[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الحروب الصليبية
القرنان 12.13م/6.7 ه
في أخريات القرن 11م / 5ه؛شن الغرب الأوروبي هجوماً ضخماً على المسلمين في بلاد الشام، وكان دافعه في ذلك-في الظاهر- إسترداد الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين، وفي الحقيقة وجدت عدة دوافع لتلك الحركة التاريخية الكبرى في تاريخ العصور الوسطي.
واقع الأمر؛ في يوم 27 نوفمبر من عام 1095م، قام البابا أوربان الثاني (1089-1099)م بعقد مجمع كنسي في مدينة كلير مونت فرون بفرنسا، وقد أستمر المجمع المذكور عدة أيام ناقش فيه البابا مع رجال الكنيسة مختلف القضايا وفي اليوم الأخير من أيام الإنعقاد ألقى البابا خطاباً على مستمعيه قام فيه بالدعوة إلى ما عرف بالحروب الصليبية Crusades
وقد قدم الإغراءات العديدة للمشاركين في صورة أرض كنعان التي تفيض لبناً وعسلاً، كذلك هناك الغفران الكنسي من الآثام والخطايا، وفور إلقاء البابا خطابه صاح الحاضرون صيحة واحدة في صورة الله يريد ذلك، وكانت تلك صيحة المسيحية لمحاربة الإسلام، وأهله.
والواقع أن هناك عدة دوافع كانت وراء تلك الحركة التاريخية الكبرى في العصور الوسطى ويمكن إجمالها على النحو التالي:
أولاً: الدافع الديني:
وهو خاص بالحج إلى الأماكن المقدسة للمسيحيين في فلسطين، حيث أراد الغرب الأوروبي السيطرة عليها، وإبعاد المسلمين عنها لزعم وجود اضطهاد للحجاج هناك، وهو من أوهام المتعصبين في ذلك العصر، ويؤكد المؤرخ هانز ماير عدم وجود أدلة حقيقية على حدوث اضطهاد من جانب الأتراك السلاجقة لعناصر الحجاج الأوروبيين، وأنما زعمت البابوية ذلك من أجل إثارة الغرب الأوروبي للاشتراك في الحروب الصليبية.
ثانياً: الدافع الاقتصادي:
فيلاحظ أن المدن التجارية الإيطالية مثل جنوة، وبيزا، والبندقية أرادت السيطرة على تجارة الشرق، وإلغاء دور المسلمين كوسطاء تجاريين.
من ناحية أخرى؛ ظهر بجلاء ذلك الدافع أثناء أحداث الحملة الصليبية الرابعة، عندما سقطت مدينة القسطنطينية لأول مرة في تاريخها على أيدي الصليبيين وذلك في عام 1204م، وكانت البندقية تهدف من وراء ذلك إلى القضاء على تجارة بيزنطة وإنهاء منافستها لها ويؤكد الباحثون الأوروبيون أنفسهم أن الدافع الاقتصادي كان المحرك الأساسي من وراء الحملة الصليبية المذكورة التي عرفت بالصليبية الرابعة.
ثالثاً: الدافع السياسي:
فقد أراد الملوك والأمراء الأوروبيون الاشتراك في الحروب الصليبية؛ من أجل تكوين أملاك لهم في الشرق، وتدعيم نفوذ بلادهم وينطبق ذلك على عدد كبير من ملوك وأمراء أوروبا ومن أمثلتهم ريتشارد قلب الأسد (1189-1199)م ، وفيليب أغسطس (1180-1223)م ، وفريدريك بارباروسا (1152-1190)م، وغيرهم وبالتالي يتأكد لنا أن الحروب الصليبية كانت بمثابة مجال خصب للتنافس الدولي بين القوى الأوروبية.
