الرئيسية
التاريخ من بابه الخلفي ( تاريخ ما وراء الحروف )
إذا ما نظر أحدنا إلى الساعة فإنه يكتفي برؤية العقارب وما حولها من الأرقام . وإن شاء رأى البندول يتراقص يمنة ويسرة , فإن تمعن ... لاحظ تلك الأرقام أهي عربية أم رومانية , وذلك الإطار أدائري هو أم مضلع ... وإن أنصت ... فبالكاد يسمع دقاتها ...
عند هذا الحد تقريباً يتوقف فضولنا في الغالب إن لم نتسائل أين صنعت .
لكن قلما تسائلنا ... مالذي يدور وراء تلك العقارب ! وكيف يتحرك هذا الرقاص ! وما هي الكلفة التي عاناها من صنعها؟
على كل ... لست ممن يدعوا لنهج منحى الفلاسفة في مراقبة ونقد ونعت كل ما هو كائن حولنا.
إلا أن هذا ما ينبغي أن نفعله عندما نقلب سطور التاريخ بعمق , وننفض الغبار عن نقاط أحرفها بتأنٍ . وما سِجل التاريخ إلا محصلة أمور ووقائع وأحداث غلب بعضها على بعض , وصقل بعضها الآخر فخرج لنا كما نقرأه...
كثيراً ما نجد في سطور التأريخ ( أو التاريخ ) أن الظالم المنتصر يوحي بأنه ما جاء إلا لمصلحة المقهور لولا أن الأخير أجبره على فعل ما يكره ... فيسجل التاريخ بطولات ذلك المتغطرس , ويسقط أمجاد الآخر وإباءه في طي الكتمان...
وكثيراً ما نجد أن وصف المؤرخين الأوروبيين للفاتحين المسلمين مترع بمفردات الوحشية والشر...
ودائماً ما تجد المنتصر يدعي الخير لجانبه ( سواءً أكان صادقاً أم لا )... و قد يلصق بالآخر تهماً لا يعقل أن تجتمع !
كما أن الكثير من الغموض يخيم على طائفة المؤرخين ...
فكم من واقعة كتب عنها مؤرخان كل منهما يخالف ما قاله الآخر!
هل تسائلنا يوماً كيف وصلت الأخبار من موقع وزمان الحدث إلى حوزتنا ؟ ( وما آفة الأخبار إلا رواتها )...
هل ذاك المؤرخ شهد ذلك المشهد بأم عينيه , وسجله عن يقين , ونقله من بعده أمين؟
فلنأخذ ما يقوله التاريخ عن إحراق طارق بن زياد للسفن , عندها سوف نجدأن الروايات متضاربة في صحة ما حدث وعدمه !
من أين أتى المؤرخون بتلك الحادثة ؟
وهل قام ذاك المؤرخ بالكتابة عن ذلك الملك أو تلك الواقعة أو في وصف ذلك الجيش مكرها أم راغباً؟
مالذي لاقاه وعاناه من أجل الحقيقة ؟
وما الذي ناله وحصل عليه في تلفيق بطولة؟
مالذي فعله المغول ببغداد ؟
هل نجى أحد ممن شهد تلك الفظائع لينقلها لنا كما رآها ؟
وهل أحرق التتر كتباً هي من أمهات كتب التأريخ؟
... هناك مقولة رائعة تقول : إن المعركة التي لا يعود أحد منها ليحكي قصتها معركة فظيعة.
بالفعل فظيعة ...
وأضيف : المعركة التي يعود منها طرف واحد وقد أباد الآخر عن بكرة أبيه معركة قد لا يعرف التاريخ تفاصيلها.
وما أكثرها من معارك ! فكم من المسلمين قد تعرضوا للإضطهاد والتطهير العرقي والعقدي ولم يعرفهم التاريخ ...( فما ضر هؤلاء أن لا يعرفهم عمر وقد عرفهم رب عمر) ...
فلذلك يلجأ التاريخ إلى علم أصول التاريخ ـــ إن صح التعبير ـــ ولذ يجمع ما كثر ناقلوه وقل منكروه ووثق فيمن كتبوه وما رأى المؤرخون مصلحتهم في أن يذكروه !...
لست عضواً من أعضاء هيئة تدريس مادة التاريخ ( ولذا أرجوا أن يكون هناك من يمحص في كتابتي )...
ومن جهة أخرى : نجد الكثير من الأحداث والأعيان والحضارات قد ذاع صيتها على حساب أخر قد تفوقها أهمية لسبب أو لآخر...
فقلما تجد من يجهل الحضارة الفرعونية , في المقابل يتعسر عليك أن تلقى من يحيط ولو بشيء يسير عن حضارة الآشوريين والكنعانيين ... والقليل منهم من سمع بمعركة أقليش و موهاكس...
والسؤال الذي قد يكون الجواب عليه مراً هو : هل يعترف غيرك بالتاريخ الذي تنسبه لنفسك؟
الكثير من الأمور نطرحها هنا , قد نجد لها تفسيراً وربما لا ... إلا أنه يتوجب علينا أن نعيد ترتيب أوراقنا , وأن نرتدي نظاراتنا بالشكل الملائم من جديد.
