منتديات مواد الاجتماعيات



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات مواد الاجتماعيات

منتديات مواد الاجتماعيات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات مواد الاجتماعيات


    حقوق الإنسان فى الإسلام

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : حقوق الإنسان فى الإسلام 710
    عارضة الطاقة :
    حقوق الإنسان فى الإسلام Left_bar_bleue90 / 10090 / 100حقوق الإنسان فى الإسلام Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    حقوق الإنسان فى الإسلام Empty حقوق الإنسان فى الإسلام

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أبريل 12 2011, 18:27

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

    حقوق الإنسان فى الإسلام
    تَأْلِيفُ
    محمد عمر عليش

    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ..
    {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[ آل عمران 102]
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء 1]
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب70-71]
    أما بعدُ،،،
    فلقد بات الحديث عن حقوق الإنسان حديث الساعة، وغَدَا الاهتمام به واضحًا فى المحافل الدولية و المؤتمرات والندوات، التى تمخضت عن مواثيق وإعلانات شتى على المستويَيْن الإقليمي والدولي تضمنت العديد من المواد والمبادئ الإسلامية؛ لتعزيز حقوق الإنسان، وتهيئة السُّبُل الكفيلة لحمايتها.
    ونظرًا لأهمية تنشيط الفكر الإسلامى فى هذا المجال، وحرصًا على حماية العالم الإسلامى من أخطار الهجمة الشرسة لأعداء الإسلام، الذين يحرصون على الكيد للإسلام تحت شعارات ومزاعم متعددة ومنها ادعاءاتهم الباطلة بأن الإسلام لم يرع حقوق الإنسان، لكل هذا ولغيره فقد تمت كتابة هذا البحث.
    ويمكن للممحص فى العوامل الكامنة خلف تلك المزاعم والادعاءات الباطلة أن يتبين أنها نتاج الجهل المحض لهؤلاء المدعين وعدم تبصرهم بموقف الإسلام من حقوق الإنسان، أو نتاج تغافلهم مضامين الفقه الإسلامى، ومما يزيد من حدة تأثير تلك المزاعم ما يمارسه أصحاب النفوذ المناهضين للإسلام من ممارسات شتي تستهدف تغييب الطرح الإسلامي لحقوق الإنسان.
    ولذا؛ فإن الأمر جد خطير، ويتطلب تكاتف جهود علماء المسلمين واستنفارهم للذود عن حياض الإسلام، والتعريف به وبتشريعاته السمحاء من خلال بحث حقوق الإنسان فى الإسلام وتدارسها، بغية تعميق الوعي الصحيح بالمضامين الإسلامية الخاصة بتلك الحقوق، ولا سيما فى ظل تزايد الدعاوي المعادية للإسلام التى يموج بها الواقع المعاصر.
    فقد تضمنت السنة النبوية أحاديث نبوية شريفة شملت شتَّى مجالات حقوق الإنسان، والتى تشكل تأصيلًا بالهدى النبوي من حياة الرسول S، والتي يمكن تناولها من خلال مباحث وموضوعات ومفاهيم حول حقوق الإنسان فى الإسلام فى سياقات اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، حيث أكدت السنة النبوية أن مراعاة حقوق الإنسان يعد مطلبًا رئيسًا لتحقيق حماية حقوق الأفراد وحُرّياتِهِم ومن ثَمَّ شيوع العدل والسلام فى المجتمع.
    وعلى الرغم من تعدد أسباب ودوافع الاهتمام بحقوق الإنسان فى الوقت الراهن، إلا أن تناولها من المنظور الإسلامى سيظل له تميزه وأصالته، وذلك لاستناد الطرح الإسلامي إلي مبادئ شرعية من الكتاب والسنة؛ وليس إلى ما يستند إليه أعداء الإسلام من مزاعم وشعارات زائفة تحت مسميات متعددة.
    فقد أوجب المولى  على البشر واجبات منها حفظ الحقوق بينهم على تباينهم واختلافهم؛ فمنها حقوق للذكر وأخرى للأنثى، وحقوق للكبير والصغير، وللوالد والولد، والقوي والضعيف بل والمهتدي والضال من المسلمين وغيرهم، فلكل حقوق وعليه واجبات، ولا يحق لأحد بعد الله أن يحد حدًّا أو يشرع شرعًا أو يُضيِّقَ واسعًا أو يتجاوز أو يخالف تكليفًا مما أنزل الله أو تضمنته سنة النَّبِـي S.
    إن حقوق الإنسان ليست من مُبتدعات الفكر الغربي، بل هي حقيقة جاء بها الإسلام في كتاب اللـه الكريم وفي سنة الرسول S، ونصت عليها شروح علماء الإسلام وبناة حضارته من ضمن ما شرحوه وبينوه من حقوق للناس بعضهم على بعض، وكانت أساسًا مصونًا واضحًا للعيان، يراعيها المسلمون حُكامًا ومحكومين، ولا أدلَّ على ذلك من تعليم النَّبِـي S لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن التى أكد فيها النَّبِـي S أهمية مراعاته حقوق الرعية، وسكان البلاد، واحترام أماكن عباداتِهِم، ومساكنهم ( ).
    إنّ تاريخ الإنسانية خير شاهد على أن حقوق الإنسان لم تحظ بالعناية والتنفيذ بمثل ما حظيت به في عهد رسول الله S وعهود الخلفاء الراشدين من بعده، واستمر مراعاتها عبر العصور الإسلامية المتعاقبة، وما أعجب أن تكون المبادئ التي طالما أرسى الإسلام قواعدها يُعاد تصديرها للمسلمين على أنَّها كَشْفٌ إنسانيٌّ ما عرفناه يومًا ولا عشناه دهرًا.
    وهذا البحث سوف يتناول تلك الحقوق تفصيليًا من خلال سبعة مباحث رئيسة، هى:
    المبحث الأول: حقوق الإنسان.. نشأتها وخصائصها فى الإسلام.
    المبحث الثاني: مقاصد الشريعة الإسلامية... تقرير عظيم لحقوق الإنسان.
    المبحث الثالث: حقوق الإنسان الاجتماعية.
    المبحث الرابع: حقوق الإنسان السياسية.
    المبحث الخامس: حقوق الإنسان الاقتصادية.
    المبحث السادس: حقوق الإنسان الثقافية.
    المبحث السابع: الأحكام العامة للحقوق فى الإسلام.
    المبحث الأول
    حقوق الإنسان: نشأتها، وخصائصها فى الإسلام.
    تمهيد:
    الموضوع الأول: تعريف الحق لغة وشرعًا..
    الموضوع الثانى: نشأة حقوق الإنسان وبدايتها.
    الموضوع الثالث: موقف الإسلاميين المعاصرين من حقوق الإنسان.

    لابد للتعرض لبعض المواضيع الهامة التى تفتح المجال للخوض فى لب هذا الموضوع وهو المبحث الأول؛ الذى يضم عدة موضوعات؛ الموضوع الأول: ويشمل تعريف الحق لغة وشرعًا؛ فمعرفة المعنى اللغوي من الأهمية بمكان، ومن خلال هذا المعنى يستطيع الإنسان أن يقف على معان لم تكن في الحسبان.
    الموضوع الثانى: تعرضنا فيه لأصل فكرة حقوق الإنسان عند الغرب, وهناك تفسيرات كثيرة تعرض فكرة النشأة اخترنا منها الأقرب إلى القبول العقلى بعيدًا عن الفلسفات والترهات الكثيرة.
    الموضوع الثالث: تناولنا فيه موقف الإسلاميين المعاصرين من حقوق الإنسان حيث يوجد في أغلب القضايا ثلاثة اتجاهات؛ اتجاه الرفض واتجاه القبول واتجاه بين بين، فعرضنا بشيء من الإيجاز لهذه المواقف الثلاثة.
    الموضوع الأول: تعريف الحق وماهيته فى الشريعة الإسلامية
    الحقُّ في اللغة ( ): نقيض الباطل وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ، وحَقَّ الأَمرُ يَحِقُّ ويَحُقُّ حَقًّا وحُقوقًا: صار حَقًّا وثَبت؛ قال الأَزهري: معناه وجَب يَجِب وجُوبًا، وأحققت الشيء أوجبته والحق الأمر المقضى والموجود والثابت.
    والحقُّ في اللغة أيضا( ): يُعرف بأنه الثابتُ الذي لايسوغ إنكارُه، وهو الحكم المطابق للمعاني، ويقابله الباطل، فالحقّ إذن هو الثبوت، وهذا المعنى يعمّق الإيمان بالحقوق جميعًا؛ حقوق الفرد والمجتمع، ويقوي الثقة واليقين في أن حقوق الإنسان هي من صميم التعاليم الإسلامية، فهو "اختصاص ثابت في الشرع يقتضى سلطة أو تكليفًا لله على عباده أو لشخص على غيره".(3)
    والحقُّ في الشريعة الإسلامية (3) يمثّل القاعدة الأساسية للتشريع كلِّه؛ وتأسيسًا على هذه القاعدة، فإن حقوق الإنسان في المنظور الإسلامي، هي حقوق اللَّه التى يترتَّب على الوفاء بها وأدائها على خير الوجوه؛ خلوصُ العبودية للَّه، والطاعةُ له سبحانه، والقيامُ بتكاليف شرعه الحنيف، وبذلك يرتقى المفهومُ الإسلاميُّ لحقوق الإنسان، إلى مقام العبادة الرفيع، باعتبار أن هذه الحقوق، هي في الشريعة الإسلامية، واجباتٌ دينيةٌ، ومن الفروض الشرعية، وهذه درجةٌ من التكليف تطوق الإنسانَ بمسؤولية كبرى، أمام ربّه سبحانه وتعالى، ثم أمام نفسه ومجتمعه وتذكروا ان الله علي كل شي قدير
    والسلام عليكم
    اخوكم محمد عمر عليش
    من مدينة جدة المباركة



    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : حقوق الإنسان فى الإسلام 710
    عارضة الطاقة :
    حقوق الإنسان فى الإسلام Left_bar_bleue90 / 10090 / 100حقوق الإنسان فى الإسلام Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    حقوق الإنسان فى الإسلام Empty رد: حقوق الإنسان فى الإسلام

