[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها
يذكر الكاتب ايميل توما في كتابة جذور القضية الفلسطينية الفصل الثالث انه لم يكن من قبيل المصادفة أن تنشأ الصهيونية في أوروبا وأن يكون توقيت ظهور منظمتها في نهاية القرن التاسع عشر، وان تصوغ أيديولوجيتها على الوجه الذي صاغته فيه. فالأوضاع الاقتصادية والسياسية هي التي خلقت التربة لظهور اللاسامية، والصهيونية التي زعم أصحابها أنها الرد الوحيد على اللاسامية.
إن الاستيطان الكولونيالي الذي بدأ في القرن الثامن عشر استمر في القرن التاسع عشر وخاصة في أقطار أفريقيا، إلا أن الأمر الحاسم الذي ميز الربع الأخير من ذلك القرن كان انتقال الرأسمالية في أوروبا إلى أعلى مراحلها: مرحلة الإمبريالية.
وهذا كان يعني تحول رأسمالية التنافس الحر إلى الاحتكار واندماج المال المصرفي بالصناعة وتصدير رؤوس الأموال وإقامة احتكارات عالمية وتقسيم المستعمرات تماماً.
هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فالانتقال من الرأسمالية إلى الإمبريالية شدد الصراعات الاجتماعية والقومية. وجعل الصراع بين الطبقة العاملة والرأسمالية الصراع الجوهري الذي يترك طابعه على كل ميادين الحياة ونواحي التطور.
ولم ير القرن التاسع عشر شيوع أيديولوجية الاشتراكية العلمية ومولد الحركة الشيوعية العالمية(1) فحسب. بل شهد أول محاولة في التاريخ تقوم بها الطبقة العاملة (الفرنسية) لخلع نير الرأسمالية وإقامة المجتمع العادل الذي يقضي على استغلال الإنسان للإنسان.
لقد هزت هذه المحاولة التي يعرفها التاريخ بكومونة باريس عام 1871 الرأسمالية وخاصة في أوروبا وأيقظتها على خطورة الطبقة العاملة التي اتسعت صفوفها بفضل التطور الصناعي المتواصل وتحسن تنظيمها بفضل خبراتها المتراكمة، وتعمقت نضاليتها الثورية نتيجة ظروفها القاسية.
ولجأت الرأسمالية إلى مختلف الأساليب لوقف المد الثوري.
فمن الناحية الواحدة استخدمت القمع والعنف في وقف مد النضال الطبقي الثوري، ومن الناحية الأخرى لجأت إلى الاستيطان الكولونيالي في سبيل تخفيف عنف هذا الصراع.
هكذا وصف الإمبريالية سيسل رودس(2) دور الكولونيالية الاستيطانية في هذا الصراع في عام 1895:
"كنت أمس في الايست اند (حي العمال في لندن) وحضرت اجتماعاً من اجتماعات العمال العاطلين وقد سمعت هناك خطابات فظيعة كانت من أولها إلى آخرها صرخات الخبز! الخبز! وأثناء عودتي إلى البيت كنت أفكر بما رأيت، وتبينت أوضح من السابق أهمية الاستعمار.. إن الفكرة التي أصبو إليها هي حل المسألة الاجتماعية، أعني: ليكما ننقذ أربعين مليوناً من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية مهلكة ينبغي علينا نحن الساسة طلاب المستعمرات أن نستولي على أراض جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها المصانع والمناجم. فالإمبراطورية، وقد قلت ذلك مراراً وتكراراً، هي مسألة البطون. فإذا كنتم لا تريدون الحروب الأهلية ينبغي عليكم أن تصبحوا استعماريين".(3)
ولم تكتف الرأسمالية بهذين الأسلوبين بل استخدمت اللاسامية أيضاً حين دعتها إلى ذلك ضرورة تحويل الصراع الاجتماعي عن مساربه الصحيحة.
وابتدع الرجعيون اللاسامية- وهي من الأيدلوجية العنصرية السيئة الصيت- في هذه المرحلة بالذات، مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الإمبريالية واحتدام الصراعات الاجتماعية في أوروبا لأنهم اعتقدوا أنها سهلة الترويج.
