المحور الثاني:الدولة السعدية وعهد الاستقرار والازدهارفترة احمد المنصور الذهبي)1-شخصية احمد المنصور:احمد بن أبي عبد الله الشيخ محمد المهدي ولد بفاس سنة 956 ه من ام تدعى مسعودة ,وكان من أساتذته في النحو ومواد اللغة:ابو العباس احمد بن قاسم الأندلسي ومحمد الحارثي،واخذ الفقه عن أساتذة أمثال أبي عمران السوسي وغيره،وكان يجمع بين علوم كثيرة.
وكان المنصور مشهورا بحزمه وتتبعه لأخبار رعيته،وقد أسس مجلسا للشورى كان يجتمع يوم الأربعاء وكان يسميه يوم الديوان،وهو أول من استعمل المنصورية في لباسه،وكان مولعا بالعمران على غرار والدته،وكان شديد الحنو لأولاده،وقد اتخذ الاحتفال بعيد المولد كعيد رسمي،وكانت له علاقات طيبة مع عدة دول،كما كان إداريا ممتازا لا يقبل تهاونا، خاصة على مستوى التنظيمات الداخلية للدولة.
2-التنظيمات الداخلية للدولة:
2-1-الإدارة المركزية:
كانت الإدارة المركزية للدولة السعدية مكونة من عدد من العناصر السياسية والإدارية والعسكرية والمالية ومن أبرزها نجد:
- السلطان:الذي كان يحتل الصدارة في جهاز الحكم،بحيث كان يعد أعلى سلطة في هذا الجهاز،وقد حمل المنصور لقب الخليفة كغيره من الملوك السعديين تأييدا لأحقيتهم بحلافة المسلمين بذل العثمانيين،بحكم أصلهم النبوي الشريف.
- الحاجب:وهو مكلف بتنظيم العلاقات بين الخليفة وباقي كبار الدولة.
- الوزير:وهو بمثابة الوزير الأول حاليا.يشرف على تنفيذ السياسة العامة للبلاد.
-كاتب السر:وهو الكاتب الخاص للخليفة.والمسؤول عن ضبط مراسلات المنصور الداخلية والخارجية،يساعده مجموعة من الكتاب.
- صاحب خزائن الدار:وهو بمثابة وزير المالية حاليا.ويتكلف بالسهر على ضبط مداخيل الدولة وصرفها.
والملاحظ أن موارد الدولة اتسعت بشكل كبير في عهد المنصور،حيث شملت إلى جانب غنائم الحرب،الجبايات وكانت تتكون من الزكاة وضريبة الخراج وكانت تمس على الخصوص القبائل السهلية التي اعتبرت مفتوحة بالقوة،وضريبة الجزية على اليهود،ومختلف الملازم المفروضة على التجار وأصحاب الحرف،كما شملت المداخيل عائدات استغلال الدولة لعدد من المناجم،واحتكارها لصناعة السكر ومداخيل الجمارك.
- أصحاب المشورة:وهم الهيئة الاستشارية التي يلجا إليها المنصور في حالة عزمه على اتخاذ بعض القرارات، ومكونة من شخصيات عدة كقواد الجيش والفقهاء وزعماء بعض القبائل.
- صاحب المظالم:ويتكلف بتلقي الشكايات ورفعها إلى المنصور للبث فيها.
2-2-الإدارة الإقليمية:
قام المنصور بتوزيع البلاد إلى اثنتي عشرة ولاية أو إقليم،واسند إدارتها لعناصر تحضى بثقته،حيث عين على رأس كل منها عاملا بمثابة نائب عنه في الإقليم وكان يتمتع بصلاحيات واسعة،وقد أناب المنصور عنه أبنائه في أقاليم خاصة كفاس ومكناس وسوس ومراكش.
وقسمت الأقاليم بدورها إلى قيادات يرأسها قائد أو باشا يدير شؤونها العامة ويقوم بالبث في القضايا المدنية والخصومات،ويساعده صاحب الشرطة المكلف بالحفاظ على الأمن،والقاضي الذي يتكلف بالنظر في القضايا الشرعية،إضافة إلى شيوخ القبائل الذين عهد إليهم بمهمة تامين سلامة الطرق .