رابعاً:الدافع الإجتماعي:
فيلاحظ أن النظام الإقطاعي في أوروبا العصور الوسطى أحتوى على هرم طبقي عبارة عن الذين يحاربون وهو الفرسان وعلى رأسهم الملك، والذين يتعبدون وهم رجال الكنيسة، ثم هناك الذين يزرعون وهم الفلاحون والأقنان الذين يقومون بزراعة الأرض، وهؤلاء كانت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بالغة السوء، فكان القن يعيش قناً ويموت قناً، وينتشر في صفوفهم الفقر، والجهل،والمرض بل إذا ما أراد القن أن يتزوج قام السيد الإقطاعي باغتصاب زوجته، ولا شك أن كافه تلك الظروف البالغة القسوة قد شجعت الآلاف منهم على أن يشاركوا في الحروب الصليبية؛ من أجل التخلص من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي يعيشون فيها.
خامساً:الدافع التنصيري:
في صورة رغبة البابوية في نشر المسيحية الكاثوليكية في مناطق المسلمين وقد كان هناك مشروع من أجل ذلك، غير أنه فشل بل وأنتشر الإسلام في صفوف الصليبيين، وتحدثت الحوليات الصليبية عن اعتناق جماعي لنحو الفين من الصليبيين للإسلام خلال أحداث الحملة الصليبية الثانية فيما بين عامي 1147،1149م، ومن بعد ذلك كان الفرسان الصليبيون يأتون إلى صلاح الدين الأيوبي لكي يشهروا إسلامهم على يديه والأمر المؤكد أن الإسلام كدين ختامي متكامل أثبت قدرته على دخول قلوب أعدائه من الصليبيين وحتى المغول من بعد ذلك.
سادساً: دافع خاص بالفروسية:
حيث أرادت البابوية استغلال الطاقة الحربية لدى الفرسان من أجل أن تدفعهم لحرب المسلمين بدلاً من التحارب فيما بينهم، حيث فشلت الهدن التي قامت بها، ولم يتم احترامها من جانبهم.
سابعاً:لا نغفل الدوافع الخاصة بالبابوية، حيث أراد البابا أسقف كنيسة روما التي أسسها القديس بطرس رأس الحواريين، أن تخضع كنيسة القسطنطينية التي كانت خارجة عن سيطرتها خاصة بعد الانشقاق الأعظم عام 1054م فيما بين الكنيستين ويلاحظ أنها نجحت في ذلك عام 1204م في ظروف الحملة الصليبية الرابعة.
على أية حال؛ قامت الحملة الصليبية الأولى وانقسمت إلى حملة شعبية فاشلة شارك فيها الأقنان، وحملة منظمة شارك فيها عدد من الأمراء الصليبيين مثل بوهمند، تانكرد، وجودفري دي بويون، وبولدوين دي بويون وغيرهم وتمكنت من هزيمة السلاجقة في معركة ضورليوم عام 1097م، ثم تقدمت إلى أسيا الصغرى وتم حصار أنطاكية وإسقاطها عام 1098م ومن بعد ذلك؛ تم التوجه إلى بيت المقدس حيث كانت خاضعة لسيطرة الفاطميين بعد أن أخضعها السلاجقة من قبل، وهكذا؛ تمكن الغزاة من دخول المدينة المقدسة في يوم الجمعة 15 يوليو 1099م؛ حيث قاموا بعمل مذبحة مروعة قتل فيها عشرات الآلاف من المسلمين وكانت الخيول تخوض في برك من الدماء.
ويقرر أحد المؤرخين الصليبيين المعاصرين وهو مؤرخ الجيستا أن جماجم القتلى من المسلمين لو تجمعت لأقامت أسواراً تفوق أسوار بيت المقدس في ارتفاعها مما عكس لنا هول وبشاعة المذبحة.
ومن بعد ذلك تكونت مملكة بيت المقدس الصليبية في صورة إمارة الرها أعالي الفرات، وأنطاكية في أعالي بلاد الشام، وطرابلس بلبنان، ثم بيت المقدس وذلك على حساب المسلمين ، وظل الصراع بين الطرفين على مدى قرنين من الزمان 12 ، 13م/6 ،7ه إلى أن أمكن طرد الغزاة نهائياً عام 1291م من عكا الصليبية.