ويحدد كثيرون من المؤرخين وقت ظهور اللاسامية في سنوات السبعين من القرن التاسع عشر ويؤكدون أن الساسة لجأوا إليها خدمة لأغراضهم.
وهذا ما يؤكده ماكس ديمونت في مؤلفه "اليهود والله والتاريخ" حين كتب: ان اللاسامية وهي أيديولوجية معاصرة تختلف تمام الاختلاف عن معاداة اليهود، في القرون الوسطى. نشأت في أواخر القرن التاسع عشر (ص 311 و 313). وشاعت بين الفئات المتوسطة التي كانت قلقة بحكم عدم استقرار أوضاعها الاجتماعية (ص 315) وأضاف ان ساسة اليمين استخدموها في محاربة ساسة اليسار. ثم كتب: وفسر الساسة عدم استقرار هذه الفئات لا بأسبابه الاجتماعية والاقتصادية، بل بسبب شرور اليهود. فإذا كانت هذه الفئات تخاف اخطار الرأسمالية عليها، لوحوا لها باليهودي الرأسمالي المستغل، أما إذا كانت تخاف الشيوعية فكانوا يلوحون لها بالشيوعي اليهودي المتآمر.(ص 318)
وهكذا فظهور الأيديولوجية العنصرية رافق الإمبريالية التي كانت تبرر احتلالها وسيطرتها على الأقطار المختلفة في آسيا وأفريقيا بذريعة "تمدين" شعوبها.
وذريعة "التمدين" التي اتخذت شعاراً لها "عبء الرجل الأبيض" استنفرت بطبيعة الأمور فكرة رقي شعوب الدولة الإمبريالية عرقاً على الشعوب المتخلفة ونقواتها العنصرية بالنسبة لتلك التي أدنى منها تطوراً أو "أغمق" منها لوناً.
وتؤكد حقائق التطور أن الأيديولوجية العنصرية كانت أسبق من اللاسامية التي تفرعت عنها، وأن اللاسامية انتشرت أول ما انتشرت في ألمانيا الإمبريالية في وقت الصراع الاجتماعي.
ويتفق كافة المؤرخين على ان مستشار ألمانيا بسمارك الذي قام بدور كبير في انعتاق اليهود ودمجهم في الحياة الألمانية، لجأ بنفسه إلى اللاسامية في معركته السياسية حين قاد معركة حزب المحافظين مع الأحرار الذين اعتبرهم تقدميين.
وكتب هوارد مورلي ساخر في مؤلفه "مسيرة التاريخ اليهودي المعاصر" يؤكد ارتباط اللاسامية بالصراع الاجتماعي على النحو التالي:
"وكانت سنوات السبعين في القرن التاسع عشر بالحقيقة سنوات أزمة الطبقة الوسطى الدنيا. كانت سنوات هبوط اقتصادي فقد خلالها أصحاب الحوانيت والمعلمون، بشكل خطير مكانتهم بوصفهم أصحاب الياقات البيضاء". وأضاف: "وخلال هذه الفترة بالضبط ظهر المدعو أدولف ستوكر وأدرك كره هذه الفئة الاشتراكية الماركسية والبروليتاريا فأسس "حزب العمال المسيحي الاجتماعي" واستخدم اللاسامية في دعايته لكسب الأنصار". (ص 224-225)
ويتأكد ارتباط اللاسامية بالأوضاع الاجتماعية الاقتصادية في أنها لم تظهر إلا في أوقات احتدام الصراعات الاجتماعية وتبددت حين لم تعد هناك ضرورة لها. ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن اللاسامية التي شاعت في ألمانيا في سنوات السبعين والثمانين في القرن التاسع عشر اختفت تقريباً من الحياة السياسية عند نهاية القرن المذكور ومطلعه لتعود إليها في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، في وقت احتدم فيه الصراع الاجتماعي احتداماً هائلاً واتسعت صفوف الحركة الشيوعية وتعاظم دورها في الحياة الاقتصادية والسياسية.
