قيام السعديين في المغرب
هم من أسرة عربية الأصل كما هو مؤكد لدى من أرخ لهم، انتقل أوائلهم من ينبع بالحجاز إلى درعة بجنوب المغرب، واستوطنوا قرية تاكمادارت وذلك في المائة السادسة الهجرية على ما هو عند الزياني، وكان الاعتقاد السائد لدى المغاربة أنهم من الأشراف. وذكر ابن القاضي عمود نسبهم الشريف، إلا أن المنافسين لهم، وخاصة أيام ضعفهم ومنهم أشراف سجلماسه الحسنيون، وخصومهـم من بقايا الوطاسيين و المرينيين وأنصارهم، كانوا يطعنون في صحة نسبهم الشريفي، معتمدين في ذلك على البتر الذي لوحظ في عمود نسبهم كما ذكره ابن القاضي، وعلى ما نقل عن المقري من أن نسب السعديين يعود إلى بني سعد بن بكر بن هوازن، قوم حليمة السعدية مرضعة النبي صلى الله عليه وسلم، أي من غير قريش، وهو قول تراجع عنه المقرى نفسه، وصرح بشرفهم في كتابه(نفح الطيب)،وأكد السلطان العلوي محمد بن عبد الله الزياني أن نسب السعديين الشريفي لا غبار عليه، واعترف أنهم ينحدرون من جد واحد. ويسمى السعديون أيضا بالزيدانيين، نسبة إلى جدهم زيدان بن أحمد، إلاّ أن اسم السعديـين هو الذي شاع استعمـاله وخاصة في المصادر الغربية والمراجع العربية التي ألفت بعد زوال دولتهم.
وقد ظل السعديون حتى مطلع القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي يحيون في المغرب حياة بسيطة دينية وعملية، ولم يبرزوا على المسرح السياسي إلاّ حين اشتدت وطأة البرتغاليين على سكان الجنوب المغربي، وألحقوا بهم أضرارا في أنفسهم ومصالحهم الاقتصادية دون أن يتدخل الوطاسيون لحمايتهم، أو أن يكون هنالك أمل في تدخلهم، حيث كانوا منشغلين بالدفاع عن الشمال، فالتفتت أنظار أهل الجنوب إلى هؤلاء السعدييـن لقيادة صفوفهم ضدّ البرتغالييـن، بعد أن رفض ابن المبارك ، مرابـط آقة الكبيـر، أن يتولـى هذه المهم ووجههم إلى أبي عبد الله محمد، عميد الأسرة السعدية الذي قبل أن يتولاها بعد اتصالات ومشاورات بينه وبين المرابط الآنف الذكر، وبينه وبين بني قومه، وفقهاء السوس وأعيانه في سنة 915ه/ 1509م. وتمت المبايعة له في مدينة تدسي بالسوس في سنة 916هـ/1510م.
وتلقّب أبو عبد الله بالقائم بأمر اللّه. وقدمت له كل قبيلة بايعته عشرة من رجالاتها المقاتلين فبلغ المجموع 500 رجل مما يعني أن عدد القبائل التي بايعته كان خمسين قبيلة. وكانت هذه القوة هي نواة الجيش السعدي النظامي. وقد أسند قيادتها لابنه الأكبر أحمد الأعرج.
ومما تقدم نستخلص أن أبا عبد الله القائم بأمر الله السعدي " لم يفرض نفسه على أهل السوس بجنوب المغرب فرضا، وإنما اختاره هؤلاء اختيارا. "وأسندوا إليه مقاليد أمورهم بمحض إرادتهم . ولم يكن هذا الاختيار على أساس العصبية القبلية، حيث أن القبائل الأولى التي بايعت أبا عبد الله هي قبائل بربرية من مصمودة، وإنما وقع الاختيار عليه لشرف نسبه وسمعة أسرته العلمية والدينية، وتزكية المرابط الكبير أبن المبارك، وغيره من المرابطين كأبي البركات التدسي وابن عمر المطغري.
ونستنتج مما تقدم أيضا أن المبرر الأساسي لمبايعتهم له هو الجهاد ضد البرتغاليين وأعوانهم، وقيادة صفوف المجاهدين ضدّهم، وحماية أهل الجنوب ومصالحهم من أخطار أعدائهم.