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أبريل 12 2011, 18:28

    ، فإن حقوق الإنسان في الإسلام، هي من الثوابت التي يقوم عليها المجتمعُ الإسلاميُّ، فهي ليست حقوقًا سياسية ودستورية فحسب، وهي ليست نتاجًا فكريًا يمثّل مرحلًة من تطوّر العقل الإنساني، وليست حقوقًا طبيعية كما يعبر عنها في القانون الوضعي، ولكنها في التعاليم الإسلامية، واجبات دينية يُكلَّف بها الفردُ والمجتمع، كلٌّ في نطاقه، وفي حدود المسئولية التي ينهض بها، وبذلك فإن الفرد في المجتمع الإسلامي يتشرَّب هذه الحقوقَ، ويتكيّف معها، بحيث تصبح جزءًا من مكوّناته النفسية والعقلية والوجدانية، ويحافظ عليها، لأن في المحافظة عليها، أداء لواجب شرعي، وليس من حقه أن يفرط فيها، لأن التفريط فيها تقصيرٌ في أداء هذا الواجب.
    فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ  قَالَ بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِـي S لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ( ): «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ... قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.... ».
    وفي حديث أَبِي كَرِيمَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S( ): «لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إِنْ شَاءَ اقْتَضَى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ».
    فجعل قرى الضيف حقًّا من طريق المعروف والمروءة ولم يزل قرى الضيف من شيم الكرام ومنع القرى مذموم.
    الموضوع الثاني: نشأة حقوق الإنسان
    إن الاهتمام بمجال حقوق الإنسان ليس وليد الآونة المعاصرة، إنما هو نتاج تراكمات تاريخية متتالية ومتعاقبة، وما خلفته العقائد الدينية من مبادئ تُعلي من قدر الإنسان وقيمته، وتنبذ التعسف معه أو ظلمه.
    إلاّ أن الاهتمام الغربي المعاصر -الذى لم يسبق له مثيل من قبل- بهذا المجال على مستوى التنظير والممارسة ومن خلال المنظمات والمواثيق والإعلانات وغيرها، قد أخذ بعدًا عالميًا، وكان من نتائجه المهمة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عن منظمة الأمم المتحدة سنة 1948م.
    ويعزى التطور الذي شهده مجال الحقوق الإنسانية- على المستوى النظري بالخصوص- إلى التطور السياسي الذي عرفته أوروبا، ومحاولة عدد من المفكرين والفلاسفة، الوقوف في وجه الاستبداد السياسي للدولة والكنيسة، من دون إغفال الموروث اليوناني والروماني الذي شكل الخلفية الفكرية لهؤلاء المفكرين، وهم يضعون القواعد والقوانين الوضعية ويطورونها.
    فالفكر الروماني تمركز حول مقولة مفادها أن الدين خاضع للدولة، فجاءت المسيحية بالفصل بين الدين والدولة( ) وتأكيد كرامة الإنسان، باعتبار أن الخالق قد خصه بهذه الكرامة، ومن هنا ولدت فكرة القانون الطبيعي لتأكيد حقوق الأفراد ومقاومة الطغيان، ثم تطورت الفكرة متجردة من أساسها الديني إلى اعتبار العقل منشأ القانون، وأن للفرد -لكونه أسبق من المجتمع- حقوقًا طبيعية كامنة في طبيعته ويكشفها العقل، وهي حق الحياة والحرية والملكية، وأن انتماء الفرد إلى جماعة إنما يهدف إلى تأكيد ذاته، وكفالة حقوقه، وليس إلى إهدارها أو التنازل عنها، وأن واجب الدولة حمايتها وعدم الانتقاص منها.
    ثم تطورت الفكرة إلى تصور نظرية "العقد الاجتماعي" والتى بموجبها تنازل الأفراد عن جزء من حرياتهم المطلقة -التي كانوا يتمتعون بها في حياتهم الطبيعية- في سبيل إنشاء سلطة تتولى حمايتهم وتنظيمهم، ويظل الجزء الآخر من الحريات التي احتفظوا بها بمنأى عن تدخل الدولة.
    وفي ضوء هذه الأفكار انبثقت المواثيق الأولى لحقوق الإنسان(2): في بريطانيا العهد الأعظم سنة 1215م، ولائحة الحقوق سنة 1688م وفي الولايات المتحدة، إعلان الاستقلال سنة 1776م، كما انبثق فى فرنسا الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن سنة 1789م وكذلك باقي دساتير الثورة الفرنسية والتى اتفقت جميعها حول ما يلى:
    أن حقوق الإنسان وحرياته طبيعية لا يُقبل التنازل عنها، كما لا يجوز إجبار الإنسان على ممارستها.
    أن حقوق الإنسان وإن لم تكن مطلقة، فإنه لامناص من وضع قيود تنظم ممارستها، شريطة ألا تصل هذه القيود إلى حد إهدار أصل الحق نفسه.
    أن تلتزم الدولة بعدم التعرض للأفراد عند ممارستهم حقوقهم وعدم الاعتداء عليها، كما أن الأفراد ليس لهم حقوق اقتضاء أو دائنية على الدولة يلزمونها بموجبها تقديم الخدمات، فهي التزام على الدولة بالامتناع عن عمل وليست التزامًا بعمل.
    أن الحقوق فردية وليست جماعية، فهي مرتبطة بالفرد وليس بأي تجمعات كالمدينة أو النقابة.
    ومع ظهور التصنيع في أوروبا وما نتج عنه من مشكلات عُمالية، نشأ ما يسمى بالديموقراطية الاقتصادية والاجتماعية، وبدأت تظهر آثار ذلك في حقوق الإنسان منذ دستور 1848م في فرنسا، وغيره من الدساتير الأوروبية الأخرى التى تلته، والتى تضمنت إشارات محدودة الأثر إلى التزام الدولة بحماية المواطن وتعليمه ومساعدته.
    وفي الفترة ما بين الحربين العالميتين، نشأ تطور آخر أكثر جدية، فقد نصت دساتير بعض الدول الأوروبية على ما يعتبر استلهامًا للفكر الاشتراكي بصورة مخففة، إذ اعترفت بحق العمل وحق الأمن الاجتماعي وحماية تكوين النقابات وبعض حقوق الأسرة، وبذلك تأكد مبدأ تدخل الدولة الذي يتعارض مع المذهب الفردي الذي كان سائدًا قبل ذلك، هذا إلى جانب قيام الاتحاد السوفيتي قيامًا كاملًا على أساس الاشتراكية وتدخل الدولة.
    أما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد صدرت عدة دساتير لدول أوروبا الشرقية على النمط السوفيتي، كما استقلت كثير من دول أفريقيا وأصدرت دساتير تحتوي على إعلانات بحقوق الإنسان وكذلك الحال في الدساتير الجديدة لدول أوروبا الغربية، هذا إلى صدور وثائق دولية هي:
    الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فى 10/12/1948م.
    المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان فى 14/11/1950م.
    الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية فى 16/12/1966م.
    الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى 16/12/1966م.
    وتعكس تلك الإعلانات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعددة بشأن حقوق الإنسان تنامي الإدراك العالمي لأهمية الحفاظ على تلك الحقوق التى تعد بمثابة حجر أساس لاستقرار المجتمع، فأينما وجدت مجتمعًا مستقرًا وجدت إنسانًا مطمئنًا على حقوقه.( )
    وبتتبع المراحل المتعاقبة للعناية بحقوق الإنسان منذ الحرب العالمية الثانية يمكن استقراء سمات حقوق الإنسان فى تلك الفترة، وإيجازها على النحو التالي:
    أخذت حقوق الإنسان وحرياته تتجه من الإطلاق نحو النسبية والتقييد لصالح الدولة ليتحقق التوافق بين الحريات والحقوق المتنافرة للأفراد، ولكن هذا التقييد هو الاستثناء فلا يباح إلاّ بقانون ولا يقاس عليه ولا يتوسع فيه كما أنه يدور مع علته ويقدر دائما بقدره ولا يخرج عن مسوغاته والضرورات الدافعة إليه.
    تطورت حقوق الإنسان من الفردية إلى الجماعية، أي التي لا يمكن تحقيقها إلاّ جماعيًا مثل: حقوق الأسرة، والأقليات العرقية، والجماعات الإقليمية، وتعد هذه الجماعات وسائل لخدمة الإنسان الذي هو الهدف الأصلي لها، كما حدث تطور نحو الجماعية من حيث ممارسة الحقوق ومنها: حرية العبادة الجماعية، وحق تكوين النقابات، وحرية إنشاء الأحزاب السياسية.
    تحولت الحقوق من السلبية إلى الإيجابية، ومنها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي تفرض على الدولة التزامات إيجابية بأن تكفل هذه الحقوق، وكظهور المرافق العامة التي توفر بعض الاحتياجات للأفراد، وكتأكيد حقوق الأفراد في الاقتضاء من السلطة لجميع العناصر الأساسية التي يستلزمها تطوره كالرعاية الصحية والكفالة الاجتماعية والرفاهية والتعليم والتثقيف، وترتب على ذلك أنه اتجه المجتمع إلى إعادة تنظيم أوضاعه الاقتصادية.
    وخلاصة القول؛ فإن منشأ الحقوق الإنسانية عند الغرب كان نتيجة الظلم والاستبداد الطبقي مما جعل هذه الحقوق مطلبًا حيويًا لتلك الشعوب، وهذا يختلف تمامًا عن النظام الإسلامي الذى يأمر بالعدل والإحسان والرحمة؛ ولذا كانت للإسلاميين مواقف متباينة من تلك القضية سيتم تناول تفصيلاتها فى الموضوع التالي الخاص بموقف الإسلاميين المعاصرين من حقوق الإنسان.
    الموضوع الثالث: موقف الإسلاميين المعاصرين من حقوق الإنسان
    يمكن تصنيف مواقف الإسلاميين من التيارات المعاصرة حول حقوق الإنسان إلى ثلاثة مواقف؛ موقف القبول التام، وموقف الرفض التام، وموقف الوسط التوفيقى، وذلك على النحو التالى:
    أولا: موقف القبول التام
    وهذه الفئة من الإسلاميين تقبل نتاج الغرب دائمًا بعُجَره وبُجَره، ولا تفرق بين ما يفيد الإسلام والمسلمين مما يضرهم، ويخلطون بين نتاج الغرب الفكري ونتاجه العلمي، وينسون دائمًا أو يتناسون أن الثقافة الغربية تتباين عن الثقافة الإسلامية، فما يصلح هناك قد يُضر هنا وما يُلائم الغرب قد لا يلائم المسلمين، فهم ينقلون بدون حيطة أو شعور بالعواقب، ويعدون ذلك من لوازم التنور الفكري.
    وأصحاب هذا الموقف يرون أن الإسلام هو المسئول عن عدم لحاق المسلمين بركب الحضارة الغربية، وينادون باستبعاده من مناحي الحياة؛ لأنه يشكل من منظورهم عائقًا أمام التطور المطلوب، ويسعون دائمًا لتشكيك المسلمين فى عقائدهم، ويتطلعون دائمًا إلى إعادة تشكيل المجتمع المسلم وصبغه بالصبغة الغربية؛ "فعندما اعترض الغربيون على أحكام الجهاد فى الإسلام قال هؤلاء: ما لنا وللجهاد يا سادة؟ إنا نعوذ بالله من هذه الهمجية، وعندما أطالوا لسان القدح فى تعدد الزوجات فجاء المنهزمون ينسخون بضلالهم وجهلهم آيات القرآن ويحرفون الكلم عن مواضعه، ثم قال أولئك الغربيون: لابد من مساواة المرأة بالرجل فى جميع نواحى الحياة فوافقتهم تلك الطائفة، ولما عابوا الإسلام بأنه عدو لما يُدعى الفنون الجميلة، استدرك هؤلاء قائلين: بل مازال الإسلام مذ كان يحتضن هذه الفنون ويحض عليها ويشرف على الرقص والموسيقى والتصوير والغناء ونحت التماثيل......إلخ".( )
    ففى سبيل دفع تهمة الجمود التى يلحقها الغربيون بالشريعة، رأينا هؤلاء المنهزمين ينجرفون إلى أقصى الطريق المناقض في بيان ما تنطوى عليه الشريعة من مرونة التطبيق؛ حتى يبلغوا بهذه المرونة حد الميوعة، وانعدام الذات والمقومات؛ وتلك الميوعة جعلتهم ذيولًا لأى نظام يوافق أهواءهم، فينتهون إلى إلغاء وظيفة الدين، ويحتالون على نصوص الشريعة حتى يبرروا بها استقامة أفكارهم المعوجة، ولقد عانى الإسلام والمسلمين من هذه الفئة وخاصة عندما تُحاكى الغرب فى النتاج الفكري الثقافى، فصدق عليهم المثل العربى: "أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل".
    وهكذا تنقض عُرى الإسلام عروة عروة حتى إذا لم يعد بيننا من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه كنا لقمة سهلة سائغة لأعداء الإسلام، ويصدق فينا قول نبينا S( ): «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَال:َ فَمَنْ».
    ثانيا: موقف الرفض التام
    وهذه الفئة من الإسلاميين تمثل اتجاه الرفض دائمًا، لاعتمادهم المنهج الشرعي في موقفهم من حقوق الإنسان، يعينهم على استبصار زيف الشعارات التى تضمنتها مبادئ وبنود وفقرات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي هو شرعة المنادين بها والداعين لها، والتى تُعد شرعة مزخرفة زائفة تمثل قمة هرم تنطوي قاعدته المخفية على تآمر وخداع وأوهام.
    كما أنهم يرون أن الإسلام بربانيته وكماله وتمامه لا حاجة له فى العديد من التُّرَّهات والرؤى البشـرية الزائفة فى مجال حقـوق الإنسـان، وما أطرف ما قاله باحث إسلامي -متهكمًا- في مناظرة حول حقوق الإنسان من أنه لا يجد في بنود الإعلان العالمي ما يتوافق مع الإسلام إلا ما يتعلق بالحق في تحديد ساعات العمل والأجور.
    ويرى أصحاب هذا الموقف أنه لا حاجة لإعادة ترتيب أحكامنا الشرعية ومبادئنا الإسلامية وفق سياقات غربية، حتى ولو اقتصرت على استخدام المصطلح أو الشكل دون المضمون، فلا فائدة تُرجى من ذلك -والله أعلم- لأن المسلم يكفيه دينه، أما الغربي فقد يرى الحق الذى يُبين له من الوجهة الإسلامية على أنه سلب للحق، كما في الحقوق المتعلقة بحرية الدين، والمساواة بين الرجـل والمـرأة، وغيرهـا.
    ثالثا: موقف الوسط التوفيقى
    وهو موقف من يطلق عليهم الوسطيين أو التوفيقيين، ويرى أصحاب هذا الموقف ما يلى:
    1- أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيه من الخير ما فيه، وفيه كذلك من الشر، فهو ليس خيرًا محضًا أو شرًا محضًا.
    2- إذا توافقت هذه المبادئ مع الإسلام - ولو بصورة عامة- فلا بأس، وحتى إن كان هذا التوافق لن يتحقق إلا بإضفاء فهم خاص لهذه المبادئ -لا يرضاه واضعوها أصلًا- فلا بأس كذلك.
    وعلى الرغم من أننا نحب أن نأخذ من الغرب ما يتوافق معنا ويتقدم بنا إلى الإمام إلا أن هذه القضية ليست لنا فيها حاجة ولا تعود علينا بالخير والنفع.
    وعلى الرغم من عدم إنكار جهود أفراد هذه الفئة في خدمة الإسلام، وكذلك عدم الطعن في نواياهم، إلا أن الواقع يشهد أنهم عاملًا أساسيًا في تشويه كثير من ثوابت الإسلام وتمييعها، وذلك للاعتبارات التالية:
    1- تعدد أوجه الخطأ في تعاملهم مع مبادئ حقوق الإنسان، ومنها: سطحية تعاملهم مع تلك المبادئ دون النظر إلى الفلسفة والتصورات التي انبعثت منها، وهذا الاجتثاث للمبادئ عن الفكر الذي أنبتها يزيد من عدم الوعى بمدلولات وألفاظ ومصطلحات مجردة مجهولة المقصد.
    2- أن التصور الإسلامي الصحيح ليس بحاجة إلى إعادة هيكلة أو قولبة أو صياغة مفاهيم ومبادئ إسلامية بصورة تتناسب مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو تحاكيه.
    3- هذا التكلف الساذج لمحاكاة أو موافقة حقوق الإنسان لا يعود بفائدة تذكر على الإسلام أو المسلمين، فمروِّجو الإعلان العالمي ومؤيدوه لا يحتفون كثيرًا بإثبات توافق أي دين أو تطابقه مع مبادئهم، اللهم إن كان ذلك خطوة على طريق استبدال شرائع الدين بقوانين حقوق الإنسان، وعلى ذلك تمثل جهود هؤلاء التوفيقيين خطوة قد تؤخر للوراء مسيرة المؤيدين مبادى إعلان حقوق الإنسان.
    4- يبدي التوفيقيون استعدادًا –متفاوتًا- للعبث في مقررات وثوابت إسلامية للتقريب بين الإسلام وحقوق الإنسان، فى حين أن دعاة الحقوق لا يبدون تجاوبًا مماثلًا للعبث بمبادئهم وثوابتهم.
    5- على الرغم من ميوعة موقف التوفيقيين وأنه أكثر إفادة لدعاة حقوق الإنسان، إلا أنه لا يعزز موقف أصحابه ومكانتهم عند أدعياء مبادئ حقوق الإنسان.
    وعندما يُنظر بنظرة تحليلية متأنية وموضوعية لبنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -الذي يعد أساس الشرعية الدولية لحقوق الإنسان- وذلك من دون تأثر أو انحياز لأى من المواقف الثلاثة (المؤيدة، والمعارضة، والتوفيقية) التى سبق عرضها، يتبين أن مواده الثلاثين، وباستثناء المادتين السادسة عشرة والثامنة عشرة، لا تتعارض في عمقها الإنساني وتوجّهاتها العامة وروحها مع التعاليم الإسلامية في الإقرار للإنسان بحقوقه كاملةً، من منطلق وحدة الأصل الإنساني، ومن حيث الإقرار له بالكرامة الإنسانية، ولقد استثنيت هاتين المادتين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واللتين تتحفّظ عليهما الدول الإسلامية، لأن المادة السادسة عشرة، تنص على حق الزواج دون أي قيد بسبب الدين، وهذا مخالفٌ لتعاليم الإسلام، فالمرأة المسلمة لا يحل لها الزواج بغير المسلم، والمادة الثامنة عشرة تقرّ بأن لكل شخص الحق في تغيير دينه، مما يعدُّ في الشريعة الإسلامية، ردّةً لا شُبهة فيها، أما المواد الثماني والعشرون الأخرى، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهي تتطابق، في جوهرها وعمقها وأصلها، مع تعاليم الدين الحنيف، تطابقًا يتفاوت من مادة إلى أخرى.( )
    المبحث الثاني
    مقاصد الشريعة الإسلامية... تقرير عظيم لحقوق الإنسان
    تمهيد:
    الموضوع الأول: حفظ النفس.
    الموضوع الثاني: حفظ العقل.
    الموضوع الثالث: حفظ الدين.
    الموضوع الرابع: حفظ النسل.
    الموضوع الخامس: حفظ المال.