وليس يهمنا طبعاً من اللاسامية هنا غير مقولتها الأساسية، فهي انطلاقاً من مصدر أيديولوجيتها العنصرية تعتبر اليهود أمة منفصلة لا يمكن لأفرادها أن يندمجوا بالشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها.
ولذلك كانت اللاسامية نقيض حركة انعتاق اليهود التي اقترنت بالثورات البرجوازية، في أوروبا على وجه التحديد، وخطت خطوات بعيدة المدى في دمج الطوائف اليهودية بالقوميات التي تعيش في أقطارها.
واقترن ظهور اللاسامية بتطور عيني في الفكرة القومية في أوروبا.
لقد كانت الحركات القومية في أوروبا حركات تقدمية دينامية هدفت إلى تصفية تجزئة الإقطاعية وانعزالية ولايات الشعب الواحد.
وفي الفترة التي نحن بصددها، على الرغم من بقاء جيوب الكفاح القومي في الإمبراطوريات المتعددة القوميات في أوروبا، كانت الفكرة القومية قد فقدت طابعها التقدمي وأصبحت أداة في أيدي الإمبرياليين يستخدمونها لتوسيع إمبراطورياتهم تحت شعار "الكبرياء القومي" و "تمدين الشعوب".
وظهر هذا التغيير في طابع الحركات القومية في الحرب الفرنسية- البروسية التي خاضتها بروسيا من أجل خلق الأوضاع لإتمام وحدة المانية. ولكن هذه الحرب الإيجابية في بدايتها تجاوزت طابعها التقدمي حين تخطت الجيوش البروسية حدود ألمانيا وغزت الأراضي الفرنسية.
وهكذا، إذا استثنينا بعض الشعوب التي كانت ترزح تحت قيود الكبت القومي نستطيع أن نقول إن القومية أصبحت في أوروبا أداة بيد القوى الرجعية.
نشوء الحركة الصهيونية وأيديولوجيتها
يذكر الكاتب ايميل توما في كتابة جذور القضية الفلسطينية الفصل الثالث انه لم يكن من قبيل المصادفة أن تنشأ الصهيونية في أوروبا وأن يكون توقيت ظهور منظمتها في نهاية القرن التاسع عشر، وان تصوغ أيديولوجيتها على الوجه الذي صاغته فيه. فالأوضاع الاقتصادية والسياسية هي التي خلقت التربة لظهور اللاسامية، والصهيونية التي زعم أصحابها أنها الرد الوحيد على اللاسامية.
إن الاستيطان الكولونيالي الذي بدأ في القرن الثامن عشر استمر في القرن التاسع عشر وخاصة في أقطار أفريقيا، إلا أن الأمر الحاسم الذي ميز الربع الأخير من ذلك القرن كان انتقال الرأسمالية في أوروبا إلى أعلى مراحلها: مرحلة الإمبريالية.
وهذا كان يعني تحول رأسمالية التنافس الحر إلى الاحتكار واندماج المال المصرفي بالصناعة وتصدير رؤوس الأموال وإقامة احتكارات عالمية وتقسيم المستعمرات تماماً.
هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فالانتقال من الرأسمالية إلى الإمبريالية شدد الصراعات الاجتماعية والقومية. وجعل الصراع بين الطبقة العاملة والرأسمالية الصراع الجوهري الذي يترك طابعه على كل ميادين الحياة ونواحي التطور.
ولم ير القرن التاسع عشر شيوع أيديولوجية الاشتراكية العلمية ومولد الحركة الشيوعية العالمية(1) فحسب. بل شهد أول محاولة في التاريخ تقوم بها الطبقة العاملة (الفرنسية) لخلع نير الرأسمالية وإقامة المجتمع العادل الذي يقضي على استغلال الإنسان للإنسان.
لقد هزت هذه المحاولة التي يعرفها التاريخ بكومونة باريس عام 1871 الرأسمالية وخاصة في أوروبا وأيقظتها على خطورة الطبقة العاملة التي اتسعت صفوفها بفضل التطور الصناعي المتواصل وتحسن تنظيمها بفضل خبراتها المتراكمة، وتعمقت نضاليتها الثورية نتيجة ظروفها القاسية.
