الحركات الاستقلالية بالجزائر وتونس وليبيا

إضافة حول : ليبيا: الحركة الوطنية والاستقلال

التمهيد والإشكال:

عرقلت المقاومة الليبية خُطط إيطاليا الاستيطانية والاستغلالية إلى حدود سنة 1931 م وحالت أحداث الحرب العالمية الثانية دون تحقيق الأطماع الإيطالية في ليبيا فأحرزت البلاد على استقلالها سنة 1952 م

فما مظاهر المقاومة الليبية إلى حدود سنة 1931م ؟
وما مظاهر الاستغلال الاستعماري بليبيا ونتائجه؟
وما الأوضاع العامة التي مهدت لاستقلال البلاد؟
المقطع الأول: مظاهر المقاومة الليبية إلى سنة 1931 م

النشاط الأول: الأوضاع في ليبيا غداة الحرب العالمية الأولى

أعطت الحرب العالمية الأولى نفسا جديدا للمقاومة الليبية إذ حصلت أثناءها على دعم ومساندة الأتراك والألمان إلا أنها ظلت متفرقة فكان يقودها في منطقة برقة والجنوب إدريس السنوسي بينما كان على رأس المقاومة في ناحية طرابلس زعماء آخرون أمثال سليمان الباروني.


الصورة: مقاومون ليبيون

وقد واجهت المقاومة القوات الإيطالية والبريطانية المتحالفة على الحدود مع مصر واضطرت إيطاليا إلى الاعتراف بمقتضى معاهدة عَكْرُمَة بنفوذ إدريس السنوسي على المناطق الواقعة جنوب ساحل منطقة برقة.

واقتصرت السيطرة الإيطالية في منطقة طرابلس على الشريط الساحلي وأعلن المقاومون عن قيام جمهورية طرابلسية وكونوا حكومة مؤقتة اعترفت بها إيطاليا في أبريل سنة 1919 م واشتهر من قادتها سليمان الباروني وعبد الرحمان عزام وطالب الوطنيون الليبيون بحق السكان في تقرير مصيرهم.

حاولت القوات الاستعمارية وضع حد للمقاومة الليبية فأصدرت عدة قوانين منحت بموجبها حقوق المواطنة الايطالية لليبيين وأعلنت عن تأسيس برلمان وعن احترام اللغة العربية كما أعفت السكان من الخدمة العسكرية الإجبارية .

وجعلت اتفاقية الرجمة من إدريس السنوسي أميرا على واحتي الجُغْبُوب وكُفْرَة والقسم الداخلي من برقة

إلا أن الأوضاع تغيرت بتعيين فولبي volpi حاكما إيطاليا عاما على ليبيا سنة 1921 م وبوصول الفاشيون إلى الحكم سنة 1922م نهجت إيطاليا سياسة تهدف إلى فرض سيطرتها الكاملة على ليبيا بالقوة

النشاط الثاني: المقاومة الليبية إلى حدود سنة 1931 م

استغلت جيوش الاحتلال الإيطالي انقسام المقاومة الليبية فاستولت على جبل نفوسة ثم منطقة طرابلس بأكملها بين سنتي 1921 م و 1925م إيطاليا كل طاقتها وكونت فرقا عسكرية من سكان مستعمراتها للقضاء على المقاومة الليبية

وبعد انتقال إدريس السنوسي إلى مصر استمرت المقاومة ناحية الجبل الأخضر بقيادة عمر المختار أحد شيوخ الزاوية السنوسية وقد سخرت إيطاليا جيوشا ضخمة مدججة بالأسلحة المتنوعة والعتاد وأغلقت الحدود مع مصر دون جدوى ولم تتردد في استعمال كل الوسائل للقضاء على المقاومة.

واجه الليبيون القوات المحتلة بنهج طريقة حرب العصابات واستمر صمودهم إلى أن ألقي القبض على زعيمهم عمر المختار في شتنبر 1931 م وبانتهاء المقاومة استثب الأمر للإيطاليين لتنفيذ خططهم في استغلال البلاد.