1-2علاقاتهم مع القوى المحلية،و الخارجية4
كان للسعدييين علاقات متنوعة مع القوى المحلية، الدينية، و القبلية، والقوى الخارجية الغازية للمغرب و المسالمة، و المتاجرة معه.
1-1-2 علاقاتهم مع البرتغاليين
دخلت القيادة السعدية منذ المبايعة لها في صراع ضد القوى الخارجية الغازية للمغرب، و المتمثلة في الاسبان، و لا سيما البرتغاليين و المغاربة المتعاونيين معهم. و مع أن النصر في البداية لم يكن دائما حليف تلك القيادة، والمنضوين تحتها من قبائل مصمودة وغيرها،فان شأن السعديين كان في صعود.وأخذت كفتهم في الرجحان عندما تمكنوا من القضاء على العديد من شيوخ القبائل المتعاونين مع البرتغاليين، على رأسهم يحي بن تاعفوفت في سنة 1519،مما جعل البرتغاليين ينحصرون اكثر فاكثر في قواعدهم الساحلية الحصينة، بعد أن كانوا يتوغلون في أعماق المناطق المجاورة لها إلى نحو مائة كيلو متر.
و قد أدى نجاح السعديين في سنة 1541 في تحرير أغادير/ سانتا كروز/ من أيدي البرتغاليين، إلى جلاء هؤلاء عن أزمور و اسفي في نفس السنة. و أمام تزايد قوة السعديين،و نجاحهم في ضم مملكة فاس إليهم في سنة 1549، جلوا أيضا عن أصلة و القصر الصغير في سنة 1550 ليركزوا وجودهم في سبتة و طنجة و مزغان .
وبعد ميل العلاقات نحو الهدنة و السلم في أواخر عهد محمد الشيخ، تجدد النزاع بعده لما أل الملك في البرتغال للملك الشاب ضون سيباستيان الذي صمم على استرداد كل المواقع التي فقدها البرتغاليون، مما جعل الصدام بينه و بين خلفاء محمد الشيخ لا مفر منه وكان الصدام الأكبر في وادي المخازن في 4-8-1578، وانتهى بكارثة على البرتغاليين و الملك سباستيان و حلفائه و في مقدمتهم محمد المتوكل الذي التجأ إليه لطلب عونه لاسترداد الملك في المغرب من عمه عبد المالك حيث قتل سباستيان في المعركة كما قتل المتوكل و مات عبد الملك فيها مما جعلها تستحق اسم معركة الملوك الثلاثة .و في سنة1530 تمكن فيليب الثاني، ملك اسبانيا من ضم مملكة البرتغاليين في ايبيريا و قواعدهم في المغرب و غيره إلى مملكته .
2-1-2علاقاتهم مع الاسبان4
لم يحتل الاسبا ن قبل سنة 1580 سوى قواعد قليلة في المغرب ، كان أغلبها على الساحل المتوسطي، و لذلك فإن الصدمات بينهم و بين السعديين خلال القرن 10ه/16م كانت قليلة بل أن الطرفين كانا يميلان إلى التقارب و التحالف ضد العدو المشترك المتمثل في العثمانيين في الجزائر فلم تسجل سوى توترات قليلة بينهما في النصف الثاني من القرن 10ه /16م .
و لما توفي المنصور في سنة 1603 و دخل السعديون في طور الضعف، انتهز الاسبان الفرصة فاحتلوا موقعين هامين آخرين، الأول و هو ميناء العرائش و الثاني و هو المعمورة في سنة 1614، مما جعل ردود الفعل في المغرب تتأجج ضدهم،و ضد أواخر السعديين المتهمين بالتهاون والتواطؤ مع الاسبان في ذلك الاحتلال بزعامة القوى الدينية .