ولجأت الرأسمالية إلى مختلف الأساليب لوقف المد الثوري.
فمن الناحية الواحدة استخدمت القمع والعنف في وقف مد النضال الطبقي الثوري، ومن الناحية الأخرى لجأت إلى الاستيطان الكولونيالي في سبيل تخفيف عنف هذا الصراع.
هكذا وصف الإمبريالية سيسل رودس(2) دور الكولونيالية الاستيطانية في هذا الصراع في عام 1895:
"كنت أمس في الايست اند (حي العمال في لندن) وحضرت اجتماعاً من اجتماعات العمال العاطلين وقد سمعت هناك خطابات فظيعة كانت من أولها إلى آخرها صرخات الخبز! الخبز! وأثناء عودتي إلى البيت كنت أفكر بما رأيت، وتبينت أوضح من السابق أهمية الاستعمار.. إن الفكرة التي أصبو إليها هي حل المسألة الاجتماعية، أعني: ليكما ننقذ أربعين مليوناً من سكان المملكة المتحدة من حرب أهلية مهلكة ينبغي علينا نحن الساسة طلاب المستعمرات أن نستولي على أراض جديدة لنرسل إليها فائض السكان ولنقتني ميادين جديدة لتصريف البضائع التي تنتجها المصانع والمناجم. فالإمبراطورية، وقد قلت ذلك مراراً وتكراراً، هي مسألة البطون. فإذا كنتم لا تريدون الحروب الأهلية ينبغي عليكم أن تصبحوا استعماريين".(3)
ولم تكتف الرأسمالية بهذين الأسلوبين بل استخدمت اللاسامية أيضاً حين دعتها إلى ذلك ضرورة تحويل الصراع الاجتماعي عن مساربه الصحيحة.
وابتدع الرجعيون اللاسامية- وهي من الأيدلوجية العنصرية السيئة الصيت- في هذه المرحلة بالذات، مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الإمبريالية واحتدام الصراعات الاجتماعية في أوروبا لأنهم اعتقدوا أنها سهلة الترويج.
ويحدد كثيرون من المؤرخين وقت ظهور اللاسامية في سنوات السبعين من القرن التاسع عشر ويؤكدون أن الساسة لجأوا إليها خدمة لأغراضهم.
وهذا ما يؤكده ماكس ديمونت في مؤلفه "اليهود والله والتاريخ" حين كتب: ان اللاسامية وهي أيديولوجية معاصرة تختلف تمام الاختلاف عن معاداة اليهود، في القرون الوسطى. نشأت في أواخر القرن التاسع عشر (ص 311 و 313). وشاعت بين الفئات المتوسطة التي كانت قلقة بحكم عدم استقرار أوضاعها الاجتماعية (ص 315) وأضاف ان ساسة اليمين استخدموها في محاربة ساسة اليسار. ثم كتب: وفسر الساسة عدم استقرار هذه الفئات لا بأسبابه الاجتماعية والاقتصادية، بل بسبب شرور اليهود. فإذا كانت هذه الفئات تخاف اخطار الرأسمالية عليها، لوحوا لها باليهودي الرأسمالي المستغل، أما إذا كانت تخاف الشيوعية فكانوا يلوحون لها بالشيوعي اليهودي المتآمر.(ص 318)
وهكذا فظهور الأيديولوجية العنصرية رافق الإمبريالية التي كانت تبرر احتلالها وسيطرتها على الأقطار المختلفة في آسيا وأفريقيا بذريعة "تمدين" شعوبها.
وذريعة "التمدين" التي اتخذت شعاراً لها "عبء الرجل الأبيض" استنفرت بطبيعة الأمور فكرة رقي شعوب الدولة الإمبريالية عرقاً على الشعوب المتخلفة ونقواتها العنصرية بالنسبة لتلك التي أدنى منها تطوراً أو "أغمق" منها لوناً.
