التقويم تأريخ
علم التقويم والتأريخ، وربطهما ببعضهما، يدعوان لفهم الكثير عن ذلك الفكر الإنساني العلمي الدقيق، والقادم من أقدم القدم، والذي استطاع إنجازه، ولا يمكن تخيل هذا الإنجاز الآن بكونه أنجز ووصل إلينا في حالة الكمال غير القابلة للنقاش، وبحثنا فيه وعودتنا إليه يتم الآن، والغاية العودة قدر الإمكان لفهم فلسفة اتساع العقل في ذلك الزمان، ودراسة تلك النظم التي أدت إلى انتظام الحركة الإنسانية، فالكون منتظم منذ نشأته، وإنني أعتقد جازماً أن إنسانه ومنذ لحظة وجوده التي نتخيلها، ونرسم حولها الكثير من المغالطات؛ من حيث التطور وحجم العقل وسعة ذاكرته، فمن أرَّخ لآدم وحواء، وسومر، وفارس، وإبرام، وفرعون، وأثينا، وروما، وموسى، وعيسى، ومحمد، وكيف وجدت المقاييس الزمنية التي دخلت التأريخ كي ندخل به الساعة واليوم والشهر والسنة، ومعنى الشمسي والقمري والنجمي، فلماذا السبت اليهودي، والأحد المسيحي، والجمعة الإسلامية، وما معنى الأشهر الحرُم ومنع القتال والصيد، وما معنى التدقيق في حركة الكواكب والنجوم وظهورها واختفائها ضمن مواقيت معينة، وكيف تم التطور الفكري الذي استوعب أفكار الآلهة الصنعية والتصويرية والتخيلية؟، إلى أن وصل معنى التقويم النجمي المتعلق بظهور نجم معين في وقت معين، وأحدث له "سنة" عدد أيامها (366.25 يوماً)، بزيادة يوم عن السنة الشمسية التي ارتبطت بالشمس ودوران الأرض حولها، حيث قُسمت هذه السنة الشمسية إلى الفصول الأربعة وعدد أيامها (345 يوماً)، عرفه اليونان واستند إليه التقويم اليوناني والسرياني والفارسي والصيني، كما أن التقويم ارتبط بالقمر من خلال دورته الشهرية حول الأرض لـ(29.25 يوماً) تقريباً، والسنة القمرية منه (354.36 يوماً) وتقل عن السنة الشمسية (10.88 أيام)، والتي تحتاج إلى رؤية الهلال، فلا ينقضي الشهر حتى يظهر الهلال مرة أخرى، وإن بناء التقويم الشمسي كان على أسس الأفعال الحياتية، وارتباطها بالأحوال الجوية (المناخ)، بينما التقويم القمري قام على أساس الشهور من بناء الدورة القمرية، وتكرر هذا اثنتي عشرة مرة، وعلاقة الاثنى عشر مضاعفات الولادة القادمة من الثنائية، أي أربع ثلاثيات، وكل ذلك له علاقة وارتباط حقيقي وقوي مع الظواهر الكونية؛ المرتبطة بين الأرض والشمس والقمر، أما التاريخ الميلادي والذي اعتبر به ميلاد السيد المسيح، والتاريخ الهجري يوم هجرة الرسول العربي إلى المدينة، فهذا له شأن آخر سندخل في تفاصيله لاحقاً، وما معنى الحاجة إلى تنظيم اليوم، وتحديد ساعات العمل، وإنشاء المفكرات، وتدوين المواعيد، ومن أين بدأ كل هذا، وما تلك العظمة التفكرية والتأملية التي أنجزها ذلك الإنسان الموغل في القدم، ولماذا الكوكب الوحيد الذي لا يمتلك تأريخاً أو تقويماً هو كوكب الشمس، والذي حتى اللحظة لم يستطع أحد من العلماء أن يقدم دراسة مقنعة عنه، بقي كما هو، حمل فكرة التخيل دون الاقتراب منه؛ على الرغم من أنه مصدر الإلهام الكوني، وهل هو كرة ذهبية براقة تنشر الأشعة المذهلة على كامل مجرتنا، أم هو كوكب مشتعل منذ عشرات ملايين السنين، مستمر في منح النور والتسخين، محدث الحركة الكونية الدائمة، وكل ما نسج حول الانفجار الكوني العظيم، وحدثه منه ونسبه إليه، وتتابع الأحداث التي نسجت من خلاله حول كل ذلك؟، يدعونا للتأمل والتفكر في إنجازه بكونه المسؤول الأكبر عن حدوث الليل والنهار، أي الظلمة والنور وظهور الحياة، وربما اختفائها.