لم يكن من الممكن أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث على أرضهم من عدوان وإحتلال سافر خاصة أن الغزاة قدموا للاستقرار وليس من أجل السلب والنهب والعودة إلى بلادهم مرة أخرى، ومن ثم ظهر قادة حركة الجهاد الإسلامي وقد بدأت من الموصل بشمالي العراق، ويعد شرف الدين مودود أتابك الموصل من أبرز المجاهدين خلال تلك الفترة المبكرة، وقد تمكن من إلحاق الهزيمة بالمؤسس الفعلي لمملكة بيت المقدس الصليبية وهو الملك الصليبي بلدوين الأول (1100-1118)م فيما عرف بمعركة الأقحوانة عام 1113م غير أنه أغتيل على أيدي بعض الحشاشين الذين كانوا من الإسماعيلية النزارية في المسجد الأموي بدمشق.
على أية حال؛ توالت قافلة المجاهدين المسلمين مثل إيلغازي، وأقسنقر وغيرهما، لكن في عهد الأتابك عماد الدين زنكي أتابك الموصل؛ تمكن من إسقاط أول إمارة صليبية في صورة إمارة الرها وذلك في عام 1144م ، غير أنه تم أغتياله في عام 1146م أي بعد عامين فقط من إنجازه التاريخي البارز.
تولى الأمر من بعده أبنه نور الدين محمود الذي يوصف بأنه مهندس حركة الجهاد الإسلامي في النصف الثاني من القرن 12م ويمكن إبراز أهم إنجازاته على النحو التالي:
1- تمكن من إخضاع حلب لسيطرته وذلك في عام 1146م، ومن بعد ذلك خاض عدة معارك مع الصليبين، وأنتصر عليهم فيها مثل يغري، وأنب، وحارم، وفي عام 1154م تمكن من ضم دمشق وبالتالي وحد حلب عاصمة شمالي بلاد الشام ودمشق عاصمة الأمويين من قبل لسيطرة سيد واحد.
2- استغل الصراع الوزاري بين شاور وضرغام في مصر الفاطمية، وتدخل في شئونها على نحو أدى في النهاية إلى إخضاعها لسيطرته من خلال تلميذه الفذ صلاح الدين الأيوبي الذي أسقط الخلافة الفاطمية وذلك في يوم 10 سبتمبر عام 1171م وكان ذلك يوافق الجمعة الأولى من شهر المحرم من عام 567ه، وبذلك تمكن من تحقيق أعظم إنجازاته على الإطلاق؛ لأن مصر عندما ستتحد مع بلاد الشام سيكون ذلك معناه وحدة العمل العسكري والسياسي من أجل طرد الغزاة وإلحاق الهزيمة بهم.
يبقى أن نذكر هنا؛ مقدم حملة صليبية فيما بين عامي 1147 و 1149م وعلى رأسها الملك الفرنسي لويس السابع والإمبراطور الألماني كونراد لثالث وهي المعروفة بالحملة الصليبية الثانية وذلك من أجل أسترداد الرها فإذا بها تحاصر دمشق !!!، وقاومها الدماشقة مقاومة بطولية، وبالفعل تمكنوا من إفشالها، وكان لذلك أثره في أن أدرك نور الدين محمود أهمية إخضاع دمشق لسيطرته، وهو بالفعل ما قام به عام 1145م كما أسلفت الإشارة من قبل.
توفي نور الدين محمود عام 1174م، ليحمل الراية من بعده تلميذه الفذ صلاح الدين الأيوبي ويمكن إيجاز أهم أعماله على النحو التالي:
أولاً: تمكن من إسقاط الدولة الفاطمية عام 1171م، وبالتالي تم القضاء على تلك الدولة التي عاشت في سبات عميق ولم تتفهم المتغيرات الدولية المحيطة بها، ولا ريب في أن إسقاطها أحدث تطوراً مهماً لحركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين فقد استيقظت مصر وستتحد مع الشقيقة الجغرافية والتاريخية في صورة بلاد الشام.
