت اليدان تستقران على الركبة منذ عهد خفرع، أما تماثيل الدولة الوسطى فأهم ما يميزها ضخامة الجزء الأسفل وعدم مطابقته للواقع وخشونة المظهر وعدم تناسق الأعضاء تناسقًا تامًّا، أما تماثيل الدولة الحديثة فقد امتازت برشاقتها -كما سبقت الإشارة- ورقبة التمثال في الدولة الوسطى عادة أكبر منها في تماثيل الدولة القديمة والرأس أكبر وقمتها أقل تسطحًا؛ كذلك يمكن ملاحظة بعض مميزات خاصة في زي التماثيل وطريقة تصفيف الشعر وغير ذلك مما يلاحظ المتخصصون.
    وإذا ما تحدثنا عن الفن يجب ألا يفوتنا ذكر ما وصل إليه المصري في فن المعمار حيث ارتبطت به الفنون السابقة ارتباطًا وثيقًا، ومن المعروف أن المادة الطبيعية كانت في أول الأمر تتمثل في سيقان البردي وطمي النيل، وقد بدأ البناء أولًا بشكل دورة بسيطة من البردي أو البوص



    أو ما شاكلهما من المواد الخفيفة ثم استعمل الطمي في هيئة كتل غير منتظمة، وكان مما يساعد على تدعيم هذه الكتل واستقامتها حزمًا من البردي تثبت إلى الجدران وتحدد أشكالها، وكان المصري في أول عهده بالبناء يضطر إلى جعل قواعد الجدران التي يبنيها بالطمي أضخم وأسمك من أطرافها العليا ويدعم أركانها بحزم البردي أو بقوائم خشبية مستديرة، وكذلك يقوي الأطراف العليا للجدران بمثل هذه القوائم لتتحمل ثقل السقف؛ وعلى ذلك يمكن أن نتصور بأن الجدران كانت تميل إلى الداخل وقد ظل هذا الشكل يحافظ عليه حتى بعد اختراع اللَّبِن الذي كان يصنع عادة من الطمي المخلوط ببعض التبن، وأحجامه في معظم الأحيان "38× 18× 12" سنتيمترات، ولما بدأ الإنسان يستعمل الحجر لم يتخل عن محاكاة المباني القديمة في الشكل والهيئة العامة؛ إذ كثيرًا ما كانت جدران المقابر والمعابد تميل إلى الداخل كما مثل شكل حزم البردي في أركان هذه المباني ومثل أسطوانات الخشب كذلك في السقف. ولم يستعمل الإنسان الحجر في بناء المنازل فيما عدا الأجزاء المحيطة بالأبواب والنوافذ أي أن إطارات هذه صنعت من الحجر؛ بينما كانت بقية المنزل من اللبن.
    وقد استعمل الحجر في المباني الجنزية وفي المعابد لأنها كانت هي المباني الخالدة في نظر المصري القديم. فإذا ما أخذنا المقابر؛ فإننا نجد أنها كانت في أول الأمر عبارة عن حفرة يوضع فيها الميت ثم تهال عليه الرمال، ثم أمكن تسقيف المقبرة بالبوص وبعدئذٍ استعمل الخشب في هذا التسقيف؛ وكنتيجة لذلك ولاختراع اللبن أصبحت المقبرة مستطيلة الشكل، وابتداء من أواخر عصر ما قبل الأُسَر عمق الجزء المحفور في باطن الأرض وقسم إلى عدة حجرات بني فوقها بناء مستطيل مائل الجوانب من اللَّبِن يشبه المصطبة؛ جدرانه تشبه جدران الحصون ذات المداخل والمخارج ثم في عهد الأسرة الثانية خلت الجدران إلا من فجوتين في الناحية الشرقية والجنوبية من هاتين الفجوتين كانت أكبرهما، وفيها كانت توضع لوحة جنزية.