    نتناول فى هذا المبحث حقوق الإنسان من خلال مقاصد الشريعة الإسلامية، وأبرع من تكلم فى هذا الموضوع العلاّمة المغربي أبو إسحاق الشاطبي، فإن مبحث المقاصد الشرعية الذي اختطَّهُ -بتوفيقٍ مِنَ الله عظيم- في رائعته (الموافقات) حظي بقبول عام لدى المفكرين الإسلاميين المعاصرين؛ كأساسٍ وإطارٍ لنظرية الحقوق والحريات العامة والخاصة في التصور الاسلامي، ومعلومٌ أنَّ أبا إسحاق الشاطبي في تتبعه لكليات الشريعة وجزئياتِها قد كشف عن نظرية المصلحة العامة فوجدها مترتبةً في ثلاثة مستويات:
    سَمى المستوى الاول: المصالح الضرورية التي يدخل الفساد والشقاء على حياة الناس باختلالها وتشمل: حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب.
    وسمى المستوى الثانى: المصالح الحاجية؛ وقُصد بها رفع الضيق عن حياة الناس المؤدي للحرج والمشقة.
    وسمى المستوى الثالث: المصالح التحسينية؛ وهي جملة من العادات الحسنة ومكارم الأخلاق كأخذ الزينة والنوافل.
    وترتيب تلك المقاصد مهم إذ يجعل بينها تفاضلًا يفرض التضحية بالأدنى في سبيل رعاية الأعلى كلما وقع تناقض.
    فستر العورة من المصالح التحسينية ولكن إذا اقتضى حفظ الدين أو النفس الكشف عنها في حالة التعرض للمرض لإجراء عملية جراحية، أو لمغالطة العدو في حالة الخطر على الدين كان الكشف هو المقصد الشرعي المقدم.
    وهكذا تضع نظرية المقاصد الشرعية بين يدي المسلم ميزانًا يزن به مسالكه، وسُلمًا من القيم تنتظم على درجاته، وتنظم مختلف شرائع الإسلام كبيرها وصغيرها بما تهدي به حيرته وتتحدد حقوقه وواجباته.
    وفي هذا المبحث نُلقي الضوء على " مقاصد الشريعة الإسلامية" ومنهج الشريعة فى حفظها والتى تتمثل فى خمسة موضوعات رئيسة هى( ): حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ الدين، حفظ النسل، حفظ المال.
    الموضوع الأول: حِفْظُ النَّفْسِ
    النفس تشمل؛ الجسد والروح، ومن حق كل إنسان فى المجتمع أن يكون آمنًا على حياته (نفسه)، فقد كرَّم الله الإنسان وفضَّله على كثير من مخلوقاته، كما جاء فى قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء70].
    وتأكيدًا لهذا التكريم جعله الله خليفة فى الأرض وحمَّله مسئولية عمارتِهَا، ولن يستطيع الإنسان أن يؤديَ واجبه ويتحمَّل مسئولياته ويقوم بحق الخلافة لله فى الأرض إذا كانت حياته مهددة بأى شكل من الأشكال.
    "والكرامة المقصودة هنا كرامة عامة لكل البشر بلا استثناء بصرف النظر عن أجناسهم وألوانِهِم ومعتقداتِهم، والإنسان الذى منحه الله الكرامة لا يجوز له أن يفرط فيها بأى صورة من الصور، ومن جانب آخر لا يحق لأحد أن يتعرض بالإهانة لإنسان آخر كرمه الله؛ لأن ذلك يُعدُّ عُدْوَانًا فى حق الله من ناحية، وفى حق الشخص الذى وقعت عليه الإهانة من ناحية أخرى، وهذه الكرامة التى اختص الله بِهَا الإنسان دون غيره من الكائنات ذات أبعاد مختلفة، فهى حماية إلهية للإنسان تنطوى على احترام عقله وحريته وإرادته، وتنطوى أيضًا على حقه فى الأمن على نفسه."( )
    ومن حق الإنسان فى الحياه أن يلعب ويلهو باللهو البرئ، والغناء الحسن من شعائر الدين التى شرعها الله في يوم العيد؛ رياضةً للبدن وترويحًا عن النفس، قال أنس: كَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِـي S الْمَدِينَةَ قَالَ: «كَانَ لَكُمْ يَوْمَانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمْ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى». ( )
    وعن عائشة قَالَتْ( ): دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ S وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ( ) فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِـي S فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ S فَقَالَ: «دَعْهُمَا فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ( ) وَالْحِرَابِ فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِـي S وَإِمَّا قَالَ تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ( ) حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: حَسْبُكِ، قُلْتُ:نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبِي».
    والحق فى الحياة والتمتع بِهَا أصلٌ لكل الحقوق الإنسانية، ونظرًا لأن الناس -جميعًا- قد خُلِقُوا من نفس واحدة؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء1]، فإن العدوان على فرد واحد من أفراد الإنسان يُعَدُّ فى نظر الإسلام عُدوانًا على البشرية كلها؛ لأنه جزء من هذا الكل، وفى ذلك يقول القرآن الكريم: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة32]، ومن الواضح أن العدوان هنا يُعَدُّ عدوانًا على حق الإنسان، ولكنه فى الوقت نفسه يُعَدُّ أيضًا عدوانًا على حق الله.
    "ويندرج تحت هذا التكريم الإلهى للإنسان وحقه فى الأمن على حياته المساواة التامة بين البشر، لا فرق فى ذلك بين غنيٍّ وفقير أو حاكم ومحكوم، كما لا يفرق الإسلام فى هذا الحق بين الرجال والنساء؛ فالمرأة لَهَا نفس الحقوق، وعليها نفس الواجبات، ولا يجوز التقليل من شأنِها وهضم حقوقها بأيِّ حالٍ من الأحوال، قال S: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ».( )
    والإخبار بكلمة شقائق يدل على المساواة والندية، والرجال والنساء أمام الله سواء؛ لا فرق بينهما إلا فى العمل الصالح الذى يقدمه كل منهما، والتعبير القرآنى{بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}[آل عمران195]، يدل على أن كلًا منهما مُكَمِّلٌ للآخر، وأن الحياة لا يمكن أن تسير فى الاتجاه الصحيح دون مشاركتهما معًا".( )
    ومن ذلك يتضح بجلاء أن الإسلام بتعاليمه السمحة وشريعته الغراء يُعَدُّ دين الإنسانية بأشمل معانيها؛ لأنه دين يَسَعُ الإنسانَ فى كل زمان ومكان، ويرفع شأن المعنى الإنسانى إلى أرفع مقام.
    والأمر لا يقف هنا عند حد القتل المادى فقط، بل يشمل أيضًا القتل المعنوى فى شتَّى صوره وأشكاله، وما أكثر صور القتل المعنوى فى الأنظمة الديكتاتورية فى العالم!! والقتل المعنوى –سواء كان ذلك بالإذلال أو بالتعذيب أو سلب الحرية بالحبس الانفرادى بغير حق، أو كان بغير ذلك من صور أخرى– يُعَدُّ امتهانًا لنفس كرمها الله، كما يُعد عدوانًا فى حق الله الذى منح التكريم للإنسان.
    ويمكن إجمال مقصد الشريعة فى الحفاظ على النفس بقولنا: "المحافظة على النفس هى المحافظة على حق الحياة العزيزة الكريمة، والمحافظة على النفس تقتضى حمايتها من كل اعتداء عليها بالقتل أو قطع الأطراف أو الجروح، كما أنَّ مِنَ المحافظة على النفس المحافظة على الكرامة الإنسانية بمنع القذف والسب، وغير ذلك من كل أمر يتعلق بالكرامة الإنسانية، أو بالحد من نشاط الإنسان من غير مبرر له، فَحَمَى الإسلامُ حُرِّيَةَ العَمَلِ وحرية الفكر والرأى وحرية الإقامة وغير ذلك مما تُعد الحريات فيه من مقومات الحياة الإنسانية الكريمة الحرة التى تزاول نشاطها فى دائرة المجتمع الفاضل من غير اعتداء على أَحَدٍ".( )
    وصيانة حرمة النفس الإنسانية ضرورة شرعية، وإن قتل النفس بغير حق يُعد فى نظر الإسلام من الجرائم التى يهتزُّ لَهَا عرش الرحمن، وحرمة النفس المؤمنة أعظم عند الله من حرمة الكعبة؛ كما جاء فى قول النَّبِـي S مخاطبًا الكعبة( ):«مَا أَطْيَبَكِ! وَأَطْيَبَ رِيحَكِ! مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلا خَيْرًا».
    فلكل فرد حق صيانة نفسه وحماية ذاته، فلا يحل الاعتداء عليها إلا إذا قتل أو أفسد فى الأرض إفسادًا يستوجب القتل، فإنه لا ذنب عند الله  بعد الشرك أعظم من شيئين، أحدهما: ترك الصلاة عمدًا حتى يخرج وقتها، وَثَانِيهما قتل مؤمن أو مؤمنة عمدًا بغير حق، قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا}[النساء92] وقوله تعالى:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء93].
    وقال S: «لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا».( )
    وعن ابن عمر قال( ): (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله).
    وأجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق، والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}[الإسراء33]، وقال تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطئًا}[النساء9]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}[النساء93]، وأما السُّنَة فَرَوَى عبد الله بنُ مسعودٍ قال: قال S: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ»( )
    ولا خلاف بين الأئمة في تحريمه، فإن فعله إنسانٌ مُتَعَمِّدًا فسق وأمره إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، وتوبته مقبولة في قول أكثر أهل العلم.
    قال ابن حجر: "المراد لا يحل إراقة دم رجل، أي :كله، وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه، وقوله (يشهد أن لا إله إلا الله) هي صفة ثانية ذكرت لبيان أن المراد بالمسلم هو الآتي بالشهادتين، أو هي حال مقيدة للموصوف إشعارًا بأن الشهادة هي العمدة في حقن الدم، وهذا رجَّحَهُ الطيبي واستشهد بحديث أُسَامَةَ «كيف تصنع بلا إله إلا الله»، قوله (إلا بإحدى ثلاث) أي: خصال ثلاث، قوله (النفس بالنفس) أي: من قتل عمدًا بغير حق قتل بشرطه، قوله (والثيب الزاني) أي :فيحل قتله بالرجم، قوله (المارق من الدين التارك للجماعة) المراد بالجماعة: جماعة المسلمين، أي :فارقهم أو تركهم بالارتداد، فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة، وإلا لكانت الخصال أربعًا"( ).
    قال ابن دقيق العيد: "الرِّدَّةُ سببٌ؛ لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجل، وأما المرأة ففيها خلاف، وقد استدلَّ بِهَذا الحديث للجمهور في أن حكمها حكم الرجل لاستواء حكمهما في الزنا، وتعقب بأنَّها دلالة اقتران وهي ضعيفة، وقال البيضاوي: التارك لدينه صفة مؤكدة للمارق، أي: الذي ترك جماعة المسلمين وخرج من جملتهم"( ).
    وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة32]
    وقد سبق هذه الآيات الكريمة قصة ابني آدم قابيل وهابيل وقتل أحدهما للآخَرِ بسبب خلاف على الزواج.
    قال القنوجى: "المعنى أن من قتل نفسًا فالمؤمنون كلهم خصماؤه؛ لأنه قد وتر الجميع، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا، أى: وجب على الكُلِّ شكره، وقيل المعنى: إن من استحلَّ واحدة فقد استحل الجميع؛ لأنه أنكر الشرع ومن تورع عن قتل مسلم فكأنما تورع عن قتل جميعهم فقد سلموا منه"( ).
    والإحياء هنا عبارة عن الترك والإنقاذ من هلكة؛ فهو مجاز إذ المعنى الحقيقى مختص بالله  والمراد بِهذا التشبيه فى جانب القتل تَهْوِيل أمر القتل وتعظيم أمره فى النفوس حتى يَنْزَجِرَ عنه أهل الجرأة والجسارة، وفى جانب الإحياء؛ الترغيب فى العفو عن الجناة واستنقاذ المتورطين فى الهلكات.
    سيد قطب: "أي من أجل وجود هذه النماذج في البشرية من أجل الاعتداء على المسالمين الوادعين الخيرين الطيبين الذين لا يريدون شرًّا ولا عدوانًا ومن أجل أن الموعظة والتحذير لا يُجْدِيَان في بعض الِجبِلاَّتِ المطبوعة على الشرِّ، وأن المسالمة والموادعة لا تكفان الاعتداء حين يكون الشر عميق الجذور في النفس"( ).
    من أجل ذلك جعلنا جريمة قتل النفس الواحدة كبيرة، تعدل جريمة قتل الناس جميعًا وجعلنا العمل على دفع القتل واستحياء نفس واحدة عملًا عظيمًا يعدل إنقاذ الناس جميعًا.
    إن قتل نفس واحدة -في غير قصاص لقتل وفي غير دفع فساد فى الأرض- يعدل قتل الناس جميعًا لأن كل نفس ككل النفوس وحق الحياة واحد ثابت لكل نفس فقتل واحدة من هذه النفوس هو اعتداء على حق الحياة ذاته؛ الحق الذي تشترك فيه كل النفوس كذلك دفع القتل على نفس واستحياؤها بهذا الدفع سواء كان بالدفاع عنها في حالة حياتِها أو بالقصاص لها في حالة الاعتداء عليها؛ لمنع وقوع القتل على نفس أخرى هو استحياء للنفوس جميعًا؛ لأنه صيانة لحق الحياة الذي تشترك فيه النفوس جميعًا.
    ولقد قرن الله قتل النفس بالفساد في الأرض وجعل كلًا منهما مبررًا للقتل واستثناء من صيانة حق الحياة وتفظيع جريمة إزهاق الروح، ذلك أن الأمن العام وصيانة النظام العام الذي تستمتع الجماعة في ظله بالأمان وتزاول نشاطها الخير في طمأنينة ذلك كله ضروري كأمن الأفراد بل أشد ضرورة؛ لأن أمن الأفراد لا يتحقق إلا به فضلًا على صيانة هذا النموذج الفاضل من المجتمعات، وإحاطته بكل ضمانات الاستقرار كما يزاول الأفراد فيه نشاطهم الخير، وكيما تترقى الحياة الإنسانية في ظله وتثمر وكيما تتفتح في جوه براعم الخير والفضيلة والإنتاج والنماء، وبخاصة أن هذا المجتمع يوفر للناس جميعًا ضمانات الحياة كلها، وينشر من حولهم جوًّا تنمو فيه بذور الخير وتذوى بذور الشرِّ، ويعمل على الوقاية قبل أن يعمل على العلاج ثم يعالج ما لم تتناوله وسائل الوقاية، ولا يَدَع دافعًا ولا عُذْرًا للنفس السوية أن تميل إلى الشرِّ وإلى الاعتداء فالذي يهدد أمنه بعد ذلك كله هو عنصر خبيث يجب استئصاله ما لم يثب إلى الرُّشْدِ والصواب.
    وقال الشيخ المراغى: "في الآية إرشاد إلى ما يجب من وحدة البشر وحرص كل منهم على حياة المجتمع والابتعاد عن ضرركل فرد، فانتهاك حرمة الفرد انتهاك لحرمة الجميع، والقيام بحق الفرد بمقدار ما قرر له في الشرع قيام بحق الجميع"( ).
    وقال الزحيلى: "وهذا فيه دليل على أن نفس الإنسان ليست ملكه وإنما هي ملك للمجتمع الذي يعيش فيه، فمن اعتدى على نفس ولو بالانتحار استحق العذاب الشديد يوم القيامة، ومن أحيا نفسًا بأي سبب كان فكأنما أحيا الخلق كلهم"( ).
    وقال الرازي: "وتخصيص بنى إسرائيل بالذكر وإن كان القتل حرامًا والقصاص عامًّا في جميع الأديان والملل؛ لأنَّهم أول أمة نزل الوعيد في قتل الأنفس مكتوبًا، وكان قبل ذلك قولًا مطلقًا، فغلظ الأمر على بنى إسرائيل بالكتاب بحسب طغيانِهِم وسفكهم الدِّمَاءَ، فَهُم مع علمهم بشناعة القتل أقدموا على قتل الأنبياء والرسل"( ).
    الموضوع الثاني: حِفْظُ العَقْلِ
    إذا كان للإنسان الحق فى حفظ نفسه وحمايتها، فإن له الحق أيضًا فى حفظ عقله الذى به الفهم والإيمان والرشاد إلى الطريق المستقيم، والعقل هو الذى يميز الإنسان عن الحيوان.
    وقد نوَّهَ الإسلام بالعقل والتعويل عليه فى أمور العقيدة والمسئولية والتكليف، ولا تأتى الإشارة إلى العقل فى القرآن الكريم إلا فى مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، وذلك ما يؤخذ من جميع الآيات القرآنية التى وردت الإشارة فيها إلى العقل.
    "ويحرص الإسلام على تحقيق الأمن الفكرى لما لذلك من أثر فى حماية العقل وتنميته، وتتعدد أساليب التربية النبوية لحفظ العقل وتنميته، ومن أبرز تلك الأساليب: الموعظة، والحوار، والإقناع، والتدرج، والتلقين، والتكرار".(1)
    "والإسلام عندما يخاطب العقل فإنه يخاطبه بكل ملكاته وخصائصه، فهو يخاطب العقل الذى يعصم الضمير، ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور، ويوازن بين الأضداد، ويتـأمل ويعتبر ويتعظ ويتدبر ويحسن التدبير والروية".( )
    وقد وعى رجال الفكر الإسلامى القيمة الكبرى التى يسبغها الإسلام على العقل فوصفه الغزالى بأنه: "أنموذج من نور الله، ووصفه الجاحظ بأنه: وكيل الله عند الإنسان".( )
    وإذا كانت وظيفة العقل على هذا النحو فإن محاولة تعطيله عن أداء هذه الوظيفة يُعد تعطيلًا للحكمة التى أرادها الله من خلق العقل، مثلما يعطل الإنسان حاسة من الحواس التى أنعم الله بِهَا عليه عن أداء وظيفتها التى خُلقت من أجلها، وهؤلاء الذين يفعلون ذلك يصفهم القرآن الكريم بأنَّهُم أحطُّ درجةً من الحيوان, كما جاء فى قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف179]، ومن هذا المنطلق يعتبر الإسلام عدم استخدام العقل خطيئة من الخطايا الكبرى وذنبًا من الذنوب العظمى التى يمكن أن تُوديَ بصاحبها إلى الهلاك الأبديِّ، وفى ذلك يحكى القرآن عن الكفار يوم القيامة قولهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ}[الملك10-11].
    "ولهذا كانت دعوة القرآن للإنسان؛ لاستخدام ملكاته الفكرية دعوة صريحة لا تقبل التأويل، فالإسلام يجعل التفكير واجبًا مقررًّا وفريضة إسلامية، ومن هنا قرر ابن رشد أن الشرع قد أوجب النظر بالفعل فى الموجودات واعتبارها، وذلك أخذًا من آيات القرآن الكريم

