دور المدرسة في تشكيل التمثلات النفسية الاجتماعية «مقاربة نفسية اجتماعية»
تعتبر التمثلات النفسية الاجتماعية إحدى بؤر اهتمامات عدد كثير من العلوم الإنسانية، خصوصا علم النفس الاجتماعي، لما أصبحت تلعبه من أدوار أساسية في بناء الحقيقة الاجتماعية و في تغييرها حسب الوضعيات التي يحتلها الأفراد الاجتماعيون ضمن السياقات الاجتماعية و السياسية الناظمة للحقل المؤسساتي المجتمعي. و بذلك فاشتغالنا على موضوع التمثلات الاجتماعية من زاوية نفسية اجتماعية يفرض علينا تحديد طبيعة المكونات المشكلنة لها، عبر تجليات الفعل و رد الفعل الذي يمارسه الفرد أو جماعة من الأفراد داخل الوسط السوسيوثقافي في صورته الشمولية و في أبعاده النسقية، أو في عمق المؤسسات الاجتماعية و التربوية التي ينتمي إليها الأفراد الاجتماعيون، أو الممارسة تجاه الذات الناظمة للبعد النفسي الاجتماعي المحدٍّد لهويتها و كنهها الحقيقي؛ ما دام أن التمثلات الاجتماعية – في بعدها المعرفي – تحيلنا في جانب ما ، إلى جوهر و عمق الاختلافات الثقافية و الممارسات المتميزة، داخل مختلف الأوساط الاجتماعية و الثقافية القائمة كحقيقة في بنية المجتمع الكلي.
و يمكن حصر الإشكالية العامة المؤطرة لهذه الدراسة النظرية في التساؤل المركزي التالي:
هل المدرسة العربية عامة و المغربية خاصة، تلعب أدوار أساسية في تشكيل و تكوين تمثلات إيجابية لدى المتعلمين نحو مستقبلهم التعليمي؟
و هذا التساؤل يحيلنا إلى اقتراح مجموعة من الأسئلة الفرعية بهدف التبسيط و التوضيح:
1. هل المدرسة الحالية بناء على توجهاتها الفلسفية التربوية تقوم بوظيفة التعليم من أجل التثقيف؟، أم تقوم بوظيفة التنجيح بهدف الارتقاء بالمتعلم إلى المسالك التعليمية العليا، أم بوظيفة الاصطفاء اعتمادا على مبدأ الاستحقاق؟.
2. هل المدرسة تقوم أو تلعب دورا استراتيجيا في تكوين تمثلات إيجابية لدى المتعلمين و الآباء نحو المدرسة ذاتها كفضاء للتربية و التعليم بهدف إكساب الوظيف؟. أم أنها تكسبهم تمثلات سلبية يفترض أن تنعكس سلبا على حسن اندماجهم مع وسطها؟
3. ما هي أنواع الأساليب التي يفترض أن تعتمدها المدرسة (إداريون، أطر تعليمية) لتشجيع الاستمرارية في التعلم لدى المتعلمين، بالدفع بهم لاتخاذ قرارات تعليمية تجاه مستقبلهم التعليمي، عن طريق بناء مشاريع تكون نابعة من طموحهم و ميولاتهم و خيارا تهم الذاتية؟، أم أن المدرسة تساهم بأساليب معينة في جعلهم يعرضون عن الاستمرارية في التمدرس، بتشجيعهم على البحث عن ملاجئ أخرى للحماية و تأكيد الذات؟…
قبل الدخول في عمق هذه الإشكاليات تفسيرا و تحليلا، لا بد في البداية من تحديد بعض الأجهزة المفاهيمية التي يحتويها عنوان هذه المقالة:
مفهوم المدرسة:
أغلب الدراسات التي اهتمت بمفهوم المدرسة، لم تحسم بشكل إجرائي في دلالتها كاصطلاح، و هو ما جعلها تتحدث عن وظيفتها الإيديولوجية و أدوارها الاجتماعية.
