نظريات تفسر نشأة البحار والمحيطات
نظرية انسلاخ القمر
في محاولة لتفسير نشأة الأحواض المحيطية، قال تشارلز دارون Charles Darwin، عام 1878، بنظرية انسلاخ القمر من الأرض. وقد لقيت نظريته قبولاً واسعاً، في بداية الأمر. وازداد قبولها بين الفلكيين، أصحاب نظرية النجوم التوأمية Binary Star Theory وخاصة الفلكي الأمريكي، راسيل Russell (1877ـ1957)، صاحب نظرية التطور النجمي، أو الانشطار النجمي Stellar Evolution. وقد أيده كل من ليتلتون Lyttleton، وروس جن Ross Gunn، وبانرجي Banerje، وفيشر Fissher. ويرى هؤلاء الفلكيون، أن من المألوف وجود مجموعات من الأجرام السماوية Star Clusters، التي يدور بعضها حول بعض، في فلك واحد؛ والتي تطورت، في الوقت نفسه، من أصل واحد. ومألوف لديهم، كذلك، أن يتبع كلاً من كواكب المجموعة الشمسية أقمار صغيرة. وقد يكون معظمها منشطراً، في الأصل، عن الكوكب الأم.
لذا، فقد أيد هؤلاء الفلكيون نظرية دارون، القائلة بانشطار القمر عن الأرض. وكانوا يرون، أن القمر، الذي يؤثر في حركة المد والجزر لمياه المحيطات، في الوقت الحاضر، له علاقة وثيقة بتكوّن المحيطات على سطح الأرض. وقد انفصل عنها، نتيجة لعملية جذب، تعرضت لها، شبيهة بتلك العملية، التي أسفرت عن تكون كواكب المجموعة الشمسية. وقد اقتطع القمر من الأرض، في المنطقة، التي يشغلها، اليوم، حوض المحيط الهادي؛ وأصبح تابعاً لها، يدور حولها؛ مثلما تدور كواكب المجموعة الشمسية حول الشمس.
وقد أجريت حسابات كثيرة لتقدير قطر القمر، وعرض المحيط الهادي؛ تدعيماً للنظرية، وإثباتاً لصحتها. ومن الشواهد، التي أوردت لتأييد النظرية، ما يأتي:
أ- إن حوض المحيط الهادي، خلافاً للمحيطين الآخرين، يأخذ شكلاً دائرياً، وخاصة داخل المنحدر القاري، مما يلي البحر.
ب- إن قاع المحيط الهادي، خلافاً للمحيطات الأخرى، تغطيه طبقة صخرية من البازلت، مركبة من السليكا والماغنسيوم، سيما Sima؛ في حين، تمتد فوق هذه الطبقة، طبقة أخرى من الصخور الجانبية، المركبة من السليكا والألمنيوم، سيال Sial، فوق الجزء الأكبر من قاعَي المحيطين الآخرين، الأطلسي والهندي.
ج- إن أبعاد المحيط الهادي، توافق تماماً الحسابات الفلكية لأبعاد القمر، بشكله المستدير، الذي يمكنه، بسهولة، أن يملأ الفراغ، الذي تشغله مياه المحيط الهادي، حالياً، بطبقة صخرية، سمكها 60 كيلومتراً.
ويقول أصحاب هذه النظرية، إن عملية انسلاخ القمر من الأرض، أدت إلى تكون حوض المحيط الهادي. كما نجم عن حركات التصدع والتشقق العظمى في قشرة الأرض، التي صاحبتها، والتي أعقبتها، تكسر القشرة الأرضية. وأسفرت حركة دوران الأرض حول نفسها، ودورانها حول الشمس، عن اتساع هذه الصدوع؛ ما نتج منه، في النهاية، تكون الأحواض المحيطية.
وفقاً لهذه النظرية، فإن الأحواض المحيطية، بشكلها الحالي، تكونت خلال مراحل تكوّن الأرض الأولى. أي أنها تكونت قبل أكثر من 4 بلايين سنة.
لكن هذه النظرية، واجهت عدة انتقادات؛ من أهمها:
أ-عظم سمك للقشرة القارية، التي تزعم النظرية انتزاعها بين اليابسين، الآسيوي والأمريكي، لتكوين حوض المحيط الهادي، لا يتجاوز 45 كيلومتراً؛ في حين تقول بانتزاع طبقة صخرية، بسمك 60 كيلومتراً، لتكوين القمر، بحجمه الحالي.
ب- كثافة القمر، البالغة 3.34 جرامات، في كل سنتيمتر مكعب، تتجاوز كثيراً كثافة صخور السيال، المكونة للقارات، والتي لا تتجاوز كثافتها 2.7 جرام/سم3.
وللخروج من هذين الاعتراضين، قال مؤيدو النظرية، إن الكتلة الصخرية، التي انسخلت من الأرض، وتكون منها القمر، لم تكن من صخور السيال فقط، بل ضمت إليها، كذلك، جزءاً من طبقة السيما، التي تحتها. وهذا الجزء، يغطي فارق السمك، ويؤدي رفع متوسط كثافة الصخور؛ لأنها أعلى كثافة من صخور السيال.
ج- الانتقاد الرئيسي لهذه النظرية، هو أن زخم قوة الطرد المركزية، الناتجة من دوران الأرض حول نفسها، وحول الشمس Angular Momentum، لا يمكن أن يؤدي عدم استقرار أو انفصال أجزاء من قشرة الأرض؛ إلا إذا كان الزخم، يفوق كثيراً ما هو عليه حالياً.
وقد نسف وصول الإنسان إلى القمر، وتحليل العينات الصخرية، التي أحضرها رواد الفضاء هذه النظرية من أساسها؛ إذ تبين اختلاف تركيب صخور القمر وصخور القشرة الأرضية.