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : حقوق الإنسان فى الإسلام 710
    عارضة الطاقة :
    حقوق الإنسان فى الإسلام Left_bar_bleue90 / 10090 / 100حقوق الإنسان فى الإسلام Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    حقوق الإنسان فى الإسلام Empty رد: حقوق الإنسان فى الإسلام

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أبريل 12 2011, 18:28

    وحفظ العقل لن يكون له معنى بدون الحرية؛ حرية هذا العقل فى التفكير والتعبير عن رأيه وطرح وجهات نظره دون حجر على الرأى أو مصادرة للفكر.
    وما يصدر عن الإنسان من رأى قد لا يكون بالضرورة صائبًا دائمًا، ولكن تقويم هذا الرأى يكون بالحجة والمنطق وليس بالقهر والإرغام.
    والحرية ترتبط دائمًا بالمسئولية، فليست هناك حرية تخرج عن هذا النطاق، وإلا أصبحت الأمور فوضى لا ضابط لها ولا نظام، والمسئولية هى صمام الأمان لضمان البعد عن التجاوزات التى قد تثير الفتنة بين الناس أو تعكر صفو النظام العام للمجتمع، أو تُعَّرض أمن الوطن للخطر.
    إن الحرية هى قوام العقل، وافتقارها يعنى إلغاء دور العقل، وإلغاء دور العقل يؤدى إلى تخلف الفكر، وبالتالى يؤدى إلى تخلف المجتمع، ومن أجل ذلك فإن حفظ العقل يعنى ضمان الحرية للعقل وحمايته من أيِّ عدوان على حقه فى التفكير والتعبير.
    واختلاف وجهات النظر فى المسألة الواحدة من شأنه أن يُثْرِيَ الفكر من خلال تفاعل الآراء، وتمهيد الطريق للوصول إلى أفضل الآراء بما يحقق أفضل النتائج.
    ولا يجوز أن يُنظر إلى اختلاف الآراء على أنه أمر مزعج، أو مثير للقلق، إنه بالأحرى أمر طبيعى ومطلوب، ويعد ظاهرة صحية تدل على حيوية الأمة، فقد خلق الله الناس مختلفين، كُلٌّ له شخصيته المستقلة {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}[هود 118-119].
    ولكن الاختلاف فى وجهات النظر ينبغى أن يظل فى دائرة حرية الفكر دون أيِّ شكل من أشكال التعصب، ومن الضروريِّ أن تكون هناك بين المتحاورين مساحة تتيح الاستماع لمختلف وجهات النظر دون حجر على رأى أو مصادرة لفكر، فالحقيقة ليست ملكًا لأحد ولا احتكار لطائفة دون أخرى.
    إن اتساع مجال الرؤية لدى العقل من شأنه أن يفسح مجالًا واسعًا لاختلاف الآراء وتعدد الرؤى الفكرية، الأمر الذى يثري الحياة الفكرية للأمة ويساعدها على الوصول إلى أفضل الآراء لحل مشكلاتها المختلفة، كما يؤدى إلى الإبداع الفكرى الذى يشمل جميع مجالات الحياة، والأمة التى ينشط فيها العقل ويتحرك فيها الفكر أمة لا يُخشى عليها من شىء؛ لأنَّها تكون حية بعقول أبنائها، متحركة بحركة أفكارهم.
    وفى مثل هذا المناخ الفكريِّ السليم يختفى التعصب الأعمى وما يصحبه من ضيق فى الأفق وتحجر فى الفكر، ويحل محلَّ ذلك التسامح واحترام وجهات نظر الآخرين، وافتراض حسن النية فيما يصدر عنهم من آراء وأفكار حتى فيما يتصل بأمور الدين.
    والحفاظ على العقل لا يكتمل إلا بضمان حق التعليم للإنسان؛ لتتسع مداركه ويتسع أفق الرؤية العقلية لديه، وبالتالى يكون قادرًا على المشاركة الفعالة فى تنمية المجتمع وتقدمه وازدهاره.
    ومن ذلك كله يتضح لنا مدى الأهمية العظمى للعقل فى نظر الإسلام، وضرورة ممارسته لوظائفه التى خُلق من أجلها؛ حتى تستقيم حياة الإنسان على الأرض، كما يتضح لنا-أيضًا-لماذا كان حفظ العقل وحمايته أحد المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية؟.. ومن أجل ذلك حرم الإسلام العدوان على العقل الإنسانى بأيِّ شكل من الأشكال.
    والعدوان على العقل له صور عديدة، ومن ذلك عدوان الشخص نفسه على عقله بتدميره عن طريق تعاطى المخدرات التى تفسده وتشل فاعليته، وتضر-بالتالى-بالمجتمع الذى يعيش فيه؛ نظرًا لأن هذا السلوك المنحرف من شأنه أن يفقد المجتمع عضوًا كان من المفروض أن يكون عضوًا صالحًا وعقلًا مفكرًا يساعد على بناء مجتمعه وتقدمه.
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : حقوق الإنسان فى الإسلام 710
    عارضة الطاقة :
    حقوق الإنسان فى الإسلام Left_bar_bleue90 / 10090 / 100حقوق الإنسان فى الإسلام Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    حقوق الإنسان فى الإسلام Empty رد: حقوق الإنسان فى الإسلام