2-3-التنظيم العسكري:
قام المنصور بتقوية الجيش وتطويره باعتباره الأداة الفعالة في ضبط الأمن والدفاع عن حوزة البلاد، وهكذا قام بإنشاء جيش قوي مكون من جيش نظامي وآخر من المتطوعين:
بالنسبة للجيش النظامي:تكون من الأتراك والأعلاج والأندلسيين ومن انضاف إليهم من أهل سوس ومراكش،وقسم إلى فرق جعل لكل منها لباس خاص،وعين على رأسها قائدا وضباطا مرتبين ترتيبا عسكريا مستمدا من العثمانيين.وكان يخضع بانتظام لتدريبات خاصة،كما ثم تجهيزه بالأسلحة النارية مثل المدافع والبنادق الى جانب الأسلحة التقليدية،كما شرع المنصور في أواخر حياته في تقوية الأسطول البحري.
بالنسبة لجيش المتطوعين:عرف بجيش عرب الدولة،وهو مكون من القبائل الموالية للدولة،وكانت تمد المنصور بقوات من الفرسان والمشاة مقابل تمتعها ببعض الامتيازات مثل إعفائهم من الضرائب وإقطاعهم بعض الأراضي.
وقد كان لهذا التنظيم الإداري والعسكري دور مهم في إحكام سيطرة الدولة على جميع مناطق المغرب وإقرار الأمن داخليا، وساعد المنصور بالتالي على التفرغ لتعزيز مكانة المغرب على الصعيد الخارجي. 3-العلاقات الخارجية للدولة في عهد المنصور:
3-1-العلاقات الخارجية مع القوتين المجاورتين العثمانية و الاسبانية:
واجه المنصور عدة محاولات للتدخل العثماني بعد ما جمعوا وحدات لأسطولهم بالجزائر سنة 1581 لغزو المغرب، لكنه استعد لهم وأقنعهم بالرجوع عن مشروعهم و حافظ على مسالمتهم و بادلهم الهدايا و السفارات،خصوصا بعد أن خف ضغطهم بسبب انشغالهم بحروب اوربا الشرقية في القرن16.
وإزاء الإسبان اتسمت سياسة المنصور بالمناورة والتظاهر بالتقرب إليهم، خوفا من التهديد العثماني و بتراجعه و انشغال الإسبان بمشاكلهم حاول الضغط عليهم و تحالف مع خصومهم في اوربا.
3-2-العلاقات مع باقي الدول الأوربية :
*بالنسبة للانجليز: ابتدأت مند القرن16 وكانت ذات طابع تجاري و عمل السعديون على تقويتها و الارتقاء بها إلى أحلاف عسكرية بمبادرة من الملكة اليزابيت بعد صراعها مع الاسبان وقد استفاد المنصور من هذا التحالف لتطور القوة العسكرية و الضغط على اسبانيا لتتخلى على أصيلا.
*بالنسبة لفرنسا و هولندا :ارتبطتا مع المغرب في إطار علاقات رسمية ذات طابع تجاري لم ترقى إلى المستوى الذي عرفته مع انجلترا .
3-3-العلاقات مع السودان الإفريقي:
عمل المنصور بعد استقرار أوضاعه الداخلية و الخارجية لضم أقاليم السودان و تشكيل إمبراطورية إسلامية في غرب القارة لمواجهة الأطماع الأجنبية في ظل أوضاع السودان السيئة و انقسامها و بتزايد الخطر الإيبيري عبر المراكز الساحلية في غرب القارة، و اتجه الملك المنصور إلى الاستيلاء على المراكز الصحراوية المتجهة إلى السودان، و حاول إقناع الملك سونجاي الدخول في طاعته و برفضه أرسل له حملتين عسكريتين 1591 فقضوا على مملكته ليتم ضم أقاليمها للمغرب و جعلها تابعة لإدارته المركزية ،و عين لها واليا لتسيير أمور الإقليم .