ثانياً:تقدم بقواته من بعد وفاة نور الدين محمود وأخضع دمشق لسيطرته ودانت له الموصل بالولاء وفيما بعد حلب وعمل على تكوين جيش ضخم مستغلاً في ذلك سهول ووديان النيل، والفرات، والعاصي ولا شك في أن قوة بشرية كبيرة كانت تحت يده، وظل في مرحلة الإعداد على مدى المرحلة من 1171م حتى عام 1187م أي 16 عاماً.
ثالثاً:في عام 1187م؛ التقى مع الصليبيين في معركة حطين الفاصلة التي وقعت في غربي بحيرة طبرية وذلك في يوم 4 يوليو من العام المذكور، وفيها تم إلحاق الهزيمة بالمملكة الصليبية، والقضاء على الجيش الصليبي الذي وقع بين قتيل، وجريح، وأسير، ولا نغفل؛ أن ذلك القائد التاريخي أستغل سلاح التعطيش ضد أعدائه، وكان الطقس حاراً، وأشعل المسلمون الحشائش، فأجتمع على الصليبيين حر الشمس، وحر النار، وحر العطش، وقد نتج عن معركة حطين الحاسمة الأتي:
1- إسقاط القلاع الصليبية التي كانت تثبت الكيان الصليبي في الأرض العربية وهي قلاع كانت من الكثرة بحيث قدرها البعض بنحو 120 قلعة.
2- فتح الساحل الشامي بعد أن ظل سنوات وسنوات خاضعاً للصليبيين ومثل لهم الرئة التي من خلالها يتم اتصالهم بالوطن الأم في أوروبا.
3- تمكن المسلمون من دخول بيت المقدس في 2 أكتوبر 1187م بعد أن ظلت تحت الاحتلال الصليبي من 15 يوليو 1099م إلى التاريخ المذكور؛ مما عكس أهمية يوم حطين في الصراع الإسلامي-الصليبي بصورة سلمية ولم يرق قطرة دماء صليبية واحدة ودل ذلك على تسامحه العظيم وبذلك تحققت رؤية المؤرخ الصليبي وليم الصوري الذي أمتدح صلاح الدين وتوقع أن تسقط المملكة على يديه ونصح بني قومه دون جدوى وكان كصوت صارخ في البرية.
على أية حال؛ قدمت الحملة الصليبية الثالثة التي شارك فيها ريتشارد قلب الأسد، وفيليب أغسطس، وفريدريك بارباروسا، وذلك خلال المرحلة من 1189-1192م، ولكن فشلت بفضل جهاد المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وأنتهت بعقد صلح الرملة 2 سبتمبر 1192م، وفيما بعد توفي القائد البارز في مارس 1193م بعد أن دخل التاريخ من أوسع أبوابه مدافعاً عن دينة وأرض أمته وهو مدفون في دمشق ويلاحظ كثرة السائحين الذين يقومون بزيارة ضريحه تقديراً وإعجاباً به ولا نغفل أن ذلك القائد أشارت إليه مئات الموسوعات على مستوى العالم بكافة اللغات ولم يجتمع العالم على تقدير قائد مثلما حدث مع صلاح الدين الأيوبي الذي يكفيه فخراً أن الصليبيين انبهروا به ونسجوا بشأنه أسطورة لا تزال عالقة في العقل الجمعي الأوروبي.
مهما يكن الأمر؛ هناك الحملة الصليبية الرابعة التي سقطت خلالها العاصمة البيزنطية، وتجرع البيزنطيون لأول مرة كأس الاحتلال المرير، وتكونت إمبراطورية لاتينية على أرض بيزنطة وسيستمر ذلك الوضع حتى عام 1271م عندما يتمكن القائد ميخائيل باليولوغوس من استرداد العاصمة
البيزنطية لأبنائها من أيدي اللاتين أبناء الغرب الأوروبي.
