التنشئة والعنف، أية علاقة ؟
يستمد الطفل من خلال تنشئته الاجتماعية أصول ومقومات شخصيته من مختلف المؤسسات المجتمعية التي تسهر ، شاء أم كره ، على تربيته وتنشئته حتى يصل إلى ما هو عليه من النضج والنمو . ويمكن إجمال تلك المؤسسات في ثلاثة أنواع رئيسية : الأسرة بصفتها المؤسسة الأولى التي يتلقى فيها الطفل أولى دروسه بل وكل الأساسيات التي ستشكل شخصيته في اللاحق ، وتأتي المدرسة في المقام الثاني عندما يلتحق بها لاستكمال نموه المعرفي والتربوي ، ويبقى المجتمع بمختلف مؤسساته الأخرى في الجهة الأخرى التي تطبع شخصية الطفل بكل المبادئ والقيم والعادات وغيرها
إن عامل التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الطفل منذ بداية نشأته حتى استكمال درجة من النضج ، يعتبر عاملا مهما في جعل الطفل ككائن بشري إما مندمج في مجتمعه ويتفاعل معه بشكل إيجابي وإما على نقيض ذلك ، إذ يكون بمثابة عضو متمرد على المجتمع وخارج عن إطاره . فهذه النتيجة تأتي كرد فعل للفرد اتجاه مجتمعه، أو بعبارة أخرى ، إن كل ما يتلقاه الطفل خلال مسار نموه هو الكفيل بخلق شخصية متزنة قادرة على التفاعل والتكيف مع متطلبات مجتمعه ، أو بخلق شخصية عدوانية ترى في المجتمع ، بالمعنى الواسع أي في أفراده ومؤسساته ، أعداء يجب مقاومتهم والتصدي لهم بكل ما أوتي من قوة ومهما تكن النتائج . إذن كيف يمكن تصور ظاهرة العنف في علاقتها بالمؤسسات التربوية ؟
إن ما ينبغي التأكيد عليه في هذا الباب كون شخصية الفرد تتحدد انطلاقا من وجود تكامل وتناسق بين مختلف المؤسسات التربوية التي تعنى بتنشئته تنشئة اجتماعية ، هذا التداخل والترابط والتكامل الحاصل والمؤكد بين تلك المؤسسات هو الأجدر بفك ذلك اللغز المخيم على ظاهرة العنف بمختلف أشكاله .
الأسرة والتنشئة الاجتماعية
لنتناول بالتحليل دور الأسرة ، على اعتبارها المؤسسة الاجتماعية الأولى التي يقضي فيها الفرد أغلب أوقاته ، في علاقتها مع ظاهرة العنف الذي أصبحت تتعدد وتتباين أشكاله وصفاته . هذا الدور إما أن يكون إيجابيا أو سلبيا ، وبمعنى آخر قد تستطيع الأسرة أن تحد من تلك الظاهرة أو أن تزيد من حدتها إن الطفل عندما يولد يجد نفسه أمام تحد مستمر ، يتجلى في ارتباطه الوثيق بنظام جديد مغاير لما كان يشعر به في مراحله الجنينية ، فلم يعد ذاك الشخص الذي لا يطلب منه أي شيء وأي عناء في البحث عن حاجاته بمختلف أنواعها ، بل أصبح فردا ضمن منظومة معينة لها ضوابطها وعقائدها يجب الامتثال لها والتشبع بها ، وتزداد حدة كلما تقدم في النمو. فمن خلال هذه المراحل تبدأ عملية الفبركة : تشكيل شخص على حسب ما يتصوره الآباء ، وأي خروج عن هذه القواعد إلا وكانت نتيجته الحتمية هي وضع الفرد في خانة المتمردين والخارجين عن الطاعة ، هنا بالتحديد تبدأ المشكلة ، إذ لم تستطع الأسرة أن توافق بين متطلبات الفرد وحاجاته وبين نظامها ومرتكزاتها . ومن جانب آخر يبقى المناخ العام السائد داخل الأسرة له الأثر البارز في التأثير على مدى توافق الفرد ، فمثلا ، عندما يشتد الصراع واللاتفاهم بين الأبويين تزداد معه الأمور تعقيدا من الجانب السيكولوجي في شخصية الفرد ، إذ يعيش في حالة من الانفصام والعنف المكبوت الذي تتمظهر أعراضه في حياته المستقبلية . إذن من هنا يتبين مدى الدور الذي يلعبه الفضاء الأسرى على شخصية الطفل ، و بالتالي فالفرد المتوافق يتشكل و يكتسب مبادئه من الفضاء الأسرى الذي يسوده التوافق و التفاهم بين كل أفراده
يتبع...
عدل سابقا من قبل Admin في الإثنين يونيو 13 2011, 10:18 عدل 1 مرات