التأريخ تدوين للحادثة الحاصلة وحاضنة أمينة، أو غير أمينة بحسب لغة مؤرخها، تحتاج إلى ظهور زمنها عليها وقراءتها من جديد، والبحث فيها وتدقيقها كي تُعرف، أما التقويم فهو نظام عدّ زمني لحساب الساعات والأيام والأسابيع والأشهر والسنين والمواقيت، وما هذه العناوين إلا معايير تُظهر تلازمها الذي لا بد من المرور به من أجل حدوث الإقناع، فالظواهر الطبيعية أرخّ لها كي تدخل التقويم، فتقول إن حادثة الطوفان العظيم الأخيرة، حيث ظهرنا نحن من خلالها ليست ببعيده عنا سوى آلاف من السنين لن تصل العشرة، وعليه نقول: إنها حدثت في يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، فتذكر اليوم وتذكر الرقم الذي يدل على موقعه في الشهر ورقم الشهر وموقعه في سنته، ومعه تحدد نوع السنة: أكادية كانت، أم بيزنطية، أم غريغورية (ميلادي) يهودي، أم هجري يولياني، أم قبطي فارسي، أم إمامي بهائي، أو يوم العالم أو سنة العالم، وجميع التقاويم اعتمدت ونشأت من التأمل في الشمس، محدثة النور والظلمة الليل والنهار، وموقع الأرض وسقوط أشعتها عليها وحركة الظل والظلال، للثوابت الجامدة والأحياء النبات والحيوان والإنسان أيضاً، حركة القمر والتحولات التي يمر بها حيث يعتبرون ولادته أول الشهر القمري، ونهايته حينما يتحول إلى بدر، مروراً بتحولاته المنتظمة، وهناك أيضاً مَنْ زاوج بين الشمس والقمر، وأنجز من خلالهما التأريخ والتقويم، إذاً، ولادة التقويم كانت من ذلك التأمل العميق في طبيعة الحياة، أي الشمس والقمر، ومواسم الزراعة، والرياح والأمطار والغيوم، وأيام الحر والأيام الباردة والمثلجة، الذي أدى إلى إحصاء أيام بقائها وزوالها، وعودتها وظهورها، واختفائها هذه الأيام التي تمر ولّدت المواسم وحصرت في الأسابيع التي أظهرت الشهور والسنين.
ارتبط التقويم بالنشاط الإنساني الزراعي والتجاري والصناعي، والولادة والوفاة، وكل ذلك أدى بالتوافق إلى ظهور علم الرقم والعدد، ونظم التبادل والتأمل والتفكير، وتكرار الأحداث والأزمنة من خلال إطلاق الرقم على حادثة معينة إيجابية أم سلبية، وحتى لو زالت الحادثة يبقى الرقم أثراً يؤرخ لها، وعن اقتران الأديان بالأعداد لهو خير دليل على ارتباط التأريخ بالتقويم فالأحد واحد، والاثنين اثنين، والثلاثاء ثلاثة، والأربعاء أربعة، والخميس خمسة، أما الجمعة فهو جمع ما مضى من الأعداد، والسبت هو يوم الراحة، وعليه كانت الأمم الصينية والهندية، والفارسية والعربية، والفينيقية والإغريقية، والفرعونية، واللاتينية، والرومانية، تربط الأيام بالشمس والقمر، والآلهة والأشهر بالإله وأحوال الطقس والمواسم الزراعية، وجني الثمار وتفتح الزهر، وإشعال النار، وكثرة الماء، وإشعال المواقد والقادة والأبطال، والأمثلة التي سنضربها تمنحنا فرصة الاطلاع على بعض منها، وكذلك الأيام لما يجري من بزوغ الشمس حتى زوالها، وضمنها ساعات الأحداث ودقائقها وثوانيها، هذا ما سنستعرضه ونحن نمر حوله شارحين معانيها.