دراسة الحالة في المجال التربوي
لدكتور جميل حمداوي
تمهيــــد:
تعد دراسة الحالة Etude de cas من أهم التقنيات والآليات التحليلية التي تستعين بها عدة علوم ومعارف كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد والطب والبيداغوجيا وعلم الإدارة...
وتسعف هذه الطريقة التحليلية الدارسين والمحللين والمتدربين وطلبة العلم على مواجهة المشاكل والوقائع عن طريق تحليلها ومدارستها وتشخيص الوضعيات سواء أكانت بسيطة أم معقدة من أجل معالجتها وإيجاد الحلول الناجعة للصعوبات التي يتعرض لها الأفراد والجماعات داخل سياق زمكاني معين لتمثلها قصد مواجهة وضعيات متشابهة في المستقبل.
وتشكل دراسة الحالة أيضا وسيلة تقويمية لمجموع المشاكل التي يواجهها الإنسان في محيطه عن طريق تحويلها إلى ظواهر رمزية افتراضية أو واقعية في شكل خطابات سردية أو وصفية محبكة بشكل معقد ومتضمنة للوضعيات الإشكالية التي ينبغي معالجتها بطريقة علمية موضوعية قصد الوصول إلى الحلول المناسبة لاتخاذ القرارات الملائمة بصددها.
ونحن في هذه الدراسة سوف نقتصر على دراسة الحالة في المجال البيداغوجي والديداكتيكي من أجل التعمق في آلياتها النظرية والمنهجية والتطبيقية.
1-تعريف دراســـــة الحالة:
أ**- الحالة لغـــــــة:
تشتق كلمة الحالة من فعل حال وحول والمصدر الاسمي حال أو الحال. ومن ثم، فالحالة في اللغة الحال، والحالة في علم النفس الهيئة النفسية أول حدوثها قبل أن ترسخ، والحال في الطبيعة كيفية سريعة الزوال من نحو حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة. أما الحال فهو الوقت الذي أنت فيه، والكساء الذي يحتش فيه، واللبن، وحال الدهر : صروفه، وحال الشيء: صفته، وحال الإنسان: ما يختص به من أموره المتغيرة الحسية والمعنوية، والعجلة يعلم عليها الصبي المشي، وفي النحو : الزمان الحاضر، ولفظ يبين الهيئة التي عليها الشيء عند ملابسة الفعل له واقعا منه أو عليه، وفي البلاغة: الأمر الداعي إلى إيراد الكلام الفصيح على وجه مخصوص وكيفية معينة، جمع أحوال وأحولة.
ويتبين لنا من هذه الاشتقاقات اللغوية أن الحالة هي صفة الشيء وهيئته وطبيعته وأحواله المتغيرة ، أما في اللغة الأجنبية فكلمة cas تعني حالة وحال وظرف وعارض ، وقد يقصد بها حالة إعراب في مجال النحو واللسانيات.
ب- دراسة الحالة اصطلاحا:
دراسة الحالة عبارة عن وضعية إشكالية قد تكون خيالية افتراضية أو واقعية تنصب على دراسة مجموعة من الظواهر والأشياء والتصورات والنظريات والعوامل داخل سياق معين. وتعتبر دراسة الحالة من أبرز الأدوات التي تساعد الباحث على جمع معلومات شاملة و استحصال قدر أكبر من المعطيات لدراسة الحالة قيد الدراسة سواء في المجال النفسي أم الاجتماعي أم التربوي من أجل اتخاذ قرارات صائبة في لمعالجة ظاهرة ما. وهناك العديد من التعاريف التي حاولت رصد دراسة الحالة في مجالات مختلفة وميادين متنوعة قصد فهمها وتفسيرها.
ومن هذه التعاريف أن دراسة الحالة طريقة إجرائية تحليلية لدراسة الظاهرة الاجتماعية من خلال التحليل المعمق للإحاطة بحالة معينة ودراستها دراسة شاملة، وقد تكون هذه الحالة فردا أو مجتمعا محليا أو مجتمعا كبيرا أو أية وحدة أخرى في الحياة الاجتماعية.
وتعتبر دراسة الحالة كذلك عملية تحليل لممارسات إدارية واقعية أو افتراضية من أجل التعرف على مواطن القوة والضعف فيها واستقراء المشكلات الإدارية التي تتضمنها من خلال أسئلة محددة ملحقة بها ، بهدف التعلم منها والتّدرب على حل المشكلات في المواقف المشابهة .ومن ثم، تدخل دراسة الحالة في إطار ما يسمى في علم النفس التربوي أو علم النفس العلاجي ببحث المشكلات العملية التطبيقية.
هذا، وإن دراسة الحالة من وسائل التقويم والمعالجة، كما هي منهجية وأداة للتعلم تنطلق من مثال معقد يؤخذ في كليته داخل سياقه، و بالتالي، ترتكز على الفهم الكلي للمثال ( الحالة ) مع تقديم وصف تفصلي له.
ومن الذين عرفوا دراسة الحالة نذكر يان R.Yin ، وذلك في كتابه" بحث في دراسة الحالة"Case Study research الذي خصصه للجانب الاجتماعي ، ودراسة الحال عنده عبارة تحقيق تجريبي لظاهرة معاصرة مدروسة في سياقها خاصة عندما تكون الحدود بين الظاهرة وسياقها غير عادية وطبيعية.
وتجيب دراسة الحالة عن الأسئلة التالية: ماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟
ونفهم من كل هذا أن دراسة الحالة هي عبارة عن تحليل تنظيمي لوضعية ما من أجل إيجاد الحلول ومعالجة المشاكل.
هذا، وتستند دراسة الحالة إلى البرهنة الحجاجية واستخدام العقل والمنطق والتركيب والإبداعية في اقتراح التشخيص الجيد والتحليل المناسب والقرار السليم والاقتراحات الملائمة للوضعية، كما تحوي دراسة الحالة السياق ومجموعة من المفاهيم الإجرائية والقضية المحبكة وتفصيل الحيثيات الذاتية والموضوعية واستعراض المشكلة- الوضعية.
ومن هنا، تصف الحالة وضعية وقعت فعلا في الواقع الموضوعي أو لم تقع إلا على الصعيد النظري والتصوري عبر عمليات التوليد و الاختلاق والافتراض الرمزي، وتنبني على تحديد المشكل الرئيس الذي يستتبع إيجاد الحلول الملائمة له واتخاذ القرارات المناسبة.
وتتضمن الوضعية الإشكالية المدروسة مجموعة من التعليمات التي يمكن أخذها بعين الاعتبار وهي: السياق، والأحداث، والعواطف، ووجهات النظر، والمعارضون للحالة، والمعطيات الإحصائية الخ.
ويعرف شامبرلان و لاڤوا وماركيز Chamberland, Lavoie et Marquis, دراسة الحالة بأنها عبارة عن مشكل افتراضي أو واقعي يستوجب تشخيصه قصد إيجاد حلول واستنباط قواعد ومبادئ تطبيقية لاستعمالها وتوظيفها في حالات مشابهة.
ويعرفها موشيلي Mucchielli في سنة 1969 بأن دراسة الحالة بمثابة نص مكتوب أو مختلق، وهي كذلك بمثابة شهادة شفوية أو مسجلة متعلقة بوضعية إشكالية ملموسة وواقعية، قد تكون حادثا له دلالة يشير إلى وضعية مثيرة أوتحليل نقدي . وباختصار، فدراسة الحالة هي بسط أو نشر وضعية داخل سياق معين. وتساهم دراسة الحالة في البحث عن المعلومات التي توصل إلى تحليل المشكل أو إلى اتخاذ القرار الناجع.