الحروب الصليبية
القرنان 12.13م/6.7 ه
في أخريات القرن 11م / 5ه؛شن الغرب الأوروبي هجوماً ضخماً على المسلمين في بلاد الشام، وكان دافعه في ذلك-في الظاهر- إسترداد الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين، وفي الحقيقة وجدت عدة دوافع لتلك الحركة التاريخية الكبرى في تاريخ العصور الوسطي.
واقع الأمر؛ في يوم 27 نوفمبر من عام 1095م، قام البابا أوربان الثاني (1089-1099)م بعقد مجمع كنسي في مدينة كلير مونت فرون بفرنسا، وقد أستمر المجمع المذكور عدة أيام ناقش فيه البابا مع رجال الكنيسة مختلف القضايا وفي اليوم الأخير من أيام الإنعقاد ألقى البابا خطاباً على مستمعيه قام فيه بالدعوة إلى ما عرف بالحروب الصليبية Crusades
وقد قدم الإغراءات العديدة للمشاركين في صورة أرض كنعان التي تفيض لبناً وعسلاً، كذلك هناك الغفران الكنسي من الآثام والخطايا، وفور إلقاء البابا خطابه صاح الحاضرون صيحة واحدة في صورة الله يريد ذلك، وكانت تلك صيحة المسيحية لمحاربة الإسلام، وأهله.
والواقع أن هناك عدة دوافع كانت وراء تلك الحركة التاريخية الكبرى في العصور الوسطى ويمكن إجمالها على النحو التالي:
أولاً: الدافع الديني:
وهو خاص بالحج إلى الأماكن المقدسة للمسيحيين في فلسطين، حيث أراد الغرب الأوروبي السيطرة عليها، وإبعاد المسلمين عنها لزعم وجود اضطهاد للحجاج هناك، وهو من أوهام المتعصبين في ذلك العصر، ويؤكد المؤرخ هانز ماير عدم وجود أدلة حقيقية على حدوث اضطهاد من جانب الأتراك السلاجقة لعناصر الحجاج الأوروبيين، وأنما زعمت البابوية ذلك من أجل إثارة الغرب الأوروبي للاشتراك في الحروب الصليبية.
ثانياً: الدافع الاقتصادي:
فيلاحظ أن المدن التجارية الإيطالية مثل جنوة، وبيزا، والبندقية أرادت السيطرة على تجارة الشرق، وإلغاء دور المسلمين كوسطاء تجاريين.
من ناحية أخرى؛ ظهر بجلاء ذلك الدافع أثناء أحداث الحملة الصليبية الرابعة، عندما سقطت مدينة القسطنطينية لأول مرة في تاريخها على أيدي الصليبيين وذلك في عام 1204م، وكانت البندقية تهدف من وراء ذلك إلى القضاء على تجارة بيزنطة وإنهاء منافستها لها ويؤكد الباحثون الأوروبيون أنفسهم أن الدافع الاقتصادي كان المحرك الأساسي من وراء الحملة الصليبية المذكورة التي عرفت بالصليبية الرابعة.
ثالثاً: الدافع السياسي:
فقد أراد الملوك والأمراء الأوروبيون الاشتراك في الحروب الصليبية؛ من أجل تكوين أملاك لهم في الشرق، وتدعيم نفوذ بلادهم وينطبق ذلك على عدد كبير من ملوك وأمراء أوروبا ومن أمثلتهم ريتشارد قلب الأسد (1189-1199)م ، وفيليب أغسطس (1180-1223)م ، وفريدريك بارباروسا (1152-1190)م، وغيرهم وبالتالي يتأكد لنا أن الحروب الصليبية كانت بمثابة مجال خصب للتنافس الدولي بين القوى الأوروبية.