3-1-2علاقاتهم مع الدول الأوربية غير الغازية للمغرب4
لقد تمكن السعديون من ربط علاقات سلمية و تجارية مع الدول غير غازية للمغرب، و في مقدمتها إنجلترا و فرنسا ثم غيرها. و كانت التجارة بين المغرب و إنجلترا على الخصوص قائمة في مختلف المواد مما أدى إلى تأسيس شركة ضمت التجار الإنجليز المتاجرين مع المغرب وحصلوا من بلدهم على حق احتكار التجارة مع المغرب. و قطعت العلاقات السياسية بين البلدين شوطا كبيرا في اتجاه إقامة مشاريع التعاون ضد إسبانيا في بعض الفترات،و لكنهالم تتحقق لتجنب المنصور الصدام مع هذه الخيرة ولذلك بقيت العلاقات بين البلدين تجارية فقط، كما بدأت، و تواصلت منذ عهد محمد الشيخ و أبنائه، ولم تتوتر إلا في بعض الأحيان في عهد خلفائهم لميل الإنجليز إلى التعامل مع المنشقين عنهم و المتمردين عليهم.
4-1-2علاقات السعديين مع الوطاسيين4
تمكن السعديون شيا فشيا من بسط نفوذهم على كل المغرب. و في سنة 1525 نجحوا في مد نفوذهم الى مراكش التي كانت تحت حكم الناصر بن شنتوف الهنتاتي الذي كان تابعا اسميا للسلطان الوطاسي في فاس، بحيث يمكن القول أنهم أصبحوا أسيادا على كل الجنوب المغربي تقريبا، ثم دخلوا في الصراع ضد الوطاسيين الذين حاولوا وقف زحفهم نحو الشمال و استرداد مراكش منهم، و لكن محاولاتهم لانتزاعها من قبضتهم في سنتي 1526/1527 باءت بالفشل، و تكرر فشل الوطاسيين ضد خصومهم السعديين في سنوات 1528/1536 ،1545، و أخيرا في صدهم عن مدينة فاس، حيث اضطر سلطانها أحمد الوطاسي إلى الاستسلام للسلطان السعدي
وفي مطلع سنة 1554 تمكن بو حسون الوطاسي بمساعدة الجزائريين من إحياء تلك الدولة لبضعة شهور لتختفي نهائيا بمقتله في سبتمبر 1554 في الصدام مع الحملة التي شنها عليه السلطان محمد الشيخ المذكور بعد عودة الجزائريين الذين رافقوا بو حسون إلى فاس إلى بلادهم.
5-1-2علاقاتهم مع بقية القوى المحلية 4
نجح محمد الشيخ المؤسس الحقيقي لدولة السعديين في المغرب في توحيد كل أجزائه بإخضاع كل الإمارات التي كانت قائمة في عهد الوطاسيين،كإمارات شفشاون، و تطوان، و بادس، و دبدو، و القصر الكبير، و غيرها باستسلام أمرائها أو الفرار إلى البلدان المجاورة.
و قد اتبع محمد الشيخ و خلفاؤه سياسة الحزم و الشدة مع القوى الدينية والقبلية، مما جعل النصف الثاني من القرن 10ه/16م يشهد عدة ثورات و تمردات، قام بها المستاؤون من تلك السياسة، لكنها باءت كلها بالفشل أمام حزم السعديين و صرامتهم في إخمادها، بفضل الجيش الذي أقاموه، و الذي عوضهم عن دعم القوى الدينية و القبلية. و قد بلغ ذلك الجيش نحو الأربعين ألف نفر في عهد المنصور.
و لكن النصف الثاني من القرن 10ه/16م شهد أيضا بعض الثورات التي قام بها أمراء من الأسرة السعدية نذكر منها/ثورة داود بن عبد المؤمن سنة 1579، و ثورة الناصر بن عبد الله الغالب في سنة 1595 و تمرد محمد الشيخ المأمون في مطلع القرن 16م/11ه. و قد تمكن المنصور من إحباطها جميعا، قبل استفحال خطرها.
6-1-2علاقاتهم مع العثمانيين 4
رسم محمد الشيخ السعدي السياسة الخارجية لدولة السعديين، و من ملامحها البارزة رفض تدخلات الجزائريين، و الدولة العثمانية في شؤون المغرب، والعمل على توسيع نفوذ دولته إلى الجزائر، مما أدى إلى وقوع عدة صدمات بين السعديين و العثمانيين خلال الفترة 1550-1581 ، تبادلوا فيها النصر و الهزيمة.
و لم تستقر العلاقات على سلام حذر إلا بعد سنة 1582 عندما قبل السلطان العثماني مراد الثالث و جعفر باشا الجزائر آنذاك بالأمر الواقع في المغرب، أي ببقاء السلطان احمد المنصور حاكما فيه مستقلا عنهما.