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أبريل 12 2011, 18:29

    "فأيُّ آفةٍ تنال العقل عن طريق العدوان عليه تجعل صاحبه عبئًا على المجتمع ومصدر شرٍّ وأذًى للناس، وهذا يعنى أن عقل كل فرد من أفراد المجتمع ليس حقًّا خالصًا له يتصرف فيه كيف يشاء، بل للمجتمع حقٌّ فيه أيضًا باعتبار كل شخص لبنة من لبنات المجتمع، وأن مصالح الأمة لا تستقيم إلا إذا كانت عقول أبنائها سليمة من الآفات؛ قادرة على التفكير السليم والتخطيط الدقيق لكل ما من شأنه أن يعود بالخير والسعادة على الأفراد والجماعات".( )
    ومن أجل ذلك قرر الإسلام عقوبة توقع على الشخص إذا تناول عَمْدًا ما يُفسد عقله؛ لأنه بذلك قد تسبب فى ضرر المجتمع، فضلًا عن الضرر الذى جلبه لنفسه.
    ومن صور العدوان على العقل-أيضًا-أن يجند الشخص ذكاءه وملكاته العقلية فى أعمال الشر التى تضر بالآخرين وبالمجتمع بصفة عامة.
    وقد يكون العدوان على العقل عن طريق الآخرين الذين يقدمون له الزاد الثقافى الفاسد ويمنعون عنه مصادر التثقيف السليم، أو يقومون –أفرادًا أو جماعات– بعمليات غسيل مخ لمن يُرَادُ أن ينقادوا لهم كالقطيع، أو غير ذلك من وسائل أخرى تَهْدِفُ إلى الإضرار بالعقل الإنسانى على أيِّ نحو.
    ولا شك فى أن العدوان على العقل الإنسانى على هذا النحو أو ذاك يُعَدُّ فى الوقت نفسه عدوانًا فى حق الله، وإلغاء لحكمته من خلق العقل؛ ليكون نورًا يكشف للإنسان طريقه إلى الحق والرشاد ويقدم من خلاله الخير لنفسه وللآخرين.
    "ومن هنا يأتى حرص الشريعة على الحفاظ على العقل الإنسانى وحمايته من العبث به بأيِّ شكل من الأشكال؛ لأن فى ذلك وقاية للشخص نفسه، وللمجتمع الذى يعيش فيه، من الشرور والآثام".( )
    الموضوع الثالث: حِفْظُ الدِّينِ
    يُعد الدين فى ذاته حاجة فطرية للإنسان من حيث كَوْنِهِ إنسانًا، ومن هنا عرَّف علماء الأديان الإنسان بأنه كائن متدين؛ لأنه الكائن الوحيد من بين كل الكائنات الذى يميل إلى التدين بطبعه، فالتدين خاصة من خواص الإنسان، وحق أصيل من حقوقه تُعنى به الشريعة الإسلامية، ولا ينبغى غبن حق الإنسان فى التدين أو تقويض أركانه أو تفتيته بفعل القوانين الوضعية، أو بفعل تأثير شعارات التعايش والسلام وصراع الحضارات أو تحاورها، أو تقارب الأديان وغير ذلك من الشعارات التى يموج بها الواقع المعاصر.
    ولقد أخبرنا القرآن الكريم أن بداية تدين الإنسان كما بينها الله  كانت منذ بدأ خلقه من الطين، وأنه عندما اكتملت تسويته وتم صنعه من هذه المادة الطينية التى تشتمل على كل العناصر الأساسية للمادة أضاف الحق  إلى هذه المادة عنصرًا آخر جوهريًّا، وقد تمثل ذلك فى العنصر الروحى الذى به اكتمل خلق الإنسان، والذى به صار الإنسان إنسانًا، وأصبح جديرًا بأن يطلب الله من الملائكة أن يسجدوا له؛ تمجيدًا لصنع الله وتكريمًا للإنسان، وفى ذلك يقول القرآن الكريم:{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}[الحجر29].
    "ونلاحظ فى هذه الآية حقيقة هامة لا يجوز أن تغيب عن الأذهان وهى: أن الله قد نسب هذا العنصر الروحى إلى ذاته، فقد نفخ الله فى الإنسان من روحه هو-سبحانه-، وهذا تكريم ما بعده تكريم وخصوصية للإنسان لم ينلها أحد غيره من الخلق، فبقية المخلوقات الأرضية تشترك مع الإنسان فى العنصر الماديِّ، ولا يمتاز الإنسان عنها فيه شيئًا أكثر من جمال الصورة وكمال الصنعة، ولكن الامتياز الوحيد الأهم من ذلك كله هو فى هذا الجانب الروحى الربانى الذى به أصبح الإنسان خليفة الله فى الأرض".( )
    فالجوهر الأصيل للإنسان إذن؛ يتمثل فى الروح التى خلقها الله وجعلها من أمره وليس فى المادة، ومن منطلق هذه الصلة التى تربط الروح الإنسانية بالروح الإلهى يتوق الإنسان بطبعه فى حياته الدنيوية إلى أصله الأصيل ويتحرق شوقًا إلى مصدره الإلهى، وقد تحجب بعض الاهتمامات المادية للإنسان هذا الميل الفطرى لديه، ولكنها لا تستطيع أن تقضى عليه.
    وتتمثل هذه النزعة الروحية الأصلية لدى الإنسان فى التدين الذى هو علاقة روحية بين الله والإنسان، وقد أراد الله أن يساعد الإنسان على عدم نسيان هذه الصلة الروحية فأرسل الأنبياء والرسل إلى البشر على مر التاريخ؛ لتذكيرهم بهذه الصلة التى تستوجب شكر الإنسان لله والالتزام بطاعته عن اختيار، "ومن أجل المحافظة على التدين وحمايته وتحصين النفس بالمعانى الدينية؛ شُرعت العبادات كلها، فهى لتزكية النفس وتنمية روح الدين".( )
    وتشترك الأجناس البشرية كلها فى الغريزة الدينية، فالاهتمام بالمعنى الإلهى وبما فوق الطبيعة هو إحدى النزعات العالمية الخالدة للإنسانية، وهذا ما جعل أحد المفكرين الغربيين (برجسون) يقول: " لقد وُجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد أبدًا جماعة بغير ديانة".( )
    وحاجة الإنسان إلى الدين ليست مجرد إشباع نزعة فطرية لديه مثل بقية حاجاته الأخرى، وإنما هو –فضلًا عن ذلك– فى حاجة إلى الدين لأنه منهج للهداية ومرشد للسلوك ومهذب للنفوس بما يشتمل عليه من توجيهات إلهية صادرة من خالقه الذى يعلم علم اليقين ما يصلح هذا الإنسان وما يفسده، وفى ذلك يقول القرآن الكريم: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك14].
    فإذا تحدثت الشريعة الإسلامية عن ضرورة حفظ الدين وحماية العقيدة الدينية للإنسان فإنَّها لا تنطلق من فراغ، بل ترتكز على نزعة فطرية أصيلة فى نفس الإنسان، فضلًا عن أن هذه النزعة الإيمانية تُشكل بالنسبة للإنسان ضرورة حياتية لا تستقيم حياته بدونِهَا.
    ومن هنا نرى فى عالمنا المعاصر مقدار ما يعانيه الإنسان فى العصر الحديث من تمزق نفسى بسبب الفراغ الروحى الذى يعانيه، الأمر الذى يجعله كالمعلق بين السماء والأرض؛ لأنه يفقد الأساس الراسخ الذى يركن إليه، ويفقد الإيمان الذى يملأ جوانب نفسه بالسكينة والطمأنينة، والبدائل التى يلجأ الإنسان إلى الإيمان بِهَا كالإيمان بالعلم أو بالإنسان أو المادة.. إلخ، ولا يعنى فتيلًا ولا تشفى غليلًا.
    وإذا كان الدين له فى حياة الإنسان كل هذه الأهمية الكبرى وله هذا الأثر البالغ فى تشكيل حياته وصياغة سلوكه فإنه يُعد حقًّا أصيلًا للإنسان لا يجوز لأحد أن يعتدى عليه بأيِّ شكل من الأشكال.
    واختيار الإنسان لدينه ومعتقده اختيار حر لا يجوز إكراه أحد عليه، ومن هنا قرر الإسلام مبدأ حرية العقيدة بشكل صريح لا يقبل التأويل –كما يؤكد ذلك القرآن الكريم فى قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة256] وفى قوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[الكهف29]، فإكراه الناس على الإيمان بدين من الأديان من شأنه أن يوَّلد منافقين لا مؤمنين.
    وإذا كان صاحب كل دين من حقه أن يدعو إلى دينه فإنه ليس من حقه أن يلجأ إلى وسائل غير مشروعة؛ لمحاولة تحويل الناس عن عقائدهم الدينية، فالغاية لا تبرر الوسيلة بأيِّ حال من الأحوال.
    ومن أجل ذلك يرسم القرآن الكريم المنهج الذى يجب الالتزام به فى الدعوة إلى الدين فى قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل125].
    ولم يلجأ الإسلام إطلاقًا إلى إجبار الآخرين من أصحاب الديانات الأخرى على الدخول فى الإسلام، وقد لفت القرآن الكريم نظر النَّبِـي S إلى أن مهمته تنحصر فى التبليغ فقط{فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران20] وتتعدد الآيات فى هذا الشأن مثل قوله تعالى:{أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}[يونس99].
    وذلك كله يأتى انطلاقًا من مبدأ ثابت فى شريعة الإسلام يضمن حرية الاختيار للمعتقد الدينى دون تخويف أو إكراه، ومن هنا نفهم حرص الإسلام على جعل حفظ الدين للإنسان وحمايته ومنع العدوان عليه حقًّا أصيلًا للإنسان، ومقصدًا أساسيًّا من مقاصد الشريعة الإسلامية التى ترفع لواء التسامح الذى لا نظير له فى السابق ولا فى اللاحق.
    الموضوع الرابع: حِفْظُ النَّسْلِ
    يحرص الإسلام أشد الحرص على سلامة المجتمع وقوة أفراده؛ لينهض كل فرد بمسئوليته الملقاة على عاتقه؛ من أجل النهوض بالحياة والأحياء، وحفظ النسل بوصفه أحد الحقوق الأصيلة للإنسان، ومقاصد أساسى للشريعة الإسلامية يُعنى بصفة عامة المحافظة على النوع الإنسانى،كما يُعنى بصفة خاصة المحافظة على الأسرة التى تُعد الخلية الأولى فى تكوين أيِّ مجتمع إنسانى سليم.
    ومن هنا يهتم الإسلام بحفظ الأنساب وحمايتها من الاختلاط، ويحرم زواج المحارم، ويوصى بعدم زواج الأقارب لما يترتب عليه من ضعف النسل -كما تؤكد ذلك البحوث العلمية أيضًا- ولكن هناك هدف آخر وراء ذلك وهو أن تتسع دائرة المودة والرحمة لتشمل غير الأقارب بدلًا من تضييق دائرتِهَا فى نطاق الأقارب فقط.
    وهذا كله يدخل فى إطار جلب المصالح ودرء المفاسد عن النوع الإنسانى، فإذا كانت الأسرة هى الخلية الأولى والعنصر الأساسى فى تكوين المجتمع فإن الزواج هو السبيل الوحيد؛ لتكوين الأسرة فى الإسلام، وحتى تنشأ الأسرة فى جو من الطمأنينة والاستقرار جعل الإسلام الزواج يقوم على علاقة المودة والرحمة( ) حتى يتهيأ للأطفال مناخ صحيّ؛ لتربيتهم تربية سليمة؛ ليكونوا بعد ذلك عناصر قوية وفعالة فى المجتمع.
    "ومن هنا حرم الإسلام الاعتداء على الحياة الزوجية واهتم بحمايتها من كل ما يزعزع كيانها، كما حرم الاعتداء على الأعراض سواء بالقذف أو بالفاحشة، وقرر العقوبات المناسبة لهذه الجرائم حماية للنسل".( )
    وحرم الإسلام الممارسات الجنسية غير السوية خارج إطار العلاقات الزوجية لما يترتب عليها من أمراض فتاكة تُهدد النوع الإنسانى، ومرض الإيدز الذى يهدد اليوم حياة عشرات الملايين من البشر فى العالم ناتج بالدرجة الأولى من الفوضى الجنسية خارج نطاق العلاقة الزوجية.
    وما يحدث اليوم من ظواهر جديدة فى دول العالم المتقدم من الميل إلى التخلى عن هذه الرابطة المقدسة فى العلاقة الزوجية القائمة على المودة والرحمة والاستعاضة عن ذلك بعلاقات أو ارتباطات حرة بين الرجل والمرأة بعيدًا عن رابطة الزوجية سيكون له تأثيره الكبير الضار على العلاقات الإنسانية وعلى الأطفال الناتجين عن هذه العلاقات غير الشرعية، الأمر الذى يُسهم فى تدمير الأسرة وبالتالى تدمير المجتمع الإنسانى، وتدمير المشاعر والعواطف الإنسانية التى توفرها الأسرة للرجل والمرأة والأطفال والأقارب.
    ومما يزيد الطين بلة تلك الظواهر التى أطلت برأسها فى المجتمعات الغربية وبدأت تجد قبولًا لدى بعض هذه المجتمعات وتكتسب شرعية وهى زواج المثلين، فالرجل يتزوج رجلًا والمرأة تتزوج امرأة، فماذا يبقى بعد ذلك من حماية للأسرة وللنسل وللنوع الإنسانى؟
    وإذا كانت كل هذه الممارسات التى تحدث بدعوى الحرية الشخصية مما يعد إساءة استخدام لهذه الحرية فإن هناك تطورات أخرى أتى بها البحث العلمى فى عصرنا الحاضر، ويمكن أن تسهم-أيضًا-فى زيادة الأخطار التى تُهدد الأسرة والعلاقات الإنسانية ونعنى بذلك الاستنساخ البشرى.
    وعلى الرغم من أن هذا الاستنساخ فى مجال الإنسان لا يزال فى بداياته فإن المؤشرات تشير إلى الإصرار على أن تسير التجربة إلى نهايتها –وقد تكون حدثت بالفعل– على الرغم مما ستؤدى إليه من نتائج خطيرة ومشكلات شائكة ومعقدة من شأنِهِا تَهْدِيد نظام الأسرة كله.
    ولا يستثنى من ذلك أقرب صور الاستنساخ البشرى للمعقولية والتى تتمثل فيما إذا كان الزوجان لا ينجبان، وتم أخذ المادة الوراثية أو الخلية من الزواج وكانت المرأة الحاضنة لهذه المادة الوراثية هى الزوجة، فإن الجنين المستنسخ سيكون من جهة ابنًا للزوجين، ومن جهة أخرى نسخًا للأب بمثابة التوأم، أما الأم فإن دورها سيكون مجرد حاضنة للمادة الوراثية.
    ويتضح لنا من هذه الصورة من صور الاستنساخ البشرى وغيرها من صور أخرى أكثر تعقيدًا مدى ما سوف يسببه الاستنساخ البشرى من خلل فى العلاقات الاجتماعية والعاطفية، بل قد يصل الأمر إلى إلغاء عاطفة الأبوين أو الأمومة.
    ولنفكر فى الأمر عندما تُؤخذ الخلية من الرجل؛ لتوضع فى رحم امرأة قد تكون من محارمه المحرم زواجه منها، بل قد تؤخذ الخلية من أنثى والبويضة من أنثى أخرى ثم تُزرع بعد التلقيح فى رحم أنثى ثالثة، فأيَّةُ مصلحة حقيقية للنوع الإنسانى فى ذلك؟ وإلى من ينتمى الجنين؟ أليس فى ذلك جناية عليه وإهدار لكرامته؟ ألا يعنى ذلك أن الإنسان لم يعد ينظر إليه فى الاستنساخ البشرى على أنه غاية فى ذاته، بل يصبح مجرد وسيلة يمكن التلاعب فيها وبِهَا؟.
    إن التنوع سنة الحياة، ومن شأنه إثراء الحياة، وهذا ما عرفته البشرية منذ نشأتها، والاستنساخ من شأنه أن يأتى لنا بنسخ مكررة، وقد أراد الخالق للناس أن يكونوا مختلفين، وأن يكون لكل فرد شخصيته المستقلة؛ ولتأكيد هذا الاختلاف بين البشر أعطانا الله رمزًا ماديًّا يؤكد ذلك يتمثل فى عدم اتفاق بصمة إبْهَام فردين فى هذا الوجود، وذلك له دلالته البالغة فى التأكيد على التنوع والاختلاف.
    وهذا أمر لا يتحقق عن طريق الاستنساخ الذى ستكون له آثاره الضارة، بل والمدمرة، من النواحى الدينية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية والقانونية( ).
    إن حفظ النسل بوصفه حق من حقوق الإنسان يتجاوز الدائرة الإسلامية؛ ليصب فى مصلحة النوع الإنسانى كله، فأيُّ خلل يصيب أيَّ جزءٍ من أجزاء العالم تتأثر به بشكل أو بآخر أجزاء العالم الأخرى، فالناس جميعًا –كما يُقرر القرآن– خُلقوا من نفس واحدة( ) وهذا يعنى أن كل فرد فى هذا الوجود يعد جزءًا منتسبًا لهذه النفس الواحدة.
    ومن هنا تأتى المسئولية الجماعية لحماية البشرية كلها من أيِّ أخطار تُهدد وجودها، والإسلام يريد أن يُقدم النموذج السليم للبشرية من أجل ضمان استمرارها وبقائها فى أمن وسلام.
    وقد عبر بعض العلماء عن حفظ النسل بحفظ العرض، وهو ما يمكن أن يُطلق عليه-أيضًا-حفظ كرامة الإنسان، وهنا يصبح حفظ النسل والعرض صورتين من صور حفظ كرامة الإنسان التى أنعم الله بها عليه فى قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[الإسراء70].