رابعاً:الدافع الإجتماعي:
فيلاحظ أن النظام الإقطاعي في أوروبا العصور الوسطى أحتوى على هرم طبقي عبارة عن الذين يحاربون وهو الفرسان وعلى رأسهم الملك، والذين يتعبدون وهم رجال الكنيسة، ثم هناك الذين يزرعون وهم الفلاحون والأقنان الذين يقومون بزراعة الأرض، وهؤلاء كانت أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بالغة السوء، فكان القن يعيش قناً ويموت قناً، وينتشر في صفوفهم الفقر، والجهل،والمرض بل إذا ما أراد القن أن يتزوج قام السيد الإقطاعي باغتصاب زوجته، ولا شك أن كافه تلك الظروف البالغة القسوة قد شجعت الآلاف منهم على أن يشاركوا في الحروب الصليبية؛ من أجل التخلص من الأحوال الاقتصادية والاجتماعية السيئة التي يعيشون فيها.
خامساً:الدافع التنصيري:
في صورة رغبة البابوية في نشر المسيحية الكاثوليكية في مناطق المسلمين وقد كان هناك مشروع من أجل ذلك، غير أنه فشل بل وأنتشر الإسلام في صفوف الصليبيين، وتحدثت الحوليات الصليبية عن اعتناق جماعي لنحو الفين من الصليبيين للإسلام خلال أحداث الحملة الصليبية الثانية فيما بين عامي 1147،1149م، ومن بعد ذلك كان الفرسان الصليبيون يأتون إلى صلاح الدين الأيوبي لكي يشهروا إسلامهم على يديه والأمر المؤكد أن الإسلام كدين ختامي متكامل أثبت قدرته على دخول قلوب أعدائه من الصليبيين وحتى المغول من بعد ذلك.
سادساً: دافع خاص بالفروسية:
حيث أرادت البابوية استغلال الطاقة الحربية لدى الفرسان من أجل أن تدفعهم لحرب المسلمين بدلاً من التحارب فيما بينهم، حيث فشلت الهدن التي قامت بها، ولم يتم احترامها من جانبهم.
سابعاً:لا نغفل الدوافع الخاصة بالبابوية، حيث أراد البابا أسقف كنيسة روما التي أسسها القديس بطرس رأس الحواريين، أن تخضع كنيسة القسطنطينية التي كانت خارجة عن سيطرتها خاصة بعد الانشقاق الأعظم عام 1054م فيما بين الكنيستين ويلاحظ أنها نجحت في ذلك عام 1204م في ظروف الحملة الصليبية الرابعة.
على أية حال؛ قامت الحملة الصليبية الأولى وانقسمت إلى حملة شعبية فاشلة شارك فيها الأقنان، وحملة منظمة شارك فيها عدد من الأمراء الصليبيين مثل بوهمند، تانكرد، وجودفري دي بويون، وبولدوين دي بويون وغيرهم وتمكنت من هزيمة السلاجقة في معركة ضورليوم عام 1097م، ثم تقدمت إلى أسيا الصغرى وتم حصار أنطاكية وإسقاطها عام 1098م ومن بعد ذلك؛ تم التوجه إلى بيت المقدس حيث كانت خاضعة لسيطرة الفاطميين بعد أن أخضعها السلاجقة من قبل، وهكذا؛ تمكن الغزاة من دخول المدينة المقدسة في يوم الجمعة 15 يوليو 1099م؛ حيث قاموا بعمل مذبحة مروعة قتل فيها عشرات الآلاف من المسلمين وكانت الخيول تخوض في برك من الدماء.
ويقرر أحد المؤرخين الصليبيين المعاصرين وهو مؤرخ الجيستا أن جماجم القتلى من المسلمين لو تجمعت لأقامت أسواراً تفوق أسوار بيت المقدس في ارتفاعها مما عكس لنا هول وبشاعة المذبحة.
ومن بعد ذلك تكونت مملكة بيت المقدس الصليبية في صورة إمارة الرها أعالي الفرات، وأنطاكية في أعالي بلاد الشام، وطرابلس بلبنان، ثم بيت المقدس وذلك على حساب المسلمين ، وظل الصراع بين الطرفين على مدى قرنين من الزمان 12 ، 13م/6 ،7ه إلى أن أمكن طرد الغزاة نهائياً عام 1291م من عكا الصليبية.
