ظواهر تؤثر في العملية التربوية
مدخل عام:
يعتبر الإصلاح التعليمي مبادرات وآليات تروم النهوض بالمنظومة التربوية والتكوينية من أجل ضخ دم جديد في عروقها، والانتقال بها إلى مراقي متقدمة تتجاوب والحاجات الملحة التي تتطلبها كل ظرفية زمنية وفق ما تتسم به من تحولات وتغيرات على كل المستويات ، منها التربوية، والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية...
فيتم وضع استراتيجيات ، وإرساء برامج ومناهج، وبلورة مشاريع، وتسطير تدابير، ورصد موارد بشرية ومادية، ووضع جدولة الإنجاز والتنفيذ محددة المعالم، مراحل وزمانا ومكانا، من أجل تحقيق أهداف مسطرة.
ومعلوم أن أي إصلاح تعليمي يستحضر مختلف الجوانب والمتغيرات ذات الصلة بالعملية التربوية، عن طريق نصوص تشريعية تنسحب على عدة مجالات، التربوية منها والإدارية والمالية والمادية والتقنية، وذلك من حيث العلاقات، ومساطر التدبير والتسيير، والتنفيذ والإنجاز، في محاولات للتصدي لمختلف الشوائب والاختلالات والظواهر التي قد تؤثر سلبا على السير العادي للعملية التربوية، وتحول دون تحقيق الأهداف المبتغاة والمسطرة لمنظومة التربية والتكوين والفعل التربوي.
ومعلوم، كذلك، أن المدرسة، من ناحية، هي المكان الطبيعي لممارسة الفعل التربوي والتعليمي، ومن ناحية أخرى، تعتبر ساكنة اجتماعية ترتبط ارتباطا عضويا بالمحيط المدرسي (الأسرة، المجتمع، المؤسسات الاجتماعية...).
فالبيئة المدرسية والمحيط المدرسي مسئولان عن تنشئة الأطفال وتربيتهم التربية الصالحة وتعليمهم وتأهيلهم لمواجهة متطلبات الحياة والقيام بأدوارهم في المجتمع على أحسن وجه.
لكن وبالرغم من ترسانة تشريعات تنظيمية، تجد المدرسة نفسها تحت وطأة ظواهر متنوعة، تنزل بكل ثقلها على العمل التربوي والتكويني.
والظاهرة في الوسط الاجتماعي والتربوي تتمثل في سلوكات وردود أفعال جماعية يتكرر حدوثها بشكل ملفت، فتشد اهتمام الأفراد والجماعات ويتناقلونها في مختلف الأوساط.
وقد تكون الظاهرة محمودة وإيجابية فتمتدح وتعزز، وقد تكون مذمومة وسلبية فتذم وتعتبر اختراقا اجتماعيا وأخلاقيا يؤثر سلبا على المعاملات والتعاملات، فتحبط بفعلها القيم والمبادئ، وتندثر إلى، حد ما، الصفات الحميدة والمعاملات الحسنة، ليحل القبح والذم.
وقد يكتنف الظواهر الإيجابية منها التباس والتفاف، فتنقلب الحقائق أوهاما، ويصبح الفرد (الطفل، التلميذ، أي شخص)، يعيش مفارقات غريبة تحدث انقلابا في نفس البيئة ونفس المحيط، ليظهر الأفراد والجماعات، من شدة وطأتها، حيارى ومذهولين. ومن ثم فالفرد، خصوصا اليافع، الذي لم ينضج بعد، يجد نفسه تتقاذفه أمواج أحداث وظواهر متعددة ومتناقضة إلى حد ما، يعسر عليه فهمها واستيعابها، فيبتلعها مادة خاما، تتفاعل وتظهر تأثيراتها لاحقا.
وحيث إن الأسرة مهد التربية واللبنة الأولى لبناء صرح تربوي، فإن الطفل ينمو ويترعرع في كنفها، فيمتح من ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، ويفتح عينيه على كل الممارسات والسلوكات، فيستقيم بفعلها أو يعوج، إذ الإنسان ابن بيئته، ومن ثم يعيش أحداثا وظواهر يتأثر بها أخذا وعطاء، لتصبح جزء من كيانه وهويته.
فعندما يبلغ الطفل سن التمدرس، ينتقل من بيئة أسرية تمارس التربية في شكلها اللانظامي واللامؤسسي، إلى بيئة تربوية مدرسية تمارس التربية في شكلها النظامي المؤسسي، وذلك بعد أن تشبع بحمولة ثقافية معينة أسرية واجتماعية، وأصبح يستوعب كل حدث ويستثمره، كان إيجابيا أو سلبيا.
ومن ثم يعيش الطفل أحداثا وظواهر متنوعة بكل من بيئته الأسرية ومحيطه الاجتماعي على حد سواء.
ومن جملة الظواهر التي قد تؤثر سلبا، على حد سواء، في الراشدين واليافعين: ظاهرة التلكؤ والمماطلة. هذه الظاهرة المتفشية، إلى حد بعيد، والتي يتم ملامستها يوميا، في كل الأوساط، سواء داخل الأنوية الأسرية أو المؤسسات الاجتماعية أو المجتمع ككل، قد استرعت اهتمامنا كمربين ومسئولين على مجال حيوي يعتبر عصب التربية يتمثل في العمل التربوي، حيث انتشرت هذه الظاهرة وغزت المؤسسة التعليمية ومختلف الفضاءات التربوية.
فما هي ظاهرة التلكؤ والمماطلة؟ وكيف تؤثر في العملية التربوية؟ وكيف يمكن معالجتها أو الحد منها؟
سنحاول مناولة هذه الأسئلة بالدرس والتحليل باعتماد بعض المراجع، وانطلاقا من تجاربنا الشخصية، وملاحظاتنا المتكررة ضمن البيئة الأسرية والاجتماعية بمجتمعنا، ومعايشتنا للواقع الاجتماعي والتربوي ضمن مجالات اشتغالنا ومعاشرتنا للتلاميذ وآبائهم وأوليائهم والقائمين على الفعل التربوي والتعليمي.