مما ساهم في تعزيز مكانة المغرب وإنعاش أوضاعه الاجتماعية و الاقتصادية و الفكرية و العمرانية.
4-الحضارة المغربية في عهد السعديين: الاجتماعية و الاقتصادية الفكرية و العمرانية:
4-1- المظاهر الاجتماعية:
*عودة الاستقرار و نمط الحياة الاجتماعية:
مع انتشار السعديين و نفوذهم استقرت أوضاع المجتمع المغربي مند أواسط القرن 16م فعمرت مدن ساحلية و تراجع البرتغاليون عنها كما أسست مدن اخرى مثل تطوان و شفشاون و تارودانت و عرفت مدن اخرى توسعا عمرانيا زيادة على ارتفاع عدد السكان بسبب الاستقرار و اتساع حدود المغرب بالسيطرة على الصحراء و ضم السودان لكن اتسم المجتمع المغربي بطغيان حياة البداوة و ضعف الحضر.
*انفتاح المجتمع المغربي على التأثيرات الخارجية:
عرف المغرب انفتاحا مهما على الخارج خلال ق16م عبر توافد عناصر بشرية انصهرت تدريجيا داخل مجتمعه، منهم الأندلسيون و أعداد من الأتراك العثمانيون في إطار المساعدة العسكرية و أعداد كبيرة من السودانيين للخدمة و عناصر أوربية قدمت للتجارة ،إضافة إلى أعداد كبيرة من الأسرى، ليتلقى المجتمع المغربي مؤثرات حضارية انضافت الى حضارته العربية الإسلامية ،و مست التأثيرات الحضارية التي تلقاها المجتمع المغربي في ق16م مجالات مختلفة من الحياة اليومية للسكان من لباس و عادات و موسيقى و لغة.
4-3- المظاهر الفكرية:
عرفت الحياة الفكرية في المغرب انتعاشا كبيرا فقد تعددت المراكز العلمية و تزايد عدد المؤلفات في مختلف المجالات العلمية.
• مظاهر الحياة الفكرية وعوامل انتعاشها:
-استعادت الحياة الفكرية نشاطها تدريجيا في المغرب منذ أواسط القرن 16 بعد خمول طويل، بسبب الاستقرار التدريجي لأوضاع البلاد، وأيضا تفتح المغرب على الخارج و توافد إعداد من المفكرين من الأندلس و السودان و من المغربين الأوسط و الأدنى ،مما أغنى الحركة الفكرية بما حملوه من فنون ومعارف.
• مجالات النشاط و الإنتاج الفكري:
- كان النشاط الفكري خلال العهد السعدي بمثابة استمرار للحركة الفكرية السائدة سابقا، بحيث شمل عدة علوم منها العلوم الشرعية أو النقلية و العلوم العقلية إضافة لتعريب عدة كتب.
- الرصيد الهام الذي خلفه مفكرو و أدباء العصر السعدي شملت 3 أنواع رئيسية (المختصرات-الشروح و الحواشي -المؤلفات الأصلية) ، إضافة إلى استنساخ واسع للكتب و قراءتها و انتقائها في ظل انتشار المكاتب العامة و الخاصة.
4-4- المظاهر العمرانية و خصائص الفن المعماري السعدي:
*نشاط المنشات العمرانية السعدية
نشطت حركة العمران في الجنوب وطوال بداية انتشار حكم السعديين ،فقد أعادوا بناء و توسيع و تجديد عدة أماكن , والاهم بناء ضريح السعديين و إقامة قصر البديع، ليمتد نشاطهم نحو المناطق الشمالية لاحقا عبر أعمال تحصينية.
*استمرار الفن المعماري المغربي الأندلسي عبر الفن المعماري السعدي بحيث حافظوا على مواد البناء بها و ادخلوا تحسينات عليها مع الحفاظ على نفس أسلوب التجميل داخل البناءات.