    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : حقوق الإنسان فى الإسلام 710
    عارضة الطاقة :
    حقوق الإنسان فى الإسلام Left_bar_bleue90 / 10090 / 100حقوق الإنسان فى الإسلام Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    حقوق الإنسان فى الإسلام Empty الموضوع الخامس: حِفْظُ المَالِ

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أبريل 12 2011, 18:29

    الموضوع الخامس: حِفْظُ المَالِ

    حفظ المال حق من حقوق الإنسان، فكما أن النفس معصومة فكذلك المال، فلا يحل أخذ المال بأيِّ وسيلة من الوسائل غير المشروعة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء 29] وأكل الأموال بالباطل يشمل كل طريقة؛ لتداول الأموال بما لم يأذن بِهَا الله أو نَهَى عنها، ومنها الغش والرشوة والقمار واحتكار الضروريات؛ لإغلائها وجميع أنواع البيوع المحرمة، والربا في مقدمتها، ويشمل-أيضًا-كل ما يؤخذ عوضًا عن العقود الفاسدة أو الباطلة كبيع ما لا يملك وثمن المأكول الفاسد غير المنتفع به كالجوز والبيض والبطيخ وثمن ما لا قيمة له ولا ينتفع به كالقرود والخنازير والذباب والزنابير والميتة والخمر وأجر السائمة وآلة اللهو، فمن باع بيعًا فاسدًا وأخذ ثمنه سواء كان ثمنه حرامًا خبيثًا وعليه ردُّهُ.
    وقد يأكل الإنسان مال نفسه بالباطل وذلك بإنفاقه في المعاصي، أو البطر أو الإسراف، وعبر بكلمة (أموالكم) للإشارة إلى أن مال الفرد هو مال الأمة مع احترام الحيازة والملكية الخاصة وإباحة التصرف بالمملوك بحرية تامة ما لم يكن هناك ضرر بالأمة أو بالمصلحة العامة.
    وكذلك مال الأمة هو مال الفرد فعليه المحافظة على الأموال العامة كما يحافظ الشخص على أمواله الخاصة.
    وهذا يومئ إلى وجوب التكافل الاجتماعي بين الفرد والأمة وبين الشخص والمجتمع فعلى الأمة ممثلة بالدولة إشباع حاجة الفرد عند الضرورة، وعلى الفرد دعم الأمة بالإنفاق في سبيل الله والجهاد والمصالح العامة؛ لتتمكن الأمة من الدفاع عن مصالح الأفراد، وحماية البلاد والأموال والأشخاص.
    ولكن ليس للمحتاج أن يأخذ شيئًا من أموال الآخرين إلا بإذنهم؛ صونًا للأموال ومنعًا للفساد والفوضى ومنعًا لانتشار البطالة وشيوع روح الكسل بين الأشخاص.
    قال S( ): «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ».
    قال النووى: "قوله S: (فقد أوجب الله تعالى له النار وحرم عليه الجنة) فيه وجهان؛ الأول: أنه محمول على المستحل لذلك إذا مات على ذلك فإنه يكفر ويخلد في النار, والثاني: معناه فقد استحق النار, ويجوز العفو عنه, وقد حرم عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين، وأما تقييده S بالمسلم فليس يدل على عدم تحريم حق الذمي بل معناه أن هذا الوعيد الشديد وهو أنه يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان لمن اقتطع حق المسلم، وأما الذمي فاقتطاع حقه حرام لكن ليس يلزم أن تكون فيه هذه العقوبة العظيمة، هذا كله على مذهب من يقول بالمفهوم, وأما من لا يقول به فلا يحتاج إلى تأويل، وقال القاضي عياض رحمه الله: تخصيص المسلم لكونهم المخاطبين وعامة المتعاملين في الشريعة, لا أن غير المسلم بخلافه, بل حكمه في ذلك"( ).
    ثم إن هذه العقوبة لمن اقتطع حق المسلم ومات قبل التوبة، أما من تاب فندم على فعله ورد الحق إلى صاحبه وتحلل منه وعزم على أن لا يعود فقد سقط عنه الإثم.
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : حقوق الإنسان فى الإسلام 710
    عارضة الطاقة :
    حقوق الإنسان فى الإسلام Left_bar_bleue90 / 10090 / 100حقوق الإنسان فى الإسلام Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    حقوق الإنسان فى الإسلام Empty رد: حقوق الإنسان فى الإسلام

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أبريل 12 2011, 18:30

    وفي هذا الحديث بيان غلظ تحريم حقوق المسلمين وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره لقوله S: (وإن قضيبًا من أراك).
    وقالs ( ): «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ».
    قال النووى: "فيه جواز قتل من قصد أخذ المال بغير حق سواء كان المال قليلًا أو كثيرًا وهو قول الجمهور, وشذَّ من أوجبه, وقال بعض المالكية: لا يجوز إذا طلب الشيء الخفيف، قال القرطبي: سبب الخلاف عندنا هل الإذن في ذلك من باب تغيير المنكر فلا يفترق الحال بين القليل والكثير أو من باب دفع الضرر فيختلف الحال؟ وحكى ابن المنذر عن الشافعي قال: من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله الاختيار أن يكلمه أو يستغيث, فإن منع أو امتنع لم يكن له قتاله وإلا فله أن يدفعه عن ذلك ولو أتى على نفسه, وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة, لكن ليس له عمد قتله، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل, إلا أن كل من يُحفظ عنه من علماء الحديث المجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه، وفرَّق الأوزاعي بين الحال التي للناس فيها جماعة وإمام فحمل الحديث عليها, وأما في حال الاختلاف والفرقة فليستسلم ولا يقاتل أحدًا، ويرد عليه ما وقع في حديث أبي هريرة عند بلفظ: أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ( ):«فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي قَالَ: قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ»"( ).
    والسرقة ماهى إلا اعتداء على أموال الناس وعبث بِها، والأموال أحب الأشياء إلى النفوس فتقرير عقوبة القطع لمرتكب هذه الجريمة؛ حتى يكف غيره عن اقتراف جريمة السرقة، فيأمن كل فرد على ماله، ويطمئن على أحب الأشياء لديه وأعزها على نفسه، مما يعد من مفاخر هذه الشريعة.
    وقد ظهر أثر الأخذ بِهذا التشريع فى البلاد التى تطبقه واضحًا فى استتباب الأمن وحماية الأموال وصيانتها من أيدى العابثين والخارجين على الشريعة والقانون.
    وحفظ المال مرتبط بالمسئولية عنه، وهذه المسئولية لا تقتصر على حماية هذا المال فحسب، بل تتعدى ذلك إلى المسئولية عن كسبه وإنفاقه واستثماره، وإعطاء كل ذى حق حقه.
    ويؤكد ذلك تأكيدًا واضحًا قول الرسولs ( ): «لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ».
    وحتى لا يكون المال {دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء}[الحشر7] فقط – أيّ متداولًا بينهم لا يأخذ منه الفقير شيئًا– فرض الإسلام الزكاة؛ حتى لا يتركز المال فى يد طبقة معينة ويحرم منه الفقراء، فمنفعة المال يجب أن تكون عامة تعود على المجتمع كله بالخير والنماء.
    "وتُعد الزكاة أحد الوسائل الهامة التى أراد الإسلام من خلالها تعميم منفعة المال، وبذلك أرسى قواعد التكافل الاجتماعى؛ لأن الإسلام بطبيعته دين اجتماعى وليس دينًا روحيًّا فرديًّا تنحصر مهمته فى صرف الناس عن دنياهم إلى أُخْرَاهم؛ وإنما مهمته أن يأخذ بيد الإنسان إلى الطريق الذى به سعادته فى دنياه وأخراه، فالإسلام يرى أن سعادة الآخرة من سعادة الدنيا، وقد أراد الإسلام من وراء تشريع الزكاة –التى هى ركن عبادى من أركان الإسلام– أن يجعل منها تّهذيبًا للفطرة الإنسانية من ناحية، ومن ناحية أخرى تنظيمًا لشئون المجتمع".( )
    ولم تكن الزكاة هى الوسيلة الوحيدة، فقد حدد الإسلام فى حالات أخرى كثيرة كفارات تنفق على ذوي الحاجة، فهناك كفارة اليمين، كفارة اعتداء المُحرم على الصيد، وكفارة الظهار، وفدية الإفطار فى رمضان وغيرها من الصدقات التى يمتدحها القرآن وَبَيَّنَ أنَّها خير للجماعة غير محدود, سواء كانت معلنة أم غير معلنة: {إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}[البقرة271].
    وحتى لا يظن الغَنِىُّ أن ما ينفقه من مال على الفقراء يُعد تفضلًا من جانبه نَبَّهَ القرآن الكريم إلى أن مثل هذا الإنفاق هو حق من حقوق الفقراء على الأغنياء، كما سبق أن أشرنا إلى بعض الآيات القرآنية الواردة فى هذا الشأن.
    ولا تقتصر الزكاة على المال النقديّ فقط، بل تتعدى ذلك إلى الذهب والفضة والبضائع التجارية والمواشى والزرع بنسب لا تُرهق الغنِيَّ ولكنها تُلبى حاجة الفقير.
    والواقع أن إخراج الزكاة وتوزيعها على الفقراء ينزع الشُّحَّ من نفوس الأغنياء والحقد من نفوس الفقراء، وتعود ثمرة ذلك على الأغنياء أنفسهم فى اطمئنانِهم إلى الأمن على ثرواتِهم، وهذا كله من شأنه أن يعود على المجتمع ذاته بالخير، فأفراد المجتمع فى هذا المناخ الصحيِّ سيتجهون إلى العمل من أجل صالح المجتمع، وفى ذلك الخير كل الخير للجميع أغنياء وفقراء.
    ونظرًا لأن الإسلام دين الفطرة فإن تشريعاته لا تصادم الفطرة الإنسانية، ومن هنا يرفض الإسلام نزع ملكيات الإفراد وإلغاء الملكية الفردية كما يرفض فى الوقت نفسه تكديس الثروة فى يد طبقة معينة تتحكم بنفوذها وأموالها فى مصير المجتمع، فالإسلام دين الوسطية، وهو إذ يحض من خلال تعاليمه على التعاون والتعاطف بين الناس وإغاثة الملهوف وسد حاجة المحتاج، وتفريج كرب المكروبين فإنه يغرس بذلك عواطف المحبة بين الناس من أجل قيام مجتمع يسود فيه التكافل الاجتماعى.
    ومن أجل تحريك عواطف الأغنياء تجاه الفقراء لا يكاد المرء يجد سورة من سور القرآن لم تتحدث عن الفقراء "فتتحرك لهم عواطف الأغنياء وتستدر منهم الرحمة والبر والمعونة، تارة بالترغيب، وأخرى بالترهيب، وثالثة بتصوير الإحسان فى صورة محببة إلى النفوس، وتصوير البخل والشح فى صورة كريهة ممقوتة"( ) كما جاء فى القرآن الكريم: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء}[البقرة 261] وفى قوله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر9].
    إن اهتمام الإسلام بالجانب الاجتماعى وسلامة العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع لا يقل شأنًا عن اهتمامه بالجوانب العبادية الأخرى، فهناك ارتباط تام بين العبادات التى تبدو أنَّها فردية وبين قضايا المجتمع، والمعروف أن الزكاة عبادة وتُشكل ركنًا من أركان الإسلام يعود ثواب أدائها على صاحب المال، ولكنها فى الوقت نفسه لون من ألوان التكافل الاجتماعى الذى يعود على المجتمع بالخير، وكل عبادة من العبادات الأخرى يستطيع المرء أن يجد فيها هذا الارتباط بين الجانب الفردى والجانب الاجتماعى.
    ولكنَّ كثيرًا من الناس –وبخاصة فى عصور التراجع الحضاريِّ والتخلف الفكريِّ– أصبحوا يهتمون بالعبادات بمعناها الضيق، ويركزون على الجانب الفرديِّ من الآداب والسنن، وانحصرت مقاييس التقوى لديهم فى هذا المجال الفردى وإهمال الجانب الاجتماعيِّ.
    وكمثال على ذلك ما يقبل عليه كثير من الناس من تكرار الحج كل عام، وتكرار العمرة أكثر من مرة فى العام الواحد، وإنفاق الأموال الطائلة فى سبيل ذلك، مع أن المطلوب شرعًا هو الحج مرة واحدة للقادر عليه، والحج فى العادة مقترن بالعمرة، وقد حج النَّبِـي S مرة واحدة.
    وهكذا تُهدر هذه الأموال الطائلة على نحو لا يرضى الله ورسوله، والحق أن هذه الأموال لو أنفقت فى سبيل مصلحة المجتمع من بناء المدارس والمساجد والمستشفيات ومؤسسات الأيتام وتشغيل العاطلين.. إلخ، لكان ثوابها عند الله أكبر من ثواب تكرار الحج والعمرة.
    إن غياب الحس الاجتماعى وتحكم الأنانية فى تكرار الحج والعمرة مخالف مخالفة صريحة لما يريده الإسلام الذى هو دين اجتماعى وليس دينًا فرديًّا، فالإسلام فى الوقت الذى يهتم فيه بمصلحة الفرد يهتم بنفس القدر بمصلحة المجتمع الذى يمثل مجموع الأفراد، ومن هنا كان اهتمامه البالغ بالتكافل الاجتماعيِّ، وأعتقد أن الإسهام فى تنمية المجتمع فى الظروف التى نعيشها اليوم له الأولوية المطلقة على تكرار الحج والعمرة.
    وقد أشرنا إلى هذا الموضوع بالذات كمثال، ولكن هناك فى مجتمعاتنا الإسلامية أمثلة أخرى مشابِهَة، وقد سبق أن أشرت إلى أن إنفاق المال مرتبط بالمسئولية، ومرتبط أيضًا بالأولويات، ولا يجوز لنا أن نقلب هرم الأولويات ونجعل من الضروريات هامشيات، ومن السُّنَنِ والنَّوافل ضروريَّات، وننسى أننا نعيش فى مجتمع له حقوق علينا لا يجوز لنا أن نتنصل منها.
    إن تقدم الأمة الإسلامية لن يتم بالتركيز على العبادات الفردية فقط بل يجب الإهتمام بالجانب الإجتماعيِّ وإعمار الأرض ماديًّا ومعنويًّا، هذا الإعمار الذى أصبح اليوم فريضة من الفرائض التى لا تقل شأنًا عن فرائض الإسلام الأخرى من صلاة وصيام وحج..إلخ، وهذا أمر ينبغي على المسلمين أن يضعوه فى موضعه الصحيح حتى تتبدل أحوال الأمة الإسلامية إلى ما نرجوه لها من تقدم وازدهار، وهذا لا يتم بالأمنيات ولكن بالعمل المخلص النابع من اقتناع ثابت بمقاصد الشريعة الإسلامية: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد11].
    والمال فى الإسلام هو فى الحقيقة مال الله، والإنسان مستخلف فيه بوصفه خليفة الله فى الأرض، ومن هنا يأمرنا القرآن الكريم بالإنفاق مما جعلنا الله مستخلفين فيه: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد 7] فالملكية الأصلية لكل شىء هى لله، وملكية الإنسان للمال لا يعدو أن تكون تفويضًا من الله، وقد جُبِلَ الإنسان على حب المال وامتلاكه، وحب المال وغيره من الممتلكات غريزة لدى الإنسان ونزعة فطرية فيه منذ بدء الخلق.
    ويشمل مفهوم المال كل أنواع التملك، سواء أكان مالًا نقديًّا أو عقارًا أو أرضًا زراعية أو غير ذلك من أشياء أخرى يملكها الإنسان، ويُعدُّ المال عصب الحياة، ولا يمكن أن تتقدم حياة الناس وتزدهر بدون المال، و قال شوقى فى ذلك:
    لم يبن ملك على جهل وإقلال
    بالعلم والمال يبنى الناس ملكهم