    ومع أن الحجر استعمل في بناء بعض أجزاء أو تبليط بعض الحجرات من المقابر في نطاق ضيق جدًّا في عهد الأسرتين الأولى والثانية؛ إلا أن بناء مقبرة بأكملها من الحجر لم يتم إلا في عهد الأسرة الثالثة، وأول المقابر الملكية التي بنيت من الحجر هي هرم زوسر المدرج، ثم أصبح من المعتاد أن يتخذ الملوك أهرامًا كمقابر لهم، أما الأفراد؛ فقد بنوا مصاطب حجرية ونحت أمراء الأقاليم في عهد الإقطاع الأول مقابرهم في الصخور، وبنوا بعض أجزاء منها بالحجر في عهد الدولة الوسطى بنى الملوك أهرامًا صغيرة الحجم من اللَّبِن، أما في الدولة الحديثة؛ فقد نحتت المقابر في الصخور لإخفائها عن العيون خشية السرقة.
    ولما كان من المعتاد في الدولة القديمة أن تلحق بالأهرام معابد جنزية "شكل 24"، وكذلك كان الحال في الدولة الوسطى فإن ملوك الدولة الحديثة استعاضوا عن ذلك ببناء معابدهم الجنزية في أماكن منفصلة بعيدة عن مقابرهم.
    أما معابد الآلهة؛ فكانت في أول الأمر عبارة عن تعريشة أو دروة من البوص أمامها العلم الخاص بالمعبد، ولا نعرف على وجه التحديد شكل هذه المعابد في الأسرتين الأولى والثانية وأغلب الظن أنها بنيت من اللبن كذلك، وأقدم ما وصلنا من المعابد المعروفة باسم معابد الشمس
    وتتمثل في بناء على حافة النيل أشبه بمكان للاستقبال يخرج منه طريق صاعد إلى الهضبة، وهذا الطريق مسقوف إلا من فتحة ضيقة تمتد بطول السقف وفي وسطه، وهذا الطريق ينتهي إلى المعبد بالمعنى الصحيح ويبدأ بمدخل ثم حجرة للبواب أو حجرتين وبَهْوٍ صغير يتفرع منه فرعان أحدهما يتجه إلى اليمين حيث المخازن والحجرات الخاصة بالكهنة، والآخر يتجه إلى اليسار وهو عبارة عن دهليز طويل مظلم ينتهي إلى سلَّم يصعد داخل قاعدة ضخمة تقوم عليها المسلة التي تقع في فناء مكشوف، وأمام المسلة مائدة ضخمة للقرابين ومجارٍ طويلة تنتهي إلى أواني تتجمع فيها دماء
    القرابين التي تقدم لإله الشمس؛ كذلك توجد مجموعة أخرى من المجاري أصغر عددًا من السابقة في الجانب الآخر من قاعدة المسلة المقابل للجانب الذي به بداية السلم، وهذه المجموعة تنتهي بدورها إلى مجموعة من الأواني "شكل 25أ". أما معابد الدولة الوسطى فكانت تشبه الشرفة المرتفعة أو المنصة التي تحيطها جدران قليلة الارتفاع؛ بينما تتخلل هذه الجدران أعمدة مربعة مرتفعة يقوم عليها السقف، ويؤدي إلى المنصة سُلَّمَان في جانبين متقابلين كما يتوسطها مذبح كبير الحجم "شكل 25ب"، أما معابد الدولة الحديثة فكانت لا تخرج في تصميمها عن بوابة ضخمة تؤدي إلى فناء مكشوف إلا من جوانبه حيث توجد بوائك مسقوفة، وهذا الفناء يؤدي إلى صالة للأعمدة تنتهي إلى قدس الأقداس أو الهيكل، ويلاحظ أن البوابة والفناء وسائر أجزاء المعبد كلها تقع على محور مستقيم، كما أن
    لبوابة يحيط بجانبيها برجان عظيمان بواجهتهما تجاويف أعدت لوضع ساريات الأعلام وتثبيتها، وقد يسبق البوابة أحيانًا طريق للكباش، كما أن بعض المسلات توضع أمام المعبد وفي بعض أفنيته. ومما تجدر ملاحظته هنا أن التأثير على المتعبدين في معابد الدولة القديمة يأتي على أثر المسير في الطريق الصاعد شبه المظلم ثم الدخول في الممر الطويل المظلم وبعد ذلك يفاجأ المتعبد بسطوع الشمس على قمة المسلة أو بالخروج إلى النور التام في وضح النهار، أما في معابد الدولة الحديثة؛ فإننا نلاحظ أن التأثير يتم بدخول المتعبد من البوابة إلى الفناء المكشوف ثم صالة الأعمدة ثم قدس الأقداس الذي يكاد يكون مظلمًا إظلامًا تامًّا مما يوحي بالرهبة في النفس.
