منتديات مواد الاجتماعيات



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات مواد الاجتماعيات

منتديات مواد الاجتماعيات

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات مواد الاجتماعيات


    التكاملية في كتابة التاريخ ..

    Admin
    Admin
    Admin
    Admin


    الدولة : التكاملية في كتابة التاريخ .. 710
    عارضة الطاقة :
    التكاملية في كتابة التاريخ .. Left_bar_bleue90 / 10090 / 100التكاملية في كتابة التاريخ .. Right_bar_bleue

    عدد المساهمات : 9005
    نقاط : 19215
    تاريخ التسجيل : 10/08/2010

    التكاملية في كتابة التاريخ .. Empty التكاملية في كتابة التاريخ ..

    مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 08 2011, 22:33

    التكاملية في كتابة التاريخ .. Salam

    التكاملية في كتابة التاريخ ..

    بهجت عبدالغني الرشيد



    في كتابة التاريخ عودنا المؤرخون أن ينفرد كل واحد منهم بنفسه لكتابة التاريخ ، وتكاد تكون هذه هي الطريقة الكلاسيكية في مجال الكتابة ، والحقيقة أنها طريقة قد ألفناها فترة طويلة من الزمن .. ولكن من يضمن لنا أن تكفل هذه الطريقة تغطية أبعاد التاريخ من جهاته الأربع ، ومن ثم تعطينا صورة واضحة متكاملة ـ إلى حد ما ـ لما حدث هناك في أعماق التاريخ .
    فالمؤرخ إنسان .. يتأثر بثقافته وتربيته وبيئته أثناء الكتابة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فالمؤرخ وإن كان عالماً في التاريخ فهو ليس كذلك في مجالات أخرى كعلم النفس أو الاقتصاد أو الاجتماع أو السياسة .. الخ ، وبالتالي فإن المؤرخ الفرد لن يستطيع أن يغطي المساحة الكلية ، نعم .. إنه سينجح في نقل الأحداث والمواقف والشخصيات ، لكنه لن يتمكن وحده من الإلمام بالأبعاد السياسية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية لتلك الأحداث والمواقف ، وكل هذه الأبعاد مما لا شك فيه جزء لا يتجزأ من تاريخ الإنسان .
    ويبقى السؤال المطروح : كيف نكتب التاريخ مع ضمان أكبر قدر من التكاملية في أبعاده المختلفة ؟
    أعتقد أن كتابة التاريخ لا تحتاج إلى مؤرخ واحد أو اثنين أو ثلاثة ، بل تحتاج إلى مؤسسة متكاملة ، تضم أصحاب الاختصاصات المختلفة ، علماء في الفقه والحديث والسيرة والتاريخ والأدب والاجتماع والنفس والسياسة والاقتصاد .. إلخ .. وهذا أمر منطقي إذا عرفنا أن التاريخ هو هذا الكم الهائل المتراكم مما سبق من العلوم .
    إن المؤسساتية في كتابة التاريخ ستكشف لنا كل الأبعاد للحدث والظاهرة التاريخية ، وتبصرنا بكل الزوايا لها .
    فلا يمكن ـ مثلاً ـ ونحن نكتب التاريخ أن نفصل بين نفسية الشخصية والبيئة التي نشأت فيها وطبائع قومها وعاداتها عن المواقف التي تتولد عنها ، فسلوك الإنسان يتأثر ـ كما أثبت علم النفس ـ بالوراثة والبيئة ، وحتى لا يقع هذا الفصل نحتاج إلى علماء النفس إلى جانب المؤرخ .
    ونحتاج إلى علماء السياسة في المؤسسة لدراسة الحالات السياسية ، ومتابعة مؤشر الصعود والهبوط في الواقع السياسي ، ومدى الانعطافات والإحباطات ومدى حدّتها التي مُنيَ بها التاريخ .
    ونحتاج إلى علماء الاجتماع في دراسة الحالات الاجتماعية بين الناس في الفترات التاريخية والتغييرات التي حصلت في العلاقات بين الأفراد والجماعات ، وإلا ما الذي يجعل الإمام علي ( رضي الله عنه ) يقول للذي سأله عن الحياة الآمنة في زمن أبي بكر وعمر ، وحالة الفوضى والفتن في زمن الكلام ، فيجيبه : لأن أصحاب أبي بكر وعمر كانوا أمثالي ، ولأن أصحابي أنت وأمثالك . مما يدل على حدة التغير الذي حصل في أخلاق الناس وعلاقاتهم مع بعضهم البعض .
    ونحتاج إلى الفقيه الذي يقوم بميزان الأعمال والأقوال في ضوء الكتاب والسنة والمعطيات والإجتهادات الفقهية .
    ونحتاج إلى علماء الحديث ، وخاصة إلى علم ( مصطلح الحديث ) و ( الجرح والتعديل ) لفرز الروايات الصحيحة عن الكاذبة وذلك بالنظر إلى سلسلة الرواة الذين نقلوا إلينا الأحداث التاريخية ، وهذا الأمر في غاية من الأهمية لا بد للمؤرخ ، بل لا بد لدارس التاريخ أن لا يتجاوزه إلا بمحصلة كافية تعينه على توخي الروايات الصحيحة وتبنيها وتفادي الروايات الموضوعة والمدسوسة ودحضها .
    أما العزف على وتر السياسة في عرض التاريخ ، والتركيز على ما حدث من خلافات سياسية ، وكذلك التركيز على الحروب والمعارك ، وخاصة تلك التي حدثت بين المسلمين ، حتى ليكاد يكون التاريخ من خلال هذا العرض كومة من هذه المواقف السياسية والحربية فقط ، دون الإلتفات إلى ما عداهما من أعمدة التاريخ التي يقوم عليها ، هذا العزف خطير جداً ، يخدر العقول والضمائر ، ويميت القلوب والأرواح ، وينتج أجيالاً تخجل من النظر في تاريخها وحضارتها .
    إذن نحتاج إلى كافة التخصصات في كتابة التاريخ لتغطية المساحة كلها ، والوقوف على أبعاد الحدث والظاهرة والشخصية التاريخية ، ومن ثم فان الطريقة التقليدية التي تعودنا عليها ليست ـ كما أظن ـ الطريقة المثلى في كتابة التاريخ ، بل لا بد من جهد مؤسسي يتبنى هذا الأمر الذي يضعنا أمام الصورة الصحيحة لما جرى في الماضي ، وبالتالي سيمكننا أن نستمد من حضارتنا في عملية البناء المنشودة كل ما ينفعنا ، دون الضياع في زخم الروايات الضعيفة والموضوعة ، ودون الانتصار الأعمى للرأي والمذهب ..
    وهذا القول لا ينفي الجهود الفردية التي تبذل من قبل طلاب الماجستير والدكتوراه والمؤرخين ، ولكن هؤلاء أيضاً يجب أن يرجعوا إلى أهل الاختصاصات الأخرى للاستفادة من معلوماتهم وخبراتهم ، لإيجاد التكاملية ـ إلى حد ما ـ في كتابة التاريخ ومن ثم تقديمه للأجيال صافياً نقياً .


    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ

    * نشرت هذه المقالة في جريدة ( ومضات جامعية ) وهي جريدة أسبوعية ثقافية تصدر عن جامعة الموصل ، العدد 79 الخميس 24 شعبان 1431 هـ / 5 آب 2010 م ، الصفحة 9 .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08 2024, 18:25