    وقد حرصت الشريعة الإسلامية على جعل حفظ المال أحد مقاصدها الأساسية؛ لأنه الثروة التى من خلالها يستطيع الإنسان أن يحقق الكثير من الخير لنفسه ولمجتمعه، أي: أن المال إذا تم التصرف فيه على نحو سليم يحقق للإنسان مصلحة حقيقية.
    والدفاع عن المال الذى يملكه الإنسان دفاع مشروع، بل إن الذى يُقتل دفاعًا عن ماله يُعد شهيدًا فى الإسلام، فعن عبد الله بن عمرو قال: قال S:«مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ»( ) لأنه يدافع عن حق المجتمع فيه، والفقراء والمساكين لهم حق فيه كما جاء فى قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات 19]، وقوله تعالى أيضًا: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج25].
    ومن واجب المجتمع الحفاظ على هذا المال وحمايته من الاعتداء عليه سواء كان هذا الاعتداء من صاحب المال نفسه بالسَّفَه فى إنفاقه وتبذيره فيما لا يفيد –وهنا يكون الحجر عليه لازمًا؛ لصيانة المال من التبديد- أو كان الاعتداء عليه من الآخرين عن طريق السرقة أو الغصب أو الاحتيال أو غير ذلك من وسائل الاعتداء.
    ويدخل تحت التصرفات المرفوضة فى الإسلام اكتناز المال وحجب منفعته عن المجتمع، فصاحب المال مُطالب باستثماره؛ لأن فى ذلك نماء للمال من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذا الاستثمار من شأنه أن يفتح الباب أمام الكثيرين؛ لإيجاد فرص عمل توفر لهم مصدر رزق، ومن ناحية ثالثة ينتفع المجتمع بإقامة المشروعات التى تدفع به إلى التقدم والإزدهار، وقد أشار القرآن الكريم إلى المال بوصفه "خيرًا" كما جاء فى قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات 8]، كما وصفه فى آية أخرى بأنه زينة الحياة الدنيا: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف46] فهو خير، وهو زينة للحياة، وهو ضرورة فى الوقت نفسه، ولذلك اهتمت الشريعة الإسلامية بالحفاظ على المال وحمايته؛ لأنها تريد أن تُهيِّىء للإنسان حياة دنيوية آمنة ومزدهرة، وفى الوقت نفسه حياة أخروية ينعم فيها برضا الله.
    إن الإنسان ليس مادة وليس روحًا فقط وإنما هو مزيج من الناحيتن، والشريعة تشبع حاجات الإنسان الدنيوية والأخروية فى وسطية رائعة، والدنيا فى الإسلام ليست مرفوضة، وإنما هى المجال الذى حدده الخالق للإنسان؛ لإعماره والاهتمام به، والقيام بِهَذه المهمة وتحمل هذه المسئولية فى عمارة الأرض يُعد استجابة لأمره سبحانه فى قوله تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود61] أيّ: طلب منكم عمارتَهَا، فهذا أمر إلهى وفريضة إسلامية لا تقل شأنًا عن بقية الفرائض الإسلامية الأخرى.
    والتعمير المشار إليه تعمير على المستويات المادية والعقلية والروحية والأخلاقية والاجتماعية، إنه يعنى صنع الحضارة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.( )
    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : حقوق الإنسان فى الإسلام 710
    عارضة الطاقة :
    حقوق الإنسان فى الإسلام Left_bar_bleue90 / 10090 / 100حقوق الإنسان فى الإسلام Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    حقوق الإنسان فى الإسلام Empty رد: حقوق الإنسان فى الإسلام

    مُساهمة من طرف Admin الثلاثاء أبريل 12 2011, 18:31

    المبحث الثالث
    حقوق الإنسان الاجتماعية.
    تمهيد:
    الموضوع الأول: حقوق الطفل.
    الموضوع الثاني: حقوق الشباب.
    الموضوع الثالث: حقوق المُسن.
    الموضوع الرابع: حقوق المرأة.
    الموضوع الخامس: حقوق الرجل.
    الموضوع السادس: حقوق الجار.
    الموضوع السابع: حقوق المريض.
    الموضوع الثامن: حقوق الرقيق.
    الموضوع التاسع: حقوق المحتضر.
    الموضوع العاشر: حقوق الميت.