    وإذا ما تحدثنا عن المسلات فإننا نجد أنها عبارة عن كتلة ضخمة
    من الحجر تميل جوانبها تدريجيًّا إلى قرب نهايتها؛ حيث نجد قمة مدببة تميل بزاوية "60" درجة مئوية تقريبًا، وكانت المسلة عادة توضع على قواعد مكعبة من درجة أو درجتين والشائع أنها كانت توضع في أزواج أمام مداخل المعابد؛ ولكن وجدت كذلك مسلات صغيرة في مقابر الدولة القديمة وأقدم مسلة لمعبد مازالت قائمة في موضعها هي تلك التي أقامها سنوسرت الأول في هليوبوليس وارتفاعها "68" قدمًا، وكانت أمام معبد الأقصر مسلتان إحداهما ما زالت في مكانها، والأخرى نقلت إلى باريس سنة: 1831، وتوجد بعض المسلات الأخرى في مصر ومن أمثلة ذلك مسلة لتحتمس الأول ومسلة لحتشبسوت وكلاهما بالكرنك، وقد أعجب الرومان بالمسلات المصرية ونقلوا كثيرًا منها حتى إن روما وحدها بها "12" مسلة، وواحدة بالقسطنطينية، ومن المسلات التي أقامها تحتمس الثالث مسلتان كانتا في هليوبوليس نقلهما الإمبراطور أغسطس إلى الإسكندرية ثم نقلت إحداهما سنة: 1877 إلى لندن والأخرى نقلت سنة 1879 إلى نيويورك، وأكبر مسلة معروفة كانت هي الأخرى من عمل تحتمس الثالث وكان قد أقامها في هليوبوليس أيضًا وهي الآن موجودة في ميدان القديس جون لاتيران في روما، وقد أقامها هناك البابا سكستوس الخامس.
    ولا شك في أن نحت المسلات وإقامتها كان يتطلب عملًا ووقتًا كبيرين كما يتبين ذلك من النص الموجود على قاعدة مسلة حتشبسوت في الكرنك والذي يفخر فيه مهندسها بأنه أتم قطع هذه المسلة في سبعة شهور فقط وأن هذه كانت أقصر مدة عمل فيها مثل هذا العمل.
    ويحتمل أن أصل المسلات هو الأحجار المقدسة أو الشواهد
    التي كانت تقام تمجيدًا للموتى والآلهة؛ لأننا نعرف بأن لوحات منقوشة بأسماء الملوك كانت توضع في أزواج في مقابرهم بأبيدوس، ويقال بأن أزواجًا من المسلات الصغيرة كانت توجد في مقابر الأشراف من الأسرة الرابعة.
    ولم تكن هذه المسلات لمجرد الزينة أو لتسجيل بعض ذكريات الملوك وأعمالهم فحسب؛ بل كانت بعض المسلات تغطى في قمتها بمعدن الألكترون -مزيج من الذهب والفضة- لتعكس أشعة الشمس؛ إذ إن المسلة كانت ترمز لإله الشمس؛ ولذلك نجد أنها كانت كثيرة في هليوبوليس مقر عبادة هذا الإله، وقد رمز في الكتابة الهيروغليفية لبعض معابد الشمس بقرص الشمس فوق قمة المسلة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28 2024, 03:37