وتؤكد حقائق التطور أن الأيديولوجية العنصرية كانت أسبق من اللاسامية التي تفرعت عنها، وأن اللاسامية انتشرت أول ما انتشرت في ألمانيا الإمبريالية في وقت الصراع الاجتماعي.
ويتفق كافة المؤرخين على ان مستشار ألمانيا بسمارك الذي قام بدور كبير في انعتاق اليهود ودمجهم في الحياة الألمانية، لجأ بنفسه إلى اللاسامية في معركته السياسية حين قاد معركة حزب المحافظين مع الأحرار الذين اعتبرهم تقدميين.
وكتب هوارد مورلي ساخر في مؤلفه "مسيرة التاريخ اليهودي المعاصر" يؤكد ارتباط اللاسامية بالصراع الاجتماعي على النحو التالي:
"وكانت سنوات السبعين في القرن التاسع عشر بالحقيقة سنوات أزمة الطبقة الوسطى الدنيا. كانت سنوات هبوط اقتصادي فقد خلالها أصحاب الحوانيت والمعلمون، بشكل خطير مكانتهم بوصفهم أصحاب الياقات البيضاء". وأضاف: "وخلال هذه الفترة بالضبط ظهر المدعو أدولف ستوكر وأدرك كره هذه الفئة الاشتراكية الماركسية والبروليتاريا فأسس "حزب العمال المسيحي الاجتماعي" واستخدم اللاسامية في دعايته لكسب الأنصار". (ص 224-225)
ويتأكد ارتباط اللاسامية بالأوضاع الاجتماعية الاقتصادية في أنها لم تظهر إلا في أوقات احتدام الصراعات الاجتماعية وتبددت حين لم تعد هناك ضرورة لها. ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن اللاسامية التي شاعت في ألمانيا في سنوات السبعين والثمانين في القرن التاسع عشر اختفت تقريباً من الحياة السياسية عند نهاية القرن المذكور ومطلعه لتعود إليها في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، في وقت احتدم فيه الصراع الاجتماعي احتداماً هائلاً واتسعت صفوف الحركة الشيوعية وتعاظم دورها في الحياة الاقتصادية والسياسية.
وليس يهمنا طبعاً من اللاسامية هنا غير مقولتها الأساسية، فهي انطلاقاً من مصدر أيديولوجيتها العنصرية تعتبر اليهود أمة منفصلة لا يمكن لأفرادها أن يندمجوا بالشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها.
ولذلك كانت اللاسامية نقيض حركة انعتاق اليهود التي اقترنت بالثورات البرجوازية، في أوروبا على وجه التحديد، وخطت خطوات بعيدة المدى في دمج الطوائف اليهودية بالقوميات التي تعيش في أقطارها.
واقترن ظهور اللاسامية بتطور عيني في الفكرة القومية في أوروبا.
لقد كانت الحركات القومية في أوروبا حركات تقدمية دينامية هدفت إلى تصفية تجزئة الإقطاعية وانعزالية ولايات الشعب الواحد.
وفي الفترة التي نحن بصددها، على الرغم من بقاء جيوب الكفاح القومي في الإمبراطوريات المتعددة القوميات في أوروبا، كانت الفكرة القومية قد فقدت طابعها التقدمي وأصبحت أداة في أيدي الإمبرياليين يستخدمونها لتوسيع إمبراطورياتهم تحت شعار "الكبرياء القومي" و "تمدين الشعوب".
وظهر هذا التغيير في طابع الحركات القومية في الحرب الفرنسية- البروسية التي خاضتها بروسيا من أجل خلق الأوضاع لإتمام وحدة المانية. ولكن هذه الحرب الإيجابية في بدايتها تجاوزت طابعها التقدمي حين تخطت الجيوش البروسية حدود ألمانيا وغزت الأراضي الفرنسية.
وهكذا، إذا استثنينا بعض الشعوب التي كانت ترزح تحت قيود الكبت القومي نستطيع أن نقول إن القومية أصبحت في أوروبا أداة بيد القوى الرجعية.