الصورة: اعتقال عمر المختار

المقطع الثاني: الاستغلال الاستعماري لليبيا ونتائجه

النشاط الأول: الاستغلال الاستعماري لليبيا في الميدان الفلاحي

انطلق الاستغلال الاستعماري بليبيا ناحية طرابلس ليشمل تدريجيا باقي مناطق البلاد ومهدت السلطات الليبية لذلك بإصدار عدة قوانين فتمكنت بموجبها من الاستيلاء على الأراضي الفلاحية في منطقتي طرابلس والجبل الأخضر وهكذا بلغت الأراضي الزراعية التي وزعت على المعمرين 35000 هكتار سنة 1925 م

كما صدرت عدة قوانين أخرى سنة 1928 م وكان الهدف منها تنظيم الاستيطان وتشجيعه عن طريق منح القروض للمعمرين وإنجاز التجهيزات الأساسية .

وكانت إيطاليا تسعى إلى تشجيع هجرة الإيطاليين إلى ليبيا فرسمت خطة طموحة تقضي باستيطان 20000 معمر سنويا حتى يصبح عددهم 1000000 معمر سنة 1960 م وكان عدد الإيطاليين يقدر ب 109000 نسمة سنة 1940 م ويملكون 304000 مليون هكتار سنة 1940 م

تجدر الإشارة إلى أن السلطات الاستعمارية استولت بالإضافة إلى ذلك على المرافق الاقتصادية الأخرى بالبلاد سواء كانت صناعية أو تجارية.

النشاط الثاني: آثار الاستغلال الاستعماري لليبيا

فقد الليبيون أجود أراضيهم وانقرضت قطعانهم من جراء الحرب وسياسة التهجير نحو الجنوب الصحراوي التي نهجها في حقهم النظام الفاشي ولم يستفيدوا من التجهيزات الاقتصادية والاجتماعية التي أقامها المستعمر ببلادهم وظلت أوضاعهم على هذه الحال إلى غاية اندلاع الحرب العالمية الثانية.

المقطع الثالث: اتجاه ليبيا نحو الاستقلال

النشاط الأول: موقف الليبيين من الحرب العالمية الثانية

بحلول الحرب العالمية الثانية اتفق الإنجليز مع محمد إدريس السنوسي اللاجئ بمصر على مساعدته من أجل استعادة سلطته في منطقة برقة وذلك مقابل تجنيده لخمس فيالق ليبية تعمل لصالح الإنجليز ضد الإيطاليين وما بين 1940 و 1943 تمكنت قوات الحلفاء العاملة بليبيا بمساعدة الكتائب الخمس السنوسية من سحق القوات الفاشية – النازية المشتركة المرابطة بالبلاد.

طالب إدريس السنوسي سنة 1943 م باستقلال برقة وعارضه في ذلك أنصار عمر المختار الذين كانوا يطالبون بالوحدة والاستقلال

وبعدئذ قسمت ليبيا إلى منطقتي نفوذ هما إقليم فزان واستولى عليه الفرنسيون ثم إقليمي طرابلس وبرقة واستولى عليه الإنجليز كما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا بإنشائها لقاعدة هويلس الجوية بالقرب من طرابلس

وهكذا إذا كانت ليبيا قد تحررت من الاستعمار الفاشستي فإنها تعرضت للانقسام والاحتلال على يد الحلفاء

النشاط الثاني: استقلال ليبيا

ظهرت عدة تيارات وطنية في مختلف أقاليم ليبيا إلا أن أبرزها هو الحزب الوطني الذي تأسس بطرابلس سنة 1945 م ثم المجلس الوطني لتحرير ليبيا الذي انطلق عمله من القاهرة سنة 1947 م وقد طالب التياران الوطنيان باستقلال البلاد والحفاظ على وحدتها كما عارضا الوجود الأجنبي فوق ترابها وطالبا بتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسكان الليبيين

ومع ذلك حاولت الدول الاستعمارية فرض التجزئة على البلاد وذلك بتقديم مشروع لهيئة الأمم المتحدة فاجتاحت ليبيا موجة من المقاومة التي تعارض المشروع حيث قام مختلف السكان في المدن بتنظيم عدة مظاهرات والإعلان عن شن إضرابات عامة وهكذا عملت سلطات الاحتلال البريطاني على توقيفها باستعمال القوة وقتل المتظاهرين

