ارهاصات تاريخية.
كانت نهاية القرن السادس الميلادي منعطف خطير في تاريخ العرب ،فقد سادهم التمزق و عمتهم الفوضى ، و اشتد التناقض الاجتماعي في الحواضر،و غلب الطابع البدوي على الحضري ، و باتت بلادهم أطماع الساسانيين في الشرق و بيزنطية في الغرب و ساحة صراع للقوتين أدى إلى زوال كيانهم في العراق و الشام و اليمن .
و لاحت في الأفق بوادر وعي بشبه الجزيرة ،و اثر برم الوثنية ،و ظهرت في مجتمعاتهم و أسواقهم الأدبية انعكاسات تتلمس حياة جديدة و نشير إلى ظهور لغة أدبية مشتركة .
و هنالك في مكة ،رغم الأخطار المحدقة و الفوضى ،بزغ فجر الدعوة الإسلامية ليحدث تغيرات جذرية في حياة العرب.
انطلقت سفينة الإسلام بالعرب ،إذ تهيأت لهم وحدة العقيدة ،ووحدة القيادة ووحدة الأهداف .و تدافعت راياتهم من يثرب لتحرير الجزيرة من التبعية و الفوضى و لتشدها إلى كيان سياسي موحد، فلما تم ذلك بانتهاء الردة ، انطلقت جموعهم إلى خارج الجزيرة في حركة فتوح لم تقف إلا في أواسط آسيا شرقا و جبال البيرنة غربا.
و بدت الفتوحات العربية الإسلامية حدثا فذا في التاريخ ،و ذهب الباحثون يلتمسون التفاسير فمنهم من اعتبر الفتوح موجة سامية ناشئة عن الجفاف المتزايد للجزيرة ،و منهم من اعتبرها ظاهرة للصراع بين البادية و الحاضرة ، و منهم من أعطاها تفسيرا ماديا صرفا.
و في موضوعي هذا نحن لا نناقش هذه التفاسير ،و يكفي أن نبين أن الإسلام وحد العرب فكريا و سياسيا ، و فرض عليهم الجهاد .و مع أن غنى البلاد المجاورة كان له أثره ،إلا أن القوة الدافعة كانت للرسالة الجديدة و ما أوجدته من وعي ووحدة .كما أن خطر القوى المجاورة ، فارسية و بيزنطيو ، على الحركة الجديدة كان له أثره الكبير .و لنتذكر بعد هذا إن تنظيم الأمة خطط على أساس تعبئتها للجهادو تمثل ذلك في تكوين ديوان الجند ، و في العطاء و الضرائب ، و في التنظيم الإداري ، و في بناء المدن الجديدة مثل الكوفة و البصرة و الفسطاط و القيروان .لقد حصلت تعبئة فكرية و بشرية و اقتصادية في سبيل الجهاد فكانت قاعدة التوسع السريع.