و هكذا نلاحظ بأن الكتابات السوسيو تربوية و المستهلكة بكثرة كخطاب في الساحة العربية عامة و المغربية بشكل خاص، تعاملت مع المدرسة من موقع البحث عن خلفياتها الاجتماعية و الثقافية، ضمن الحركة العامة للصراع الاجتماعي، و ليس من باب التعامل معها كموضوع و كاصطلاح قابل للتحديد؛ و لقد علمنا من منطلق بحث أنجزناه سابقا إلى إعطاء تحديد دقيق للمدرسة من وجهة نفسية اجتماعية حصرناه كالتالي:
«المدرسة نظام من العلاقات التربوية و الاجتماعية، و التفاعلات النفسية و الاجتماعية بين أطراف و مكونات العملية التعليمية التعلمية، يحكمه الانجذاب أو التنافر حسب الموقع الذي يحتله كل طرف داخل السياق التعليمي العام، و أيضا حسب تمثلات كل طرف عن الآخر و عن المدرسة ككل، و يتيح للمتعلم اكتساب معارف و قيم و نماذج من السلوكات المحددة سلفا تحقيقا للأهداف المرصودة للمؤسسة، و لغاياتها القريبة أو البعيدة» .
مفهوم التمثلات:
تعد التمثلات من المفاهيم الأكثر تعقيدا من حيث التحديد الإجرائي لمدلولها و مكوناتها، و هذا راجع لتداخل الاختصاصات في الاشتغال على المفهوم و في مقاربته كل من زاويته الخاصة، على العموم يمكن القول بأن مفهوم التمثلات ارتبط بشكل مباشر بالمجال السوسيولوجي التقليدي، و حديثا بالسوسيولوجية الأوربية، خصوصا الفرنسية، و احتل مكانة متميزة في الأنظمة الفلسفية، استعمل في الأدبيات الماركسية، و اشتهر بالخصوص مع دوركايم. غير أن هناك اختصاصين رئيسين تبلور من خلالهما مفهوم التمثلات الاجتماعية كحقل للاستقصاء: السوسيولوجيا مع «دوركايم» و علم النفس الاجتماعي من خلال دراسات «سيرج موسكوفيشي و جودليت و أبريك و غيرهم.
و إذا كانت التمثلات تعتبر شكلا من أشكال المعرفة، فإنها تعد كذلك نظاما من التفسيرات، التي تساهم في بناء حقيقة مشتركة بالنسبة لوحدة اجتماعية (أفراد اجتماعيين، مؤسسات اجتماعية).
فالتمثلات تحيط بمرحلة التفكير التصوري فهي بهذا المعنى و حدة الصور و المفاهيم و التفسيرات المعطاة للمواضيع و الأشياء المعيشة، فهي ليست فقط -حسب وجهة نظر سيرج موسكوفيشي- انعكاسا مباشرا للموضوع المدرك و المعاش أو شكلا من التفكير الملموس بل هي كل هذه الأشياء، إنها طريقة في التفكير الممارس و الموجه نحو التواصل الفهم و التحكم في المحيط الاجتماعي المادي، و تعبر كذلك عن العلاقات التي يقيمها الأفراد و الجماعات فيما بينها مع المجتمع الكبير، و أيضا مع باقي المجتمعات الأخرى في إطار التبادلات و الاحتكاكات الثقافية و القيمية من خلال عملية التأثير و التأثر الجاري بهما العمل، و من هذا المنظور تتجلى أهمية التمثلات في كونها تفتح لنا آفاقا جديدة لمعرفة الحقيقة الاجتماعية و تعطينا تفسيرات واضحة حول تصورات الأفراد و الجماعات حيال الظواهر و الأحداث المعاشة من طرفهم، انطلاقا بطبيعة الحال من عمق التفاعلات الموجودة بينهم و بين الوسط السوسيوثقافي الذي ينتمون إليه.
و كخلاصة يمكن القول على لسان «سيرج موسكو فيشي» بأن التمثلات عملية دينامية لإعادة بناء الواقع و في نفس الوقت إمكانية تتيح لنا فهمه من جديد ،كما أنها عبارة عن حقائق ملموسة بإمكاننا بلورتها و تمريرها أو مصادفتها بدون انقطاع في الخطابات اللفظية و الحركات و المقابلات الجاري بها العمل من طرف أفراد المجتمع داخل مجالات متعددة و مختلفة.
ولهذا الاعتبار نشير للدور الذي تلعبه التمثلات الاجتماعية داخل أحداث التربية، بحيث تسمح لنا بالانتقال من الوصفي إلى التفسيري، و تضمن لنا الوساطة ما بين الأفكار و الأحداث، ما بين النوايا
و الممارسات، كما تفتح للتحليل آفاقا كبيرة لتفسير دلالتها و خلفياتعا الفكرية و الثقافية و الاجتماعية
يتبع....