ورغم ذلك تصاعدت موجة السخط الشعبي حيث التحم سكان البدو بالحضر فوفد على مدينة طرابلس رؤساء القبائل من مختلف أنحاء البلاد وشاركوا في مظاهرات طرابلس والعزيزية وتم الاتفاق على تنظيم المقاومة المسلحة إذا ما أصرت الدول الغربية على تنفيذ مشروع التقسيم إلا أن هيئة الأمم المتحدة رفضت المشروع واتخذت قرار بتهيئي الظروف لنيل ليبيا استقلالها في أجل لا يتعدى بداية سنة 1952 م

وهكذا تأسست جمعية وطنية ليبية تضم ممثلين عن المناطق الثلاث ووضع دستور للبلاد وتشكلت حكومة مؤقتة ثم تم الإعلان عن استقلال المملكة الليبية المتحدة في 24 دجنبر 1951 م وتولى العرش الملك إدريس الأول السنوسي

النشاط الثالث: تطورات ما بعد الاستقلال

ومنذ استقلال ليبيا السياسي سعت الدول الإمبريالية إلى الحفاظ على موقعها بالبلاد باستعمال أدوات جديدة للتغلغل وكانت المملكة الليبية تعيش صعوبات كثيرة فاستغلت بريطانيا ذلك الوضع وفرضت منذ 1953م على الملك إدريس السنوسي توقيع معاهدة تعطي لانجلترا حق الاحتفاظ بقواعد مسلحة فوق التراب الليبي لمدة 20 سنة وأن تتوفر على قواعد عسكرية في كل من بنغازي وطرابلس والعدم وأن تتكلف الشركات الانجليزية بمد الطرق وأنابيب البترول والقيام بعدة مشاريع اقتصادية وفي سنة 1954 م وقعت الولايات المتحدة الأمريكية مع ليبيا اتفاقية حول الاحتفاظ بقاعدة هويلس الجوية الأمريكية فوق الأراضي الليبية لمدة 17 سنة أخرى وذلك مقابل إيجار سنوي وتقديم معونة اقتصادية لليبيا فأصبحت قاعدة هويلس أضخم قاعدة جوية أمريكية بإفريقيا وكانت مزودة بمعدات إطلاق الصواريخ وبطائرات القصف التي تغطي حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط

وكانت الحكومة الليبية قد منحت رخصا للتنقيب عن البترول لتسع شركات غربية على رأسها ستانار أويل الأمريكية وبعد اكتشافه والتأكد أن احتياطاته ضخمة حوالي 6 ملايير طن ومن جودة مادته الخام فإن عدد الشركات المستغلة للبترول الليبي ارتفع إلى 44 شركة سنة 1969 وارتفع الانتاج من 7000000 طن سنة 1961 إلى 150 مليون طن سنة 1969 م وبذلك أصبحت ليبيا أول منتج للبترول في البلاد العربية وبإمكانها ضخ حوالي 100 مليون طن سنويا لمدة 30 سنة وانتقلت عائدات البترول مابين 1962 و 1969 من 30 مليون دولار إلى 770 مليون دولار وكانت الشركات الأجنبية لا تدفع للحكومة الليبية سوى 50 % من ثمن بيع البترول الخام بعد أن تخصم مجموع نفقاتها وقد هيمنت الاحتكارات الأمريكية على استخراج البترول وتصديره ( حوالي 90% )

أفرز ذلك الوضع تطورات جديدة ففي فاتح شتنبر 1969م نُظم انقلاب أسقط بالنظام السنوسي وأُعلن عن قيام الجمهورية العربية الليبية (والتي أخذت منذ سنة 1977 اسم الجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية الشعبية ) بقيادة مجلس للثورة يرأسه العقيد معمر القذافي

وهكذا عملت الحكومة الجديدة على تصفية جميع القواعد الحربية الأجنبية وتأميم البترول وتضييق مجالات الاحتكارات الأجنبية فدخلت البلاد عهدا جديدا من تاريخها المعاصر

خاتمة:

والخلاصة أن ليبيا تمكنت من تحقيق استقلالها بعد سلسلة من التضحيات والموجهات مع سلطات الاحتلال سواء باستعمال وسائل سلمية وديبلوماسية أم بالكفاح المسلح ثم اتجهت بعد ذلك نحو التنمية ومحو آثار التبعية.