    نتناول فى هذا المبحث حقوق الإنسان الاجتماعية من خلال عشرة موضوعات:
    الأول؛ حقوق الطفل قبل ولادته وبعد ولادته من حيث اختيار أمه وإثبات نَسَبِه وعقيقته..الخ، والثاني؛ حقوق الشباب الذين يعدون ساعد الأمة ودعامة مستقبلها، والثالث؛ حقوق المُسنين وهم الآباء والأجداد الذين بلغوا من الكبر عتيا من حسن الرعاية والقيام بحقوقهم، والرابع؛ حقوق المرأة ولا سيما الزوجة وما لها من حقوق المهر والنفقة والمعاشرة بالمعروف...الخ، والخامس حقوق الرجل ولا سيما الزوج، من نظره إلى مخطوبته، وطاعة زوجته له والقيام على شئونه ...الخ، والسادس؛ حقوق الجار، من حسن الجوار ومشاركته فى أفراحه وأحزانه، والسابع؛ حقوق المريض، من الزيارة والعيادة وتطيب نفسه ورفع معنوياته..الخ، والثامن؛ حقوق الرقيق، من حسن المعاملة وعدم تكليفهم ما لا يطيقون. والتاسع؛ حقوق المحتضر، بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله وتوجيهه للقبلة ...الخ، والعاشر؛ حقوق الميت، من تغسيله وتكفينه ودفنه..الخ.
    كل ذلك من خلال أقوال النَّبِـي S وأفعاله ومواقفه التى تُظهر جليًّا ما لهذه الطوائف من حقوق أقرها شرعنا الحكيم، التى تتعلق بتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الفرد والمجتمع، حيث جعلت لكل منهما حقوقًا وعليه واجبات تجاه الآخر، حيث عنيت السنة النبوية بالجانب الاجتماعي للمسلم، وكان المجتمع المسلم فى عهد النَّبِـي S أنموذجًا فريدًا تتجلى فيه الصور الاجتماعية لانتماء الفرد وانسجامه مع من حوله.
    الموضوع الأول: حقوق الطفل
    الأولاد نعمة عظيمة امْتَنَّ الله بِهَا على عباده؛ هذه النعمة رُفعت الأكف إلى الله بالضراعة أن يكرم أصحابَها بِها، فقال الله عن نبيٍّ من أنبيائه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ}[آل عمران38].
    وقال الله عن عباده الأخيار: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان74].
    فأول ما ينبغي على الوالد والوالدة إذا رأيا الولد أن يحمدا الله على هذه النعمة وأن يتذكرا العقيم الذي لا ذريه له، وأن يسألا الله خير هذا الولد وخير ما فيه فكم من ولد أشقى والديه! وكم من ولد أسعد والديه!.
    وإنما تكون نعمة حقيقية إذا قام الوالدان بحقها وحقوقها وأحسنا في رعايتها، وقد جاءت نصوص كتاب الله وسنة النَّبِـي S تبين المنهج الأكمل والطريق الأمثل في تربية الأولاد، وقد حمَّل الله الوالدين المسئولية عن الولد قبل وجوده وبعد وجوده؛ فأما مسئولية الوالدين عن الولد قبل وجوده فإنه يجب على الوالد والوالدة أن يحسنا الاختيار، فيختار الأب لأولاده أُمًّا صالحة ترعى حقوقهم وتقوم على شئونِهِم، أُمًّا أمينة تحفظ ولا تضيع، وعلى الأُمِّ-أيضًا- أن تختار زوجًا صالحًا يحفظ أولادها ويقوم على ذريتها فاختيار الزوج والزوجة حق من حقوق الولد.
    وأما المسئولية عنه بعد وجوده، فتكون بحسن تربيته ورعايته والقيام بحقوقه؛ فلكل طفل على أبويه حق إحسان تربيته، وتعليمه، وتأديبه: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء24].
    وإذا عجز والدا الطفل عن الوفاء بمسئوليتهما نحوه، انتقلت هذه المسئولية إلى المجتمع، وتكون نفقات الطفل في بيت مال المسلمين (الخزانة العامة للدولة)، قال S:«... أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ».( )
    ومن حقوق الطفل الآتى:
    اختيار أمه
    من حق الطفل قبل أن يولد أن يختار أبوه له أمه، فإنَّها المعين الذى سيضع فيه فلذة كبده وثمرة فؤاده فهى خير من الذهب والفضة التى يكنزها الإنسان؛ فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة34] قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِـي S فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا أُنْزِلَ لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ فَقَالَ: «أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ وَقَلْبٌ شَاكِرٌ وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ».( )
    قال فى تحفة الأحوذي: (زوجة مؤمنة تعينه على إيمانه) أي: على دينه بأن تذكره الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات وتمنعه من الزنا وسائر المحرمات.
    وقال السندى: عَدَّ الزوجة المؤمنة من أصل الأموال، لأن نفعها باق ونفع سائر الأموال زائل وبالجملة فالجواب من أسلوب الحكيم؛ للتنبيه على أن هَمَّ المؤمن ينبغي أن يتعلق بالآخرة فيسأل عما ينفعه وأن أموال الدنيا كلها لا تخلو عن شر.
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَنْ النَّبِـي S قَالَ: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ».( )
    لقد ذكر رسول الله S مرغباتِ الزواج من المرأة-عادةً-فقرر أنَّها أربعة: وهي المال والحسب والجمال والدين.
    وحضَّ على أن يكون المقياس المرغِّب في الزواج هو الدين، ولعمري إن ذلك هو الحق الذي تعضِّده أحداث الحياة في واقع الناس؛ فالمال عَرَضٌ زائل، وعارية موقوتة.... فكم من الأغنياء أصبحوا فقراء بين عشية وضحاها، وكم من الفقراء أصبحوا أغنياء بين طرفة عين وانتباهتها.
    والجمال مهما كان رائعًا فهو موقوت بالصحة والشباب، وسرعان ما يذبل ويُذوي مع تقدم السن، وطروء المرض، وتكرار الحمل والولادة.
    والحسب أمر عرفي.. فالوجيه في قوم ربما كان في نظر آخرين وضيعًا، وهو لا يغني عن العمل الصالح ولا الخلق شيئًا «..... وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ»( )، والحسب لا يتغير في ذاته كما يتغير المال والجمال، ولكنه يتغير في نظر الآخرين.
    والحسب الرفيع إن اجتمع مع الخلق السمح، والتدين الصادق، كان خيرًا وبركة.
    ورسول الله S يقول: «النَّاسَ مَعَادِنَ فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا».( )
    أما التدين بالإسلام -التديّن الحق- فهو أمر لا يتغير ولا يختلف.
    إن هذا كله يدعو العاقل من المسلمين ألاَّ يُقدِّم على الدين في المرأة عاملًا آخر؛ فمن كانت هذه صفتها خليقة بأن تُنْشِئَ نسلًا صالحًا قادرًا على تحمل تبعات الحياة ومشاقها، فكان واجبًا على الأب أن يختار لأبنائه من تستطيع أن تتحمل هذه الرسالة المقدسة فى تربية وتنشئة الأولاد.
    إثبات نسبه
    إن إثبات نسب الطفل حق له، إذ إنه بِهَذا الإثبـات يُصان من الضيـاع والتشرد، إلى جانب المحافظة على المجتمع من شيـوع الفواحش وانتشار اللقطاء، كما أن إثبات النسب ترتب عليه حقوق أخـرى مثل الولاية في الصغر، والإنفاق والإرث، وغير ذلك من الأمور التي يمكن مراجعتـها في كتب الفقه.
    والأصل فى ذلك ما رواه أبو هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ S جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا قَالَ: حُمْرٌ قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ».( )
    وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِـي S: «الْوَلَد ُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».( )
    فهذا الحكم النبوى أصل فى ثبوت النسب بالفراش، واتفق المسلمون على أن النكاح ثبت به الفراش.
    وقد ورد التحذير الشديد لمن أنكر ولده وجحـد نسبه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ: «......... وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».( )
    كما ورد أيضًا التحذير والوعيد لمن انتسب إلى غير أبيه وهو يعلم؛ فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S( ): «مَنْ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ».
    وهكذا تحصـن الشريعة المجتمع من شيـوع الفساد، وتمنع أسباب قطيعة الأرحام، وظلم الذرية، واختلاط الأنساب.
    التأذين في أذنيه
    على الأب أن يؤذن فى أذن طفله؛ ليكون أول ما يلقى مسامعه ذكر الله فيكون عهده بالدنيا عهدًا فيه خير وبركة، فعن أبي رَافِعٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ S: أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ. ( )
    قال ابن القيم( ): وسِرُّ التأذين-والله أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التى أول ما يدخل بِهَا فى الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به، وإن لم يشعر مع ما فى ذلك من فائدة أخرى.
    وهى هروب الشيطان من كلمات الأذان( ) وهو كان يرصده حتى يولد، فيقارنه للمحنة التى قدرها الله وشاءها، فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به.
    وفيه معنى آخر وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان كما كانت فطرة الله التى فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها ولغير ذلك من الحكم.
    تحنيكه
    ينبغى على الأب أن يحنك ابنه أو يسأل أحد الصالحين أن يحنكه؛ ابتغاء البركة فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى  قَالَ: وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِـي S فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى.( )
    وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  قَالَ: كَانَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ فَقُبِضَ الصَّبِيُّ فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ قَالَ مَا فَعَلَ ابْنِي قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ الْعَشَاءَ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَصَابَ مِنْهَا فَلَمَّا فَرَغَ قَالَتْ وَارُوا الصَّبِيَّ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ S فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «أَعْرَسْتُمْ اللَّيْلَةَ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا» فَوَلَدَتْ غُلَامًا قَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ احْفَظْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبِـي S فَأَتَى بِهِ النَّبِـي S وَأَرْسَلَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ فَأَخَذَهُ النَّبِـي S فَقَالَ أَمَعَهُ شَيْءٌ قَالُوا نَعَمْ تَمَرَاتٌ فَأَخَذَهَا النَّبِـي S فَمَضَغَهَا ثُمَّ أَخَذَ مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ وَحَنَّكَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ.( )
    و عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِـي S فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ S ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ. ( )
    ذبح عقيقته
    أهل الحديث قاطبة وفقهاؤهم وجمهور أهل السنة قالوا إنَّها من سنة رسول الله S فعَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».( )
    وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ S قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى».( )
    وعَنْ أُمِّ كُرْزٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ S قَالَ: «فِي الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَفِي الْجَارِيَةِ شَاةٌ».( )
    حلق رأسه
    قال أبو عمر بن عبد البر: أما حلق رأس الصبى عند العقيقة فإن العلماء كانوا يستحبون ذلك وقد ثبت عن النَّبِـي S أنه قال: فى حديث العقيقة: «.... وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى».( )
    وعن سلمان بن عامر عن النَّبِـي S أميطوا عنه الأذى قال: يحلق رأسه ويقال: إن فاطمة ل حلقت رأس الحسن والحسين وتصدقت بوزن شعرهما ورقًا. وقال حنبل سمعت أبى عبد الله قال: لا بأس أن يتصدق بوزن شعر الصبى. ( )
    وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال( ): وزنت فاطمة شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بِزِنَةِ ذلك فِضَّة.
    وعن أنس بن مالك أن النَّبِـي S أمر بحلق رأس الحسن والحسين يوم سابعهما فحلق وتصدق بوزنه فضة.
    قال أبو عمر: قال عطاء: يبدأ بالحلق قبل الذبح. ( )
    تسميته بِاسْمٍ جَمِيلٍ
    عن أبى الدرداء قال رسول الله S: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ».( )
    فمن حق الطفل أن يختار له أبوه أفضل الأسماء وأكرمها؛ لأن الأسماء تشحذ الهمم على التأسي بالقدوة، ولذلك قال بعض العلماء: خير ما يختار الأسماء الصالحة وأسماء الأنبياء والعلماء والفضلاء؛ لأنَّها تشحذ همة المُسَمَّى إلى أن يقتديَ وأن يَتَأَسَّى بالنَّبِـي S فى تسميته الأولاد، فعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: (وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِـي S فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى)، فسمي إبراهيم على اسم أبيه، ولذلك قالوا: أنه يراعى في الاسم أن يكون اسمًا صالحًا ولا يجوز للوالدين أن يختارا الاسم المحرم وهو الاسم الذي يكون بالعبودية لغير الله كعبد العُزَّى ونحو ذلك من الأسماء كعبد النَّبِـي وعبد الحسين ونحو ذلك من الأسماء التي يعبد فيها البشر للبشر؛ وإنما ينبغي أن يعبد العباد لله .( )
    كذلك ينبغي أن يجنب الولد الأسماء القبيحة والأسماء المذمومة والممقوتة والمستوحش منها؛ حتى لا يكون في ذلك إساءة من الوالدين للولد، وينبغي أن يجنبه كذلك ما ذكره العلماء من الأسماء المكروهة التي فيها شيء من الدلال والميوعة التي لا تتناسب مع خشونة الرجل، والعكس-أيضًا- فإن البنت يختار لها الاسم الذي يتناسب معها دون أن يكون فيه تشبه بالرجال وقد جاء عن عبد الله بن عمر أنه سمى بنته عاصية كما ذكر الإمام الحافظ أبو داود وغير النَّبِـي S اسمها إلى جميلة، فقد جاء عنه S في أكثر من حديث أنه غير الأسماء القبيحة، فمن حق الولد على والديه إحسان الاسم.
    قال أبو محمد بن حزم( ): اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى الله كعبد الله وعبد الرحمن وما أشبه ذلك.
    وقد اختلف الفقهاء في أحب الأسماء إلى الله، فقال الجمهور: أحبها إليه عبد الله وعبد الرحمن.
    وقال سعيد بن المسيب: أحب الأسماء أسماء الأنبياء وأما المكروه منها والمحرم فقد قال أبو محمد بن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله فعبد العُزَّى وعبد هُبل وعبد عمر وعبد الكعبة وما أشبه ذلك.
    ومن الأسماء المحرمة؛ التسمية بملك الملوك وسلطان السلاطين وشاه شاه فعن أبى هريرة أن النَّبِـي S قال( ): «إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ زَادَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ لَا مَالِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ومعنى أخنع: أوضع، وقال بعض العلماء في معنى ذلك كراهية التسمية بقاضى القضاة وحاكم الحكام؛ فإن حاكم الحكام في الحقيقة هو الله، وقد كان جماعة من أهل الدين والفضل يتورعون عن إطلاق لفظ قاضى القضاة وحاكم الحكام قياسًا وكذلك تحريم التسمية بسيد الناس وسيد الكل كما يحرم سيد ولد آدم فإن هذا ليس لأحدٍ إلا لرسول الله وحده فهو سيد ولد آدم فلا يحل لأحد أن يطلق على غيره ذلك.
    ومن الأسماء المكروهة ما رواه سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S ( ): «لَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَيَقُولُ لَا إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلَا تَزِيدَنَّ عَلَيَّ».
    و عَنْ جَابِرٍ قَالَ( ): سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ S يَقُولُ: «إِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ زَجَرْتُ أَنْ يُسَمَّى بَرَكَةُ وَيَسَارٌ وَنَافِعٍ قَالَ جَابِرٌ لَا أَدْرِي ذَكَرَ رَافِعًا أَمْ لَا إِنَّهُ يُقَالُ لَهُ هَاهُنَا بَرَكَةٌ فَيُقَالُ لَا وَيُقَالُ هَاهُنَا يَسَارٌ فَيُقَالُ لَا» قَالَ فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ S وَلَمْ يَزْجُرْ عَنْ ذَلِكَ فَأَرَادَ عُمَرُ  أَنْ يَزْجُرَ عَنْهُ ثُمَّ تَرَكَهُ
    قال ابن القيم( ): وفى معنى هذا مبارك ومفلح وخير وسرور ونعمة وما أشبهه ذلك فإن المعنى الذى كره له النَّبِـي S.
    التسمية بتلك الأربعة موجود فيها، فإنه يقال: أعندك خير؟ أعندك سرور؟ أعندك نعمة؟ فيقول: لا، فتشمئز القلوب من ذلك وتتطير به وتدخل في باب المنطق المكروه ومنها التسمية بأسماء الشياطين كَخَنْزَب والولْهَان والأعور والأجدع.
    قال الشعبى عن مسروق: لقيت عمر بن الخطاب فقال: من أنت؟ فقلت مسروق بن الأجدع فقال عمر سمعت رسول الله S يقول الأجدع شيطان.
    وعن أُبي بن كعب: إن للوضوء شيطانًا يقال له: الولهان.
    ويمنع التسمية بأسماء الرب تبارك وتعالى فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق قال S ( ): «إن الله هو الحكم وإليه الحُكم».
    ويمنع التسمية بأسماء القرآن وسوره مثل؛ طه ويس حم، وقد نص مالك على كراهة التسمية بيس ذكره السهيلى، وأما ما يذكره العوام أن يس وطه من أسماء النَّبِـي S فغير صحيح؛ ليس ذلك في حديث صحيح ولا حسن ولا مرسل ولا أثر عن صحابى وإنما هذه الحروف مثل ألم وحم و ألر ونحوها ولا بأس بالتسمية بأسماء الأنبياء وكذا أسماء الملائكة.
    ختانه
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال( ): قال S: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ أَوْ خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ الْخِتَانُ وَالِاسْتِحْدَادُ وَنَتْفُ الْإِبْطِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ».
    فجعل الختان رأس خصال الفطرة وإنما كانت هذه الخصال من الفطرة؛ لأن الفطرة هي الحنيفية ملة إبراهيم، وهذه الخصال أمر بِهَا إبراهيم وهي من الكلمات التي ابتلاه ربه بِهِنَّ.
    روى عبد الرزاق عن ابن عباس في هذه الآية: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة124] قال: (ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس وخمس في الجسد......والختان.......)
    حسن تربيته وتأديبه
    حق للطفل على أبيه أن يحسن تربيته ويؤدبه فى الصغر؛ ليشب على خلق رفيع ينفع به نفسه وينتفع به المجتمع.
    وَإِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت فَإِن تَوَلَّت مَضَوا في إِثرِها قُدُما( )
    قال بعض أهل العلم :إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقًّا، فللابن على أبيه حق، فكما قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت8] قال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم6].
    فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، قال الله: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا} [الإسراء31] فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغارًا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتنى صغيرًا فعققتك كبيرًا وأضعتنى وليدًا فأضعتك شيخًا.
    وقال على : علموهم وأدِّبُوهم.
    وقال الحسن: مُرُوهُم بطاعة الله وعلموهم الخير.
    وروى الحاكم عن ابن عباس: عن النَّبِـي S قال( ): «افْتَحُوا عَلَى صِبْيَانِكُم أَوَّلَ كَلِمَةٍ بِلا إِلَهَ إلا اللهُ وَلَقِّنُوهُم عِنْدَ المَوْتِ: لا إِلَهَ إلا اللهُ»
    فأول ما يعتني به غرس الإيمان وغرس عقيدة التوحيد؛ (لا إله إلا الله)؛ تغرس في قلب الصبي فيعتقدها جنانه ويقر بِهَا وينطق بِهَا وينطق بِهَا لسانه، وتعمل بِهَا وبلوازمها جوارحه وأركانه، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان13] فأول ما ابتدأ به، وأول ما قام ودله عليه في وعظه ونصحه وتوجيهه أن ذكره بالتوحيد؛ الذى هو أعظم الأصول.
    فأول ما ينبغي على الوالدين أن يغرسا في قلب الصبي الإيمان بالله ، فهو فاتحة الخير وأساس كل طاعة وَبِرٍّ؛ لا ينظر الله إلى عمل العامل أو قوله حتى يحقق هذا الأصل ويرعاه على أتمِّ الوجوه وأكملها، ولذلك لَمَّا ركب عبد الله بن عباس  وراء رسول الله S وهو صغير السِّنِّ اختار S أن يأخذ بمجامع قلبه وهو في صغره إلى توحيد الله  فقال له( ): «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».
    هذه الكلمات النيرات والمواعظ المباركات إلى قلب ذلك الصبي وهو على الفطرة وهو على الإيمان لا تشوبه شائبة، كما قال S: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ».( )
    وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ} [طه132].
    وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».( )
    ففى هذا الحديث ثلاثة آداب أمرهم بالصلاة، وضربُهُم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع.
    فمن حق الولد على والديه الأمر بالصلاة، أن يأمراه بالصلاة في مواقيتها، قال العلماء: يجب على الوالد وعلى الوالدة أن يُعَلِّمَا الولد كيفية الوضوء وكيفية الطهارة واستقبال القبلة وصفة الصلاة والهدي الذي ينبغي أن تؤدَّى به هذه العبادة.
    وفي تاريخ البخارى: عن أيوب بن موسى القرشى عن أبيه عن جده عن النَّبِـي S قال: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».( )
    وعن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله S: «لأن يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ».( )
    وذكر البيهقى عن ابن عباس قال: قالوا: يارسول الله قد علمنا ما حق الوالد فما حق الولد، قال: «أن يحسن اسمه ويحسن أدبه».( )
    وقال سعيد بن منصور حدثنا حزم قال سمعت الحسن وسأله كثير بن زياد عن قوله تعالى: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان74] فقال: يا أبا سعيد ما هذه القرة الأعين أفِي الدنيا أم في الآخرة؟! قال: لا بل والله في الدنيا قال: وما هى قال: أن يرى الله العبد من زوجته من أخيه من حميمه طاعة الله؛ لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدًا أو والدًا أو حميمًا أو أخًا مطيعًا لله .
    وعن ابن عمر قال: قال رسول الله S: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».( )
    العدل بينه وبين أخوته
    عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ  وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ S فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ S فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا قَالَ: لَا قَالَ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ».( )
    وفي رواية مسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ S: «يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا قَالَ: لَا قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ».
    فلا يجوز تفضيل الإناث على الذكور كما لا يجوز تفضيل الذكور على الإناث، وكان أهل الجاهلية يفضلون الذكر على الأنثى وكانوا يقتلون الأنثى كما أخبر الله  في كتابه وقال:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل58]. فإذا بشر بالإناث َتَمَعَّرَ وجهه وتغير وكأنه يبشر بسوء؛ لذلك أدَّبَ الله  المسلمين على الرضا بقسمته، فيرضى الإنسان بالولد ذكرًا كان أو أنثى ولا يفضل الإناث عن الذكور ولا الذكور على الإناث؛ وإنما يعدل بين الجميع، وكان السلف-رحمهم الله- يعدلون بين الأولاد حتَّى في القبلة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07 2024, 09:28