لم يكن من الممكن أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي أمام ما يحدث على أرضهم من عدوان وإحتلال سافر خاصة أن الغزاة قدموا للاستقرار وليس من أجل السلب والنهب والعودة إلى بلادهم مرة أخرى، ومن ثم ظهر قادة حركة الجهاد الإسلامي وقد بدأت من الموصل بشمالي العراق، ويعد شرف الدين مودود أتابك الموصل من أبرز المجاهدين خلال تلك الفترة المبكرة، وقد تمكن من إلحاق الهزيمة بالمؤسس الفعلي لمملكة بيت المقدس الصليبية وهو الملك الصليبي بلدوين الأول (1100-1118)م فيما عرف بمعركة الأقحوانة عام 1113م غير أنه أغتيل على أيدي بعض الحشاشين الذين كانوا من الإسماعيلية النزارية في المسجد الأموي بدمشق.
على أية حال؛ توالت قافلة المجاهدين المسلمين مثل إيلغازي، وأقسنقر وغيرهما، لكن في عهد الأتابك عماد الدين زنكي أتابك الموصل؛ تمكن من إسقاط أول إمارة صليبية في صورة إمارة الرها وذلك في عام 1144م ، غير أنه تم أغتياله في عام 1146م أي بعد عامين فقط من إنجازه التاريخي البارز.
تولى الأمر من بعده أبنه نور الدين محمود الذي يوصف بأنه مهندس حركة الجهاد الإسلامي في النصف الثاني من القرن 12م ويمكن إبراز أهم إنجازاته على النحو التالي:
1- تمكن من إخضاع حلب لسيطرته وذلك في عام 1146م، ومن بعد ذلك خاض عدة معارك مع الصليبين، وأنتصر عليهم فيها مثل يغري، وأنب، وحارم، وفي عام 1154م تمكن من ضم دمشق وبالتالي وحد حلب عاصمة شمالي بلاد الشام ودمشق عاصمة الأمويين من قبل لسيطرة سيد واحد.
2- استغل الصراع الوزاري بين شاور وضرغام في مصر الفاطمية، وتدخل في شئونها على نحو أدى في النهاية إلى إخضاعها لسيطرته من خلال تلميذه الفذ صلاح الدين الأيوبي الذي أسقط الخلافة الفاطمية وذلك في يوم 10 سبتمبر عام 1171م وكان ذلك يوافق الجمعة الأولى من شهر المحرم من عام 567ه، وبذلك تمكن من تحقيق أعظم إنجازاته على الإطلاق؛ لأن مصر عندما ستتحد مع بلاد الشام سيكون ذلك معناه وحدة العمل العسكري والسياسي من أجل طرد الغزاة وإلحاق الهزيمة بهم.
يبقى أن نذكر هنا؛ مقدم حملة صليبية فيما بين عامي 1147 و 1149م وعلى رأسها الملك الفرنسي لويس السابع والإمبراطور الألماني كونراد لثالث وهي المعروفة بالحملة الصليبية الثانية وذلك من أجل أسترداد الرها فإذا بها تحاصر دمشق !!!، وقاومها الدماشقة مقاومة بطولية، وبالفعل تمكنوا من إفشالها، وكان لذلك أثره في أن أدرك نور الدين محمود أهمية إخضاع دمشق لسيطرته، وهو بالفعل ما قام به عام 1145م كما أسلفت الإشارة من قبل.
توفي نور الدين محمود عام 1174م، ليحمل الراية من بعده تلميذه الفذ صلاح الدين الأيوبي ويمكن إيجاز أهم أعماله على النحو التالي:
أولاً: تمكن من إسقاط الدولة الفاطمية عام 1171م، وبالتالي تم القضاء على تلك الدولة التي عاشت في سبات عميق ولم تتفهم المتغيرات الدولية المحيطة بها، ولا ريب في أن إسقاطها أحدث تطوراً مهماً لحركة الجهاد الإسلامي ضد الصليبيين فقد استيقظت مصر وستتحد مع الشقيقة الجغرافية والتاريخية في صورة بلاد الشام.
