المدرسة والاسرة: النواة الصلبة في تماسك بنى المنظومة الاجتماعية
يعتبر إشكال فك العزلة عن المدرسة، وإخراجها من بوثقة
السكونية وسلبية الحياد، بتكسير سياجات التهميش والإقصاء المضروبة حولها، من أهم الأوراش الاستراتيجية التي ينكب عليها فكر
التجديد، وتطولها مواقف التغيير في منظومة الإصلاح الشمولية التي يشهدها قطاع
التربية والتكوين بمغربنا الراهن.
إن إصلاح المؤسسة المدرسية، يظل شأنا مبثورا بل ومشلولا إذا تم دون ربطها بمؤسسة
الأسرة بشكل خاص، وبمحيطها السوسيوثقافي وخصوصياته المميزة له بشكل عام. فلا يمكن
اعتبار المدرسة بأي حال من الأحوال، نسقا تربويا معزولا عنهما، ذلك أن جدلية التأثر
والتأثير بينهما واقع ملزم بطبيعته الحتمية. كما أن منطق الاستمرارية والتكامل في
وظائفهما الإنسانية والتربوية والاجتماعية، تظل دينامية قائمة الوجود لا جدال فيها.
بذلك يصبح مدخل تجسير العلاقات ولحم الفجوات بين المدرسة والأسرة، تعاقد اجتماعي
حاسم يفرض ذاته باستمرار نظرا لطبيعة التداخل والاندماج بين هذين القطبين المركزيين
وظيفيا، ولطبيعة مكانتهما المرموقة في بنى المنظومة الاجتماعية إنسانيا، إضافة إلى
التحامهما حول وحدة الرهان ووحدة الغايات المشتركة : كلاهما معا من أجل الارتقاء بالمنظومة التنموية البشرية في
بلادنا.
كما أن وحدة الوظائف والأدوار، دعوة أكيدة وملحة إلى ضرورة انكفاء مساحة القطيعة
والتنافر بينهما، وانحسار الهوة االفاصلةبين المؤسستين، والتي بصمت علاقتهما لزمن
غير هين... لتحتل مكانها قيم: التعاون، والتآزر، والتطوع، وروح المبادرة..
إن تواجد كل من المؤسسة المدرسية والأسرية جنبا إلى جنب في جوهر الرسالة التربوية،
لدليل حي وقاطع على عمق الروابط بينهما في التأثيث لملامح المشهد المجتمعي، عن طريق
البناء المشترك لشخصية الإنسان المغربي.
فلا جدل في كون الأسرة تتربع مكانة المؤسسة الاجتماعية الأم بامتياز، باحتلالها
موقع النواة الصلب في مهام التنشئة الاجتماعية لأبنائها. فهي الوسط الطبيعي
والتلقائي المعول عليه لتربية الطفل، وتوفير حاجاته، وإشباع رغباته، واحتضانه بملإ
الدفء في عاطفة الانتماء في المراحل الأولى الحاسمة في حياته، والمسؤولة على تحديد
السمات الكبرى لشخصيته الأساسية، وميولاته ونزوعاته السيكونفسية، وعلى تطبيع سلوكاته مع خصوصيات واقعه الاجتماعي.
بذلك يقترن النظام الأسري بمهام تحديد طبيعة الروابط المعنوية والمادية للطفل مع
ذاته، ومع العالم الخارجي الصغير حوله، وبتوفير الفضاء الملائم لاستدخال الأفكار
الإيجابية، واستنبات المبادئ والقيم المثلى لديه، والتي تعكس ماهية المجتمع وطبيعة فكره الروحي والأخلاقي.
وهي توازنات توجد على علاقة كبيرة مع درجة التماسك الأسري، ومتانة الروابط
الحميمية، وقوة التواصل بين الأطراف المكونة لها، ومدى إيجابية التفاعل العلائقي والعاطفي بينهم.
بذلك تتموضع الأسرة في موقع الكيان الأساس، الذي يشكل بداية الانطلاق في التنشئة
الاجتماعية للكائن الإنساني عندما يلبس ثوب الحياة، وهي تسري في جسه دماء الوجود الاجتماعي.
إلا أن استمراريتها تلك، ومشروعية رسالتها النبيلة لا تكتمل ولا تنضج إلا بوجود
المدرسة، كمؤسسة تربوية نظامية تضمن الامتداد الحقيقي لها. فهي بمثابة الواجهة
الأخرى والكبرى للمؤسسات الاجتماعية المنوطة بمهام السهر على تربية وتكوين ورعاية
الأجيال، تسخر كافة طاقاتها المادية والبشرية لضمان الجودة على مستوى خدماتها،
وعقلنة سيروراتها التربوية والبيداغوجية. كما تتعدد أبعادها التكوينية في تأطير
شخصية المتعلم: على المستوى العقلي المعرفي والمهاري، والفكري الثقافي، والتربوي
الاجتماعي، والروحي القيمي، والحضاري التاريخي... وتخضع أنساقها لنظام تربوي عام،
وفلسفة تعليمية عليا، تتناغم مع الغايات القومية والوطنيةالاستراتيجية للمجتمع، وانتظاراته الكبرى سوسيو اقتصاديا