ثانياً:تقدم بقواته من بعد وفاة نور الدين محمود وأخضع دمشق لسيطرته ودانت له الموصل بالولاء وفيما بعد حلب وعمل على تكوين جيش ضخم مستغلاً في ذلك سهول ووديان النيل، والفرات، والعاصي ولا شك في أن قوة بشرية كبيرة كانت تحت يده، وظل في مرحلة الإعداد على مدى المرحلة من 1171م حتى عام 1187م أي 16 عاماً.
ثالثاً:في عام 1187م؛ التقى مع الصليبيين في معركة حطين الفاصلة التي وقعت في غربي بحيرة طبرية وذلك في يوم 4 يوليو من العام المذكور، وفيها تم إلحاق الهزيمة بالمملكة الصليبية، والقضاء على الجيش الصليبي الذي وقع بين قتيل، وجريح، وأسير، ولا نغفل؛ أن ذلك القائد التاريخي أستغل سلاح التعطيش ضد أعدائه، وكان الطقس حاراً، وأشعل المسلمون الحشائش، فأجتمع على الصليبيين حر الشمس، وحر النار، وحر العطش، وقد نتج عن معركة حطين الحاسمة الأتي:
1- إسقاط القلاع الصليبية التي كانت تثبت الكيان الصليبي في الأرض العربية وهي قلاع كانت من الكثرة بحيث قدرها البعض بنحو 120 قلعة.
2- فتح الساحل الشامي بعد أن ظل سنوات وسنوات خاضعاً للصليبيين ومثل لهم الرئة التي من خلالها يتم اتصالهم بالوطن الأم في أوروبا.
3- تمكن المسلمون من دخول بيت المقدس في 2 أكتوبر 1187م بعد أن ظلت تحت الاحتلال الصليبي من 15 يوليو 1099م إلى التاريخ المذكور؛ مما عكس أهمية يوم حطين في الصراع الإسلامي-الصليبي بصورة سلمية ولم يرق قطرة دماء صليبية واحدة ودل ذلك على تسامحه العظيم وبذلك تحققت رؤية المؤرخ الصليبي وليم الصوري الذي أمتدح صلاح الدين وتوقع أن تسقط المملكة على يديه ونصح بني قومه دون جدوى وكان كصوت صارخ في البرية.
على أية حال؛ قدمت الحملة الصليبية الثالثة التي شارك فيها ريتشارد قلب الأسد، وفيليب أغسطس، وفريدريك بارباروسا، وذلك خلال المرحلة من 1189-1192م، ولكن فشلت بفضل جهاد المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وأنتهت بعقد صلح الرملة 2 سبتمبر 1192م، وفيما بعد توفي القائد البارز في مارس 1193م بعد أن دخل التاريخ من أوسع أبوابه مدافعاً عن دينة وأرض أمته وهو مدفون في دمشق ويلاحظ كثرة السائحين الذين يقومون بزيارة ضريحه تقديراً وإعجاباً به ولا نغفل أن ذلك القائد أشارت إليه مئات الموسوعات على مستوى العالم بكافة اللغات ولم يجتمع العالم على تقدير قائد مثلما حدث مع صلاح الدين الأيوبي الذي يكفيه فخراً أن الصليبيين انبهروا به ونسجوا بشأنه أسطورة لا تزال عالقة في العقل الجمعي الأوروبي.
مهما يكن الأمر؛ هناك الحملة الصليبية الرابعة التي سقطت خلالها العاصمة البيزنطية، وتجرع البيزنطيون لأول مرة كأس الاحتلال المرير، وتكونت إمبراطورية لاتينية على أرض بيزنطة وسيستمر ذلك الوضع حتى عام 1271م عندما يتمكن القائد ميخائيل باليولوغوس من استرداد العاصمة
البيزنطية لأبنائها من أيدي اللاتين أبناء الغرب الأوروبي.